یوافق اليوم الحادی عشر من شهر ذی القعدة ذكرى ولادة الإمام الثامن علی بن موسى الرضا علیه السلام، فهو ثمرة من ثمرات رسول الله صلى الله علیه وآله، وفرع مشرق من فروعه، السلام عليك يا علي ابن موسى الرضا المرتضى.

وأفادت وكالة مهر للأنباء، انه لقد كانت شخصيّة الإمام الرضا عليه السلام ملتقى للفضائل بجميع أبعادها وصورها، فلم تبق صفة شريفة يسمو بها الإنسان إلاّ وهي من نزعاته، فقد وهبه الله كما وهب آباءه العظام وزيّنه بكل مكرمة، وحباه بكل شرف وجعله علماً لاُمّة جده، يهتدي به الحائر، ويسترشد به الضال، وتستنير به العقول .

إنّ مكارم أخلاق الإمام الرضا عليه السلام نفحة من مكارم أخلاق جده الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله الذي امتاز على سائر النبيين بهذه الكمالات، فقد استطاع صلى الله عليه وآله بسمو أخلاقه أن يطور حياة الإنسان، وينقذه من أحلام الجاهلية الرعناء، وقد حمل الإمام الرضا عليه السلام أخلاق جده، وهذا إبراهيم بن العباس يقول عن مكارم أخلاقه:" ما رأيت، ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا عليه السلام، ما جفا أحداً قط، ولا قطع على أحد كلامه، ولا ردَّ أحداً عن حاجة، وما مدَّ رجليه بين جليسه، ولا اتكأ قبله، ولا شتم مواليه ومماليكه، ولا قهقه في ضحكة، وكان يجلس على مائدته مماليكه ومواليه، قليل النوم بالليل، يحيي أكثر لياليه من أوَّلها إلى آخرها، كثير المعروف والصدقة، وأكثر ذلك في الليالي المظلمة ".

ومن معالي أخلاقه أنه كما تقلد ولاية العهد التي هي أرقى منصب في الدولة الإسلاميّة لم يأمر أحداً من مواليه وخدمه في الكثير من شؤونه، وإنّما كان يقوم بذاته في خدمة نفسه، حتى قيل: " إنه احتاج إلى الحمّام، فكره أن يأمر أحداً بتهيئته له، ومضى إلى حمّام في البلد لم يكن صاحبه يظن أن ولي العهد يأتي إلى الحمّام في السوق فيغسل فيه، وإنما حمامات الملوك في قصورهم ".

ولما دخل الإمام الحمّام كان فيه جندي، فأزال الإمام عن موضعه، وأمره أن يصب الماء على رأسه، ففعل الإمام ذلك، ودخل الحمّام رجل كان يعرف الإمام فصاح بالجندي هلكت، أتستخدم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله؟! فذعر الجندي، ووقع على الإمام يقبل أقدامه، ويقول له متضرّعاً:"يا ابن رسول الله ! هلاّ عصيتني إذ أمرتك؟".

فتبسّم الإمام في وجهه وقال له برفق ولطف:"إنّها لمثوبة، وما أردت أن أعصيك فيما أثاب عليه".

ومن صفات الإمام الرضا عليه السلام الزهد في الدنيا، والإعراض عن مباهجها وزينتها، وقد تحدث عن زهده محمد بن عباد حيث قال:" كان جلوس الرضا على حصيرة في الصيف، وعلى مسح-الكساء من الشعر- في الشتاء، ولباسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزين ".

والتقى به سفيان الثوري -وكان الإمام قد لبس ثوباً من خز- فأنكر عليه ذلك وقال له: لو لبست ثوبا أدنى من هذا. فأخذ الإمام عليه السلام يده برفق، وأدخلها في كُمّه فإذا تحت ذلك الثوب مسح، ثم قال له:"يا سفيان! الخزّ للخلق، والمسح للحق ...".

وحينما تقلّد ولاية العهدلم يحفل بأي مظهر من مظاهر السلطة، ولم يقم لها أي وزن، ولم يرغب في أي موكب رسمي، حتى لقد كره مظاهر العظمة التي كان يقيمها الناس لملوكهم .

ولم يكن شيء في الدنيا أحبّ إلى الإمام الرضا عليه السلام من الإحسان إلى الناس والبر بالفقراء. وقد ذكرت بوادر كثيرة من جوده وإحسانه، وكان منها ما يلي:

أنفق جميع ما عنده على الفقراء، حينما كان في خراسان، وذلك في يوم عرفة فأنكر عليه الفضل بن سهل، وقال له: إنّ هذا لمغرم ...

فأجابه الإمام عليه السلام: "بل هو المغنم لا تعدّنّ مغرماً ما ابتغيت به أجراً وكرماً".

إنه ليس من المغرم في شيء صلة الفقراء والإحسان إلى الضعفاء ابتغاء مرضاة الله تعالى، وإنّما المغرم هو الإنفاق بغير وجه مشروع، كإنفاق الملوك والوزراء الأموال الطائلة على المغنّين والعابثين.

كان عليه السلام يكرم الضيوف، ويغدق عليهم بنعمه وإحسانه وكان يبادر بنفسه لخدمتهم، وقد استضافه شخص، وكان الإمام يحدثه في بعض الليل فتغيّر السراج فبادر الضيف لإصلاحه فوثب الإمام، وأصلحه بنفسه، وقال لضيفه: "إنّا قوم لا نستخدم أضيافنا".

ومن أحب الأمور إلى الإمام الرضا عليه السلام عتقه للعبيد، وتحريرهم من العبودية، ويقول الرواة: انه اعتق ألف مملوك.

ان سيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام كانت تهدف إلى إلغاء التمايز العرقي بين الناس، وانهم جميعاً في معبد واحد لا يفضل بعضهم على بعض إلاّ بالتقوى والعمل الصالح.

والشيء البارز في شخصية الإمام الرضا عليه السلام هو إحاطته التامة بجميع أنواع العلوم والمعارف، فقد كان بإجماع المؤرخين والرواة اعلم أهل زمانه، وأفضلهم وأدراهم بأحكام الدين، وعلوم الفلسفة والطب وغيرها من سائر العلوم، وقد تحدّث عبد السلام الهروي عن سعة علومه، وكان مرافقاً له، يقول:"ما رأيت اعلم من علي بن موسى الرضا، ما رآه عالم إلاّ شهد له بمثل شهادتي، ولقد جمع المأمون في مجالس له عدداً من علماء الأديان، وفقهاء الشريعة والمتكلمين، فغلبهم عن أخرهم حتى ما بقي منهم أحد إلاّ أقرّ له بالفضل، واقرّ له على نفسه بالقصور، ولقد سمعته يقول: كنت أجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون فإذا عيّ الواحد منهم عن مسألة أشاروا إليّ بأجمعهم، وبعثوا إليّ المسألة فأُجيب عنها ..".

لقد كان الإمام أعلم أهل زمانه، كما كان المرجع الأعلى في العالم الإسلامي الذي يرجع إليه العلماء والفقهاء فيما خفي عليهم من أحكام الشريعة، والفروع الفقهيّة .

/انتهى/