وكالة مهر للأنباء - القسم الدولي: خلال الأعوام الماضية وجدت سوريا نفسها أمام عدو برؤوس متعددة، وكلهم يكنّون نفس العداء لسوريا، فلا يريدون أن تقوم سوريا وحفائها باعادة بناء وإعمار البلاد، ولا يريدون أن يكون لها صداقات قوية في المنطقة لكي يُحكموا سيطرتهم عليها، فهم لا يريدون أن تكون سوريا ذات سياسة مستقلة تتسم بالمبدأية في المواقف تجاه قضايا الأمة المصيرية.
وليست هذه المرة الأولى التي تفرض فيه أمريكا والقوى الغربية فيها حصار إقتصادي على سوريا وحلفائها، ولكن سوريا وحلفائها خرجوا من هذه الحرب منتصرين، وبالعودة لبدايات هذه المؤامرة نجد أن توقيت هذا الإستهداف كان في مرحلة كانت فيه سوريا ذاهبة إلى إطار دفع عجلة التطوير والتنمية والتحديث في كل مفاصل الدولة وبالأخص الإقتصادي وهذا ما جعل دول العدوان تعجل بهذا الإستهداف لإيقاف عجلة هذا التقدم والتطور والتحديث، ونهب معاملها خير دليل على ذلك.
وها هنا تبرز مرة أخرى السياسة الأمريكية المُتبعة فيما يخص الملف الروسي الأوكراني. فأمريكا لا تستحي من فعل أي شيء، فهي لا تحترم جولة ولا دستور ولا شرعية.
وفيما يتعلق بزيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية ولقائه بسماحة الإمام قائد الثورة، ورئيس الجمهورية السيد إبراهيم رئيسي، هي تشكل ترجمة وتجسيداً للعلاقة الإستراتيجية الخاصة القائمة بين البلدين.
وبهذا المعنى هي إمتداد لهذا الإطار العام الذي يحكم هذا التحالف القائم، لكن هناك مجموعة من السياقات اللإقليمية والدولية وحتى السورية والإيرانية تجعل من هذه الزيارة حدثاً ذا أبعاد أبعد مدى من الزيارة السابقة، والتي كان لها أيضاً رسائلها وظروفها.
وفي هذا الصدد أجرت مراسلة وكالة مهر، "وردة سعد" حواراً صحفياً مع الباحث الإستراتيجي الدكتور "أسامة دنورة"، وأتى نص الحوار على الشكل التالي:
** تعيش سوريا حالة من الجمود وعدم الوضوح في مصير أزمتها.. فما هو سبب ذلك ؟ وهل يمكن القول أنها خرجت فعلاً من الأزمة التي عصفت بها في السنوات الماضية ؟
ينبغي أن نعود إلى الهدف الذي من أجله تم شن الحرب على سورية، فبعد أن أعيت الحيلة صناع القرار الإسرائيلي والأمريكي، إبتداءً من التهديد الذي أطلقه كولن باول خلال زيارته إلى سورية بعد إجتياح العراق، مروراً بمؤامرة إغتيال الحريري وإلصاق التهمة بسورية، وإنتهاءً بمحاولة إستقطاب سورية إلى تحالف تركي - قطري - فرنسي، كبديل عن التحالف الأمريكي التقليدي. وعندما ظهر فشل هذه المحاولات جميعها في إبعاد سورية عن إلتزامها بالمقاومة والتحرير، عمد الغرب إلى إطلاق الإستهداف المباشر لكي تفعل الحرب الإرهابية والإحتلال المباشر ما عجزت السياسة عن فعله.
