وكالة مهر للأنباء، هادي برهاني: قبل فترة وفي عام 2017 م، أتمت حركة النضال ضد إسرائيل والصهيونية مئويتها الأولي حيث كانت بداية هذه الحركة في سنة 1917 م بعد احتلال الأراضي الفلسطينية من قبل قوات الإستعمار البريطاني ومساعدتهم للصهاينة وإصدارهم وعد بلفور لصالح حلفائهم اليهود. لقد كان العبء الأكبر من المقاومة، في تلك الفترة، على عاتق الشعب الفلسطيني، لكن كان لشعوب المنطقة دوراً كبيراً وفعالا في هذه المقاومة ضد الإحتلال حيث ضحوا بالكثير من أبطالهم في سبيل حرية فلسطين.
لكن من كان حقاً بطل النضال ضد الاحتلال إسرائيلي؟ وهل هناك جواب موحد لهذا السؤال؟ وهل لكل الشعوب المسلمة نظرة واحدة تجاه البطل أو أبطال النضال ضد الاحتلال الصهيوني؟ من البديهي الإجابة الدقيقة لهذا السؤال بحاجة إلى استطلاع عام بين جميع الأمم الإسلامية، وفي ظل غياب هذا الإستطلاع ونظراً لتوفر بعض المعلومات الموجودة يمكننا أن نشير إلى حصيلتين أو نتيجتين هامتين من النتائج المحتملة لاستطلاع افتراضي هما:
لاينتمون أبطال المقاومة والنضال ضد إسرائيل إلى شعب أو قوم أو فكر أو أيديولوجية أو حتى ديانة دون أخرى
• أولاً إن أبطال المقاومة والنضال ضد إسرائيل لا ينتمون إلى شعب أو قوم أو فكر أو أيديولوجية أو حتى ديانة دون أخرى. ورغم أنّ معظم هؤلاء الأبطال هم من المسلمين لكن أبطال هذا النضال من الديانتين المسيحية واليهودية ليسوا بقلائل. الكثير من المناضلين هم من العرب، وثمة أيضا عدد كبير من الأبطال الإيرانيين والأتراك والباكستانيين وغيرها من الشعوب المسلمة.
بل إنّ أبطال النضال ضد إسرائيل ينتمون الى شتى المذاهب والمواقف المختلفة أو حتى المناوئة، ولا يمكن حصرهم في فئة أو طائفة خاصة، منهم: الحاج قاسم السليماني الشيعي والحاج أمين الحسيني السني وعزّ الدين القسام الصوفي وشيخ أحمد ياسين الإخواني وشيخ سعيد شعبان السلفي وسمير قنطار الدروزي وحافظ الأسد العلوي وإدوارد سعيد المسيحي وإيلان بابي اليهودي وجمال عبد الناصر القومي وغسان كنفاني الماركسي و جورج حبش الشيوعي والعديد من الشخصيات العلمانية والليبرالية.
• ثانياً رغم هذا التنوع المُلفت من الشخصيات، تحاول كلٌ من الشعوب والطوائف جاهدةً حسم بطل هذا النضال لصالحها وتعتقد أنه هو البطل الحقيقي، لهذا فإنّ العرب يشيدون بأبطالهم العرب وكذلك الإيرانيين يعتزّون بأبطالهم منوهين بهم فيفخر كلٌ منهم بأبطالهم. وتكتسب هذه النظرة المعروفة أحيانا طابعاً غير متعارف، إذ لا يعترف أبناء الشعوب التي تفخر وتعتز بأبطالها عبر عصبية عمياء، بأبطال الشعوب الأخرى ولا تعير لهم أي اهتمام يذكر.
