قال المختص بالشؤون الروسية الاستاذ أحمد الحاج علي، ان يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باتت أكثر تحرراً في اطلاق عملية اعادة بناء وتقويم وهيكلة المؤسسة الدفاعية باكملها بما يتناسب ويتماشى مع تحديات المرحلة...

وكالة مهر للأنباء - القسم الدولي: إنتهت أقصر محاولة انقلابية في التاريخ، وهو ما عرف على نطاق واسع في وسائل الإعلام العالمية، بانقلاب "فاغنر" في روسيا، بعد ساعات فقط من بدئها؛ فاعتمدت مؤامرة بريغوجين على اعتقاده بأن جزءا من القوات المسلحة الروسية سينضم إلى التمرد وينقلب ضد قادته...

تمرد مجموعة فاغنر انتهى سريعا على عكس معظم التوقعات التي طُرحت حينها؛ فأنهى فرحة استعجلتها كييف، وبدد أملها بصراع داخلي، يشغل روسيا عنها في خضم الحرب المستمرة... وهنا تجدر الاشارة الى انه ماذا لو كان الأمر كله صناعة مخابراتية روسية تصب جميع أهدافها في مصلحة روسيا؟...

وفي هذا الشأن أجرت مراسلة وكالة مهر، "وردة سعد" حواراً صحفياً مع الصحفي والكاتب والمختص بالشؤون الروسية الاستاذ "أحمد الحاج علي وأتى نص الحوار على الشكل التالي:

** ما حدث في روسيا في عطلة نهاية الاسبوع كان مثيرا، ومحيرا.. اذ كيف لقوة عسكرية صغيرة قياسا بحجم الجيش الروسي ان تعبر الاف الكيلومترات دون ان يعترضها احد.. هل فاجأ بريغوجين القيادة الروسية؟ وهل هي طموحات مشاغب يحلم بالسلطة ام انها تخفي ازمة اعمق؟

اولاً؛ علينا ان نبحث في اقل تكوين وانتماء شركة فاغنر العسكرية الخاصة، فهي قوات مسلحة لا تخضع لاوامر وزارة الدفاع وليست مرتبطة باي جهاز امني عسكري روسي آخر.. هي مجموعة تنفذ اوامر القائد الاعلى للقوات المسلحة الرئيس الروسي هو فقط من لديه الصلاحية بتزويدهم بالسلاح والذخائر والمؤن، لا بل اكثر من ذلك ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو من صنع فاغنر ومن صنع يفغيني بريغوجين الذي سمي بطباخ الرئيس حين حصل على عقود تزويد القوات المسلحة بالمؤن والطعام والمواد الغذائية، شركة فاغنر خاضت العديد من الحروب خارج روسيا ونفذت العديد من المهمات في افريقيا، سوريا، ليبيا، وغيرها وحققت انجازات عسكرية كبيرة في المواجهة الروسية الاطلسية في مسرح عمليات الحرب الاوكرانية والى حد بعيد كان الرئيس بوتين يستفيد من شخصية بريغوجين التمردية لتربية وتهذيب وترويض العديد من الرؤوس الحامية والنافذة في المنظومة العسكرية والاقتصادية...

تمرد بريغوجين اضاء على خطر تاثير ونفوذ اقطاب الاوليغارشية

ونجح الرئيس بوتين الى حد بعيد في مسيرة اعادة بناء هيكلية القوات المسلحة النظامية التي كان يشوبها الخمول وقلة التدريب والتجهيز، تمرد بريغوجين اضاء على مكامن الضعف والخلل والاهم من ذلك انه اضاء على خطر تاثير ونفوذ اقطاب الاوليغارشية ومنها اوليغارشية يهودية في روسيا تطمح بزيادة ثرواتها على حساب مكاسب وموارد وغنائم الاقاليم الاربعة المنضمة حديثاً للاتحاد الروسي...

