وكالة مهر للأنباء - القسم الدولي: يمكن القول إن لبنان هو بلد التسويات، تسويات تنتج استقرارا نسبيا لفترة زمنية محدودة، وبمجرد أن تتغير العوامل التي أدّت إلى التسوية يدخل لبنان في مرحلة من عدم الاستقرار ريثما تتكوّن عوامل جديدة تنتج تسوية جديدة؛ فعوامل التسوية في لبنان هي داخلية بفعل موازين القوى المحلية والخارجية...
لبنان لم يكن يوماً بمنأى عن تداعيات الصراعات في المنطقة، واليوم يُعاد السؤال المركزي؛ هل لبنان أمام مفترق طرق وتغير جذري للنظام اللبناني؟ وهل بالإمكان تغيير هذا النظام الذي أصابه الترهل والفساد؟ أصبح هذا السؤال أكثر الحاحاً بعد الأزمة الاقتصادية الحادة التي وقعت منذ عدة سنوات... ومن خلال قراءة تاريخية لتركيبة النظام اللبناني والعوامل الداخلية والخارجية التي أرست قواعده يمكن الوصول الى عدة استنتاجات بخصوص طبيعة التسويات والعوامل التي قد تنتجها...
وفي هذا الشأن أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء، "وردة سعد" حواراً صحفياً مع عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب "د.ابراهيم الموسوي"، وأتى نص الحوار على الشكل التالي:
** اذا بدأنا معالي النائب من اخر تطورات الازمة اللبنانية على صعيد المؤسسات الدستورية.. ما هي خلفيات هذه الازمة؟ وهل هي قضية خلاف على اسم الرئيس او صفاته؟ ام انها تختصر كل عناوين الازمة المتناسلة منذ الحرب الاهلية حتى اليوم؟
الازمة اللبنانية متداخلة متشابكة معقدة عميقة لها علاقة ببنية النظام السياسي الطائفي، ولها علاقة ايضا بالتوجهات الاقتصادية الموصولة ايضا بخيارات سياسية كبرى، وهي تراكم لأزمات منذ زمن بعيد، لبنان كان دائما يعيش حالة من الوفرة بسبب تدفق رؤوس الاموال، اليوم لم يعد فقط هناك شح في رؤوس الأموال وانما ايضا هناك حصار وعقوبات اميركية وهي تسبب هذه الازمة، طبعا الخيار الذي اتخذ من التسعينيات بتحويل لبنان الى بلد خدماتي وليس بلد انتاجي هو الذي اوصل البلد الى هذه الحالة، لو كان هناك امكانية لانتاج حاجاتنا كنا استطعنا الاستغناء عن الكثير من الامور الصعبة...
نحن بحاجة الى ورشة اصلاحية عميقة على كل المستويات السياسية والنقدية والاقتصادية والاجتماعية من اجل النهوض بالبلد من جديد...
اذا الازمة عميقة ولها جذور سياسية وطائفية، ولها جذور بالخيارات والانتماء، وكان بالامكان التخفيف من هذه الازمة لو كان هناك ارادة وقرار عند اصحاب القرار بالتخفيف من هذه الازمة مثلا كالتوجه نحو الشرق، بالتالي هذه هي طبيعة الازمة الموجودة بلبنان التي لا يمكن الخلاص منها وحلها فورا، لكن هناك امكانيات كبيرة وهائلة للتخفيف من ثقلها على المواطن، واذا كان هناك من نية حقيقية للوصول الى حل يمكن لكل طرف من الافرقاء السياسيين اعادة قراءة نتائج الخيارات التي اتخذت والى اين اوصلتنا غير الخراب والازمات المتتالية والتي ستبقى في حال البقاء على هذا الخيار، وبالتالي نحن بحاجة الى ورشة اصلاحية عميقة على كل المستويات السياسية والنقدية والاقتصادية والاجتماعية من اجل النهوض بالبلد من جديد...
** ما هو دوركم كنواب وكمجلس نيابي في هذه الازمة؟ ولماذا لا يبدو المجلس النيابي فاعلا في ايجاد حلول للازمة العاصفة رغم ان هذه هي وظيفته في الانظمة الديمقراطية؟
هناك الكثير من اقتراح للقوانين من مشاريع لا نستطيع بتها بسبب الانقسام السياسي الحاد، وايضا بسبب الخلفيات الطائفية التي تتحكم بهذا البلد...
المجلس النيابي دوره تشريعي وهو سلطة رقابة ومحاسبة، ولنتحدث بوضوح هناك مشكلة بأن هذا الدور ليس بفاعل لان هناك نواب يتبعون لجهات سياسية لها رؤية مختلفة، هناك الكثير من اقتراح للقوانين من مشاريع لا نستطيع بتها بسبب الانقسام السياسي الحاد، وايضا بسبب الخلفيات الطائفية التي تتحكم بهذا البلد، كانوا دائما يقولون بأن نصوص الامور ليست في النصوص وانما في النفوس وهذا صحيح...
