قال الباحث في العلوم السياسية والاستراتيجية، د.حيدر الرماحي، ان تطور العلاقات الايرانية العراقية لاقت استهجانا ورفضا غربيا اذ تخشى اسرائيل من تطور هذه العلاقة مع بغداد لانها تعتقد انها ستكون حائلا دون تنفيذ مشروع التطبيع ويبقيه بعيدا عن سياساته فضلا عن الحد من التمدد الاسرائيلي في المنطقة.

وكالة مهر للأنباء - القسم الدولي: العلاقات الايرانية العراقية تواصل نموها على كافة المستويات بين كبار المسؤولين السياسيين والاقتصاديين والعسكريين، فيما ابدت الجمهورية الاسلامية الايرانية استعدادها لتزويد العراق بخبراتها لكي يصل الى الاستقلال والاكتفاء الذاتي في الصناعات العسكرية والدفاعية، واكدت طهران وقوفها بكامل قوتها الى جانب بغداد.

فايران والعراق يحظيان بترابط في الامتداد الجيوسياسي يشمل المجالات القومية والدينية والثقافية والاقتصادية والطاقوية، ويرى الكثير من الباحثين والمحللين انه يجب دعم هذا الترابط كعامل للوحدة بين البلدين لأن الوحدة والتضامن بين الشعبين هو نقطة قوة يريد اعداء البلدين النيل منها ونظرا لمحاولات بعض الاعداء الرامية لتخريب واضعاف هذه العلاقات فان الانتباه واليقظة ازاء هذه المؤامرات امر ضروري لكلا الطرفين.

واعتبر وزير الدفاع الايراني ان للعراق ماضيا حضاريا وثقافيا وتاريخيا عظيما وعريقا وان نظرة الجمهورية الاسلامية الايرانية تجاه العراق مبنية على مبدأ دعم وحدة وتماسك العراق والمساعدة على تعزيز الاستقرار والأمن والتنمية والتطور والرخاء والازدهار فيه.

وفي هذا الشأن أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء، "وردة سعد" حواراً صحفياً مع الباحث في العلوم السياسية والاستراتيجية "د.حيدر الرماحي"، وأتى نص الحوار على الشكل التالي:

** جرت في الايام القليلة الماضية زيارات متبادلة بين مسؤولين عراقيين وايرانيين على مستوى عالٍ.. واذا بدأنا بزيارة وزير الخارجية الايراني السيد حسين امير عبداللهيان.. ففي اي سياق حدثت هذه الزيارة؟ ولماذا نظر اليها المراقبون بعين الاهمية؟

العراق بطبيعة علاقاته من الجارة ايران ودول المنطقة تؤهله ان يمارس دورا مهما على مستوى الوساطة لحلحلة الخلافات بين طهران والرياض وتقريب وجهات النظر بين الطرفين

بلا شك؛ فان العلاقات الثنائية بين العراق والجمهورية الاسلامية تتميز اليوم عن كل يوم سبق بمزيد من التعاون والدعم والعلاقات الدبلوماسية القائمة على اساس الاحترام والتعاون، وطبيعة الزيارات بين الجانبين تبدو لبلورة وتحقيق قدر اكبر من التنسيق وتوحيد وتقريب وجهات النظر بشان العلاقات الثنائية او المنطقة... فالعراق بطبيعة علاقاته من الجارة ايران ودول المنطقة تؤهله ان يمارس دورا مهما على مستوى الوساطة لحلحلة الخلافات بين طهران والرياض وتقريب وجهات النظر بين الطرفين.

اما هذه الزيارة بشكل خاص فانها لم تكن بعيدة عن سياق ترسيخ هذه العلاقات الثنائية فضلا عن التحضير لابرام اتفاقات وتوافقات امنية بالدرجة الاولى بين الجانبين ما يحقق الامن والاستقرار لكلي الطرفين، اضافة الى التعاون الاقتصادي والتجاري، وربط خطوط سكك الحديد وموضوع نقل السلع المباشر بين البلدين.

** قيل في سياق هذه الزيارة ان وزير الخارجية العراقي السيد فؤاد حسين كان يحمل رسالة من واشنطن حول استئناف المحادثات حول البرنامج النووي الايراني.. ما مدى صحة هذه المعلومات؟ وهل يمكن ان تضطلع بغداد بدور وساطة بين طهران وواشنطن على غرار دورها بين السعودية وإيران؟

قد لا يخفى على المتابع ان العراق اليوم ليس عراق الامس، فهو يتمتع اليوم بحالة من الاستقرار الداخلي وعلى جميع المستويات ما انعكس على عودة الحضور الفاعل في الساحة الاقليمية والدولية لما له من اهمية كبيرة اقليميا ودوليا؛ هذا وكانت وساطة العراق بين الجانب الامريكي والايراني مؤخرا خطوة مهمة على مستوى استقرار المنطقة وابعادها عن التوترات وشبح الحرب.

