قال المحلل السياسي والباحث الاستراتيجي السيد "مصدق مصدق بور"، انه من دون شك سيكون الاتفاق الجديد مختلفا الى حد بعيد عن الاتفاق السابق المبرم، بالاضافة الى مقتضيات التطورات والمستجدات في الصراع الدولي لاسيما الحرب الروسية الأوكرانية التي جعلت الغربيون يهرولون وراء ايران للحصول على قطرات من النفط.

وكالة مهر للأنباء - القسم الدولي: ايران احرزت تقدماً جيداً نسبياُ في ما يخص المفاوضات النووية، الا ان الجمهورية الاسلامية حتى الان لم تتلق أي رد من الاطراف الاخرى وتحديدا من الحكومة الامريكية على اغلمقترحات التي طرحتها.

فلقد كانت إيران على الدوام تحضر في المفاوضات سواء في الفترة الماضية أو في الفترة الأخيرة، وبعد تلقي مقترحات الجانب الأوروبي استجابت في الوقت المناسب و أظهرت المرونة اللازمة من أجل تحقيق اتفاق يحقق مصالحها وتحافظ على حقوق الشعب الايراني.

فالكثير من المحللين يعتقدون أن الحكومة الأمريكية هي المسؤولة عن الأوضاع الحالية لخطة العمل الشاملة المشتركة، وبعبارة أخرى، هي مسؤولة عن عدم تنفيذ الاتفاق حتى الآن والوضع الحالي.

وفي هذا الشأن أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء، "وردة سعد" حواراً صحفياً مع المحلل السياسي والباحث الاستراتيجي السيد "مصدق مصدق بور"، وأتى نص الحوار على الشكل التالي:

** المصادر الغربية تتحدث عن تنازلات كبيرة قدمتها الدول الغربية لايران لتسهيل قبولها بالمقترح الاوروبي الاخير حول التسوية... هل ترى طهران انها قدّمت تنازلات فعلية ام ان ما يُحكى جزء من الضغط الاعلامي عليها؟

من دون شك ان الحديث عن تنازلات كبيرة من الجانب الغربي لايران ربما ليس دقيقا بالكامل، وترى طهران هذا الكلام الذي يتم التركيز عليه في الوقت الحالي في اطار سيناريوهين: الاول؛ لممارسة الضغط الاعلامي والنفسي على ايران لتقبل بالصيغة التي عرضها الوسيط الاوروبي وفق الشروط التي هم يطرحونها، ومن هنا لاحظنا ان الجانبين الاوروبي اعلن بان هذه هي الصيغة النهائية ولا صيغة جديدة بعدها.

في حين طالب الجانب الامريكي من ايران الرد القاطع على هذه المسودة وان يكون الرد بكلمة واحدة فقط: نعم أو لا؛ حتى يمكن العمل بأحد هذين الخيارين فإما العودة من جديد الى التزام الجميع ببنود الاتفاق النووي، واما فشل المفاوضات، لكن ايران لم ترد بالطريقة التي حددوها هم، واعادت الكرة الى الملعب الامريكي، وطرحت مواضيع هامة، وقالت: يجب على الجانب الامريكي الاجابة عليها واجراء بعض التعديلات مؤكدة ان لا رجعة عن خطوطها الحمر.

هناك أسباب أخرى وراء هذه المماطلة الامريكية منها محاولات ادارة بايدن لتهدئة الموقف الاسرائيلي، واحتواء الوضع الداخلي بما في ذلك ردة فعل الكونغرس ومحاولات الجمهوريين لاستخدام الاتفاق مع ايران كورقة في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر المقبل

في الواقع كان الرد الايراني على ورقة بوريل غير متوقعا للجانبين الامريكي والاوروبي، بالاضافة الى الحاجة الى الوقت لدراسة المقترحات الايرانية، هناك أسباب أخرى وراء هذه المماطلة الامريكية منها محاولات ادارة بايدن لتهدئة الموقف الاسرائيلي، واحتواء الوضع الداخلي بما في ذلك ردة فعل الكونغرس ومحاولات الجمهوريين لاستخدام الاتفاق مع ايران كورقة في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر المقبل.

اما السيناريو الثاني للحديث عن تنازلات امريكية كبيرة فهو سيناريو اسرائيلي بامتياز، ويصب في تجاه الحملة التي يواجهها الديمقراطيون في الانتخابات، وتسعى اللوبيات الصهيونية والصقور الجمهوريين في الولايات المتحدة لاتهام ادارة بايدن بانها عملت خلافا للمصالح القومية الامريكية والاسرائيلية.

