امضت الجمهورية الاسلامية عام 2021 بحنكة دبلومسية قوية اذا استطاعت ارضاخ الاطراف المفاوضة للعودة إلى الاتفاق النووي لشروطها، وذلك من خلال اصرارها على مطالبها المحقة، كما اثبتت للعالم قدراتها العسكرية على رد اي هجوم من قبل الاعداء المتربصين.

وكالة مهر للأنباء _ كان العام 2021 عاماً جدليّاً مليئاً بالأحداث الساخنة التي تصدرت المشهد الدولي بامتياز. فإيران التي أجادت اللعب على حبلي الدبلوماسية وزيادة الحضور العسكري الإقليمي بل والدولي في آن معاً، مع اقتحام الأسطول البحري الإيراني المحيط الأطلسي والتي سميت بـ "المهمة التاريخية"، تابعت المحادثات النووي في فيينا مع الدول الأطراف مع وصول حجة الاسلام السيد إبراهيم رئيسي إلى سدة الرئاسة واستطاعت ان تكسب الثقة الدولية لناحية الالتزام بتعهداتها على خلاف امريكا التي أصبحت اليوم مضطرة للاستجابة للشروط الإيرانية برفع العقوبات.

في المقابل، كان لافتاً خلال عام 2021 تصاعد القلق الصهيوني حيال عودة امريكا للاتفاق النووي، إضافة لتصاعد وتيرة الخطاب التحريضي لاعتماد الخيار العسكري ضد إيران الأمر الذي جهزت له كيان الاحتلال بالفعل باستهدافه لبعض المنشآت النووية الإيرانية وهو ما جعل طهران تقوم برد دوليّ شامل برفع نسبة التخصيب إلى 60%.

وهنا عرض لأبرز الأحداث التي شهدتها الساحة الإيرانية خلال عام 2021:

** مناورات عسكرية ايرانية تبين جهوزيتها التامة للتصدي لأي عدوان

شهد العام الفائت مناورات عديدة حاكت مجمل التهديدات التي من الممكن ان تستهدف الجمهورية الإسلامية، حيث كشفت طهران خلالها جهوزيتها التامة للرد على أي استهداف أميركي-إسرائيلي او غيره، وكشفت عن أسلحة ومدمرات جديدة أدخلتها ضمن نطاق الخدمة للمرة الأولى.

خلال شهر حزيران استطاع السرب البحري التابع للقوات البحرية التابعة للجيش الإيراني، الوصول الى المحيط الأطلسي لأول مرة، وضم هذا السرب: سفينة "مكران" الحربية الضخمة، ومدمرة "سهند" برفقة ما لا يقل عن 7 زوارق سريعة. دون أن ترسو هذه القطع البحرية في موانئ الدول الأخرى. أي أن رحلتها قطعت باستمرار مسافة تفوق 16 ألف كيلومتر.

في تشرين الأول أجرت وحدات الدفاع الجوي الإيرانية التابعة للجيش وحرس الثورة الإسلامية، مناورات "المدافعون عن سماء الولاية 1400"، التي تعد من المناورات الأضخم على هذا الصعيد، والتي يتم فيها اختبار منظومات الدفاع الجوي في التصدي لسيناريوهات اعتداء مختلفة، كما يتم خلالها كشف واختبار منظومات جديدة تدخل الخدمة رسمياً.

وخلال الشهر نفسه أجرت القوات البرية للجيش الإيراني مناورة "فاتحو خيبر" على الحدود مع أذربيجان شمال غربي البلاد، وهي مناورات عسكرية الاضخم منذ ثلاثين عامًا، شاركت فيها قوات قتالية غير مسبوقة ودبابات وطائرات عامودية ومسيّرة.

في كانون الأول أجرى حرس الثورة ضمن مناورات الرسول الأعظم 17 التي حاكت عملية قصف مفاعل ديمونا وكشفت خلالها عن قواعد إطلاق طائرات مسيرة من منصة تشبه الى حد بعيد راجمات الصواريخ، وتضمنت أول عملية إطلاق لصواريخ كروز الدقيقة والمتوسطة المدى من سفينة حربية.

كما شكّل إطلاق صاروخ حامل للأقمار الاصطناعية الذي اطلق عليه اسم "سيمرغ"- نهاية العام الفائت- مصدر قلق إضافي لامريكا التي كانت تواكب كل هذه المناورات بترقب بالغ.

** نمو الاقتصاد الإيراني

يمكن القول بأن عام 2021 شهد تقدماً اقتصادياً لافتاً للجمهورية الإسلامية. ويمكن وضع توقيع "اتفاقية القرن" مع الصين عنواناً عريضاً لهذه المرحلة. ففي شهر آذار تم توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين لمدة ربع قرن بقيمة تتجاوز 400 مليار دولار. يشكل النفط والتكنولوجيا والمال والتجارة ركناً أساسياً فيها، لينطلق قطار التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري والأمني والنفطي والصناعي والتكنولوجي والعلمي بين البلدين.

حيث كانت بكين قد بدأت باستيراد ما يقارب مليون برميل يومياً من النفط والمكثفات وزيت الوقود من طهران على الرغم من العقوبات الأميركية المفروضة عليها.