هناك الكثير من اقتراحات للقوانين اقرت في مجلس النواب ولكنها لم تتحول الى مراسيم تطبيقية عند الحكومة، وهناك الكثير من التجاوزات التي يتم تجنب البحث فيها لكي لا تتعمق الازمة اكثر فأكثر، مع الاسف يوجد عرقلة لعمل مجلس النواب، اكبر ازمة يعيشها لبنان اليوم هي الفساد والفاسدين مثال وزارة الاتصالات كوني رئيس لجنة الاعلام والاتصالات بمجلس النواب هناك اتهامات تصل الى حد الإدانة وارتكابات فضائحية لعدد من الوزراء، حتى اليوم لم نستطع تشكيل لجنة تحقيق برلمانية...
واليوم القضاء ايضا فيه مشكلة، بالتالي السلطتين القضائية والتشريعية غير منسجمتين لاعطاء النتائج المتوخاة، لكن يجب القول ان هناك جهود جبارة في مجلس النواب من خلال بعض النواب الاجلاء وبعض اللجان، وايضا في مجلس الوزراء، اذا اخذنا وزارة الاشغال فهي تغطي تقريبا 26٪ من ايرادات لبنان وهي لم تعط ابدا من قبل هكذا قيمة، بمعنى يوجد بقع ضوء ونقاط مشرقة يمكن البناء عليها...
هناك بقع ضوء ونقاط مشرقة يمكن البناء عليها...
نعود نقول ان هذه الأزمة العاصفة لا نستطيع تجاوزها رغم طبيعة نظامنا الديموقراطي، لان هذه الديموقراطية معطلة وكما يقول الرئيس الحص اطال الله بعمره: "في لبنان الكثير من الحرية والقليل من الديموقراطية".. الديموقراطية هي القدرة على التغيير ونحن لا نستطيع التغيير بسبب طبيعة النظام والاصطفافات السياسية، وبسبب الطائفية مع الاسف...
** على هامش هذه الازمة العاصفة برز الخلاف بينكم وبين حليفكم التيار الوطني الحر.. هل تجاوزتم هذا التباين في وجهات النظر في الشأن الرئاسي وما يتعلق ببناء النظام والاصلاحات المطلوبة؟ وهل نحن بصدد ورقة جديدة تتجاوز وثيقة ما مخايل؟
نعمل على ايجاد رؤية اكثر شمولية بعيدا عن نقاط الاختلاف الموجودة حول الرئاسة وغيرها...
تجاوزنا التباين، واصبح كل منا على دراية وعلى معرفة بموقف الآخر بشكل كامل، هذه التجربة كانت مفيدة جدا على مستوى النضوج السياسي لكلا الطرفين، التباينات تم فهمها من كلا الجانبين، اليوم يوجد تواصل منتظم، ونعمل على ايجاد رؤية اكثر شمولية بعيدا عن نقاط الاختلاف الموجودة حول الرئاسة وغيرها، المقاربة اليوم هي اكثر واقعية ولا نحملها أكثر مما تحمل، ونتمنى ان تصل الى تثبيت اكثر للتفاهمات، ليس هناك حديث عن ورقة تفاهم جديدة ولم نتحدث عن وثيقة تتجاوز مار مخايل لانه لا نريد ان نعطي توقعات عالية حتى لا نصاب بخيبة امل، هناك الكثير من الرهانات، من التباينات التي وقعت بسبب توقعات من طرف تجاه الاخر في وقت هي ليست مبنية على اسس واقعية...
يجب ان نعرف اننا حزبين لدينا توجهات وتقاطعات كبرى، وهذا التفاهم نحن متمسكون به كما عبرت عنه قيادتنا، فنحن لا نسحب يدنا مع من اتفقنا معه، انما اليوم اصبحنا اكثر واقعية بتفهم الامور ونقبل ان هذا التفاهم يتعزز ويتطور اكثر لان فيه مصلحة كبرى للبنان وللبنانيين، وسنعمل في هذا الاتجاه ضمن امكانياتنا الواقعية، وضمن ما تسمح به الحسابات.
** بما اننا مررنا على ذكر الاصلاحات.. ما هي رؤيتكم لاصلاح النظام الذي يجري الحديث عنه على كل لسان؟ وهل فعلا لدى حزب الله برنامج عمل متكامل وصورة شاملة للنظام السياسي اللبناني؟
من تعاطى معنا بإحداث إصلاحات حقيقية يعلمون بأن حزب الله يكاد يكون الطرف الوحيد الذي يملك رؤية اصلاحية كاملة شاملة للنظام...
من تعاطى معنا بإحداث إصلاحات حقيقية يعلمون بأن حزب الله يكاد يكون الطرف الوحيد الذي يملك رؤية اصلاحية كاملة شاملة للنظام، لكن نعود لنقول بأن المشكلة هي بالنظام الطائفي، ونعم لدينا برنامج عمل متكامل ورؤية اصلاحية متكاملة، لكن بموضوع النظام السياسي يجب ان يطبق نظام الطائف اولا وتطبق كل بنوده، بعدها يمكن ان نتحدث عن عملية اصلاح كاملة للنظام السياسي اللبناني، الان يوجد مشكلة كبيرة متعلقة بما تحدثنا عنه سابقا من ازمات طائفية وتدخلات خارجية، لان جزء كبير من مشكلة لبنان لها علاقة بالتدخل الخارجي وبالاملاءات التي يفرضها هذا الخارج في اكثر من اتجاه ومع اكثر من فريق لبناني...