اضف الى ذلك ان هذا الاتفاق سيعزز أكثر فاكثر من القدرات الاقتصادية والمالية لايران ومن موقفها السياسي في المنطقة، وسينمي من قدرات ما يسمون باذرع ايران في اشارة الى قوى محور المقاومة، وبالتالي يُمكن ان نعتبر هذا الموقف الاعلامي الاسرائيلي انقلابا على الديمقراطيين في امريكا وحملة استباقية بالتواطؤ مع المنافسين الجمهوريين للادارة الديمقراطية، في حين يعتقد الجميع ان هذا الموقف الاسرائيلي هو اهانة لسيادة القرار الامريكي وتدخلا وقحا في السياسة الامريكية، كما انه يعكس مدى التحكم الصهيوني بمفاصل القرار في الولايات المتحدة.

بالاضافة الى كل ذلك فان حكومة لبيد تسعى من خلال ذلك معالجة ازماتها الداخلية وتقوية رصيدها في الانتخابات المقبلة، وفي الاساس هناك الكثير من الاسرائيليين يعتبرون ان الاتفاق الامريكي مع ايران هو لصالحهم لانه وكما يبرر الامريكيون سيؤدي الى وقف البرنامج النووي الايراني ومنع ايران من الوصول الى القنبلة النووية.

وهذا ما فهمناه من تصريحات المتحدث باسم الخارجية الامريكية نيد برايس التي حذر فيها تل ابيب من ان معارضتها للاتفاق مع ايران وافشال هذا الاتفاق سوف يوفر لايران الذرائع لتصعيد انشطتها النووية ورفع سقف تخصيب اليورانيوم والوصول في النهاية الى القنبلة النووية، وفي اعتقادي ان السيناريو الثاني هو الارجح.

** وزير الخارجية الايراني تحدث عن رسالة تم تسليمها لواشنطن عن طريق الوسيط الاوروبي... ما مضمون هذه الرسالة وما الذي تريده طهران قبل الوصول الى اتفاق بشأن اعادة تفعيل الاتفاق النووي؟

الرسائل التی یوجهها وزير الخارجية الايرانية، أمير عبداللهيان، ليست بخافية على احد، فان ما نعرفه عن عبد اللهيان انه يعبر عن مواقف طهران عبر تغريدات ورسائل مفتوحة، واعلن في آخر تغريدة له ان طهران قدمت آرائها إلى الأطراف الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، من خلال ممثل الاتحاد الأوروبي، وهي تنتظر الرد.

ویرکز مضمون الرسالة التي وجهها وزير الخارجية الايراني الى واشنطن عبر الوسيط الاوروبي على نقطتين اساسيتين وهما:

• التأكد من عدم تجاوز مسودة الاتفاق الجديد للخطوط الحمراء للجمهورية الاسلامية.
• ان ينطوي الاتفاق الجديد على منافع اقتصادية ومالية ملموسة لايران سواء لجهة وجود آليات مصرفية مطمئنة وسالكة لاستيفاء اثمان النفط الايراني المباع، والتاكد من عدم وجود عقبات امام تحويل الاموال الايرانية، بالاضافة الى تحرير الارصدة الايرانية المجمدة في البنوك الامريكية وكوريا الجنوبية واليابان وفي دول اخرى.

صفوة مضمون رسالة عبد اللهیان تتمحور حول احترام الخطوط الحمراء الایرانیة، وجني فوائد مالية واقتصادية كاملة هما النقطة التي عندما يتم التوصل اليها ستكون ايران مستعدة لمناقشة الخطوات التالیة.

** بصراحة وشفافية هل لا تزال طهران مهتمة بالاتفاق المعروف بالاتفاق حول البرنامج النووي الايراني خاصة على ضوء التطورات في الصراع الدولي والسعي لايجاد نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب؟

ان الاتفاق الجديد اذا ما تم التوصل اليه سنراه يختلف تماما عن الاتفاق المبرم في عام 2015 في جميع النقاط فسیكون اتفاقا حرفيا خاصا في البرنامج النووي حيث تم عزل جميع القضايا السياسية العالقة؛ وفيما يتعلق بقضية الحرس الثوري، هناك شقان: الاول؛ انشطة الحرس العسكرية حيث تم ترحيل هذا الجزء من الاتفاق، وهناك شق تجاري يتعلق بانشطة الحرس التجارية والاقتصادية، وكانت ايران ترفض الحظر على الحرس لجهة انه يطال الشركات العالمية التي تتعامل مع الحرس، وايضا مع مؤسسات مدنية ايرانية، وان ابقاء الحظر على هذه الشركات سوف يضر بايران وسيحرمها مستقبلا من التعاون مع هذه الشركات.

