اصرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية على تطوير العلاقات مع فنزويلا، تأتي ضمن خطة استراتيجية لتمدد جبهة المقاومة والممانعة ضد الولايات المتحدة، وتحفيز الدول الاخرى التي تريد ان تتحرر من العنجهية الاميركية ومن السطوة الاميركية للخروج من سيطرتها.

وكالة مهر للأنباء - القسم الدولي: السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية تركز على دوام العلاقات مع الدول الصديقة والمجاورة ولطالما تعاونت بشكل جيد مع فنزويلا في هذا المجال؛ فلطالما كانت العقوبات والتهديدات عديدة في هذه السنوات الـ 41 ، لكن الجمهورية الإسلامية الإيرانية حاولت استغلال هذه التهديدات وتحويلها الى فرصة للوصول الى الإكتفاء الذاتي والنهوض بالبلاد.

ان علاقات الجمهورية الإسلامية مع فنزويلا هي علاقات استراتيجية كانت ومازالت مستمرة في مختلف المجالات، حيث يُعد توقيع وثيقة التعاون التي تبلغ مدتها 20 عاماً بين البلدين دليلاً على إرادة كبار المسؤولين في البلدين لتطوير وتعزيز العلاقات المتبادلة بين البلدين.

في حين يرى البعض أن زيارة الرئيس الفنزويلي كنقطة تحول في مجال تحسين العلاقات، فبدء الؤحلات بين طهران وكراكاس سيوفر أرضية جيدة للتعاون بين البلدين.

وفي هذا الشأن أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء "وردة سعد" حواراً صحفياً مع الصحفي المتخصص في الشؤون الأميركية الأستاذ "علي فرحات"، وأتى نص الحوار على الشكل التالي:

** رغم الحصار والعقوبات الجائرة المفروضة على الجمهورية الإسلامية إلا أنها لم تنس استراتيجيتها الخارجية في دعم ومساعدة الشعوب والدول المستضعفة... كيف تقيم أداء السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية ؟

صحيح؛ الجمهورية الإسلامية رغم العقوبات والحصار استمرت في بناء استراتيجيتها للمناهضين للدور الاميركي وللهيمنة الاميركية، لاعتقاد الجمهورية الاسلامية ان مساعدة هذه الدول اولا تضعف الولايات المتحدة وتحد من تدخلاتها في الدول وبالتالي تساهم في انشاء تكتل جديد يمكن ان يواجه هذا التحالف الغربي الذي لديه سياسات متوحشة ضد كل الدول التي تريد ان يكون لديها استقلال سيادي واقتصادي.

وبالتالي كانت استراتيجية الجمهورية مد يد العون لكل الدول التي حوصرت من قبل الولايات المتحدة وأرادت هذه الأخيرة ان تسقط انظمتها تحت عناوين الديموقراطية وما الى ذلك....

واثبتت الجمهورية نجاحها بعد مرور عدة عقود لانها استطاعت ان تشارك في صمود عدد من الدول كفنزويلا، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، وعدد من الدول التي اعتبرت في واجهة المواجهة مع المشروع الاميركي والاسرائيلي والغربي بشكل عام، لذلك ان استراتيجية الجمهورية الاسلامية كانت واضحة ومحددة، وكانت تعرف كيف تصل الى هذه الاهداف، وكيف تنشأ جبهة او ان تشارك في انشاء جبهة عالمية مناهضة للولايات المتحدة الاميركية، ولعل هذا من اكثر الامور التي ازعجت الولايات المتحدة الاميركية ودعاها الى زيادة هذه السياسة العدائية تجاه ايران، وبالتالي فإن الكثير من الدول مدينة للجمهورية الاسلامية وهذا ما عبرت عنه الكثير من قيادات هذه الدول.

** في وقت الأزمة لم تجد الحكومة الفنزويلية إلا إيران، حليفةً لها، حيث أقامت الجمهورية الإسلامية علاقات دافئة معها منذ إدارة الرئيس السابق هوغو تشافيز، سلف نيكولاس مادورو، والذي كان في السلطة من عام 2002 وحتى وفاته في عام 2013... كيف تقيم زيارة الرئيس الفنزويلي لطهران ؟

بخصوص زيارة الرئيس مادورو الى ايران، فهي تأتي ضمن إطار تطوير العلاقات، وبالمناسبة فإن الرئيس الفنزويلي قد اشار في لقاء تلفزيوني فور وصوله للجمهورية الاسلامية ان الاحرار كان لهم الدور الاساسي في صمود فنزويلا.