الحرب على سورية في جوهرها إستهداف لفائض القوة الذي تنامى لدى محور المقاومة
الحرب على سورية في جوهرها إستهداف لفائض القوة الذي تنامى لدى محور المقاومة وواسطة عقده سورية في مواجهة الكيان، فمنذ تحرير الجنوب وإنتصار عام ٢٠٠٦ بدا واضحاً أن الصراع لم يعد يخضع لميكانيزمات الأيام الستة، ولا لتلك الخاصة بإجتياح 1982، بل بدا الكيان هزيلاً ومعزولاً في وجه تعاظم قدرات محور المقاومة، ومن هنا كلن لا بد من إدخال إحتياط إستراتيجي غربي تم الإشتغال عليه طويلاً لزجه في الصراع لتعديل ميزان القوى في الوقت المناسب، وهنا نتحدث عن تركيا والإخوان.
الكيان المؤقت في فلسطين أعجز في حقيقته عن أن يواجه سورية بشعبها وعمقها الحضاري والجغرافي والديمغرافي، لا سيما إذا كانت مدعومة بعمق إستراتيجي قوي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية
الكيان المؤقت في فلسطين أعجز في حقيقته عن أن يواجه سورية بشعبها وعمقها الحضاري والجغرافي والديمغرافي، لا سيما إذا كانت مدعومة بعمق إستراتيجي قوي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبرأس حربة قوي يستطيع القيام بمهمة الحرب اللامتناظرة على أكمل وجه، ألا وهو المقاومة في لبنان.
من هنا كان من الضروري إستهداف عناصر القوة السورية والتي تتمثل في الإقتصاد والوحدة الوطنية والقوة العسكرية، وقد تكفل المحتلون والإرهابيون بعناصر الإستهداف جميعها، وهم اليوم يحاولون الإحتفاظ بالشرق السوري وإدلب وبعض مناطق الشمال كرهائن لمقايضتها بتغيير الموقف السوري، أو الإستمرار بإحتلالها كعوامل نيل من فائض القوة والإستقرار السوري، والإبقاء عليها كعوامل إضعاف وإلهاء إستراتيجي.
ومن هنا، وعلى الرغم مما تحقق في إطار إفشال المشروع في أهدافه الكبرى، إلا أنه لا يمكننا القول أن سورية خرجت من إطار الإستهداف أو عوامل الأزمة، لأن الإحتلال ما زال موجوداً، والرغبة الأمريكية الإسرائيلية بمقايضته بتغيير الموقف السوري ما زالت هي الأخرى قائمة، ومفاعيل ذلك على سيادة سورية على أراضيها وعلى تمكينها من قدراتها الطبيعية والبشرية ما تزال قائمة.
** إلى أي حد يعيق الإحتلالان التركي والأميركي لأجزاء من الأرض السورية خطة التعافي وعودة الحياة إلى طبيعتها في هذا البلد العربي المهم ؟
الإحتلالين التركي والأمريكي يكملان بعضهما في إستهداف سورية، وفي الجوهر يتم تجيير هذا الإستهداف لمصلحة "إسرائيل"، فالتركي يحافظ على الحالة الإرهابية المعترف بها (كتنظيم إرهابي) من قبله ومن قبل العالم بأسره (جبهة النصرة الإرهابية)، كما يحافظ على الحالة الإرهابية الأخرى التي يُطلق عليها "المعارضة المسلحة"، بحيث يمكنه، ووفق ما يصله من أوامر، أن يُغلب حالة على أخرى كما يقتضي الظرف.
إذا رغب الغرب بتصفية هذه الحالة، عمل التركي والغرب معاً على إظهار وجهها الإرهابي، وأما إذا رغب بالعكس في إعادة تطويرها والإستثمار فيها، فسيعمل على تغليب رؤيته لها وإعترافه بها على أنها "معارضة مسلحة"
فإذا رغب الغرب بتصفية هذه الحالة، عمل التركي والغرب معاً على إظهار وجهها الإرهابي، وأما إذا رغب بالعكس في إعادة تطويرها والإستثمار فيها، فسيعمل على تغليب رؤيته لها وإعترافه بها على أنها "معارضة مسلحة".
