وكالة مهر للأنباء - القسم الدولي: رغم تراجع وتيرة التظاهرات في العراق بعد إجراء الانتخابات المبكرة قبل عدة أشهر، فإنها عادت في عدة محافظات بينها العاصمة بغداد، وإن كانت محدودة، وسط حالة من القلق من أن تتحول هذه التظاهرات إلى فوضى بسبب انسداد الأفق السياسي، بحسب محللين ومراقبين سياسيين. وأرجع المراقبون ذلك إلى تأخر تشكيل الحكومة، بسبب الصراع السياسي حول تسمية الكتلة الأكبر وشكل الحكومة المقبلة والتوافقية التي يشدد عليها "الإطار التنسيقي".
وعلى رغم من مرور عقدين على عمر العملية السياسية بعد سقوط النظام العراقي السابق، إلا أن المحللين اشاروا الى ان البدايات الخاطئة في بنوية النظام السياسي من الدستور إلى إدارة الدولة بالرؤوس الثلاثة (في إشارة إلى رئاسة كل من الجمهورية والبرلمان والوزراء) مع إقليم الشمال، وعدم وضوح شكل العلاقة، كلها عوامل مجتمعة أدت إلى إخفاق التجربة، مع الأخذ في الاعتبار العوامل الأمنية والحروب، فضلاً عن العوامل الخارجية المتنازعة في الداخل العراقي.
وفي هذا الصدد اجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء، "وردة سعد" حواراً صحفياً مع الباحث والخبير الأكاديمي العراقي الدكتور "حيدر البرزنجي"، واتى نص الحوار على الشكل التالي:
** يرى بعض المحللين ان العراق اليوم دخل في نفق مظلم يثير قلق مواطنيه وكل محبيه... هل يمكننا ان نرى الضوء في نهاية النفق؟ وما السبيل الى ذلك باعتقادك؟
العراق لم يدخل في نفق مظلم، نعم هناك منغصات معوقات احتدام سياسي حاصل، لكنه لم يصل الى النفق المظلم، السبب انه لدينا قدرة سياسية وكيانات تستطيع ان تحل الازمات تلو الازمات التي تتوالى على العراق منذ بداية تغيير النظام البائد الديكتاتوري الى الان.
اليوم نتحدث وهناك حلحلة للأمر، وهناك جهود تبذل من اجل تسوية الامور السياسية والذهاب بإتجاه تشكيل الحكومة وانها قريبة جدا.
** الدعوات الى الحوار انطلقت من اطراف عراقية عدة ولا شك ان بعضها يخفي غير ما يعلن... هل تعتقد ان بإمكان العراقيين ان يديروا ازمتهم بانفسهم؟ وهل التيار الصدري يمكن ان يذعن الى نتائج الحوار او القبول بالحلول الوسط؟
معروفة ومكشوفة الدعوات التي تبطن ما لا تظهر ولديها دور سلبي، كما ان رئيس حكومة تصريف الاعمال او تصريف الافعال غير المجدية اليومية او تصفير الاعمال ان صح التعبير دعا الى حوار وهو السبب في ازمات متتالية منذ تسلمه الحكومة حتى اليوم، على المستويات الاقتصادية والسياسية والامنية، هذا احد النماذج.
وهناك نماذج اخرى كذلك، بالنتيجة ان العراقيين يستطيعون ان يحلوا امورهم بأيديهم، ولكن هناك مشورة ونصائح تقدم من الاصدقاء كما يحدث مع جميع الدول الاخرى اذا دخلت في ازمات سياسية، بالتالي هذه الوساطات السياسية لا تعد تدخلا بل تعد حرصا واهتماما وولاءا للعراق كالجمهورية الاسلامية والدول الصديقة التي تحرص على العراق وأهله، نعم حريصون على ذلك، ونستطيع ان نحل امورنا بأيدينا لان هناك نضج سياسي واضح من خلال الفعاليات السياسية والتفاعل السياسي الذي حصل في الاونة الاخيرة في انتخابات 2021 حتى الآن.
** لا تزال الاطراف الخارجية ذات النفوذ في العراق تنأى بنفسها عن هذه الازمة رغم خطورتها... ما السبب برأيك؟ وهل يعني ذلك ان هذه الازمة تعود لعوامل داخلية فقط؟ ام انها تخفي اجندات خارجية في طياتها؟
طبعا هذه الاطراف الخارجية التي تظهر في العلن انها تنأى بنفسها، هي في الحقيقة لا تنأى بنفسها، بل لديها محركات ومشغلات داخلية سياسية تتحرك فيها وتوجهها حسبما تريد وتشاء، لماذا؟ لان بعض الاطراف الخارجية لقنت درسا كبيرا من قبل أبناء المقاومة، وبالتالي انسحبت عن التدخل المباشر عندما كان هناك تظاهرات في عام 2019.
