وأفادت وكالة مهر للأنباء، انه جاء فيه كذلك أن المشاريع السكنية الواسعة التي تحيط بالكثير من المدن الفرنسية، يسكن فيها أبناء الطبقة العاملة من الأقليات، فالغضب نادراً ما يكون غير ظاهر على السطح، ولأسباب جيدة في العادة، وموجه دائماً نحو الشرطة.
وفي هذا الأسبوع اندلع الغضب الذي يغلي في موجات من العنف في الضواحي والمدن في فرنسا، بعدما قتلت الشرطة شاباً عمره 17 عاماً، اسمه نائل مرزوق، الذي تعود أصول عائلته إلى شمال أفريقيا، حيث مات في بلدة ليست بعيدة عن باريس.
وسجلت لقطات فيديو الحادث للشاب الذي لم يكن مسلحاً، وكان يحاول تحريك سيارته بعيداً عن شرطيين قرب إشارة ضوئية، وانتشر الفيديو كالنار بالهشيم على منصات التواصل الاجتماعي.
ويعلق الكاتب بأن عناصر الشرطة الفرنسية يخرجون أسلحتهم ويطلقون النار بمعدل قليل جداً مقارنة مع الشرطة الأميركية، وعادة ما ينظر الفرنسيون للعنف والعنصرية على أنها مشكلة أميركية، وهذا رأي منتشر بين الفرنسيين البيض.
وفي وسط المهاجرين وأبنائهم، ومعظمهم من شمال أفريقيا ودول الصحراء الأفريقية، المشاعر القوية ضد قوى فرض النظام تسري، ومنذ سنين، عميقاً، ويعتقد الكثيرون أن تعصب الشرطة الفرنسية هو عرض عن المجتمع الفرنسي بشكل عام.
ففي دراسة مسحية تمت قبل فترة للسود والمهجنين المقيمين بفرنسا، جاء أن نسبة 9 من كل 10 واجهوا تمييزاً عنصرياً. وقالت الدراسة إن نصف المشاركين تم وقفهم وطلب منهم تقديم هوياتهم، وهي نسبة أعلى بضعفين عن بقية السكان الذين تحدثوا عن نفس الشيء.
ففي الأشهر الأولى للإغلاق بسبب وباء كورونا، وجدت دراسة مسحية لوكالة أنباء رويترز أن الشرطة فرضت غرامات ضد خمس دوائر بنسبة عالية من المهاجرين أكثر من أي مكان في البلد.
وهذا التنميط العنصري هو واقع يومي للملايين من المقيمين في فرنسا، حتى لو ولدوا وعاشوا فيها لعدة عقود، وعادة ما أُشعِروا بأنهم لا ينتمون للبلد. وسجّلَ الباحثون، ولعدة سنوات، التمييز في التعيينات وفي المدارس والشوارع.
وكان مقتل نائل هو الشرارة التي أشعلت أعمال الشغب في باريس ومارسيليا والمدن الفرنسية الأخرى. وأشعلت النار في فرنسا، فقد تم حرق السيارات والمباني ورميت المواد الحارقة على شرطة مكافحة الشغب وتم نهب المحلات والمتاجر ودمرت آلات الصرف الآلي وهشمت النوافذ. وتم اعتقال حوالي ألف شخص في الأيام الثلاثة الأولى لأعمال الشغب.
وقال وزير الداخلية جيرارد دارمانين إنه تم نشر 45.000 من عناصر الشرطة لإخماد أعمال الشغب حول البلد. وقطع الرئيس إيمانويل ماكرون زيارة له إلى بروكسل وعاد إلى باريس لمواجهة التوترات. وواجه مطالب بفرض الأحكام العرفية، والتي تعني فرض حظر التجول والسماح للسلطات بمنع الاحتجاجات. وحاول الموازنة بين الدعوة إلى النظام والقانون والتعبير عن غضبه على مقتل نائل غير المبرر.
لقد أجبر ماكرون على مواجهة أعراض المشكلة لا أسبابها، حيث الانقسام متجذر في تاريخ البلد الاستعماري، والذي تم التستر عليه من خلال سياسة عمى الألوان التي لا ترتبط بحياة الناس الحقيقية.
ويظل جمع البيانات حول العرق والهوية العرقية مقيدا بناء على القانون الفرنسي، وهو ما يعني أن الحكومة التي تنشر المعلومات عن التكوين العرقي والإثني تعمل ضمن جهل وإنكار فرضته على نفسها. وبالنسبة لأبناء الأقليات، فإن غياب البيانات غير مهم، لأن حياتهم هي دليل للقاعدة الحقيقية، وحتى ماكرون أكد في الماضي بأنه لا توجد عنصرية منظمة داخل الشرطة. ولكن مفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة حذرت قائلة: "هذه لحظة للبلد من أجل معالجة القضايا العميقة المتعلقة بالعنصرية والتمييز في قوى فرض النظام".
وبنفس السياق، صدرت الدعوات المهدئة للتعامل مع مأزق فرنسا بانتظام، وحتى قبل اندلاع مظاهر سخط المجتمعات المهاجرة في حالة من التظاهرات التي استمرت لأسابيع بعد صعق مهاجرين في محطة كهرباء عام 2008 حيث وصف وزير الداخلية في حينه، وقبل أن يصبح رئيساً المحتجين بأنهم "غرغرينا" و"رعاع". وفي تلك الحالة أعلنت الحكومة عن حالة الطوارئ لاحتواء الأزمة، بعد أسبوعين من المعارك بين المحتجين والشرطة. واستمرت حالة الطوارئ لعد أشهر وسمحت للسلطات بفرض حظر التجول واستعادة السيطرة على الشوارع. ورغم الإصلاحات التي جرت بعد ذلك بسنوات، بما فيها برامج استهدفت المدن والأحياء التي أحرقت عام 2005، لا تزال المشاكل قائمة، والشرطة مكروهة في المجتمعات التي من المفترض أن تحميها.
/انتهى/