هو صراع محاولة تقاسم غنائم ومكاسب الحرب بين اصحاب النفوذ

في هذه الجزئية بريغوجين زخلفه مجموعة اوليغارشية لا تخرج عن هذه المعادلة هو صراع محاولة تقاسم غنائم ومكاسب الحرب بين اصحاب النفوذ سواء من كان مؤيد ومحرض لبريغوجين او من بين الاقطاب النافذة الاخرين، وبين اقطاب اوليغارشية تضع العراقيل امام دعم العملية العسكرية الخاصة وتتماهى مع مصالحها المرتبطة بالغرب وتخشى على استثماراتها المرتبطة بالغرب…

من الطبيعي ان لا يقبل الرئيس بهذه الفوضى وبهذا الصراع على المكاسب وان لا يقبل كذلك بالرضوخ لضغوطات وتاثيرات المجموعات الاوليغارشية المعرقلة ذات الارتباطات الغربية.. ما حصل كان فرصة للقيادة الروسية لاخضاع وتحجيم كل الرؤوس الحامية...

ما حصل كان فرصة للقيادة الروسية لاخضاع وتحجيم كل الرؤوس الحامية...

لا اظن ان بريغوجين كان ينوي الذهاب للنهاية في مواجهة القوات المسلحة الروسية النظامية ولا بصدد القيام بانقلاب مسلح لم تكتمل عناصره كما ان حكمة الرئيس بوتين كانت كافية لمنع حصول اشتباك ومواجهة مكتملة العناصر؛ فـ"خيوط اللعبة كانت وما تزال بيد الرئيس بوتين" وفي خطابه الاول بعد التمرد كان حاسماً واستطاع لجم طموح بريغوجين ومن معه ومن يقف خلفه...

طريقة معالجة الحدث تثبت بان القيادة لم تكن متفاجئة بما حصل، ولو تصرفت القيادة باستخدام القوة المفرطة التي تمتلكها فعلاً لكانت العواقب اكثر خطورة...

** بوتين هو من دعم زعيم فاغنر ونقله من بائع نقانق الى قائد جيش صغير.. ولهذا فقد وصف ما قام به بأنه خيانة وطعنة في الظهر.. فهل تفاجأ بوتين بالتمرد؟ ولماذ تراجع بريغوجين بسرعة عن خطوته الانقلابية؟ هل اخطأ في الحسابات؟

بريغوجين تجاوز حدوده واغتر بنفسه وظن ان ثقة الرئيس وحاجته لخدماته تحميه من تبعات التمادي في اظهار شخصيته المتمردة التي قلنا ان بوتين كان مستفيداً منها الى حد ما في وقت من الاوقات...

ولكن بريغوجين كان يدرك انه لربما يستطيع تحدي بعض القيادات ولكنه اضعف من ان يوجه تحدي للرئيس نفسه، لذلك هو يعرف حجم قدرته المحدود؛ ويبدو ان الخبر فيما وقع فيد بوتين باتت اكثر تحرراً في اطلاق عملية اعادة بناء وتقويم وهيكلة المؤسسة الدفاعية باكملها بما يتناسب ويتماشى مع تحديات المرحلة في اطار الحرب والمواجهة المفروضة على روسيا المواجهة الروسية الاطلسية.

** رغم مزاعم الاستخبارات الاميركية لا يبدو انها كانت على علم بتحركات بريغوجين.. ولم يتسن لها استثمار الحدث كعادتها!! فهل ترى ان ما حدث في روسيا كان بعيدا عن كونه مؤامرة خارجية؟ وهل هناك قوى محلية او صراعات داخلية كشفها الانقلاب؟

القوى الغربية كانت وما زالت تحاول ممارسة ضغوطات لاستثمار الحدث

القوى الغربية سعت لاستثمار الحدث، القوى الغربية كانت وما زالت تحاول ممارسة ضغوطات وتاثير من خلال بعض اقطاب الاوليغارشية الروسية اليهودية ذات التصالح المتناغمة مع الغرب، ولكن ما حصل اساسه صراع نفوذ بين المنتفعين والمراهنين على حصولهم على حصة من مكاسب خيرات الاقاليم الاربعة المنضمة حديثاً...