كان هناك بصمات واضحة لبعض الدول الخليجية التي كانت تدعم بالمال وبالاعلام تأجيج هذه التظاهرات بطريقة سلبية واسقاط حكومة السيد عادل عبد المهدي، ابدا ان تتراجع هذه الدول خطوة الى الوراء، وما يوضح اليوم من خلال الازمة السياسية عندما نراقب بعض القنوات الاعلامية نجدها ما زالت تحشد تجاه طرف سياسي دون آخر، وتحاول ان تصنع فكرة الانقلاب السياسي وعدم صلاحية هذا النظام، بالتالي هي تعتمد على مشغلات داخلية.
** بعيدا عن الاتهامات والمسؤوليات المباشرة عن هذه الازمة التي وضعت العراق امام كارثة حقيقية... ما هي الاسباب العميقة لهذا الانسداد السياسي؟ وهل الامر يتعلق بالنظام السياسي نفسه ام بحداثة عهد القوى السياسية مع اللعبة الديمقراطية؟
السبب الحقيقي وراء الانسداد السياسي الذي حصل هو تزوير الانتخابات، وتغيير إرادة الناخبين العراقيين، والامر ليس عدم نضوج، ارى هناك الكثير سيما الطرف التنسيقي الشيعي وصل الى مرحلة النضوج السياسي بحيث استطاع ان يصبر ويتماسك ويظفر حتى وصل الى مرحلة مزق وفتت الكثير من المؤمرات السياسية التي تحاك خارجيا وداخليا.
بالتالي هذا الانسداد هو نتيجة الأزمات المتتالية التي رُحلت من السنوات السابقة، بالاضافة الى تزييف وتزوير الانتخابات لعام2021، وبالاضافة الى انه ما زالت بعض الجهات السياسية الداخلية تحاول ان تضع كل ما حصل من عدم توافق سياسي وفساد وسوء الخدمات في جانب واحد معين فقط، وهو الكتل الشيعية وتحميلها المسؤولية امام الشارع العراقي.
** هناك من يرى ان القوى الخفية التي تحرك ادوات الازمة في العراق تعرف انه ليس بمقدورها الانتصار، لكن ترفض الحلول السياسية لانها تريد الوصول الى اقتتال ينهي التواجد الشيعي او يسمح باعلان الفيدراليات ومناطق الحكم الذاتي التي يطالب بها البعض... هل تعتقد ان مثل هذا السيناريو ممكن؟
نعم هذه السيناريوهات يعمل عليها خارجيا اعداء العراق بمحركات داخلية، خير دليل ما حصل في السنوات السابقة من استحداث الجماعات التكفيرية الارهابية مثل القاعدة ثم بعد ذلك داعش، عندما هزمت هذه المجاميع الارهابية التكفيرية في كلا المرحلتين، وعدم استطاعة المحركات الخارجية منها الولايات المتحدة الاميركية والصهيواميركية وبعض الدول الخليجية بالمال وبالدليل طبعا، هذه موجودة.
فشلت هذه المخططات جميعها بوجود المرجعية، بل العكس تماما انشأ لنا كيانا انبثق من فتوى المرجعية هو الحشد الشعبي الذي يعد الحامي الاساسي والكيان الرئيسي والجبل الشامخ الذي لا يمكن ان تكتمل هذه المؤامرة بتقسيم العراق، فهم مدركون انهم لا يستطيعون بهذه الخطوات بعد ان كونت المرجعية بفتواها المباركة وبأبناء المقاومة حشدا متكاملا، حجرة صلبة تقف امام كل هذه المؤمرات، فجاءت الامور عكسية والنتائج مخالفة.
عندها ذهبوا الى العمق الآخر وهو ان يتآمروا سياسيا وان يتحركوا بمحركات داخلية بدفع خارجي من اجل ان يعمدوا الى تمزيق العراق وتقسيمه الى ثلاثة اقسام، وانا مطلع على مراكز أبحاث اوروبية وصلت الى نتيجة انه لا يمكن ان يقسم العراق بعد عام 2016 بعد ان انتهت اكذوبة داعش في العراق.
/انتهى/