في الواقع أنهم يحاولون إثبات بطولة أبطالهم ومناضليهم جاحدين جهود الفئة الأخرى، وهناك فئة أخطر وهي التي تتمادى بعداوتها ولا تكتفي فقط بإنكار الشخصيات البطلة للشعوب الأخرى، بل تقوم بقلب الحقائق وتتهمهم بالعمالة للعدو والخيانة والعمل ضد أهداف النضال والمقاومة. وتبرز هذه الحالة بشكل أكثر حدة عند الشعوب المتشائمة والمسيئة للظن بالنسبة للأمم الأخرى وتكاد أن تصبح ذات أبعاد ماساوية في بعض الحالات. صعب على الطوائف والأيديولوجيات الفعالة في المنطقة، وخاصة المتعصبة منها، الاعتراف بدور الأيديولوجيات المنافسة في الصراع والنضال ضد إسرائيل.
• نحن الإيرانيين لسنا بمعزل عن الشعوب الإسلامية الأخرى في التأثّر بهذه الظاهرة المرّة. حيث إن الرؤية والنظرة الإيرانية للنضال ضد الصهاينة وأبطاله، متأثرة من القيم القومية والأيديولوجية المختصة بنا، إذ نعتقد أن أبطالنا هم الأعظم ولا نعير اهتماماً جديراً لنضال الآخرين ولأبطالهم في هذا المجال. هناك نموذج واضح لهذه النظرة الإيرانية وهي النظرة الخاصة إلى ملك فيصل البطل السعودي والتي تهمل دوره في نضاله ضد إسرائيل والصهاينة.
إن استطلاعاً حيادياً، يمكنه إظهار هذا الأمر فأنّ عددا قليلا من الإيرانيين يعتبرون الملك من أبطال النضال ضد الصهاينة أو على أقل تقدير من مجاهديه، ولا أظن أن الغالبية الإيرانية تعلم أو تعترف بوجود مناضل سعودي حقيقي في النضال ضد الاحتلال.
صعب على الطوائف والأيديولوجيات الفعالة في المنطقة، وخاصة المتعصبة منها، الاعتراف بدور الأيديولوجيات المنافسة في الصراع والنضال ضد إسرائيل
• في الحقيقة إن اكتشافي للملك فيصل الراحل، ملك المملكة العربية السعودية - وبما أنني أتابع قضية نضال شعوب المنطقة ضد الاحتلال الإسرائيلي بشكل آكاديمي - كان اكتشافاً مذهلاً وشيقاً. إذ مكّنتني خبرة هذه السنين ودراساتي في هذا المجال أن أتعرف على أبعاد ملفتة وعظيمة من الدور الهام الذي قام به هذا الرجل في النضال ضد إسرائيل، إذ أصبح تجاهل هذه الشخصية الهامة وعدم الاهتمام بها من قبل الإيرانيين في مسير النضال ضد الاحتلال أو حتى إنكار دوره موجعاً ومؤسفا.
ومن هذا المنطلق قدمت هذا المقال للحوار مع المجتمع الإيراني وخاصةً الفئة المدافعة عن القيم التحررية لفلسطين، لأظهار المعلومات الموجودة عن دور الملك فيصل النضالي ضد الصهاينة وتمهيد الأرضية اللازمة لنقدها وكشف مدى صحتها، عمد هذا المقال إلى دور الملك فيصل (في النضال ضد إسرائيل) من خلال المستندات والأدلة الإيجابية والموثقة.
وهناك سبل أخرى لدراسة هذا الدور الهام حيث إن تضارب الآراء واختلافها قد يساعد في إظهار الواقع بشكل دقيق وبعيد عن التحيز، لذلك فإن الكاتب يدعو جميع الفئات لقراءة ما تم عرضه في هذا المقال ونقده. تدعو نتائج هذا البحث لتغيير وإصلاح النظرة الإيرانية تجاة الملك فيصل وموقعه النضالي. تتشعب محاور هذا المقال إلى أقسام عدة تشمل المواقف والأعمال والنتائج (الحاصلة من نضال الملك فيصل ضد الإحتلال الإسرائيلي).
يتبع في القسم الثاني..