حضر الإمامُ في ذكرى الرحيل أنيساً في بيوت أغناها الله بحبّه، حضر سكينةً تحيي القلوب وتصونها من كلّ اضطراب أيّا كانت أسبابه.،حضر حبّاً يتحلّق حوله جيلٌ عاصر الثورة وجيلٌ يستذكر يوم الرحيل مشهدًا موثّثاً بدمع الوالدين الذي أنبأ طفولته بأن المصاب جلل وبأن الألم عظيم.

وكالة مهر للأنباء - ليلى عماشا: حلّت ذكرى رحيل الإمام الخمينيّ "قدس" على القلوب وكأنّها جدّدت فيها كلّ الأحزان العابرة للأزمنة.. طُوي اللّيل ومضى أهل الحبّ إلى ليل الرحيل. زادهم الدّمع، وصهوة سفرهم اللهفة إلى وجه حفظوا قسماته بأعين الروح. لا فرق بين ما عاصر الإمام ومن وُلد بعد الرحيل، فالأثر الخمينيّ العظيم متوهّجٌ، جاذبٌ للقلوب المسكونة بالفطرة، وهادٍ لمن ضلّوا في الدرب يومًا.
استعاد أهل الحبّ في لبنان يوم الرحيل. استفاقوا على حداد تمامًا كما في ذلك اليوم الذي أفجع فجره قلوب الوالهين بالنبأ: رحل الإمام العارف الثوريّ روحُ الله الخميني..

هذا الحداد تُرجم على منصّات التواصل باستذكار أقول الإمام وسيرته، بعرض الصور التي توثّق ثورته وتنقل ملامحه المذخّرة بالعاطفة الخالصة، والحافلة بالحكايات الثورية، والحانية على وجع المستضعفين في الأرض، والمهدّدة عروش الطغاة، كلّ الطغاة، والمعلنة دولة التمهيد لصاحب العصر والزمان.

هذا الحداد تُرجم على منصّات التواصل باستذكار أقول الإمام وسيرته، بعرض الصور التي توثّق ثورته وتنقل ملامحه المذخّرة بالعاطفة الخالصة، والحافلة بالحكايات الثورية، والحانية على وجع المستضعفين في الأرض، والمهدّدة عروش الطغاة، كلّ الطغاة، والمعلنة دولة التمهيد لصاحب العصر والزمان.

في لحظة، يُخيّل للناظر إلى العاشقين وهم في ذكرى الإمام يستعيدون دمع الفراق من أوّله، أنّ سرًّا ما يسكن خلف سطور هذا الحبّ الذي لم تقوَ سنين الغياب على تخفيف سطوعه.. وفي الحقيقة، الأمرُ ليس سرّاً، هو فقط يكمن في كون الإمام روحُ الله الخمينيّ كما وصفه السيد الخامنئي دام ظلّه، "حقيقةٌ خالدة".

وهذه الحقيقة الخالدة لا يمكن أن تتضاءل تجليّاتها مهما مرّت أزمنة ومراحل على رحيل الجسد.. حقيقة تكمن في تفاصيل الصلة التي جمعت الإمام بالمستضعفين الذين نصرهم وأحبّهم، والتي جمعته بالفقراء الذين أغناهم الله بحبّه، وبالمؤمنين الذي صان دينهم وإيمانهم.. تكمن في حقيقته هو نفسه، التي تجلّت في كلّ أيّام حياته، والتي بلغت من النّور ما يكفل أن يتواصل سطوع الهالة الجاذبة ويبقى ما بقي العالم.. تكمن في تفاصيل أيامه التي كانت كلّها حبًّا خالصًا لله، حبًّا لا يجيده سوى العارفين بالله، الموقنين بحاجتهم لله، لله فقط..

