تاريخ النشر: ٢٩ يوليو ٢٠٢٣ - ١٧:٢٧

قالت الاختصاصية في علم النفس الاجتماعي الاستاذة نسرين نجم، انه تعتبر عاشوراء منظومة قيمية ايمانية أخلاقية انسانية راقية، فهي ليست محصورة بزمن ولا بشعب او بمذهب او بطائفة دون اخرى...

وكالة مهر للأنباء - نسرين نجم*: تعتبر عاشوراء منظومة قيمية ايمانية أخلاقية انسانية راقية، فهي ليست محصورة بزمن ولا بشعب او بمذهب او بطائفة دون اخرى، ومن يفكر هكذا او يسعى لتأطيرها ضمن هذا الاطار فهو لا يعرف البعد الكربلائي لواقعة الطف ولم يقرأها بالطريقة الصحيحة... وهي ايضا ليست محصورة بشعائر وطقوس دينية دون سلوكيات واخلاقيات وتعاملات...

عاشوراء ليست فقط عشرة ايام بل هي مدرسة لكل الايام... كيف؟، لو تمعنا بالبعد النفس_اجتماعي لشخصيات كربلاء، لوجدنا فيهم القادة القدوة والتي من الضروري التباهي والتماهي بهم لبناء شخصية ناجحة متوازنة سليمة، تستطيع مجابهة التحديات والصعوبات التي نعيشها يوميا، والاهم لكي نبقى على هذا الخط الحسيني الزينبي والذي منه نستمد القوة والصبر والبصيرة...

بلمحة سريعة لشخصيات كربلاء ولقيم هذه الواقعة العظيمة المقدسة، نجد انفسنا امام مشهدية كاملة من العطاء والتضحية والثبات والايمان، نجد ام تحفز ابنها على الشهادة بين يدي ابي عبد الله الحسين (ع)، اخ يحضن جثمان اخيه المقطع بالسيوف، اب يستشهد طفله الرضيع بين يديه الشريفتين، واصحاب يتدافعون للشهادة فداء لهذا الخط الرباني المحمدي الاصيل، ونسمع عن اخت ليس كمثلها اخت رغم معاناة وهوا ما عاشته وما شاهدته من قتل لاخوتها وابنائها وابناء اخوتها تخطب خطبة امام يزيد تهز لها اروقة التاريخ، وتصدح فيها منابر الاحرار عزة وكرامة، وتصبح درسا من اهم الدروس في مواجهة الظلم وعدم السكوت عن الحق في وجه سلطان جائر..

الثورة الإسلامية المباركة من نتاج الثورة الحسينية...

ما بين الماضي والحاضر، واقعة الطف دائما حاضرة في عقيدتنا وفي ثقافتنا، ولعل اهم ما اخذناه هو مفهوم الشهادة من اجل الحرية والكرامة وبناء الدولة القوية المتينة تماما كما حصل في الجمهورية الاسلامية الايرانية حيث كانت الثورة الإسلامية المباركة من نتاج الثورة الحسينية، لقد رفعت شعار "هيهات منا الذلة" في وجه قوى الاستكبار فأسقطت مشروعهم الصهيو_ اميركي، وصدرت قيم هذه الثورة المباركة الى كل الشعوب والدول التواقة للحرية وللاستقلال، وأوجدت مقاومة غيرت المعادلات وفرضت موازين قوى جديدة اذهلت قوى محور الشر، فها هم ابناء فلسطين المحتلة وبدعم وتوجيه من الجمهورية الاسلامية الايرانية يزرعون الرعب والهلع في قلوب الصهاينة بعملياتهم الفدائية البطولية، ويجعلوهم بحالة خوف دائم من انهيار كيانهم اللقيط ...