أما الأمريكي من جهته، فيحتجز الثروة النفطية السورية، والكثير من الثروة الزراعية رهينة في الشمال الشرقي، ويكمل بذلك مفاعيل الإجراءات الإقتصادية أحادية الجانب بما فيها قانون قيصر، فضلاً عن دعمه لحالة إنعزالية يرى فيها برعماً لحالة إنفصالية يضعها إحتياطاً للمساومة على رأسها، ومن هنا يعمل الأمريكي والتركي وفق إتجاهين:
أولهما: الإبقاء على إحتجاز وسرقة الثروات السورية كعامل ضغط وإفقار ومنع من إعادة الإعمار.
وثانيهما: فيتمثل بالإبقاء على سيناريوهات إعادة تحريك الإرهاب والتقسيم قائمة.
** الرئيس السوري قام في الأسبوع الماضي بزيارة وصفت بالمهمة إلى الجمهورية الإسلامية.. ما هو هدف هذه الزيارة وهل أسفرت عن نتائج محددة برأيك ؟
إن العلاقة ما بين سورية وإيران تجاوزت إعتبارات التحالف الإستراتيجي، والعلاقات ما بين بلدين شقيقين لتبلغ مرحلة وحدة المصير، وفي هذا الإطار لا بد من التشاور والتنسيق المستمر على كافة المستويات.
حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي أتت لتترجم إرادة الشعب الإيراني في تصعيد المواجهة تجاه العدوان الأمريكي المستمر على محور المقاومة وعلى الجمهورية الإسلامية
ودون أن نبخس الحكومات الإيرانية السابقة حقها فيما أنجزته ضمن إطار رؤية الإمام الخامنئي لتحالف المقاومة، إلا أن حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي أتت لتترجم إرادة الشعب الإيراني في تصعيد المواجهة تجاه العدوان الأمريكي المستمر على محور المقاومة وعلى الجمهورية الإسلامية.
وبالتالي تم الإعلان عن إطلاق مرحلة جديدة في العلاقات الإستراتيجية المصيرية بين البلدين، وهذه المرحلة تشمل بدون شك تعميق التحالف والتشبيك الإقتصادي، والتنسيق المباشر في مواجهة الإعتداءات "الاسرائيلية"، فضلاً عن بلورة المواقف المشتركة الضرورية حول العديد من القضايا الإقليمية والدولية، لا سيما في ظل تصاعد الإستقطاب والتوتر الدولي بعد إندلاع الصراع الدولي على الساحة الأوكرانية.
وضمن الأطر الاقتصادية تم الإعلان عن التوافق حول تقديم كل أشكال الدعم الإيرا ني لسورية بما يمنع نجاح المؤامرة السورية بإفقار الدولة والشعب السوريين، وإفشال الإستهداف الإقتصادي الذي لا يقل أهمية وخطورة عن الإستهداف العسكري والإرهابي.
** أثناء تلك الزيارة ظهر إهتمام ملحوظ بالرئيس السوري وخصوصاً لدى إستقبال القائد الإمام السيد علي الخامنئي له بعاطفة لافتة.. ما هي دلالات هذه العلاقة الخاصة وما سبب الإهتمام الإيراني بسوريا ؟
في هذا الإطار فإن ما أظهره سماحة الإمام الخامنئي من إهتمام بزيارة الرئيس السوري بسار الأسد ليس أقل من إشارة واضحة ترسم إستراتيجية عمل للحكومة الإيرانية فيما يتعلق بالعلاقة مع سورية.
فالعلاقات السورية - الإيرانية تجاوزت عشرات من الإختبارات على مدى عدة عقود، وأظهرت صمودها في مواجهة أعتى الضغوط التي مورست على كل من البلدين لدفعه إلى فك علاقته العضوية مع البلد الآخر، وأصبح من الضروري اليوم أن يبنى على هذه الثقة الراسخة مقتضاها من التشبيك الإقتصادي.
