قالت الباحثة في الشؤون السياسية، د.سهام محمد، ان الصراع على السلطة والحكم بين الطرفين ذاهب الى التصعيد اكثر فأكثر، وهناك محاولة من القوى الاقليمية والدولية للاستفادة من هذا الصراع، وان يبدو انه هناك مخاوف من ان تسقط كل الرهانات التي وضعتها الاسرائيلي بشكل اساسي والمتعلقة بالتطبيع الكامل...

وكالة مهر للأنباء - القسم الدولي: الصدام الأخير في السودان وما يحمله من تدخل إسرائيلي واضح فتح باب التساؤلات عن دور "إسرائيل" وجهاز استخباراتها في تفكيك هذا البلد الأفريقي، وعن هواجسها من انهيار التطبيع والعودة إلى نقطة البداية...

دائماً ما كان السودان محطّ اهتمام "إسرائيل" التي لم تترك فرصة من دون أن تتدخل في أوضاعه الداخلية ومواقفه الخارجية، وهو ما ظهر بشكلٍ أساسي في السنوات الأخيرة... وقد أحدث الصدام الأخير بين البرهان و"حميدتي"، الذي سيفضي إلى تأجيل أيّ حديث أو اتفاق تطبيع قريب مع السودان، حالاً من الإرباك في مخططات الاحتلال، فالمهم بالنسبة إلى "إسرائيل" هو أن يخرج السودان تماماً من الفلك المعادي لها، وأن يصبح بلداً ضعيفاً يمكن أن تعمل فيه وفق مصالحها بكل أريحية.

وفي هذا الشأن أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء "وردة سعد" حواراً صحفياً مع الباحثة في الشؤون السياسية "د.سهام محمد"، وأتى نص الحوار على الشكل التالي:

** مشهد سياسي معقد يبدو بالمظهر العام انه صراع على السلطة بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات "الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو وقد تسببت الاشتباكات منذ 15 نيسان/أبريل بمقتل أكثر من 420 شخصاً وإصابة 3700 بجروح، ودفعت عشرات الآلاف إلى النزوح من مناطق الاشتباكات نحو ولايات أخرى أو في اتجاه تشاد ومصر... السؤال الذي يطرح نفسه بالتأكيد ماذا يحصل في السودان؟

تعود العلاقة بين البرهان وحميدتي إلى العام 2003، أثناء التمرّد في إقليم دارفور وقت حكم الرئيس السابق، عمر البشير، حيث كان دقلو يرأس مجموعة مسلحة تسمى "الجنجويد" والتي تُحارب حركاتٍ مُسلحةً أخرى في الإقليم، بينما كان البرهان يُنسّق عمليات الجيش في دارفور. وفي 2015 أيضاً، تعاون البرهان ودقلو في عمليةِ مُشاركة القوات السودانية في العدوان ضد اليمن ضمن التحالف السعودي، حيث تشير التقارير إلى أنّ البرهان أشرف على مشاركة القوات السودانية في حرب اليمن بالتنسيق مع قوات الدعم السريع، بقيادة حميدتي...

العلاقات تعزّزت بين الطرفين في العام 2019 حين اتفقا على الإطاحة بنظام عمر البشير، لتشكيل مجلسٍ عسكري لحكم البلاد، بعد احتجاجاتٍ حاشدة طالبت بالديمقراطية وحلّ المشكلات الاقتصادية الطاحنة في البلاد.. وبعد الإطاحة بالبشير ترّأس البرهان المجلس العسكري، بينما عُيّن دقلو في منصب نائب رئيس المجلس، إلا أنّ الخلافات دبّت بين المتحالفين القدامى في إثر خلافاتٍ واضحة في طريقة إدارة البلاد، وكادت الأزمة بينهما أن تصل إلى حدّ رفع السلاح في وجه بعضهما في أيار/مايو 2021، إلا أنّ وساطة من رئيس مجلس الوزراء وقتها، عبد الله حمدوك، أنهت الأزمة، وجرى التصالح بين القائدين في منزل حمدوك...

ومنذ انقلاب تشرين الأول/أكتوبر 2021، والذي اعتُقل فيه رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، يُدير مجلس السيادة الحكم في السودان، وهناك قائدان عسكريان في قلب النزاع وهما عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة والرئيس الفعلي للبلاد، من جهة، ونائبه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، من جهةٍ أخرى..

ظهر الخلاف بصورةٍ واضحة بعد التوقيع على الاتفاق الإطاري المؤسس للفترة الانتقالية بين المكوّن العسكري الذي يضمّ قوات الجيش وقوات الدعم السريع في 5 ديسمبر الماضي، الذي أقرّ بخروج الجيش عن السياسة وتسليم السلطة للمدنيين

الخلاف برز إلى العلن بين الطرفين بعد تصريحاتٍ سابقة لقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) قال فيها إنّه اكتشف منذ اليوم الأول أنّ قرارات قائد الجيش في العام 2021 التي أقصى فيها الحكومة المدنية السائدة نُفّذت لتكون بوابة لعودة نظام المؤتمر الوطني المعزول.. ظهر الخلاف بصورةٍ واضحة بعد التوقيع على الاتفاق الإطاري المؤسس للفترة الانتقالية بين المكوّن العسكري الذي يضمّ قوات الجيش وقوات الدعم السريع في 5 كانون الأول/ديسمبر الماضي، الذي أقرّ بخروج الجيش عن السياسة وتسليم السلطة للمدنيين..

