تصادف الذكرى الثانية لاغتيال الشهيدين اللواء قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس مع استحقاق جديد يطوي حقبة الاحتلال الأميركي للعراق. وهنا يبرز الدور الكبير الذي لعبه الشهيد سليماني في هذا الإنجاز. وهو الذي حضر منذ بداية الغزو الأميركي للبلاد عام 2003 امتداداً لعام 2011.

وأفادت وكالة مهر للأنباء، انه لا يمكن حصر إنجازات الحاج قاسم في جانب محدد، لا سيما في مجال تحرير العراق من الاحتلال الأميركي في فترة دامت ثماني سنوات. إلا أنه من الممكن اعتبار أن كل ما قام به الحاج قاسم يصب في مواجهة المشروع الأميركي في المنطقة، وقد كان ثمرته دحر الاحتلال عام 2011.

كان ذلك من خلال نقل الخبرة العسكرية إلى العراقيين، بعيد تسلمه لقيادة قوة القدس ونتيجة لعلاقته التاريخية مع العراقيين. وعليه، فقد لعب دورا في جمع شمل الأطياف السياسية في العراق.

هذا الملف يعرض إنجازات الشهيد ويذكر أهم الهجمات العسكرية على القواعد الأمريكية بقيادة اللواء سليماني، ويتطرق الى دراسة أعدّها الجيش الأميركي حول تقييم الحرب الأميركية على العراق، وتتحدث عما قام به الشهيد سليماني من إدارة للعمليات العسكرية مع ثلاث قيادات فرعية مسؤولة عن القطاعات الشمالية والوسطى والجنوبية، على التوالي.

مواجهة المشروع الأميركي

لم يكن عمل الحاج قاسم سليماني في تحفيز الروح القتالية عند المجاهدين مرتكزاً على إذكاء النعرات الطائفية أو المذهبية، بل كان قائماً على رسم مشروع استراتيجي يتمثل في مواجهة المشروع الأميركي في المنطقة.

إن الهدف الكبير الذي سعى إليه الشهيد الفريق هو عدم تسجيل غياب المقاومة في مرحلة سقوط نظام صدام بعد الأمريكي. وكانت أهم حقيقة على إثباتها أن الأميركي لم يأت لإسقاط نظام ديكتاتوري فحسب؛ بل إنه جاء كمعتد السرقة العراق ونهب ثرواته معتمداً على ذرائع الأسلحة الكيماوية والبروباغندا الأميركية المتبعة في حالات مشابهة. وحيث شاع مصطلح "عملية تحرير العراق"، فإن دور الحاج قاسم كان في محاربة هذه المفاهيم الزائفة نظرياً وعملياً وإثبات أن الأميركي ليس سوى محتل.

قيادة قوة القدس وفيلق بدر

تم تعيين الحاج قاسم قائداً لفيلق القدس في الحرس الثوري في 1998، وكان العراق واحدا من الملفات التي تولاها. وعليه، فإنه قد واكب العراقيين منذ الغزو الأميركي للبلاد من خلال فيلق بدر، "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق". كان ذلك بالتعاون مع رفيق الجهاد الشهيد أبو مهدي المهندس، وكان إنشاء الفيلق تتمة لجهود الحاج مع العراقيين الذين عارضوا نظام صدام وشاركوا في صفوف الجبهة الإيرانية ضده، أمثال هادي العامري، جلال الدين الصغير، الشيخ أكرم الكعبي. كما قام بدعم وتدريب جبهات المقاومة العراقية لا سيما جيش المهدي. وقد تفرع عن فيلق بدر كل الحركات الجهادية العراقية لاسيما كتائب حزب الله في العراق، كتائب الإمام علي "ع"، عصائب اهل الحق، فصائل سيد الشهداء.

نقل الخبرة العسكرية إلى العراق

قام الحاج سليماني بنقل الخبرة العسكرية إلى العراقيين الذين انضموا إلى صفوف المقاومة، وتدريب المجاهدين وتأسيس قيادات عسكرية عراقية لقيادة صفوف مجاهديها.