وساطة العراق بين الجانب الامريكي والايراني مؤخرا خطوة مهمة على مستوى استقرار المنطقة وابعادها عن التوترات وشبح الحرب

وتبدو الرسائل التي وصلت عبر العراق الى الجمهورية الاسلامية تبلورت في سياق الملف النووي الايراني بعد انقلاب الولايات المتحدة على محادثات عام 2015 وفرضت على اثر هذا الانسحاب عقوبات اضافية ظالمة بحق الشعب الايراني... وعلى الرغم من نفي الولايات المتحدة حصول هكذا رسائل لحوارات مباشرة حول الملف النووي الايراني الا ان الواقع مختلف ومثقل العراق دور الوساطة على مستوى نقل الرسائل بين الطرفين.

ولا يمكن اغفال الموقف الامريكي في هذا الشان عما يجري في العالم من تطورات مهمة على مستوى الحرب في منطقة اوراسيا والتي تشكل الولايات المتحدة طرفا رئيسيا فيها في مواجهة روسيا، كما لا يمكن التغافل عن صفقة السلاح التي زودت اثرها طهران موسكو طائرات من دون طيار وفاعليتها في الحرب بين روسيا واوكرانيا، اذ ابدت الجمهورية الاسلامية قدراتها على مستوى التسليح علما انها لم تنكفئ عن دعم احد اطراف الازمة... بينما تسعى الولايات المتحدة الامريكية الى خلق تهدئة في المنطقة في ظل التطورات العالمية حماية لمصالحها خلال امد هذا الصراع وعدم خلق حالة من التطورات التي قد تفضي الى حالة من التخندقات والتحالفات التي قد تؤثر على المصالح الامريكية في المنطقة لصالح اطراف الصراع الدولي كالصين وروسيا.

ويبدو ان الموقف الايراني كان جادا في بالالتزام باهمية الاستفادة من العلاقات العراقية الامريكية احياءً للاتفاق النووي بما يحقق اهدافها.

** اثناء زيارة الوزير عبد اللهيان فتحت ملفات عديدة ووقعت اتفاقيات بشأنها مع المسؤولين العراقيين، فلماذا تبعتها زيارة لوزير الدفاع العراقي الى طهران.. وما هي دلالات هذه الزيارات في هذا التوقيت؟

من الواضح ان طبيعة هذه الزيارة التي جرى الترتيب لها بناء على اساس فهم البيئة الاقليمية الاستراتيجية وما تشهده من تطورات سياسة وامنية وما تمثله الجمهورية الاسلامية من موقع خاص في المعادلة الاقليمية، هذه الزيارة التي جاءت على اساس مد جسور التعاون الامني وتعزيز الدفاعات العراقية من خلال الاستفادة من خبرات وقدرات الجمهورية الاسلامية الايرانية وتشكيل لجان مشتركة لتنسيق هذا التعاون، هذه العلاقة بالتاكيد لاقت استهجانا ورفضا غربيا اذ تخشى اسرائيل من تطور هذه العلاقة مع بغداد لانها تعتقد انها ستكون حائلا دون تنفيذ مشروع التطبيع ويبقيه بعيدا عن سياساته فضلا عن الحد من التمدد الاسرائيلي في المنطقة تحت هذا العنوان... وفي نفس الوقت تلاقي رفضا من قبل الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة لاعتقادها بانها ستؤثر على تشجيع العراق على طرد القوات الامريكية من ارضه...

ان من ابرز دلالات هذه الزيارات المتبادلة هي ان هذين البلدين يواجهان مصيرا مشتركا بناء على طبيعة الجيبولتيك للبلدين والتوجهات العامة لهما.

** بغداد لعبت دورا مميزا في حملة الإغاثة الانسانية لضحايا زلزال سوريا.. وكان لافتا صوتها الداعي لاعادة سوريا الى مقعدها في الجامعة العربية اثناء مؤتمر البرلمانات العربية.. ما دلالات هذا التصدي العراقي لهذا الملف الشائك عربيا ودوليا؟ وهل تتوقعون النجاح لهذا الدور في كسر الحصار الاميركي والسعودي لسوريا؟

يعتقد العراق ان ما تعرضت له سوريا وشعبها في مجمل الحرب التي تعرضت لها لسنوات طويلة هي حرب ظالمة ويسعى العراق الى وضع حلول وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء في المنطقة ومحاولة الدبلوماسية العراقية حلحلة المشاكل في المنطقة وانهاء معاناة الشعب السوري ومغادرة سياسة لي الاذرع وتخفيف حدة الازمات في المنطقة...