والخلاف بين البرهان وحميدتي مُتداخل حيث يختلفان على كثيرٍ من القضايا منها الداخلي ومنها أيضاً الخارجي، ولا سيما تعاطي السودان مع دول الجوار وتحديداً تشاد وأفريقيا الوسطى... أخفقت الوساطات بين الطرفين رغم عدم الإعلان عن الخلافات بشكلٍ رسمي والاكتفاء بالتلميح؛ إلى أن جاء يوم 13 نيسان/أبريل عندما نشرت قوات الدعم السريع قواتها في الخرطوم وخاصة في قاعدة مروي، وهو ما اعتبره البرهان انتشاراً "غير قانوني" وطالبها بالانسحاب، ليتحوّل الخلاف الخفي والتصريحات غير المباشرة إلى حربٍ بين الطرفين في 15 نيسان/أبريل الحالي بعدما بدأت الاشتباكات بين الجانبين.

أُصيبت التسوية السياسية بين المدنيين والعسكر في السودان بالجمود خلال الأشهر الماضية، ما أثار القلق على مستقبلها.

** السودان مهدد بإستنزاف لا تحمد عقباه بسبب الخلافات على السلطة وعلى الحكم، ولكن ماذا عن استخدام السودان كورقة ضغط ولعبة مصالح بين الدول، وبالطبع عندما نتحدث عن لعبة المصالح يعني الادارة الاميركية خاصة بعد فشلها الذريع في اسيا والتكتلات العالمية الكبرى التي تقف في وجهها على كافة الصعد، فكيف تستفيد اميركا مما يحصل في السودان؟

يبدو ان الصراع ذاهب الى ابعد من مجرد خلاف على السلطة والنفوذ والحكم بين الطرفين، لانه تتداخل العديد من القوى الخارجية كالولايات المتحدة الامريكية التي يبدو انها بحاجة الى الخروج من اسيا والتواجد في السودان الذي يعتبر مريح بالنسبة اليها

تحتدم الفوضى ويبدو ان الصراع ذاهب الى ابعد من مجرد خلاف على السلطة والنفوذ والحكم بين الطرفين، لانه تتداخل العديد من القوى الخارجية كالولايات المتحدة الامريكية التي يبدو انها بحاجة الى الخروج من اسيا والتواجد في السودان الذي يعتبر مريح بالنسبة اليها لانه لا وجود لقوة دولية ولا مقاومة تُهدد مصالحها هناك، ولانها ستكون قريبة من السعودية واليمن الجديدين... لابد من رصد التحرك الامريكي الذي لعله يحتاج الى محطة بين ما هو جاري الان على الارض السودانية وبين تدخله (الارهاب).. حينها لن يحتاج الى ارسال قوات امريكية الى السودان بل سيعتمد على قوات حفظ الامن الاممية التي أنشأت للقيام بهذا الدور، لكنه سيكون راعي الترتيبات السياسية اي حكومة مدنية (تحت السيطرة) بلا انتخابات...

تناولت مجلة "فورين بوليسي" أزمة السودان الأخيرة، والاشتباكات الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مشيرةً إلى أنّ السياسات الأميركية هي التي مهّدت الطريق للحرب في السودان، عبر إصرار واشنطن أنّ "هناك فرصة حقيقية لمتابعة العمل لانتقال البلد إلى قيادة مدنية، ورأت المجلة أنّ "الجهد المضلّل" هو الذي أدى إلى دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية وإلى بدء "صراع مأساوي"، ولكن يمكن التنبؤ به...

كذلك، أضافت المجلة أنّ القتال بدأ في السودان في 15 نيسان/أبريل، بعد سنوات من التوتر بين "سماسرة السلطة" في البلاد: الجنرال عبد الفتاح البرهان، الزعيم الفعلي للبلاد ورئيس القوات المسلحة السودانية من جهة، والجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف على نطاق واسع باسم "حميدتي"، الذي يقود قوات الدعم السريع شبه العسكرية، حيث بدأت معارك الشوارع الجارية في العاصمة الخرطوم، وانتشرت في جميع أنحاء البلاد... ويواجه السودان انهياراً شبيهاً بانهيار اليمن، وفق "فورين بوليسي"، حيث شنّ الجيش السوداني حملة قصف مكثفة في الخرطوم، وقد يصبح قريباً اليد العليا في الخرطوم بفضل قوته الجوية المتفوقة، إذ وفق المجلة، فإن سلاح الجو عنصر حاسم في حروب السودان، بدءاً من عام 2003، عندما قاتلت قوات الجيش، الجنجويد (ميليشيات عربية تركب الخيول)، خلال الحرب في دارفور...

