وكالة مهر للأنباء - القسم الدولي: تأتي الإنتخابات النيابية في ظل أجواء قاتمة وأزمات إقتصادية معيشية خانقة وسط حصار مالي لم يشهد لبنان لها مثيل، وفي ظل نقمة شعبية على الطبقة الحاكمة التي وقفت بأغلبها كالمتفرج على إنهيار البلد، حول الإنتخابات والأزمات الداخلية القاسية.
فالإنتخابات النيابية اللبنانية التي تجري في الخامس عشر من مايو ايار 2022 ربما اعتبرت من اهم الانتخابات التي شهدها لبنان، منذ إتفاق الطائف؛ ذلك أنها تأتي بعد مرحلة عصيبة مر بها اللبنانيون ولا يزالون في الثلاثين شهراً الماضية، إنهار فيها النظام المالي والإقتصادي بشكل تام، وإنكشف فساد النظام السياسي وعجزه عن مواجهة الأزمة، وتعرت فيه الطبقة الحاكمة أمام مشغليها الخارجيين.
في هذا الشأن أجرت وكالة مهر للأنباء حواراً صحفياً مع الباحثة الإجتماعية والأستاذة في كلية الحقوق والعلوم السياسية وكلية العلوم الإجتماعية في الجامعة اللبنانية الدكتورة " لور ابي خليل"، فيما يلي نص الحوار:
** الإنتخابات هزت الهیکل السیاسیه وأحدثت خلل في تکوینها. کیف تقييمين هذه الإنتخابات ؟ وهل هي مرضية للشعب اللبناني ؟
طبعاً هناك تغييراً في النتائج التي أحدثتها الإنتخابات النيابية، والتي شهدنا من خلالها تغيير في الهيكل السياسي، اذ أن هنالك ما يقارب الـ 25 نائباً من أصل 128 نائباً وصلوا إلى مجلس النواب خارج الإتفاقيات الحزبية والمذهبية والمناطقية، تحت شعار المجتمع المدني وتحت شعار المستقلين، وهذا مؤشر جديد ويُمكن أن يكون مؤشراً إيجابياً إذا كان هؤلاء النواب يسعون إلى المجتمع المدني كمفهوم لإرساء العدالة الإجتماعية، وكمفهوم لإرساء المواطنة وإرساء الحق العام خارج الإصطفافات المناطقية والمذهبية نكون عندها خطونا نحو الخطوات الإيجابية في تنفيذ مفهوم بناء دولة مدنية حديثة.
في المقابل إذا إستخدم هؤلاء النواب هذه الشعارات للوصول فقط وقاموا - من خلال إنتمائهم - بتنفيذ أجندات خارجية؛ هنا نكون قد إنتقلنا من الإصطفافات الطائفية إلى تنفيذ أجندات مجهولة الهوية والهدف.
وبالطبع المرحلة المقبلة ستسمح لنا أن نتأكد من أهداف هؤلاء النواب؛ من خلال برنامجهم السياسي، هل سيكافحون الفساد والطائفة والمذهبية ؟ وهل سيسعون إلى التشريعات التي تساعد في إرساء دولة مدنية عادلة تسعى إلى الفصل بين الدين والدولة تسعى إلى إنشاء عدالة في التمثيل ؟ وهل سيتم تثقيف جيل يختار ممثليه على أساس برامج طوعوية وتغييرية ؟.
لا نعرف، ولكن يمكن أن نقول النتائج أفرزت وجوه جديدة وعلى أمل أن تكون وجوه إصلاحية وتغييرية.
** هل الإنتخابات كانت مرضية للشعب اللبناني ؟
نستطيع أن نُأكد بأن نتائج الإنتخابات ليست متشابهة بالنسبة إلى تنوع الطوائف داخل المجتمع اللبناني؛ فالقوات اللبنانية – الحزب المسيحي المتطرف - زادت كتلته النيابية من 15 نائباً لتصبح 20 نائباً، وهذه النتيجة تؤكد أن هناك ردة فعل من الناحية المسيحية على دعم الأحزاب اليمينية المتطرفة؛ وهذا الأمر يفترض التفكير فيه بشكل جدي.
بالنسبة إلى موضوع الثنائي الشيعي؛ فلا تغيير في مشاركة الشيعة بالنسبة إلى الإنتخابات، وأقصد بذلك أن كافة نواب الشيعة – حزب الله وحركة أمل- الذين ترشحوا إلى الإنتخابات وحققوا نتائج في هذه الإنتخابات، ويمكننا أن نستنتج أن هناك فرق كبير بالنسبة إلى المشاركة الإنتخابية عند الشيعة الذين يؤيدون حزب الله وحركة أمل؛ أي أن البيئة الحاضنة لحركة أمل ضعفت أو أنها ليست راضية عن أداء النواب في حركة أمل.