فمن دون شك سيكون الاتفاق الجديد مختلفا الى حد بعيد عن الاتفاق السابق المبرم في عام 2015 الذي فقد المهلة الزمنية، بالاضافة الى مقتضيات التطورات والمستجدات في الصراع الدولي لاسيما الحرب الروسية في أوكرانيا التي جعلت الغربيون يهرولون وراء ايران للحصول على قطرات من النفط تحت طائلة قطع موسكو امدادات الطاقة عنهم، وتهديدها بقطع بقية الامدادات والشتاء القارس والمرعب الذي ينتظر القارة الاوروبية.

وبالتالي ترى طهران ان هذا الاتفاق هو اتفاق الضرورة بمعنى ان الضرورة هي التي تفرض هذا الواقع المر عليهم وهو شراء النفط من ايران، وبالتالي ان ايران لاتشك في ان الغربيين جادون هذه المرة في اتفاقهم مع ايران لان هذا الاتفاق بات حاجة ملحة لهم للتخلص من الشتاء القارس والحيلولة دون المزيد من الانهيارات في اوضاعهم الاقتصادية والصناعية، وتشعر طهران انها اصبحت اليوم امام فرص لم تكن سانحة لها ابان الفترة التي سبقت ابرام الاتفاق السابق ولابد من اغتنامها ولهذا لم يألوا الايرانيون جهدا في رفع سقوف مطالبهم وارغام الطرف المقابل على الاستسلام امامهم.

** الجميع يتحدث عن حالة من الضعف تمر بها الادارة الاميركية اضافة الى تورطها في حروب وازمات عالمية متفجرة وداهمة... هل تعتقد ان مثل هذه الحالة تساعد ام تعيق في تقديم التنازلات من اجل عودتها للاتفاق النووي؟

حسب رأي الكثير من المراقبين السياسيين والمتتبعين لتطورات العالم والمنطقة، تقف الولایات المتحدة الامريكية على كف عفريت وتواجه ازمات غير مسبوقة في تاريخها داخليا وخارجيا؛ فعلى الصعيد الداخلي هناك تضخم ينمو بمعدلات كبيرة، وهناك تحدي انتخابي في غاية الخطورة تجاوز جميع الخطوط الحمر للمصالح القومية على خلفية الحملة المستعرة والهيسترية التي يقودها الصقور الجمهوريون ضد الديمقراطيين، وكذلك اثر الازمة التي فجرتها الشرطة الفيدرالية بتفتيشها لمقر اقامة الرئيس السابق دونالد ترامب في فلوريدا والتداعيات الخطيرة جدا الناجمة عنها:

ومنها تكرار سيناريو 6 يناير والهجوم المسلح على مبنى الكابيتول... الشارع الامريكي مدجج بالسلاح... ازلام ترامب نزلوا للشارع للثأر لرئيسهم وهم يعتبرون ترامب ما فوق القانون ويحق له سرقة وثائق في غاية السرية ولايحق لـ"اف بي آي" تفتيش منزله ومصادرتها من دون السؤال: ماذا تفعل الوثائق في منزل ترامب وعدد أكبر منها في غاية السرية؟؟ وهذا ليس كلامي... هناك تقرير أمني أمريكي يحذر من عودة شبح العنف، ومن تنامي التهديدات، وهناك دعوات الى حرب أهلية وتمرد...

وقد توقدت الشرارة باعتداء مسلح طال احد مكاتب الــ "اف بي آي " ومقتل المعتدي... وهكذا للمرة ألف، تلقي الديمقراطية الامريكية حجابها وتسفر عن وجهها اللاديمقراطي... ولكن مثل هذه الانتهاكات ليست حكرا على ترامب؛ وقبله فعل ديمقراطيون نفس فعلته... هيلاري كلينتون... دمرت الاف الوثائق السرية وتخزن آلاف أخرى في حاسوبها... مستشار لرئيس ديمقراطي سابق سرق وثائق لكنه أيضا دفع الثمن... القائد العسكري الامريكي بترايوس قام بنفس العمل ودفع الثمن... لكن يبدو ان ترامب فوق القانون...