** إلى أي حد تأثرت الأوضاع في سوريا بما يجري في أوكرانيا، حيث أن هناك من يربط بين الأزمتين!! وهل إنشغال روسيا بأزمتها في أوكرانيا قد يقلل إهتمامها بالوضع في سوريا ؟
زيارة وزير الدفاع الروسي شويغو إلى دمشق ولقائه الرئيس السوري، ووضعه بصورة العملية العسكرية المزمع القيام بها في أوكرانيا قد تزامن آنذاك مع مناورات بحرية روسية كبرى انطلاقاً من القواعد الروسية على الساحل السوري، وتضمنت هذه المناورات وجود عشرات من القطع البحرية الروسية بما في ذلك سفن الشحن والابرار، ولعل الروس إستبقوا بذلك إحتمالات رأوها قائمة لقيام التركي بإغلاق المضائق التي يتحكم بها بوجه السفن الروسية، الأمر الذي يمكن تعويضه مع ذلك عبر أراضي وأجواء الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
إن تصاعد المواجهة مع الأطلسي يعزز الأهمية الإستراتيجية لسورية وللقواعد الروسية على أرضها، فتلك القواعد هي المنفذ الوحيد للبحرية الروسية على المياه الدافئة، وبدونها سوف تجبر البحرية الروسية على الإنكفاء إلى المياه القريبة منها.
وإذا ما أضفنا إغلاق المضائق من قبل الأتراك، ومحاولات التضييق على روسيا في البلطيق عبر إنضمام فنلندا والسويد إلى الناتو، (وهو ما يعني عملياً شبه حصار على جيب كالينينغراد الروسي)، ندرك أهمية توسيع أفق التواجد البحري الروسي عبر القواعد الروسية على المتوسط، لا سيما أن مرحلة القطب العالمي الأمريكي المتفرد بالقرار العالمي منذ إنهيار الإتحاد السوفييتي حرمت الروس الكثير من الحلفاء الذين كان من الممكن أن يقدموا الدعم اللوجستي للبحرية الروسية في المياه الدافئة الشرق أوسطية، إن كان في ليبيا أو اليمن (الجنوبي)، وسابقاً في مصر.
الحديث عن حاجة القوات الروسية لطائراتها وقواتها الموجودة في سورية لإستخدامها في العملية العسكرية في أوكرانيا تنقصه الدقة، فالعديد الروسي الموجود في سورية محدود جداً من الأساس
إن الحديث عن حاجة القوات الروسية لطائراتها وقواتها الموجودة في سورية لإستخدامها في العملية العسكرية في أوكرانيا تنقصه الدقة، فالعديد الروسي الموجود في سورية محدود جداً من الأساس، وكذلك عدد الطائرات الروسية بالقياس لعموم القوات الجوفضائية الروسية، وإلى اليوم يغيب الإنخراط العسكري الروسي الكامل على الساحة الأوكرانية، فلا نلحظ مثلاً مهاماً تنفذها قاذفات القنابل القاذفات من طراز Tu 160 blackjack وTu 95 bear ولا حتى Tu 22m backfire لاحداث الـ carpet bombing (إلا بصورة نادرة).
حتى إن إستخدام القوة الجوفضائية الروسية لقاذفاتها التكتيكية وأسطولها من الدرونات لا ينم عن إنخراط شامل، وهذا يشير إلى أن متطلبات العملية العسكرية في أوكرانيا لا تعاني أي عوز في القوة النارية بما يتطلب سحب طائرات من مناطق أخرى.
وأغلب الظن أن الروس وضعوا في حسبانهم إمكانية الأضطرار إلى خوض أكثر من حرب في الوقت ذاته، ولذلك فهم يحافظون على منظور العملية العسكرية أو الحرب المحدودة limited war وليس الحرب الشاملة total war، ومعرفة ذلك ضرورية لتقدير الموقف الروسي تجاه إحتمالات التصعيد في بؤر أخرى في العالم بما فيها سورية، أخيراً يجب أن نتذكر أن الحشد التركي والتلويح بإجتياح سورية في خمسينيات القرن المنصرم صاحبه تهديد سوفييتي من قبل خروتشوف بالتصعيد النووي.