كما أعلنت طهران اطلاق مشروع "غوره – جاسك" الذي يعتبر من أهم مشاريع البنية التحتية الرئيسية في إيران، والذي سيمهد الطريق أمامها لتحقيق قدرات جيوستراتيجية. أولها على المدى القصير، توفير الإمكانية الجغرافية لتخطي العقوبات المفروضة عليها امريكياً، والتي تمنعها من تصدير النفط. وهذا ما سيؤمن نقل النفط الخام، من منطقة غوره إلى ميناء جاسك على بحر عمان، عبر الأنابيب بطول 1000 كلم، الأمر الذي سيتيح لإيران فوائد استراتيجية عديدة.

هذا وقد أعلنت الحكومة الإيرانية عن ان حجم تبادل السلع وصل إلى 72 مليار ومائة مليون دولار بين إيران ودول أخرى، مما يظهر زيادة بنسبة 11٪ في الوزن و38٪ في القيمة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، والتي ستصل إلى 98 مليار دولار بنهاية العام إذا استمر الاتجاه الحالي للتجارة الخارجية.

فيما يعتبر انضمام الجمهورية الإسلامية الإيرانية الى منظمة شنغهاي كعضو دائم في أيلول، بعدما كانت تمتلك صفة العضو المراقب فيها، يؤكد أن دول المنظمة تسير بخطى جدية، نحو تعزيز مختلف أنواع الشراكات بين أعضائها: السياسية، العسكرية، الاقتصادية، الثقافية..

كما انطلقت خلال شهر كانون الأول الرحلة الأولى على خط قطار إسلام أباد-طهران-إسطنبول، عبر قطار انطلق من محطة "مارغالا" في العاصمة الباكستانية بعد توقف دام 10 سنوات ودخل إلى الأراضي الإيرانية عن طريق حدود ميرجاوة السككية. ما يجعل التبادل التجاري بين إيران والدول المجاورة أقل كلفة وأقل تكلفة.

** استئناف مفاوضات فيينا

بعد فوز حجة الاسلام السيد إبراهيم رئيسي في انتخابات رئاسة الجمهورية الإسلامية في دورتها الـ13. والذي أكد في أول مؤتمر صحفي له ان "برنامج الصواريخ البالستية غير قابل للتفاوض ولا أريد لقاء جو بايدن"، استُأنفت المفاوضات -التي عقدت 6 جولات منها في عهد الرئيس السابق حسن روحاني- مع وفد مفاوض جديد يخوض الجولات التفاوضية باللغة الفارسية، حيث عقدت الجولة السابعة بعد انقطاع دام لـ 5 أشهر. فيما قدمت إيران مسودتين كخطوة على طريق التوصل إلى حل يساهم في فكفكة العقد المتبقية.

هذه المفاوضات شدد فيها الوفد الإيراني المفاوض على ان الاتفاق مرهون بـ 3 خطوات: يجب أولاً على الطرف المنتهك للاتفاق النووي أي امريكا إلغاء الحظر بعد إيران بالتحقق من ذلك عملياً ومن ثم ستقوم بخفض التصعيد النووي في إطار الاتفاق.

ومع إصرار امريكا للعودة إلى الاتفاق وتشديد إيران على رفع العقوبات كشرط أساسي لإتمام الاتفاق، اضطرت الولايات المتحدة لتقديم عدد من التنازلات:

حيث أبدت الإدارة الأميركية خلال شهر أيار استعدادها لإتمام صفقة تبادل مع الجمهورية الإسلامية، تقضي بالإفراج عن أربعة مواطنين إيرانيين كانوا معتقلين في واشنطن بتهمة الالتفاف على العقوبات، وبالإضافة لتحرير 7 مليار دولار من الأموال الايرانية المجمدة لدى واشنطن، مقابل إطلاق سراح طهران لأربعة جواسيس أميركيين، كانوا قضوا جزءً من عقوبتهم في السجن.

فيما أعلن عضو الفريق الإعلامي في الحكومة الإيرانية، علي نادري في تشرين الثاني، "الإفراج عن أكثر من 3.5 مليارات دولار من الأرصدة الإيرانية المجمّدة في الخارج، خلال الفترة الأخيرة، من دون أن تعلن اسم الدولة التي أفرجت عنها".

** بداية مسار إيران 2022

اختتم عام 2021 بانعقاد الجولة الثامنة من مفاوضات فيينا، ويرى مراقبون ان التوصل إلى اتفاق نووي يرضي جميع الأطراف سيتم خلال هذا العام. رغم وجود عدد من العقبات التي لم تذلل كالانقسام داخل الكونغرس الأميركي حول إلغاء العقوبات، وهو الأمر نفسه الذي يقف أمام بايدن ويجعله غير قادر على إعطاء الضمانات التي تطالب بها طهران لمنع انسحاب الإدارة الجديدة من الاتفاق مرة أخرى.

كما تشكّل قضية "تعليق" العقوبات او "إلغائها" مسألة خلافية أيضاً تتطلب بحثاً جدياً قد يأخذ مزيداً من الوقت، هذا وتحضر التهديدات الصهيونية بقوة في المشهد، فبالتوازي مع التهديد المتواصل باستخدام الخيار العسكري وانها غير ملزمة بالاتفاق النووي إذا تم التوصل إليه إلا أن المناورات الإيرانية كانت رسالة واضحة لمدى جهوزية طهران على ردع أي استهداف حتى قبل حدوثه، ما قد يجعل العام القادم مليئاً بالعمليات العسكرية الأمنية التي ستبقى ضمن هامش معين ولن تشهد تصعيداً.

المصدر: الخنادق

/انتهى/