وكالة مهر للأنباء - القسم الدولي: يوم القدس العالمي هو هدير الامواج الهادرة وصرخات الأمة الإسلامية الموحدة والمجتمعات الإسلامية على سنوات من القهر والوحشية والاحتلال والجريمة، وتعاطف مع معاناة الشعب الفلسطيني المظلوم.
اليوم يوم القدس العالمي لم يعد مجرد ذكرى تخرج فيها الحشود المليونية نصرة للقدس والأقصى، ودعماً للحق والمظلومين في مواجهة الطغيان والعربدة الصهيونية المتناقضة مع كل القيم الإنسانية وأعراف المجتمع البشري والقانون الدولي، بل تحول هذا اليوم المجيد من ذكرى إلى ذاكرة حية عامرة بالمعاني والدلالات الغنية المتجددة كل عام، والقادرة على دب الذعر والخوف في قلوب قلوب الصهاينة ومن يشد على أيديهم.
وفي هذا الصدد أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء "وردة سعد" حواراً صحفياً مع الاستاذ الجامعي والباحث التربوي والاعلامي السيد "خضر الموسوي"، وأتى نص الحوار على الشكل التالي:
** ربما كان يوم القدس العالمي من ابرز الاحداث السياسية التي يشهدها المسلمون والعرب في رمضان المبارك.. فما هي الخلفية الفكرية والعقائدية التي تقف خلف اعلان هذا اليوم في فكر ومواقف مؤسس الجمهورية الاسلامية القائد الراحل اية الله الخميني رضوان الله تعالى عليه؟
جاء اعلان يوم القدس العالمي من قبل الامام الخميني (قده) بعد عودته بستة اشهر الى ايران 1979، وبعد اربعة اشهر من اعلان الجمهورية الاسلامية، انطلق الامام في هذا اليوم كأولوية في فكره، وانطلق من ان القدس هي مسرى رسول الله (ص)، ومهبط الرسالات وتمثل وحدة الاديان، ولذلك كانت تمثل جانب فكري مهم جدا كمدينة الانبياء وسكن لجميع الانبياء، كما ورد في الحديث "القدس وما حولها ثغور الى يوم القيامة"...
اعتبر الامام ان فلسطين ارض اسلامية وخاصة للشعب للفلسطيني بمسلميه ومسيحيه ويهوديه الذين سكنوا سويا قبل عام 1948، وما حصل بعد هذا التاريخ هو احتلال لاراض فلسطينية، لذا فإنشاء ما يسمى بـ"دولة اسرائيل" هو انشاء ظالم ولا يمكن تبريره والقبول به، لذلك كان الاعلان هو الصرخة المدوية ضد الكيان الغاصب وداعميه من المستكبرين في العالم أجمع، ولا عجب ان يعلن الامام الخميني عن يوم القدس وليس صدفة ان يعلنه في اخر جمعة من شهر رمضان المبارك حيث ليالي القدر المباركة، على ضوء ذلك جعل العقيدة باب الصراع الحقيقي، لان القدس هي باب الصراع بين عقيدتين ووجودين متناقضين...
اراد الامام الخميني (قده) ان تبقى القدس حية في النفوس، بهذا الامر صنع تحول كبير في الصراع الحضاري مع اليهود، ولهذا اراد للمسلمين وللعالم وعي مشروع الاسلام المنطلق من طهران الى القدس...
واعتبر الامام ان الصراع حضاري وطويل، ولن ينتهي الا بزوال "اسرائيل" من الوجود، واكد ان المواجهة هي ابعد من القدس، فهي مع قوى الاستكبار عموما، وايضا اراد الامام ان تبقى القدس حية في النفوس، بهذا الامر صنع تحول كبير في الصراع الحضاري مع اليهود، ولهذا اراد للمسلمين وللعالم وعي مشروع الاسلام المنطلق من طهران الى القدس، الى رفض الاعتراف والتعامل مع الكيان الصهيوني الغاصب والمؤقت...
لم يطرح الامام هذا الامر ليكون مجرد شعار بل ليتحول الى نمط عال في التربية للامة تعبيرا عن حالة هيام وعشق، وصدح بأعلى صوته مع الجماهير المؤمنة بالقضية الفلسطينية بأن اليوم ايران وغدا فلسطين، ودعا الى تجهيز جيش بعشرين مليون مقاتل لتحرير القدس، وأطلق شعار "زحفا زحفا نحو القدس"، ورفض كل أشكال التفاوض المباشرة وغير المباشرة، واعلنها مدوية بأن يوم القدس هو يوم انفضاح المتآمرين الموالين لـ"اسرائيل" وبأنه لا بد ان تعود القدس الى المسلمين.
