يمكننا نستنتج من العديد من تصريحات الإمام الخميني (رض) أن مواجهة المتغطرسين ضد المضطهدين ليست عاملاً تاريخيًا، أو قوة سياسية، أو تفوقًا عرقيًا أو جغرافيًا، بل هي تعتبر تصور ذاتي للجبهة الباطلة.

وكالة مهر للأنباء، القسم الدولي: ان من أهم اجراءات وسياسات الإمام الخميني (رض) بعد انتصار الثورة الإسلامية إنشاء مؤسسات ثورية لتحقيق أهداف ومثل ثورة الشعب الإيراني، مؤسسات مثل جهاد البناء وحرس الثورة الإسلامية الإيرانية وما إلى ذلك، إلى جانب هذه المؤسسات المعروفة، هناك سياسة أخرى للإمام تتمثل في اجراءات خطابية من خلال الاعتماد على بعض السياسات مثل إنشاء أو قبول مقترحات مثل تسمية أسبوع الوحدة، وتسمية يوم القدس، وتسمية يوم المرأة ...

لماذا يوم القدس؟

كان من بين الإجراءات الخطابية التي قام بها الإمام الخميني (رض) تكريس الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك ليوم القدس في 7 اغسطس عام 1979، بالتزامن مع 13 رمضان من ذلك العام، أعلن الإمام الخميني (رض) في أول رمضان بعد انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، في رسالة قصيرة عن تسمية يوم القدس للجمعة الأخيرة من شهر رمضان. ونص الرسالة فيما يلي:

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد حذرت المسلمين منذ سنوات عديدة من خطورة الكيان الصهيوني المحتل الذي كثف هجماتها الوحشية على الإخوة والأخوات الفلسطينيين، خاصة في جنوب لبنان، بهدف تدمير المقاومة الفلسطينية وقصف منازلهم وبيوتهم واحدة تلو الأخرى.

أطلب من كل مسلمي العالم والدول الإسلامية أن يتحدوا معا لقطع يد هذا المغتصب وأنصاره. وأدعو جميع مسلمي العالم إلى اختيار الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، لان هذا اليوم يعتبر من احد أيام القدر ومن الضروري ان تتوحد الدول الاسلامية لدعم الحقوق الشرعية للمسلمين.

أسأل الباري تعالى أن ينصر المسلمين على أهل الكفر. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كما يتضح من رسالة الإمام، انه الى جانب التركيز على القضية الإسلامية والدينية للمسجد الأقصى أمام الظلم، فإن هذا اليوم يتزامن مع أيام القدر بين الشيعة والسنة.

فلسفة يوم قدس، مواجه المتغطرسين ضد المضطهدين

وشرح الإمام الخميني (رض) في احد خطابته ان الغرض من تسمية يوم القدس وفلسفة هذا اليوم، ان "يوم القدس هو يوم عالمي. إنه ليس يومًا مخصصًا للقدس فقط، إنه يوم للمضطهدين لمواجهة المتعجرفين. إنه يوم المواجهة بين الأمم التي كانت تحت ضغط القمع الأمريكي وغير الأمريكي ضد القوى العظمى. إنه يوم يتسلح فيه المظلوم ضد المتكبر، إنه اليوم الذي يكون فيه التمييز بين المنافقين والملتزمين. أولئك الملتزمون يعتبرون هذا اليوم يومًا مقدسًا، ويفعلون ما يجب عليهم فعله. والمنافقون هم الذين لا يبالون بالصداقة مع إسرائيل في هذا اليوم، يوم القدس هو اليوم الذي يتحتم فيه تقرير مصير الشعوب المظلومة، وعلى الدول المظلومة أن تعلن وجودها ضد المتغطرسين ". (صحيفة الإمام الخميني المجلد 9 ص 276)

محور كلام الإمام كلمتان مألوفتان نسبيًا. المستضعفين والمتغطرسين. كلمتان استخدمهما الإمام الخميني (رض) كثيرًا في خطاباته. وعن المعنى الدقيق لهاتين الكلمتين قال الإمام الخميني: "نحن جميعًا من المستضعفين، أي أننا أناس اعتبرتهم القوى العظمى ضعفاء، لم يعتبرونا شيئًا. نريد الخروج من هذا الاتجاه". (صحيفة الامام الخميني المجلد 7 ، صفحة 369)

من هم المستضعفين؟ يُعرَّف المستضعفين في السنوات القليلة الماضية - الطبقات الضعيفة لكن المستضعفين يعني أولئك الذين لديهم قوة، لديهم قوة الإيمان، و{المتكبرون} لا يفهمونهم ويعتبرونهم مستضعفين و يقولون ان هؤلاء ضعفاء ". (صحيفة الإمام الخميني المجلد 10 ص 121)

في استعراض أدب الإمام نصل إلى نقطة دقيقة وجميلة يعتبرها الإمام أن السبب الرئيسي لظهور جبهتي "الغرطسة والمستضعفين" أمر أخلاقي. إن ظهور الروح المتغطرسة ناتج عن الغرور بدلاً من التمركز حول الله. كما أن جهل المستضعفين وانعدام الثقة بالنفس وتأثيرات الدعاية الاستعمارية جعلتهم يعتبرون مجموعتهم أضعف من الدول والحكومات الأخرى.

"كل الفساد الذي يحدث في العالم، سواء كان الفساد من الأفراد، أو الفساد من الحكومات أو المجتع يحصل من انانية الانسان وهو ارث من الشيطان الرجيم. كل الفساد الذي حدث في العالم من هذا القبيل. (صحيفة الإمام الخميني المجلد 19 ص 133)

"أمريكا هي العدو الأول للمحرومين والمضطهدين في العالم. أمريكا لا تمتنع عن ارتكاب أي جريمة بسبب هيمنتها السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية على العالم الخاضع لسيطرتها. إنها تستغل شعوب العالم المظلومة بدعايتها الواسعة التي نظمتها الصهيونية العالمية، تمتص دماء الناس الذين لا حول لهم ولا قوة وكأن لا أحد في العالم له الحق في العيش إلا هي وأتباعها. (كتاب الإمام الخميني المجلد 13 ص 212).

من هذه الكلمات والعديد من كلمات الإمام الأخرى يمكن الاستنتاج أن مواجهة المتغطرسين ضد المضطهدين ليست عاملاً تاريخيًا أو قوة سياسية أو تفوقًا عرقيًا أو جغرافيًا، بل تعبر عن انانية الجبهة الباطلة ضد جهل المضطهدين في العالم.

الكلام الاخير

إذا كان لدينا فهم صحيح لسبب تسمية يوم القدس في رمضان (الموقف الديني وأيام القدر) مع سبب وفلسفة هذا اليوم (مواجه المتغطرسين ضد المضطهدين). عندها سوف نفهم لماذا يمكن اعتبار قضية فلسطين يوم القدر للعالم الإسلامي، ووفقًا للإمام الخميني (رض)، فإن يوم القدس هو يوم لتحذير جميع القوى العظمى من أن ترفع أيديهم عن المظلومين والمضطهدين في العالم كله.

/انتهى/