نشر المحلل المعروف عبدالباری عطوان مقالاً يفسر أهداف مناورات النظام الصهيوني الأخيرة ويفك رموز تصريحات الأمين العام لحزب الله في لبنان التي صدرت بمناسبة يوم الشهيد.

وكالة مهر للأنباء _ عبدالباري عطوان: ثلاث مُناورات عسكريّة تزدحم بها مِياه شرق المتوسّط والبحر الأحمر، والخليج الفارسي هذه الأيّام، تنفرد “إسرائيل” بإحداها قُرب الحُدود اللبنانيّة، وتُشارك في ثانية مع كُل من الولايات المتحدة ودولة الإمارات والبحرين في مِياه البحر الأحمر وباب المندب وخليج العقبة، والهدف هو مُحاولة “ترهيب” إيران، وحلفائها في لبنان (حزب الله)، واليمن (أنصار الله )، وبدرجةٍ أقل حركة “حماس” والجهاد الإسلامي.

***

خمسة تصريحات صدرت في اليومين الماضيين على ألسنة قادة عسكريين في مناطق التوتّر، يُمكن أن تُسلّط الأضواء على أهداف هذه المُناورات، والأسباب العسكريّة التي عجّلت بإجرائها، وتوسيع نطاق الدّول المُشاركة فيها، والسّيناريوهات المُحتملة الكامنة خلفها:

الأوّل: فقرة رئيسيّة وردت في خِطاب السيّد حسن نصر الله أمين عام حزب الله الذي ألقاه بعد ظُهر يوم الخميس بمُناسبة يوم الشّهيد قال فيها “المُناورات الإسرائيليّة الشّاملة في شِمال فِلسطين المُحتل تأتي لأنّ معركة تحرير الجليل القادمة باتت حاضرة بقوّةٍ في الوجدان الإسرائيلي، ومصدر قلق للقِيادتين السياسيّة والعسكريّة الإسرائيليّة التي باتت تضع فرضيّات تقول بأنّ المُقاومة ستجتاح الجليل في أيّ مُواجهة قادمة”.

الثاني: اعتِراف إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي في برنامج وثائقي أنّ الجِنرال دان حالوتس، قائد الجيش في حينها، اقترح عليه توجيه ضربة قاصمة تُعيد لبنان إلى العصر الحجري، ولكنّه رفضه خوفًا من النتائج، وكشف أن الهدف من تدمير الضاحية الجنوبيّة في حرب تمّوز (يوليو) عام 2006 كان اغتِيال السيّد نصر الله، ولم يتحقّق هذا الهدف بسبب إخفاق المُخابرات العسكريّة في تحديد مكانه.

الثالث: تسليم الجِنرال حالوتس نفسه (المُتقاعد حاليًّا)، الذي كان قائدًا لسلاح الطّيران قبل أن يتولّى رئاسة الجيش الإسرائيلي، في ندوةٍ سياسيّة مُغلقة، أنّ اتّفاق نووي سيء مع إيران أفضل من حربٍ فاشلة ضدّها، وتأكيده على “أنّ أيّ تعاطي عسكري مع إيران يجب أن يتم من قبل دولة عُظمى مِثل أمريكا لأنّ إسرائيل قوّة إقليميّة فقط لا تستطيع القِيام بهذه المُهمّة وحدها”، فهل تستجيب واشنطن للضّغوط الإسرائيليّة في هذا المِضمار؟

الرابع: تأكيد الجِنرال أفيف كوخافي رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي حاليًّا، أنّ المُناورات الحاليّة التي تشمل جميع الأسلحة الهدف منها تسريع الخطط العمليّة للتّعامل مع أيّ تصعيد عسكري إيراني أو تهديد نووي، وهذه هي المرّة الأولى التي يستخدم فيها الجِنرال كوخافي تعبير “تهديد نووي” إيراني بهذا الوضوح.

الخامس: تحذير العميد أمير علي حاجي زادة قائد القوة الجوفضائيّة في الحرس الثوري أنّ إيران لن تقبل مُطلقًا أيّ مُفاوضات حول برامج طائراتها المُسيّرة، وترسانتها الصاروخيّة اللّتين باتا “شوكةً” في أعين أعداء الجمهوريّة الإسلاميّة، على حدّ قوله، وقال “إسرائيل يُمكن أن تبدأ الحرب ولكنّنا نحن الذين سنضع نهايتها”.

هذا التّلاسن بالتّهديدات من قبل الجِنرالات في جانبي المُعادلة العسكريّة في منطقة الشّرق الأوسط (لاحظوا غياب كامل للدّول العربيّة باستِثناء تبعيّة ومُشاركة بعض الدّول الخليجيّة الصّغيرة) يعكس ضُغوطًا وتهديدات أمريكيّة لإجبار إيران على تقديم تنازلات في الجولة السّابعة القادمة للمُفاوضات النوويّة في فيينا التي ستُستأنف في 29 من تشرين ثاني (نوفمبر) الحالي، واستِعدادًا للخِيار العسكري في حال عدم تجاوبها وهو الاحتِمال الأكثر ترجيحًا حتّى الآن، حسب التّهديدات الأمريكيّة.

فإدارة بايدن تتبنّى الطّرح الإسرائيلي الذي عبّر عنه دينيس روس مُستشار إدارة أوباما الأسبق في الشّرق الأوسط، والحليف الأبرز لتل أبيب في واشنطن، وطالب فيه بالتّلويح بالقوّة كخِيار وحيد لمُواجهة الاستراتيجيّة الإيرانيّة الرّامية إلى كسب المزيد من الوقت لإكمال استِعداداتها لامتِلاك أسلحة نوويّة، بعد أن أصبحت “دولة عتبة”، أيّ قادرة على تركيب هذه الأسلحة التي تملك اليورانيوم المُخصّب بدرجاتٍ عالية، واليورانيوم المعدني، والعُقول الجبّارة للقِيام بهذه العمليّة في أيّامٍ معدودة.

***

عندما تبدأ المملكة السعوديّة من سحب قوّاتها من اليمن ابتداءً من عدن، وتقترب حرب مأرب من نهايتها بانتِصار حُلفاء إيران (أنصار الله)، ويقوم الشيخ عبد الله بن زايد وزير خارجيّة الإمارات بزيارةٍ مُفاجئة إلى دِمشق اعترافًا ببقاء الأسد وسُلطته، ويؤكّد رئيس الجيش الإسرائيلي الأسبق بأنّ كيانه لا يستطيع خوض الحرب وحده ضدّ إيران، ويكشف السيّد نصرالله في خطابه اليوم، وبشَكلٍ واضح وصريح، عن وجود خطط لقوّاته جاهزة لاجتِياح الجليل المُحتل وتحريره، فإنّ هذه المُؤشّرات، مُنفردة أو مُجتمعة، تؤكّد أنّ الحرب ما زالت احتمالًا قويًّا، وأنّ دولة الاحتلال هي الخاسِر الأكبر فيها، أو هكذا يعتقد مُعظم المُراقبين والمحليين ونحن من بينهم.

عندما “تَجبُن” القِيادة العسكريّة المركزيّة الأمريكيّة في الشّرق الأوسط عن الاعتِراف بتحرير الحرس الثوري الإيراني ناقلة نفط إيرانيّة اختطفتها سُفنها الحربيّة في خليج عُمان، واحتِجاز ناقلة نفطيّة فيتناميّة جرى نقل النفط المخطوف إليها بعد جرّها إلى ميناء بندر عباس، فإنّ هذا أحد أبرز الأدلّة على ما نقول آنفًا.. والأيّام بيننا.

/انتهى/