** الان وقد مر على اعلان هذه المناسبة اربعة وخمسين عاما، جرت خلالها احداث كثيرة، هل ترون ان رؤية الامام السيد الخميني في تكريس هذه المناسبة كانت صائبة؟ وان رؤيته لضرورة ربط الامة بأهم مقدساتها كانت في محلها؟
اليوم اكثر من اي وقت مضى يشعر الكيان الصهيوني الغاصب بأنه محاط بحركات وشعوب وقوى تنتظر لحظة الخلاص ابتداء من الشعب الفلسطيني نفسه بكل قواه المقاومة مرورا بلبنان وسوريا والاردن وشعوب تونس وايران والعراق واليمن وباكستان وافغانستان وغيرها من الشعوب في كل انحاء العالم
نعم بكل تأكيد، فقد اثبتت الاحداث واوضح التاريخ ان اعلان الامام ليوم القدس كان صائبا، وهي الدعوة التي اسست لتعبئة الامة للاستعداد الكبير كأكبر طاقة فكرية وايجاد قاعدة سياسية نابعة من جذور الامة بهدف كشف الأنظمة العميلة، نعم اليوم فلسطين بأجمعها تبدلت الى ميدان للمقاومة.. والحركات الاسلامية وغيرها من الحركات سواء اكانت يسارية او غير ذلك والتي تعمل تحت راية الكفاح المسلح لتحرير القدس والدفاع عنها، وازالة "اسرائيل" ككيان غاصب من الوجود، اليوم هناك عشرات الملايين من المسلمين في العالم يصدحون بإسم القدس وبإسم القضية الفلسطينية رفضا للكيان الغاصب، وقد استطاع الامام ان يحيي القضية الفلسطينية التي حاول الاستكبار العالمي نسيانها، وقام بجهود لكي لا تنساها الشعوب العربية المسلمة واصبحت فلسطين والقدس وتحرير الارض وزوال الكيان هي الشعارات المدوية في وجدان الكثير من الشعوب..
اليوم اكثر من اي وقت مضى يشعر الكيان الصهيوني الغاصب بأنه محاط بحركات وشعوب وقوى تنتظر لحظة الخلاص ابتداء من الشعب الفلسطيني نفسه بكل قواه المقاومة مرورا بلبنان وسوريا والاردن وشعوب تونس وايران والعراق واليمن وباكستان وافغانستان وغيرها من الشعوب في كل انحاء العالم.. ان الامة اليوم بفضل صيحة الامام تتوحد تحت راية القدس سنة وشيعة عربا وفرسا واكرادا واتراكا وغيرهم ممن يقولون للامام لقد صدقت الرؤية، وها هي جحافل المقاومة بعد 45 سنة على اهبة الاستعداد لخوض المعركة الكبرى الفاصلة لازالة هذا الكيان من الوجود، برغم كل مساعي هذه الانظمة العميلة في محاولاتها البائسة واليائسة للتطبيع والإسراع في تطبيق العلاقات العلنية مع العدو..
وان محور المقاومة اليوم مع البيئات الحاضنة هناك حالة من التنسيق والاتحاد والتماسك بشكل لا يتصوره العدو، هذه هي رؤية الامام التي بعث الامل بقرب تحرير فلسطين عبر الجهاد العسكري كما اعلنه سابقا.
** الى اي حد استطاعت دعوة الإمام الحميني (قُدس سرّه) ان تستقطب من الشعوب الاسلامية؟ وهل تعتقدون انها باتت وسيلة ناجعة لتحريك ضمير الامة وشعوبها وربطها عضويا وايمانيا بالقضية الفلسطينية ومقدساتها؟
الامر مفتوح لكل الشعوب الاسلامية وغيرها، واحياء اليوم وبكل فخر يحصل بثمانين دولة من دول العالم من اميركا الى اوروبا الى السويد الى العالم الاسلامي باكستان أفغانستان نيجيريا طهران تركيا الى العالم العربي عموما، وحتى خلال فترة كورونا عقدت الندوات الافتراضية في افريقيا وغيرها، كما كانت المسيرات السيارة والمهرجانات هنا وهناك، لقد احيا الامام القدس في وجدان الشعوب رغم محاولات التطبيع..
والمظاهرات التي تنظم تضامنا مع الشعب الفلسطيني في وجه الكيان المحتل، ايضا هناك التجمعات التي تحصل امام السفارات الاميركية والامم المتحدة، المسلمون سنة وشيعة يحييون هذا الامر، حتى المراجع الدينية هنا وهناك تدعو لمشاركات واسعة في يوم القدس...
ففي ايران مثلا هناك 900 مدينة يقام فيها يوم القدس عبر مسيرات مليونية فضلا عن المؤتمرات الدولية، ورغم المعاناة البحرين تحيي يوم القدس رغم تصدي السلطة للتظاهرات، وحتى في بعض دول الخليج تقام المسيرات على استيحاء، لان الشعوب لم تعترف بالتطبيع، ولان الحركات الاسلامية التي تدعي الاسلامي كـ"طالبان" و"داعش" وغيرها قاتلت في كل الدنيا الا في فلسطين.. ولذلك يمكن القول ان ما حصل هو مقدمة لتأسيس حزب للمستضعفين في كل انحاء العالم، وقد تكرس الامر بالجهاد في فلسطين الى الانتفاضات المتعددة الى توازن الرعب مع العدو.