باعتقادي ان هذا الوهن الامريكي قبل ان يضر بالاتفاق او لايضر به، فانه ضار لامريكا نفسها لان اي اتفاق اذا اُريد له ان يتحقق يجب ان يكون مرتكزا على اسس قوية في مقدمتها قدرة ومتانة واستقرار الدول الموقعة عليه، ومن هذه الجهة فانه لايمكن ان يكون اتفاقا مطمئنا للذين يريدون العمل في ظله في مشاريع اقتصادية عملاقة

ايران اذا ارادت ان توقع عليه فان الدافع الاساسي هو اغتنام هذه الفرصة، ولا اعتقد ان ايران ستتعامل مع الغربيين اكثر من كونهم زبائن لشراء نفطها او استيراد السلع وبعض الخبرات الغربية التي تحتاجها وفق الشروط التي تفرضها عليهم

وبالتالي فان هذا الامر سيدفع بايران لتكون اكثر اصرار على توجهها نحو الاحلاف الشرقية والرهان على الاسواق والخبرات الشرقية، ومن هناك لاحظنا ان ايران قطعت اشواطا كبيرة في التقارب مع العالم الشرقي الناهض بقيادة الصين وروسيا وسعت بصورة جادة للانضمام الى احلاف هذا المعسكر من معاهدة شنغهاي وبريكس وغيرها من اتفاقيات التعاون مع دول اورآسيا...

اؤكد من جديد انه هذا الاتفاق هو اتفاق الضرورة، وان ايران اذا ارادت ان توقع عليه فان الدافع الاساسي هو اغتنام هذه الفرصة، ولا اعتقد ان ايران ستتعامل مع الغربيين اكثر من كونهم زبائن لشراء نفطها او استيراد السلع وبعض الخبرات الغربية التي تحتاجها وفق الشروط التي تفرضها عليهم وتبقى المشاريع الاستثمارية العملاقة وحصة الاسد في السوق الايرانية للشركات والدول الشرقية...

ومن هنا اتوقع ان نشهد قريبا علاقات وطيدة للغاية اقتصاديا وسياسيا وحتى امنيا وعسكريا بين ايران والكتلة الشرقية، ولكن في نفس الوقت يجب ان نعلم ان ايران تواظب على نهجها المتوازن في بناء علاقاتها مع العالم، فهي لاتريد ان تضع كل بيوضها في سلة واحدة بل انها ستسعى لبناء علاقاتها الخارجية على اساس مقتضيات مصالحها الوطنية.

** هل تعتقد ان الاتهامات التي تروج لها الاجهزة الاميركية ووسائل الاعلام الصهيونية بشأن خطط اغتيال شخصيات اميركية او حتى ملف طعن الكاتب الهندي المرتد سلمان رشدي… ستؤثر على محادثات الملف النووي؟

مع اقتراب اتفاق محتمل، فإن ادعاء اغتيال جون بولتون مستشار الامن القومي الامريكي في ادارة ترامب او وزير خارجيته مايك بومبيو، وحادث الهجوم علی سلمان رشدي امر غريب... نحن لانبكي للملحد سلمان رشدي وانه يستحق الموت لتطاولة على ساحة رسولنا الاكرم والاعظم (ص)، لكننا نشك في توقيت استهدافه والاتهامات الاخرى بخصوص بولتون وبومبيو، ونعتقد ان ذلك أمر غريب مع الاقتراب من اتفاق نووي محتمل...

من الهجمة الاعلامية العالمية والصهیونیة بعد هذه الحادثة على ایران وقوی محور المقاومة نعلم ان هناك شيئا مدبرا، ان هذا مخطط معروف ومعلوم مسبقا والأسباب غير مجهوله للمُطّلع، وهذا بحد ذاته تخبط عشوائي نتيجة الخوف من تنامي قوة الجمهورية الإسلامية الساحق على كافة الأصعدة...

هذه هي الهیستیریا الصهیونیة والهدف جمع اوراق انتخابیة ضد الدیمقراطیین واحراق أوراق الدیمقراطیین حتی لایقولوا بانهم نجحوا في تهدئة العالم والمنطقة ونجحوا فی حمل ایران علی التوقیع علی اتفاق معهم وترید اللوبیات الصهیونیة ان تقول ان الدیمقراطي عمل باتجاه تقویة ایران الارهابیة التي ارادت ان تغتال سلمان رشدی وبولتون وبومبیو وغیرهم... ولکن مهما فعلوا لن يفلحوا ان شاء الله، انه زمن ما بعد أمريكا.

إن توقيت هذه العملية في هذا الوقت الذي تجري نرید الاقتراب من نقطة الحسم بغية رفع الحظر يثير الشكوك، ربما انهم یریدون استخدام هذه الاوراق للضغط علی إيران والحرس الثوري في تلك المباحثات المفصلية خصوصاً وأنه سبق ذلك عدة اتهامات يقف وراءها كيان الاحتلال الصهيوني./انتهى/