لم يكن الحاج قاسم يفرق بين المسلمين حيث كان يعتبر أنه يجب تقديم الدعم لهم في مواجهة الأعداء والظالمين. وخلال فترة مواجهة الارهابيين في سوريا والعراق، أعلن الحاج القاسم أن الجمهورية الاسلامية لا تميّز بين المذاهب الإسلامية وعلى هذا الأساس فإيران تقدم أكبر أشكال الدعم للشعب الفلسطيني.

ثمرة علاقته التاريخية مع العراقيين

استند الشهيد سليماني إلى علاقته التاريخية مع العراقيين، والعلاقة التاريخية بين البلدين الجارين والتي تم تشويهها وتعكيرها بسبب نظام صدام وحكمه المستبد. وعليه، قام الحاج قاسم بتوحيد الصفوف بين العراقيين فضلاً عن تنظيم الجبهات في مواجهة الاحتلال الأميركي منذ بدئه في عام 2003 وصولا إلى العام 2011. فيما بعد، تم تأسيس الحشد الشعبي العراقي من مختلف أطياف الفئات العراقية والمذاهب والطوائف في سبيل الدفاع عن العراق الوطن في مواجهة أذيال أميركا في المنطقة المتمثلة في الجماعات التكفيرية. حيث كان للشهيد قاسم سليماني يد في ذلك حيث دفع لتحقيق هذا الأمر.

دوره في جمع شمل الأطياف السياسية في العراق

الفريق الشهيد قاسم سليماني لم يكن فقط قائدا عسكريا، بل "على المستوى السياسي، هو من أكبر المحللين السياسيين" بحسب ما وصفه به الأمين العام لحزب الله السيد نصر الله؛ فهو قد كان صاحب فكر سياسي ومبدع في التحليل السياسي وفي استقراءه للأوضاع وتوقعاته للمستقبل والحلول التي يقدمها. كانت شخصية الحاج قاسم في الموضوع السياسي، تضاهي الجانب العسكري أو في الحد الأدنى لا تقل أهمية عن الجانب العسكري، لكن كعقل سياسي وكفهم سياسي، هو انسان استراتيجي.

وقد كان للفريق سليماني دوراً في تقريب الجهات السياسية في العراق، في سبيل تقريب وجهات النظر وتوحيد الصف العراقي نتيجة جهود شخصية للشهيد عبر تعزيز العلاقات مع العراقيين في العملية السياسية، لا سيما حركة المعارضة العراقية التي نشطت في الفترة التي سبقت سقوط نظام صدام في الخارج التي شكلت نواة وبنية لمرحلة ما بعد سقوط صدام. وهنا عمل على تحشيد الاطياف السياسية كحزب الدعوى، أبناء المرجعيات كالصدر وعبد المجيد الخوئي

والسيد محمد باقر الحكيم وبحر العلوم. في هذا الحراك السياسي، كان للحاج قاسم دورا عندما بدأ الحديث عن عراق جديد.

فشل المشروع الأميركي في العراق يعود لجهود الشهيد سليماني

تشكل الدراسة التي أعدها الجيش الأميركي تقييما للحرب الأميركية في العراق 2003-2011، وفحصاً عميقا للأخطاء والمجهود الحربي الأميركي في العراق.

كتب المؤلفون في الفصل الختامي: "في وقت اكتمال هذا المشروع في عام 2018، يبدو أن إيران الشجاعة والتوسعية هي المنتصر الوحيد."

الدراسة، التي كلف بها رئيس أركان الجيش السابق الجنرال رأي أوديرنو في عام 2013 واستمرت تحت قيادة القائد الحالي الجنرال مارك ميلي، تم تأجيل إصدارها منذ عام 2016، عندما تم الانتهاء منها. قال البعض إن ذلك كان بسبب مخاوف من بث الفضائح بشأن قرارات اتخذها بعض القادة أثناء النزاع.

يمتد التاريخ المؤلف من 130 صفحة، والمكون من مجلدين، والمكتمل بأكثر من 1000 وثيقة رفعت عنها السرية، خلال غزو عام 2003 من خلال الانسحاب الأمريكي، وصعود داعش، وتأثير سوريا وإيران.