حضر الإمامُ في ذكرى الرحيل أنيساً في بيوت أغناها الله بحبّه.. حضر سكينةً تحيي القلوب وتصونها من كلّ اضطراب أيّا كانت أسبابه.. حضر حبّاً يتحلّق حوله جيلٌ عاصر الثورة وجيلٌ يستذكر يوم الرحيل مشهدًا موثّثًا بدمع الوالدين الذي أنبأ طفولته بأن المصاب جلل وبأن الألم عظيم، وجيل عاصر الأثر ووُلد في عالم أعيد إحياء الإسلام الثوري فيه، عالم يحوي بين دوله دولة تناصر كلّ المستضعفين، تحمي كلّ المقاومين، تتحدّى بهيبتها المستقاة من هيبته العلويّة كلّ طغاة الدنيا وتنتصر.. وجميعهم مدينون حدّ البكاء لشيبةِ الخمينيّ، لعرفانه الناطق، لمهدويّته الصادقة، لثوريّته الواضحة، لسرّه المقدّس..

هنا، حدّثت أمٌّ أولادها عن إمام قاتل شياطين الأرض وانتصر، وحين سألوا عن سرّ اسمه "روح الله" ابتسمت: هو روحُ الله المهيب الذي أعاد إحياء كلّ ما اغتالته الشياطين في حياة المستضعفين.. هو روح الله الذي نزّه وجوده عن الإرتباط بأي ملك دنيوي.. هو روح الله الذي أسّس وبنى ونظّم العزّة الثورية في دولة أرادها الغرب قاعدة لسيطرته على الشرق فصارت قلب العالم المنادي أن الموت لأمريكا.. تكمل والبسمة تغرق بالدمع المنسكب حبّا على وجنتيها، هو روح الله الذي حضر في كلّ مرّة ارتفع فيها منّا شهيدٌ.. هو منتهى الحبّ الذي رأينا طيفه في وجه شهيدنا الحاج قاسم، وفي عينيّ حبيبنا الشهيد الحاج عماد مغنية، والذي كلّما دقّقنا النظر في وجه السيّد عليّ الخامنئي وجدنا نورٌ من نوره..

وهنا أيضاً أجلس جدٌ حفيده في حجره، حمل صورة الإمام الموضوعة في صدر غرفته، قرّبها من وجه الطفل بدون أن يقول شيئاً، وما أدهشه أن ينظر الطفل إلى الوجه النوراني في الصورة ثمّ يلقي عليها خدّه كمن يلوذ بأمان استدلّ عليه بفطرته.. دمعت عينا الجدّ الذي رأى في المشهد مقدمّة لحكاية تجول في بال قلبه، فأخبر محدثّيه أنّه في عصر الخمينيّ والثورة.

كان في لبنان من ضمن قلّة أكرمها الله في أوّل شبابها بأن تترك قلوبها تنساب في لهفة نحو الإمام، وأنّه في ذلك الزمان كان القول السائد بأن العين لا تقاوم المخرز، وأنّ التفكير بمحاربة الصهاينة جنون محض.. وأنّ روح الله الخمينيّ الذي سكن قلب الشيخ راغب وأسّس في صوته المقاتل منبرًا لا ينطق بغير الحق كانت بداية تغيير المعادلات، وكسر المقولات الإنهزامية.. يشرد قليلًا في ذاكرته ثم يعود: إن كلّ نصر صنعته هذه الأمّة وكلّ نصر ستصنعه هو من صنع الخمينيّ العظيم.

وفي مكان ما، جلس شابان لم يكملا عشرينهما بعد، يتحادثان بصوت مسموع عن الإمام. بدا وكأنّهما يتنافسان في إظهار ما يعرفه كلّ منهما عن سيرته، عن كلماته، عن مواقفه.. يتبادلان الصمت بين حين وآخر. والصمت المتقطع كان شرودًا في صور يستعرضانها على هاتفيهما، إلى أن وصل أحدهما إلى فيديو يوثّق الصلاة الأخيرة للإمان الذاهب إلى الله بنفس راضية وقلب مطمئن.. يدمعان معًا، ويشردان سويًّا في فيض النبوّة الحاضر في مشهد يختصر كلّ حياة الخمينيّ وكلّ سرّه: ما كان يؤخره عن حبّ الله شيئًا، ولأجل هذا الحبّ جاهد ونُفي وحُورب وثارَ وأسّس وصان ودعم وأحبّ وصلّى..

/انتهى/