ومجدداً الخبر فيما وقع…

** منذ بداية التمرد الذي قادته قوات فاغنر توجهت الانظار الى انعكاس ذلك على الاماكن التي لعبت فيها هذه القوات ادوارا عسكرية.. فكيف اثر ما حدث خصوصا على الصراع في اوكرانيا.. وفي سوريا حيث توجد وحدات من فاغنر في بعض المواقع فيها؟

بتاتاً تاثير الحدث على الميدان كان صفر تماماً؛ قوات فاغنر كانت قد سلمت مواقعها في ارتيوموفسك - باخموت للقوات النظامية الروسية، ولم تباشر في تنفيذ مهمة قتالية جديدة... والقوات النظامية الروسية صدت خلال الاسابيع الماضية الموجة الاولى من الهجوم الاوكراني المضاد وكبدت قوات كييف خسائر فادحة تقدر بنصف قوات وعزيز ومعدات ما كان نظام زيلينسكي والغرب الجماعي قد اعده لهذا الهجوم الاوكراني المضاد نصف هذه القوات والعتاد والمعدات قد اخرج من الخدمة..

تعاطي القيادة الروسية الحكيم اعاد الثقة بالقوات المسلحة الى حد بعيد…

القوات الاوكرانية حالياً في مرحلة اعادة تجميع قواها وحشد مزيد من الاليات والمعدات العسكرية الغربية لتنس الموجة الثانية من الهجوم المضاد الموعود. لكن الخطة الدفاعية التي اعدها اللواء سيرغي سوروفيكين منذ لحظة سحبه للقوات من غرب خيرسون الى مواقع دفاعية محصنة وبنائه خطوط دفاعية متينة كما افشلت الموجة الاولى ستتعامل مع الموجة الثانية من الهجوم التضاد المتوقعة خلال الايام القليلة القادمة في محاولة غربية للاستفادة من تاثير حادث التمرد المعنوي، ولكن تعاطي القيادة الحكيم اعاد الثقة بالقوات المسلحة الى حد بعيد… فاستبعد نجاح الموجة الثانية من الهجوم الاوكراني المضاد في تحقيق خرق جغرافي مؤثر على طول الجبهات...

** نعود الى الظاهرة بحد ذاتها، وهي لجوء الدول الكبرى الى تشكيلات عسكرية غير نظامية لادارة حروبها بدل جيوشها النظامية.. بلاك ووتر الاميركية والخوذ البيضاء البريطانية وفاغنر الروسية.. لماذا تلجأ هذه الدول الى هذا الاسلوب؟ وما هو مستقبل هذه الاستراتيجية في ظل ما حدث للقوى المشار اليها والفضائح التي نسبت اليها؟

بكل بساطة كل حرب فيها من "القذارة" ما يكفي، وما يمكن القيام به بواسطة قوات غير نظامية يصعب تحقيقه من قبل القوات المسلحة النظامية التي لديها حسابات وعليها تبعات وتحمل السلطات تبعات اكبر، الا ان نشاط فاغنر برغم خلفية وتاريخ عديد من افرادها (خريجي سجون) الا انها قامت بواجبها انطلاقاً من هدف وطني مع الرغبة لتحقيق مكاسب...

** هل ترى ان ازمة فاغنر ومغامرات قائدها ساهمت في تعزيز قوة الرئيس الروسي وسيطرته على الوضع في بلاده من خلال حسم الامر بسرعة قياسية؟ هل يحبط ذلك مراهنات واشنطن من خلال تفجيرها الحرب في اوكرانيا، على زعزعة استقرار روسيا واضعافها من الداخل؟

الفرصة متاحة للجم جماح كافة اقطاب النفوذ داخل التركيبة السياسية والامنية والعسكرية والاقتصادية الروسية..

نعم بالطبع، بوتين الان اقوى من ما قبل "التمرد" غير المكتمل، التمرد لم يكن له اي افق اصلاً، الفرصة متاحة للجم جماح كافة اقطاب النفوذ داخل التركيبة السياسية والامنية والعسكرية والاقتصادية الروسية.. روسيا ربما كانت بحاجة لهذه الفرصة ان احسنت استخدامها…

الاصلاحات البنيوية في هيكلية المنظومة الدفاعية امر حتمي سواء من خلال اركان وكوادر حالية يبقى عليها او من خلال استبدالها.. ولدى المؤسسة العسكرية عديد من الظباط الاكفاء والمشهود بنظافة كفهم وخبراتهم وقدراتهم العسكرية وإنتمائهم الوطني الخالص.

/انتهى/