وفي المسرح العالمي اليوم، وفي المنظور الروسي - الصيني المشترك يبدو أنه لم يعد مسموحاً بفقدان أي دولة حليفة لمصلحة الغرب، لا عبر الثورات الملونة ولا عن طريق الإجتياح، فالأحادية القطبية تُحتضر أو أنها في طور الإنتهاء.
** هناك مسألة تثير قلق محبي سوريا وأصدقاء الشعب السوري تتعلق بالإنتهاكات الإسرائيلية والإعتداءات المستمرة على أراضيها.. كيف تفسر هذا الوضع وفي أي سياق تجري هذه الإعتداءات ولماذا الصمت الروسي عنها ؟
على الرغم من أن الكيان المؤقت قد إستغل ظروف الحرب على سورية لإطلاق ذراعه الجوية في الإعتداء المستمر على مواقع عسكرية سورية، إلا أن مفهوم "المعركة بين الحروب" أو ما يطلق عليه الإسرائيليون "المنع والردع، والتأجيل والإستعداد" يشير بحد ذاته إلى تغير في موازين القوى وطبيعة المواجهة، فـ"الإسرائيلي" يدرك أن لا حظوظ له في إطار أي معركة شاملة قادمة مع حلف المقاومة.
ولذلك يعمل على الحفاظ على منظور "الصراع منخفض الشدة" Low-intensity conflict ، والدراسات الإسرائيلية من باحثين إسرائيليين وضباط متقاعدين كثيرة في هذا الإطار، ومنها التقرير الذي أشار مؤخراً إلى أن الجيش "الإسرائيلي" تحول إلى قوة جوية، وأن ذراعه البري غير مؤهل للقيام بعمل هجومي.
يبدو من الواضح أن الإعتداءات "الإسرائيلية" لم تستطع أن تمنع تعاظم القدرات العسكرية للمقاومة
من جهة أخرى يبدو من الواضح أن الإعتداءات "الإسرائيلية" لم تستطع أن تمنع تعاظم القدرات العسكرية للمقاومة، وهذا ما أشار إليه السيد حسن نصرالله أكثر من مرة، وآخره ما تم الحديث عنه "إسرائيلياً" من حصول المقاومة على صاروخ هو النسخة الإيرانية المطورة عن صاروخ كروز الروسي Kh-55 (او AS -15 kent وفق التصنيف الأطلسي).
أما فيما يتعلق بالأحجام الروسي عن التصدي للغارات "الإسرائيلية" فهو يتعلق غالباً بالحسابات المرتبطة بتوقيت التصعيد والجاهزية الإستراتيجية للدولة السورية وحلفائها لفتح المعركة، فالقواعد العسكرية الروسية بما فيها من قدرات مضادة للطائرات ليست كفيلة وحدها بردع "الإسرائيلي" إلا في سياق مواجهة تتكامل فيها عناصر المعركة وقدرات الرد، وإلا فالصواريخ م/ط الروسية بحد ذاتها ستصبح هدفاً غير ممتنع على عملية جوية "إسرائيلية" واسعة تتكامل فيها عناصر الحرب الإلكترونية والإشباع الصاروخي والتفوق الجوي العددي.
ومن جانب آخر فإن فتح الإشتباك الروسي - الإسرائيلي يضعف قدرة الروس على ردع وإحتواء الأتراك، ويفتح إمكانيات التنسيق العسكري العملياتي بين الطرفين المعتديين بما يتجاوز التنسيق الإستخباري الحالي بينهما.