امن واستقرار سوريا يعد امرا مهما بالنسبة العراق

ويهتم العراق لشان سوريا لعدة اسباب اهمها انها ترتبط مع العراق في الشريط الحدوي وامن واستقرار سوريا يعد امرا مهما بالنسبة العراق، من جهة وجهة ثانية الجانب الانساني للشعب السوري الذي يعاني من الحصار والعقوبات والقيطعة الظالمة وهذا الشان الانساني الذي يجب ان يرعاه المجتمع الاقليمي والدولي... وبفضل العلاقات الجيدة فان العراق يسعى الى وضع حد لهذه التقاطعات من خلال استثمار علاقاته مع دول المنطقة...

وتبقى هذه المساعي ضرورية ومهمة لكسر هذا الحاجز ولو كان نسبيا، ونتمنى ان يوفق العراق في هذه المساعي واستغلال كافة المحافل لدعم الشعب السوري الذي يرتبط معنا بالدين والانسانية.

** ينعم العراق حاليا بمرحلة من الاستقرار بقيادة حكومة السيد السوداني.. ما مقومات هذا الاستقرار النسبي، في ظل التوترات الاقليمية واستمرار الهجوم الاميركي على دول المنطقة وشعوبها؟ ولماذا تراجع الاميركي عن حملة التخريب في العراق؟

الولايات المتحدة لا زالت تمارس ضغطها على الحكومة بشكل او بآخر ما يحقق مصالحها في العراق والمنطقة وعلى حساب الشعب العراقي والشعوب المستضعفة

تتميز حكومة السيد السوداني بدعم كبير ومنقطع النظير من قبل المكونات السياسية هذا اذا ما قارناها بالحكومات السابقة، وبطبيعة هذا الدعم وتوفر الارادة عند السيد السوداني والجهات الساندة له في تقديم مشروع حكومي ينسجم والتطلعات الشعبية والاستفادة من الاخطاء السابقة التي كانت سببا في تدهور اوضاع البلد ومكافحة الفساد الاداري والمالي بشكل خاص وتوفير الخدمات للمواطنين هذا من جانب ومن جانب اخر طبيعة السياسة والدبلوماسية عند حكومة السيد السوداني في ظل التعامل مع الدول الاقليمية والدولية التي تميزت بنوع من الواقعية، لذلك فان الاستقرار الداخلي ”سياسيا واقتصاديا وامنيا" كان من العوامل الرئيسة للاستقرار في العراق، في حين لازالت الولايات المتحدة تمارس ضغطها على الحكومة بشكل او بآخر ما يحقق مصالحها في العراق والمنطقة وعلى حساب الشعب العراقي والشعوب المستضعفة.

** هناك نوع من الغموض في العلاقات الاميركية العراقية.. اذ انها تبدو جيدة وخالية من التوتر رغم وجود ملفات خلافية كثيرة اهمها مستقبل وتنظيم الوجود العسكري الاميركي في العراق.. فما حقيقة الامر وكيف يجري ترتيب هذه العلاقات؟

تتسم العلاقات الامريكية العراقية بنوع من التعقيد بحسب طبيعة التطورات والحكومات التي تتولى دفة الحكم في سواءا في العراق او في الولايات المتحدة، اذ تعمل واشنطن على فرض ضغوطها على الحكومة من اجل تحقيق مصالحها المباشرة.

تحاول الولايات المتحدة فرض ضغوطها على الحكومة التي انبثقت من رحم الاطار التنسيقي واختلاق ازمات داخلية على مستويات متعددة من اجل الحفاظ على بقاء قواتها بمسميات مختلفة

هناك مسارات جديدة على مستوى العلاقات بين الولايات المتحدة الامريكية والعراق في ظل حكومة السيد السوداني، وتتجه هذه العلاقات نحو التعقيد اذ تحاول الولايات المتحدة فرض ضغوطها على الحكومة التي انبثقت من رحم الاطار التنسيقي واختلاق ازمات داخلية على مستويات متعددة من اجل الحفاظ على بقاء قواتها بمسميات مختلفة.

وفي الوقت نفسه تحاول واشنطن عدم التصعيد او خلق توترات في العلاقة مع بغداد لقطع الطريق امام تمدد روسيا في العراق او تمتين العلاقات بشكل اكبر مع الجمهورية الاسلامية الايرانية... كما ان البرنامج الحكومي لحكومة السيد محمد شياع السوداني القائم على اساس البناء المؤسساتي لتنمية القطعات الحيوية يفرض عليه فتح حوارات واضحة مع الشركاء واولها الولايات المتحدة الامريكية التي تسيطر بشكل واضح على الاقتصاد العراقي لدعم مشروعه الحكومي وعدم الوقوف عائقا امام هذا البرنامج... في حين تستخدم واشنطن هيمنتها في فرض القيود على الحكومة بشان الحشد الشعبي والعلاقة مع ايران وعقد الاتفاقيات مع الشركات العالمية غير الامريكية الامر الذي يدعو الحكومة العراقية للتعامل بحكمة مع مجمل هذه السياسات.

/انتهى/