وقال بأن الولايات المتحدة ارادت حرمان فنزويلا من استخراج نفطها، وارادت لها ان تعيش في الظلام، وان تعيش نقصا في الوقود، وبالتالي كان هناك موقف مشرف للجمهورية الاسلامية وايضا موقف شجاع لانه خرق كل الحصار الاميركي في حين لم توافق اغلب الشركات العالمية بإمداد فنزويلا بالنفط والغاز، وتصدت الجمهورية الاسلامية لهذا الأمر.

زيارة الرئيس مادورو تأتي في اطار رسم الاستراتيجية الكبرى التي سماها مناهضة التمدد الاميركي، وما اسماه الاحتلال الاميركي لسيادة الدول وبالتالي هذه الزيارة تأتي لشكر الجمهورية الاسلامية على كل هذه الوقفات المشرفة التي زادت من صمود فنزويلا، وسرعت بالخروج من الازمة.

شكر الرئيس مادورو الادارة الايرانية بإسمه وبإسم الشعب الفنزويلي، فلا يمكن لفنزويلا ان تنسى هذا الوقوف الذي شبهه الرئيس الفنزويلي بالتضحية الكبرى من قبل الجمهورية الاسلامية تجاه فنزويلا، وبهذا عزز من قوة الممانعة لدى الحكومة الفنزويلية، وايضا اسقاط المشروع الاميركي الذي كان يهدف لاخضاع الحكومة الفنزويلية.

وبالتالي هذه الزيارة تأتي في وقت حساس جدا، وفي وقت ارادت فيه الادارة الاميركية الالتفاف على فنزويلا واغرائها للخروج من عباءة الممانعة خصوصا بعد الحرب الاوكرانية الروسية وحاجة الغرب للنفط، تأتي هذه الزيارة لتقول بأن الرئيس مادورو ما زال وفيا لهذا النهج وانه لن يصغي للاملاءات الاميركية وحتى لو كانت الاغراءات كبيرة جدا.

** توقيع وثيقة تعاون بين البلدين لمدة 20 عام دليل على رغبة البلدين في تطوير العلاقات الثنائية في مختلف المجالات... كيف تقرأ هذه الخطوة وما هي مصير هذه العلاقات ؟

اعتقد ان توقيع اتفاقية لمدة عشرين عاما لقناعة الطرفين بالعلاقة المميزة والتوافق الكامل والانسجام الاقتصادي والسياسي بين البلدين، قد نجح نجاحا كبيرا في العهد السابق، وان تطويره يمكن ان يؤدي الى مزيد من الانجازات والانتصارات، خصوصا ان الجمهورية الاسلامية الايرانية قد صمدت كثيرا امام العقوبات الاميركية وتحملت كل الصعوبات، ووصلت الى مرحلة لا يمكن للولايات المتحدة ان تخضعها، وقد استمدت فنزويلا هذا الامر من خلال الدعم الايراني لها واستطاعت ان تكسر المشروع الاميركي من خلال عدم الرضوخ للولايات المتحدة وبالتالي افشال مشاريعها.

فتأتي هذه الخطوة من اجل استكمال هذا المسار من اجل تطوير العلاقات الاقتصادية والسياسية، ويمكن ان تنتج في السنوات القادمة المزيد من المشاريع من الطاقة وانتاج الطاقة من المعامل النووية السلمية، وايضا ما تقوم به بوليفيا من اتفاق ثنائي مع روسيا، وبالتالي اصبحت بوليفيا تبيع الكهرباء لجيرانها الاوراغواي والارجنتين وغيرها، واعتقد هذا التناغم في السياسات من اجل مواجهة المشروع الاميركي هو من خلال الشراكات الاقتصادية وقد ادى الى الخروج من الازمات الكبرى.

هذا التطور لعقدين جديدين يمكن ان يؤدي الى مرحلة جديدة مرحلة اقتصادية، مرحلة لمزيد من المواجهات خصوصا في ظل التحولات الكبرى في اميركا اللاتينية والتي يمكن ايضا ان تساهم في تعزيز هذه الجبهة وايجاد الكثير من المكتسبات التي يمكن ان تؤسس لمستقبل افضل وواعد وان يهدد الجبروت الاميركي والغربي.