** يجري بين فترة وأخرى تحريك لمسألة عودة سوريا للجامعة العربية، أو عودة العرب لمصالحة سوريا كما فعلت الإمارات.. ما الذي تتوقعونه على هذا الصعيد ؟ وما الذي يعيق هذا الملف ؟
إن عودة العلاقات العربية - العربية إلى الوضع الذي كانت عليه ما قبل ربيع الدم العربي هو التطور الطبيعي الذي سوف تتجه إليه الأمور، وهنا فإن الإطار "المنظوماتي" المتمثل بالعودة إلى الجامعة العربية ليس حيوياً على المستوى الإستراتيجي إلا بمقدار ما يعنيه كمؤشر على تنقية الأجواء العربية.
مما لا شك فيه أن الضغوط الأمريكية - الإسرائيلية المشتركة تمنع زوال بعض الإعتراض العربي على إستعادة العلاقات الطبيعية مع سورية، ويدخل ذلك ضمن المنظور الذي سبق الحديث عنه حول استرهان عوامل القوة السياسية والإقتصادية السورية كأوراق للمساومة عليها في اطار محاولة إخراج سورية من موقعها المقاوم في الخارطة الجيوبوليتيكية للشرق الأوسط، يؤكد ذلك ما ذهب إليه وزير الحرب "الإسرائيلي" بيني غانتس في سياق إحاطة نظمها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط، حيث قال غانتس أنه "يتوجب على الرئيس السوري بشار الأسد قطع علاقاته مع إيران إذا ما أراد أن يكون جزءا من المنطقة والعودة إلى جامعة الدول العربية.
عودة العلاقات العربية - العربية لما كانت عليه قبل عام ٢٠١١ هي أمر ضروري وحيوي لإستقرار المنطقة وتحقيق منظومة أمن إقليمي في حدودها الدنيا
ويمكن القول بثقة في هذا الإطار أن الشروط الأمريكية - الإسرائيلية التي رفضتها دمشق عندما كانت الهجمة ضدها في أعتى مراحلها، لن تقبلها اليوم، حتى وأن إستمرت مروحة الضغوط المتعددة على الدولة السورية، فهذه المعركة لا تخاض بالتنازلات التي لن تجر إلا مزيداً من التنازلات، بل تخاض بزيادة عوامل القوة التي تفرض على الأمريكي والإسرائيلي التراجع في إطار المواجهة الشاملة.
إن عودة العلاقات العربية - العربية لما كانت عليه قبل عام ٢٠١١ هي أمر ضروري وحيوي لإستقرار المنطقة وتحقيق منظومة أمن إقليمي في حدودها الدنيا، وهنا ليس من المطلوب التحول من حالة العداء الصريح أو الكامن إلى حالة التحالف، بل تحقيق رؤية مشتركة للأمن الجماعي العربي على أساس صيغة رابح - رابح.
ومما لا شك فيه أن قطع التواصل ما بين السعودية وسورية (على سبيل المثال) أضعف كلا الطرفين على حد سواء، ودفع المملكة إلى بعد أحادي في علاقاتها الإقليمية بما أدى إلى إنسداد الأفق السياسي للحرب اليمنية بكل ما تعنيه من خسائر وأعباء، وسمح للولايات المتحدة (وعلى لسان ترامب) أن تفرض علانية على السعودية صادراتها من السلاح، وأن تطلق خطاباً مفاده أن إستقرار منظومة الحكم في المملكة متعلق حصراً بالرضا الأمريكي.
الأمر الذي يبدو أن السعودية تسعى اليوم إلى تجاوزه بتنويع علاقاتها وخياراتها وشراكاتها الدولية السياسية والإقتصادية باتجاه روسيا والصين، وتفترض المقاربة ذاتها نزع الألغام المفروضة إسرائيلياً أمام إستعادة الإستقرار الداخلي إلى الدول العربية، وإنهاء الحروب البينية، والعودة إلى مقاربة التعاون والبناء، فربط العلاقات العربية البينية بإعتبارات الأمن "الإسرائيلي" ليس سوى معادلة ظالمة تتعرض لها بعض الدول العربية لتقوم بدفع فاتورة المنظور العدواني - الإحتلالي - العنصري للأمن الإسرائيلي.
/انتهى/