وبحسب مؤلفو الدراسة فإن ما حصل في العراق هو "تذكير رصين بأن المزايا التكنولوجية وأسلحة المواجهة وحدها لا يمكن أن تتخذ قرارا أن الوعد بحروب قصيرة غالبا ما يكون بعيد المنال؛ أن تكون الغابات والطرق والوسائل متوازنة، أن جيشنا يجب أن يفهم نوع الحرب التي نخوضها من أجل التكيف عند الضرورة أن قرارات الحرب تحدث على الأرض، في الوحل والتراب، وتلك العوامل الخالدة مثل الفاعلية البشرية والفرصة وقناعة العدو، كلها تشكل نتيجة الحرب".

تتحدث الدراسة عن الفشل والارباك لدى الجيش الأميركي وقيادته رغم وجود أحدث الأسلحة والآلية العسكرية الضخمة التي تم الاحتلال بواسطتها، كما تتحدث عن عجزهم عن مواجهة الجماعات الشيعية التي تلقت الدعم اللوجستي والمعنوي والمادي من الشهيد قاسم سليماني. وقد تم ذكر الشهيد، بصفته القائد القوي لفيلق القدس، وبمساعدة نائبه أبو مهدي المهندس.

وبحسب الدراسة؛ سليماني ذو النفوذ السياسي يشرف على تنظيم دقيق ومستدام للعملية عبر الحدود. وقد أدار فيلق رمضان التابع له الجهد في العراق، مع ثلاث قيادات فرعية مسؤولة عن القطاعات الشمالية والوسطى والجنوبية، على التوالي.

أهم الهجمات العسكرية على القواعد الأمريكية بقيادة اللواء سليماني

-شنّ الجيش الأمريكي معركة الفلوجة الأولى للسيطرة على المدينة في يناير/كانون الثاني من العام 2004. وعليه أجرى جيش المهدي أول هجماته على قوات التحالف في العمارة وبغداد والكوفة والنجف.

-في 22 فبراير/شباط من العام نفسه، رد جيش المهدي على تفجير القبة الذهبية الشريفة للإمام العسكري "ع" في سامراء.

-في خريف 2006 قام جيش المهدي، بدعم من فيلق القدس، بعملية في المحمودية جنوب بغداد وخلال 90 يوما تم إحكام السيطرة عليها. وانطلاقا من المحمودية، قاموا بعمليات مشابهة في اليوسفية في أكتوبر/تشرين الأول

-في 5نوفمبر/تشرين الثاني 2007، قتل سبعة أمريكيين ما جعل عام 2007 أكثر الأعوام دموية للقوات الأمريكية منذ الغزو عام 2003. بحلول نهاية العام، قتل 899 جنديا أمريكياً.

-في 16 ديسمبر/كانون الأول، سلمت القوات البريطانية الأمن في محافظة البصرة إلى القوات العراقية، منهية خمس سنوات من السيطرة البريطانية على جنوب العراق. بعد زيادة القوات الأمريكية، تم طرد المخابرات الباكستانية من بغداد إلى ديالى وصلاح الدين والموصل.

-1يناير/كانون الثاني 2008، سلمت الولايات المتحدة السيطرة على المنطقة الخضراء الأمنية إلى الحكومة العراقية.

-في 31 أغسطس/آب من عام 2010، أي مع انسحاب آخر دفعة من القوات الأمريكية القتالية من العرق عدد القتلى في صفوف القوات الأمريكية 4421 عسكرياً، قضى 3492 منهم خلال مشاركتهم في الأعمال القتالية بينما بلغ عدد الذين أصيبوا جراء العمليات 32000 شخص. قتل منذئذ 66 عسكريا، قضى منهم 38 خلال مشاركتهم في الأعمال القتالية خلال مشاركتهم فيما بات يعرف ب "عملية الفجر الجديد". (بحسب اعترافات الأميركيين).

-في أغسطس آب 2010 أنهى الرئيس أوباما رسمياً المهمة القتالية الأمريكية التي استمرت سبع سنوات العراق. غادرت آخر القوات القتالية الأمريكية في 19 أغسطس/آب، على الرغم من بقاء المستشارين والمدربين العسكريين الأمريكيين في العراق.