** البعض يعترض على اضفاء الطابع الاسلامي على القضية الفلسطينية والصراع في فلسطين المحتلة.. ويرى هؤلاء ان ذلك يؤجج الصراع الديني وبالتالي يخدم منطق اليهود الصهاينة في مزاعمهم بالحق التاريخي في فلسطين.. فكيف كان ينظر الإمام روح الله الموسوي الخميني ( ره) الى الصراع في فلسطين؟ وكيف يمكن الرد على الداعين الى عدم اعطاء الطابع الاسلامي للصراع؟
حقيقة المعركة هي من اجل الارض، وهذا لا ينفي الطابع الديني فالبواعث دينية والاهداف دينية، ونحن نعتبر ان اي معركة ضد الظلم والباطل هي معركة دينية في سبيل الله، ونحن ملزمون بالدفاع عن الاراضي الاسلامية هذا جهاد حقيقي..
اليهود يتحركون بدوافع دينية واحلام دينية كمزاعمهم التاريخية بالهيكل وغيره، ولماذا لا نحاربهم بعقيدتنا، هم يحاربوننا تحت راية اليهودية المحرفة والمزيفة والمزورة، ونحن نقاتل تحت راية الاسلام الاصيلة والمحقة، حتى الازهر في عام 1956 اصدر فتوى بأنه لا يجوز التفريط بشبر من الاراضي الفلسطينية، قد يقولون ان هذا يتعارض مع الشرعية الدولية وقوانين الامم المتحدة، والحدود الدولية الخاصة المعترف بها، نسأل ماذا يعني ذلك؟ اين هي حقوق الناس؟ اين هي الشرعية الدولية بما حصل ويحصل في افغانستان والسودان والبوسنة ولبنان وسوريا والعراق؟ هل الشرعية الدولية قانون عادل، انها لا تعرف الا القوة؟..
الصهاينة منذ عام 67 يسعون لتهوبد القدس عبر المسيرات والبعثات والارهاب وتفريغ المدينة وتدمير الاحياء، وانشاء ساحات خاصة لليهود..
نحن نعتقد ونؤمن بأن فلسطين كلها اسلامية ولن يرضى اليهود الصهاينة ولا اعوانهم ولا الشرعية الدولية بذلك الامر على الاطلاق ونحن لن نهدأ حتى تتحرر ارض فلسطين.. هذا بن غوريون مثلا يصرح بأنه لا معنى لـ"اسرائيل" من غير القدس ولا معنى للقدس من غير الهيكل، اما موشيه ديان فيتحدث ان رسالة الجيش الصهيوني هي حماية المقدسات، ومنذ عام 67 وهم يسعون لتهوبد القدس عبر المسيرات والبعثات والارهاب وتفريغ المدينة وتدمير الاحياء، وانشاء ساحات خاصة لليهود، وقد احرق المسجد الاقصى في عام 1969 وسط الاغاني "سنفجر المسجد، وستشتعل النيران في المسجد"...
ولعل اوضح مقال حديث لهم تمثل بنظرية الصهيونية المسيحية المعاصرة التي تقول ان حربنا مع الاسلام هي حرب بين الله ويهود، كلها دعوات لا تستند الا على الاساطير والخرافات والاوهام، اوهام القوى العظمى في العالم المتحكمة باوروبا وبأميركا، حتى الرئيس الاميركي ريغان يقدم نفسه كخادم للمعبد اليهودي الاكبر في نيويورك، وكذلك فعل وزراء كثر وقادة أميركيون، ويشار الى وجود اكثر من 50 مليون بروتستاني يؤمنون بأن على اليهود نسف المسجد الاقصى..
اذا كان لنا من كلمة اخيرة، فنحن نردد كلمات الامام الخالدة "ان الذين لا يحيون يوم القدس هم مخالفون للاسلام وموافقون للصهيونية، لو ان كل المسلمين في العالم خرجوا من بيوتهم في يوم القدس وصرخوا الموت لاميركا، الموت لـ"اسرائيل" فإن نفس قولهم سيجذب الموت لها"..
هذا اليوم يجب ان يكون يوما حقيقيا للتصدي لانتهاكات الصهاينة على المسجد الاقصى، والاعتداءات المستمرة على اهله، لذلك نعتقد بالوعي الصحيح للقضية الفلسطينية لانها مسألة اسلامية وليست قومية فحسب، ونأمل ان تتحرر القدس ونصلي فيها صلاة الوحدة ان شاء الله، كما نأمل حفظ وصايا الامام الخميني (قده) بأن "اسرائيل" غدة سرطانية ويجب ان تزال من الوجود، وكذلك وصايا الامام موسى الصدر بأن "التعامل مع اسرائيل حرام، وقاتلوهم بأسنانكم واظافركم وسلاحكم مهما كان وضيعا" وعندما قال لابي عمار"خذ علما يا ابا عمار ان شرف القدس يأبى ان يتحرر الا على أيدي المؤمنين الشرفاء" والمسألة تحتاج الى نفس طويل وصبر وحسبنا الوعد الالهي بالنصر والغلبة" كتب الله لاغلبن انا ورسلي".
/انتهى/