اعتبرت المجلة الأميركية أن "أعظم مثال على الأوهام الأميركية" هو إصرار واشنطن على وصف انتقال السودان بأنه "بقيادة مدنية"، مشيرةً إلى أنه لم يكن هناك ما يشير إلى انتقال السودان بقيادة مدنية، إذ نصّ الدستور الانتقالي عام 2019 على أنّ الجيش سيقود الأشهر الـ21 الأولى من المرحلة الانتقالية، يليه المدنيون للأشهر 18 المقبلة... وحتى الآن يبدو أنّ الولايات المتحدة ليست جاهزة بعد لإدارة التحول في البلاد، عبر الأوهام التي روجت لها، وفق "فورين بوليسي"، فمنذ بداية الأحداث في 15 نيسان/أبريل، كرر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الوهم الأميركي القائل بأن "هناك فرصة حقيقة لمتابعة العمل بانتقال بقيادة مدنية"...

** منذ فترة قرأنا عن دعوة تل ابيب لطرفي الصراع بالاجتماع في الكيان المحتل... عن اي وساطة اسرائيلية نتحدث، وما تأثيره على عملية التطبيع بينهما؟

نقل موقع "أكسيوس" عن مسؤولين إسرائيليين أن البيت الأبيض والخارجية الأميركية حثّا إسرائيل على المساعدة في الضغط على القادة السودانيين للموافقة على وقف إطلاق النار، إذ ترى الولايات المتحدة أن إسرائيل تملك القدرة على التأثير على السياسة الداخلية في السودان، ومن هنا تأتي مطالبتها بالتدخل لإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الانقلاب، كما يختم تقرير "أكسيوس"، أن المسؤولين الإسرائيليين لفتوا إلى أن القرار الرسمي الإسرائيلي كان بعدم الانحياز إلى جانب طرف في الأزمة وعدم التورط في أي جهود وساطة بخلاف الحث على وقف إطلاق النار...

أعرب مسؤولون إسرائيليون عن قلقهم من أن "القتال الحالي سيدمر البلاد، ويمنع تشكيل حكومة مدنية، وينهي أي احتمالات لاتفاق سلام بين إسرائيل والسودان"... وقال المسؤولون الإسرائيليون إنهم "كانوا يتابعون عن كثب المحادثات في السودان قبل بدء القتال، بشأن الاتفاق الذي كان من المفترض أن يؤدي إلى تعيين حكومة مدنية"، وبيّن المسؤولون الإسرائيليون أن "وزارة الخارجية الإسرائيلية تنخرط في السنوات الأخيرة مع البرهان في عملية التطبيع، ووكالة الموساد تتواصل مع حميدتي في قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب"، ولفتوا إلى أن "إسرائيل تستخدم علاقاتها مع كل من قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو لحثهما على إنهاء القتال"، وأضافوا أن "عملية التطبيع الإسرائيلية مع السودان في السنوات الثلاث الماضية والعلاقات التي أقامتها مع الجانبين، وضعتها في وضع فريد لمحاولة التأثير على الجنرالين المتحاربين".

وقد أشار مسؤول إسرائيلي إلى أن "الحكومة الإسرائيلية كانت متأكدة الأسبوع الماضي من أن الاتفاق على تعيين حكومة مدنية سيأتي في غضون أيام، إن لم يكن ساعات، وشعرت بالإحباط عندما انهار الاتفاق وبدأ القتال في نهاية الأسبوع...

** هل برأيكم هذه الوساطات والمصالح المتداخلة الاميركية_الاسرائيلية ستغرق السودان في اتون الحرب الاهلية؟

هناك مخاوف اسرائيلية من ان تسقط كل الرهانات التي وضعتها بشكل اساسي والمتعلقة بالتطبيع الكامل الذي يضمن المصالح الاسرائيلية في المنطقة

من الواضح ان الصراع على السلطة والحكم بين الطرفين ذاهب الى التصعيد اكثر فأكثر، وهناك محاولة من القوى الاقليمية والدولية للاستفادة من هذا الصراع، وان يبدو انه هناك مخاوف من ان تسقط كل الرهانات التي وضعتها الاسرائيلي بشكل اساسي والمتعلقة بالتطبيع الكامل الذي يضمن المصالح الاسرائيلية في المنطقة...

قد يجد الامريكي ضالته في صراع ممسوك الاطراف بمعنى اخر قادر على مداراته بكل التفاصيل وقد تنبئ الايام المقبلة بوضع مقترح الحكومة المدنية التي سيلتزم الاطراف المتصارعة بالهدنة حولها، ولكن بالتأكيد ستكون حكومة فاشلة مرهونة للاملاءات الامريكية الاسرائيلية وغير قادرة على تحقيق طموحات الشعب السوداني../انتهى/