-في أوائل يونيو/حزيران 2011، سقط صاروخ متطور بحسب المسؤولين الأمريكيين على قاعدة عسكرية عراقيو أمريكية مشتركة في شرق بغداد، مما أسفر عن مقتل ستة جنود أمريكيين في أعنف هجوم منفرد على القوات منذ أكثر من عامين، بينما قال مسؤولون مطلعون على الحادث إن الصاروخ كان قويا لدرجة أنه أصاب أكثر من 12 جنديا. بالإضافة إلى ذلك، قتل ثلاثة جنود أمريكيين في انفجار عبوات ناسفة في يونيو/حزيران۔

-18 ديسمبر/كانون الأول 2011، انسحبت آخر القوات الأمريكية من العراق، منهية رسميا مشاركة عسكرية أمريكية استمرت ثماني سنوات في العراق.

المعارك في العراق في كلام المسؤولين الأميركيين

-وفقا للميجور جنرال جيفري بوكانان، المتحدث الرئيسي باسم الجيش الأمريكي في العراق، فإن التهديد الرئيسي للأمريكيين يأتي من ثلاث مجموعات شیعية العاملة في العراق، والتي قال المسؤولون إنهم يعتقدون أنها تتلقى تدريبا وتجهيزا من قبل الإيرانيين، عبر القوات الخاصة في الحرس الثوري.

-قال بوكانان إنه "لا شك في أن كتائب حزب الله "تتبع أوامر" من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وهي وحدة عالية التخصص مسؤولة عن العمليات خارج إيران. قال بوكانان: "تعيش قيادتهم في إيران، ويتم تدريبهم بشكل مباشر من قبل فيلق القدس ويتم تزويدهم من قبلهم".

-قال بوكانان إن جهود حماية القوات الأمريكية في العراق تزداد تعقيدا بسبب الجماعات الشيعية المتنافسة التي تتنافس على الظهور كمجموعة التمرد الشيعية المهيمنة في العراق.

-في مقابلة مع بلومبرج نیوز، أعرب وزير الحرب المنتهية ولايته روبرت جيتس عن إحباط جراء علاقات إيران بالجماعات الشيعية العاملة في العراق قال جيتس إن إيران تسهل الأسلحة، وتسهل التدريب، وهناك تكنولوجيا جديدة يقدمونها". "إنهم يصعدون من هذا الأمر، وهذا مصدر قلق"

-يقول مسؤولون أمريكيون إن الحرس الثوري بقيادة سليماني قد علم المسلحين العراقيين كيفية تصنيع واستخدام القنابل المميتة على جوانب الطرق بشكل خاص ضد القوات الأمريكية بعد غزو العراق.

-اتهم السفير الأمريكي Zalmay Khalilzad بأن أعمال العنف التي تقوم بها الجماعات الشيعية تجاوزت عمليات القتل على أيدي الإرهابيين أو المتمردين وهذا خير دليل على الخطر الذي شكلته جماعات المقاومة في وجه الاحتلال الأميركي، وفعالية تلك العمليات التي تقوم بها، لا سيما الجهود المتفانية التي بذلها الحاج الشهيد قاسم سليماني في سبيل مواجهة المشروع

الأميركي المتغطرس.

السعي نحو تقديم الحشد الشعبي كأنموذج لحماية مستقبل العراق

بفعل فكر وجهد اللواء الشهيد قاسم سليماني، وقيادته لفيلق القدس، والعمليات العسكرية الميدانية كان العمل على تقديم الحشد الشعبي كأنموذج لحماية مستقبل العراق في مرحلة ما بعد الاحتلال والانسحاب الأميركي من العراق. وقد سعى الشهيد إلى تحقيقه عبر رص الصفوف ورفع الهمم وتقديم النموذج الأمثل للقائد الميداني لمواجهة الجماعات التكفيرية وما يسمى (تنظيم داعش) والتي كان للحاج دور لا يضاهى في هزيمته والقضاء عليه في معظم المدن العراقية.

المصدر: الخنادق

/انتهی/