** ما هي نظرتكم تجاه هذه الإنتخابات ؟
الوضع حتى الأن ضبابي لأن التحالفات التي سترسم في المرحلة المقبلة هي التي يمكن أن تساعدنا في معرفة كيفية توجه قوى التغيير؛ هل هناك إصطفاف نحو اليمين المتطرف المعروف بـ "القوات اللبنانية والكتائب" الذين يعملون تحت شعار السلام؛ والذي يمكن أن يؤدي في المرحلة المقبلة طرح مفهوم التطبيع أم هناك تحالفات جديدة سوف ترسم وسوف تكون لنصرة محور المقاومة ولنصرة القضية الفلسطينية ؟.
فكل هذه الأمور أضعها في خانة "الوضع الضبابي" ولا نستطيع أن نتحجث عنه في المرحلة القادمة، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن تحالف القوات مع السنيورة والتي كانت هذه أهدافه المستترة لم تنحج لقلب الموازين، ولم يستطع حزب القوات أن يشكلوا الكتلة الأكبر عدداً "مسيحياً" كما روجوا إليها في وسائل الإعلام منذ ما يقارب الشهر، لأنه مازال حتى الآن التيار الوطني الحر يمتلك الكتلة المسيحية الأكبر عددياً بالرغم من أنه تجدر الإشارة أيضاً أن عدد نواب التيار الوطني الحر كان 29 نائباً وأصبح 21 نائباً.
تجدر الإشارة إلى أن هنالك عديد من حلفاء حزب الله مني بخسارة كبرى وأقصد بهذا "الحزب الديمقراطي" و"حزب التوحيد" و"النائب ايلي فرزله" و"الحزب القومي الإجتماعي".
طبعاً إن المجلس النيابي مداناً بوجوه جديدة يُفترض أن أثني أن عدد النساء في مجلس النواب سوف يصبح 12 نائبة بعد أن كانوا 6 نائبات فقط، وهذا مؤشر جيد جداً؛ أولاً، لمشاركة المرأة. ثانياً، لعدالة التمثيل. ثالثاً للحياة الديمقراطية. ورابعاً للوعي المجتمعي وللثقة التي يمتلكها المجتمع اللبناني في دعم المرأة للمشاركة في الحياة السياسية.
** بنظركم هل سيتم ملء الفراغ السياسي والنهوض بالبلاد ؟
لا شك أن المجلس النيابي الجديد؛ مداناً جديداً لوجوه جديدة، كما أشرت أن هناك نساء في البرلمان ذات فعاليات كبيرة وأساتذة في الجامعات اللبنانية، أضف إلى ذلك أن هناك وعي نسوي في دعم هذه النساء لوصولهم إلى سدة البرلمان.
ولا يجب أن ننسى أن هذا البرلمان سيواجه تحديات إقتصادية ومالية كبيرة جداً و إنهياراً كبيراً أمام التداعيات في المرحلة المقبلة. وسوف يتصدى لإستحقاقين: الأول، الإنتخابات الرئاسية الجديدة. الثاني، للحكومة الجديدة، ولا ننسى أيضا إنتخاب رئيس مجلس النواب.
هذه التحديات الكبرى سوف تلزم الأطراف كافة في بدء حوار جدي في المرحلة المقبلة لتخطي الصعاب بعيداً عن الإصطفافات المناطقية والطائفية والمذهبية، لأن المرحلة المقبلة هي مرحلة خطيرة، ويفترض بالقياديين الذين سوف يقودون البلاد أن يتمتعوا بالصبر، وأن يتمتعوا بالخطط الإستراتيجية، وبخطط إقتصادية منتجة، وأن يسعون إلى الإصلاح الذي يرمي إلى طي صفحة الماضي المليئة بالأزمات والصعوبات وبدء مرحلة جديدة أساسها الترسيم العادل للحدود والمحافظة على الثروات التي يمتلكها البلد إن كانت مائية أو غازية و... والتي هي حق للشعب اللبناني.
ولا ننسى أن هذه الأزمات لا يمكن أن نتخطاها إلا في حالة واحدة وهي أن يتماسك الشعب اللبناني ويقفوا يداً بيد ويتخطوا الصراعات الطائفية والمذهبية والطائفية وأن يكون لهم موقفاً موحداً تجاه الفساد، وأن يكون الإصلاح والوعي المجتمعي هو الهدف الأساسي لبناء دولة رشيدة وعادلة تحمي مواطنيها، وتسعى للحد من هجرة الأدمغة التي تُعتبر ظاهرة جديدة صعبة يمرّ بها البلد منذ فترة.
/انتهى/