** لماذا تصر إيران رغم العقوبات والتهديدات على تقوية علاقتها الاستراتيجية مع فنزويلا ؟

تدرك الجمهورية الاسلامية من ان قوتها الداخلية تأتي ايضا من مناعة حلفائها، لذلك ان اصرار الجمهورية الاسلامية على تطوير العلاقات مع فنزويلا تأتي ضمن خطة استراتيجية لتمدد جبهة المقاومة والممانعة ضد الولايات المتحدة، وايضا تحفيز الدول الاخرى التي تريد ان تتحرر من العنجهية الاميركية ومن السطوة الاميركية للخروج عنها، لان كل التجارب التي عاشتها الدول المناهضة للولايات المتحدة قد اظهرت نجاحها مع علمها بأن هناك الكثير من التضحيات سوف تقدم.

فهناك الكثير من العقوبات ومن التدخلات، لكن في النهاية نتاج مرحلة الصمود والمقاومة في مواجهة المشروع الاميركي هو نتاج كبير جدا، على الاقل سيكون هناك حرية داخلية في اتخاذ القرار السياسي والاقتصادي.

اعتقد بأن الجمهورية الاسلامية تعي ان قوتها تأتي من قوة حلفائها، وتأتي من قوة الترابط بين هذه الدول التي اصبحت تشكل حصنا منيعا تجاه السياسات الاميركية، وكما نرى انه مع تقدم الايام هناك جبهة كبيرة من الدول اصبحت تنضم الى هذا التكتل، خاصة بعدما رأت النتائج الباهرة من خلال الخروج عن السطوة الاميركية، والتي بالمناسبة لم تدخل بلدا الا ونهبت ثرواته واحتلت قراره السياسي.

وبالتالي فإن الجمهورية الاسلامية الايرانية لا يمكن ان تتخلى عن حلفائها، وهي تعلم ان كل حماية او حصانة لحلفائها يشكل امتدادا استراتيجيا لايران ولمواجهة المشروع الاميركي الذي يستهدف في اوائل لائحته الجمهورية الاسلامية الايرانية.

** إلى أي مدى يمكن أن يشكل التعاون بين إيران وفنزويلا نموذجاً يحتذى به لتحدي الهيمنة الأميركية ؟ من أميركا اللاتينية الى غرب آسيا؟

بطبيعة الحال اصبح هذا النموذج نموذجا يقتدى به، واصبح مقلقا للولايات المتحدة، نموذج العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الايرانية وفنزويلا، وكيف يمكن لدولة تواجه كل التحديات وان تأتي ببواخرها التي اخترقت المحيط الاطلسي ودخلت الى فنزويلا لفك الحصار عنها.

طبعا هذا المشهد كان مؤثر جدا داخل اميركا اللاتينية، وكان الاعلام اللاتيني الموالي للولايات المتحده يراهن على انها عملية استعراضية، وانها ستعود بأقرب طريق الى ايران، وان مجرد دخولها الى المحيط ودخولها الى فنزويلا هو امر وهمي ولا يمكن ان يحدث، وعندما وصلت السفن الايرانية الى فنزويلا شكلت صدمة كبيرة وحرجا كبيرا للاعلام الذي كان يروج بانها عملية وهمية ولا يمكن ان يتحقق.

وبالتالي كل الدول اللاتينية كانت تنظر الى مستوى هذه العلاقة ومستوى الانسجام والتضحية من قبل ايران تجاه حلفائها، واعتقد ان هذا النموذج على الرغم من ان هناك الكثير من الدول التي لا تعلن عن هذا الامر، لكن هناك اتصالات كثيرة من قبل بعض الدول اللاتينية مع ايران لتوطيد العلاقات والشراكات الاقتصادية.

اعتقد ان التحولات السياسية التي ستشهدها اميركا اللاتينية في الاشهر المقبلة خصوصا بعد الانتخابات البرازيلية التي من المرجح ان يفوز فيها اليسار برئاسة لاسيلفا، ايضا نجاح اليسار في الارجنتين، في التشيلي، وايضا من المتوقع فوز المرشح اليساري في كولومبيا، اعتقد ان خريطة اليسار اصبحت تتمدد بشكل كبير وفي دول استراتيجية كـ"كولومبيا والمكسيك" المحاذيتين للولايات المتحدة، واعتقد ان مثل هكذا نموذج سينتقل الى هذه الدول وسيشكل اكبر جبهة وممانعة لمواجهة المشروع الاميركي، وهذا ما يقلق الاميركيين بشكل كبير، وبالتالي يحاولون الترهيب والتدخل بالشؤون الداخلية لهذه الدول من اجل منعها من التقارب مع ايران.

/انتهى/