وها هم ابطال المقاومة في جنوب لبنان يسطرون اروع الملاحم التاريخية والبطولية في مواجهة اقوى جيوش العالم والذي اصبح بعد هزائمه امام المقاومين واندحاره عن اغلب اراضي الجنوب اللبناني، اصبح اوهن من بيت العنكبوت، وها هم ابطال الحشد الشعبي وعلى نداء "يا حسين" يلقنون الجماعات الارهابية دروسا لا تنسى ويتم دحرها عن اغلب الاراضي العراقية، ولا ننسى ابطال اليمن الذين قاوموا ببطولة وواجهوا العدوان وانتصروا عليه... وها هو مرقد السيدة زينب (ع) يحتضن الاف المقاومين الابطال الذين دافعوا عن هذا المرقد الشريف في وجه العدو الارهابي التكفيري..

اذن نؤكد بأن عاشوراء ليست العشرة ايام بل هي لكل الايام، وحكاية عاشوراء في دواخلنا تبدأ بعد العاشر، لنسأل انفسنا كيف استطعنا ان نستفيد من هذه المدرسة؟ وماذا استفدنا؟ والى اي درجة ستؤثر بنا هذه الواقعة الاليمة لنصل الى التغيير المنشود؟ وهل نحن على استعداد لهذا التغيير؟ مجرد طرح هذه الاسئلة معناه اننا على السكة الصحيحة...

واقعة الطف هي ثورة على الذات الامارة بالسوء، على الانانية، الجشع الطمع والبطر، على سوء الظن والعقوق، فيها دروس وعبر وقيم وقدوة ان تماهينا بها واقتدينا بأخلاقها وسلوكياتها نصل الى الايمان بمعناه الحقيقي والراحة النفسية والمحبة والخير، والاهم هي مخزوننا في ظل ما نشهده من غزوات قيمية هجينة على مجتمعاتنا، وفي ظل الهجمات المتتالية الشعواء على الاسلام وعلى القرآن الكريم...

إن الشخصيات الكربلائية المقدسة تركت الاثر الكبير عند الاجيال، فمثلا عندما نشاهد الجرحى الذين دفعوا بدمائهم للذود عن الاوطان في وجه قوى الاستكبار العالمي واعداء الانسانية، نجد ان هؤلاء الجرحى يتباهون بجراحهم تآسيا بجراح ابي الفضل العباس (ع)، وكيف ان الام ترفع راسها وتفتخر بقدوم ابنها شهيدا مؤمنة بأنها بذلك تواسي الزهراء (ع) بإستشهاد ابنها الامام الحسين سلام الله عليه.. او عندما تتخذ الاعلامية الرسالية السيدة زينب سلام الله عليها قدوة بصفتها الاعلامية الاولى التي كشفت الحقائق وجابهت الباطل، وواجهت الطاغية يزيد...

من الضروري والواجب الديني والاخلاقي ان تظل عاشوراء حية في قلوبنا...

وغيرها من المواقف التي نقرأها ونسمعها في كربلاء، كل هذا يشحذنا بالهمم والسعي الدائم نحو التغيير الافضل، وعدم الرضوخ للباطل وللظلم ولسلخنا عن هويتنا العقائدية الايمانية، سيما ان معركتنا الان قائمة على مبدأ الاصلاح ان كان في المجتمع، في الاعلام، في مواجهة الحروب النفسية والاعلامية والقيمية التي تشنها علينا قوى الاستكبار العالمي ..

لذلك من الضروري والواجب الديني والاخلاقي ومن الناحية النفس اجتماعية ان تظل عاشوراء حية في قلوبنا، وان نجعلها راسخة في اذهان الاجيال الحالية والاجيال القادمة ان كان عبر مواقع التواصل الاجتماعي (منشورات، فيديوهات قصيرة) او بأعمال فنية او اعلامية، اجتماعية، انسانية، والاهم ان يكون دائما هناك توجيه للشباب بخطاب من الاختصاصين سلس مرن يحميهم ويحصنهم من الحروب الحاصلة على الهوية وعلى الانسانية، والاهم ان يكون هذا الخطاب بعيدا عن الفلسفة والتنظير.../انتهى/

(*) اختصاصية في علم النفس الاجتماعي