استطيع القول بكل فخر واعتزاز اننا الطرف الاكثر استقلالية وحرية في اتخاذ قراراته على ضوء المصلحة اللبنانية البحتة من اي طرف سياسي آخر في لبنان، علاقتنا مع اي طرف خارجي مع سوريا مع ايران مع اي طرف جيرت لمصلحة لبنان، اذا فعلنا اي امر وتقاطع مع خدمة بلد عربي او اسلامي لان الجو الوطني يكون قد تقاطع معه وليس العمل لمصلحته، ونقول ان لدينا القدرة في التأثير على محيطنا وفي الإقليم ومع اصدقائنا لمصلحة لبنان، وهم ليسوا بمكان ان يدلوا بإملاءات على لبنان وهذا شيء واضح، ولكن المشكلة عند الاخرين عندما يتحدثوا عن اصدقائهم ولكنهم في الحقيقة يستخدمون كأدوات للآخرين، فإذا كانوا فعلا اصدقاء فليظهروا مدى استثمار هذه الصداقة لمصلحة لبنان.
** كيف تقرأون المشهد السياسي اللبناني على ضوء المعادلات الوطنية التي ارستها المقاومة في الصراع مع العدو الصهيوني؟ وما هي الرسالة التي تحملها الذكرى السابعة عشرة للنصر الالهي في العام 2006؟
اليوم نحن امام مشهد مختلف تماما، حتى عندما نتحدث عن المقاومة عن المعادلات الوطنية، هذه المعادلات تجاوزت حماية لبنان والردع عن لبنان الى افشال مؤامرات كبرى سواء بفلسطين او بسوريا او بالعراق، وبالتالي نحن نتحدث عن محور متكامل للممانعة والمقاومة، هو محور لا يؤثر على خصوصية اي بلد بشكل سلبي...
ايضا نحن اليوم امام معادلة كبرى افشلت مشاريع كبرى واستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية منها الشرق الاوسط الجديد وما قبلها "اسرائيل الكبرى او العظمى" والتي هي اليوم محصورة ضمن الاراضي الفلسطينية المحتلة، فلا يستطيع هذا العدو مواجهة المقاومة في جنين، وليس بمقدوره ان يوقف الانتفاضة والمقاومة الهائلة والعظيمة والتي نعتز بها ونفتخر بالضفة الغربية...
اليوم ارسينا معادلات كبرى بالمقاومة والممانعة، ونوجه تحية اكبار للشعب الفلسطيني المقاوم العظيم...
اليوم ارسينا معادلات كبرى بالمقاومة والممانعة، وبالتالي يوما عن يوم نحن أكثر جدية ان كان في لبنان او في دول المحور بمقاتلة "الكيان الصهيوني الزائل"، بمنعها من تحقيق مؤامراتها ومخططاتها، وبالتالي المشهد والرسالة هي المزيد من الثبات والتقدم والتطلع ليس فقط لتحرير ما تبقى من اجزاء لبنانية محتلة وانما لتحرير فلسطين كل فلسطين من النهر الى البحر، هي رسالة عزة وقوة، اليوم المقاومة لوحدها في لبنان يحسب لها الف حساب وتعتبر خطر وجودي على العدو الاسرائيلي، فما بالك بكل المقاومات الاخرى، ما نستند اليه هو مزيد من الوعي لدى شعبنا، وهنا نوجه تحية اكبار للشعب الفلسطيني المقاوم العظيم الذي ابناؤه الشباب يقاتلون وكأن فلسطين احتلت بالامس وهذا دليل على حرارة وصدق الايمان بالقضية والثبات على النهج، والتطلع الى النصر...
** المواجهات الاخيرة في مخيم عين الحلوة بين اطراف وفصائل فلسطينية اثارت المخاوف على امن الجنوب والوضع في لبنان عموما.. فما هي خلفيات تفجر هذه الصراعات في هذا التوقيت؟ وهل ترون محاولات للعبث بأمن لبنان من هذه البوابة؟
الموضوع الذي حصل في مخيم عين الحلوة لا يتعلق بمؤامرات كبرى، هناك اناس استغلوا هذا الامر ليثيروا بلبلة في الاجواء السياسية العامة ولمزيد من التضييق على لبنان، ولكن استطيع القول بأن هذا الموضوع شبه منتهي وليس لديه خلفيات بما يتعلق التغيير بالمخيم او بغيره، موضوع يتعلق بمشكلة حدثت وتطورت بين الاحياء، وهناك حرص على عدم تفاقمها...
لا خوف على امن لبنان ولا على امن الجنوب...
لا اعتقد ان هناك محاولة للعبث بأمن لبنان من هذه البوابة، سيما ان الفصائل الفلسطينية واعية لهذا الموضوع، وبالتالي لا خوف على امن لبنان ولا على امن الجنوب منها، والخلفيات واضحة وهي محصورة بإطار معين لا يتجاوز الانقسامات والخلافات او الثارات ضمن اجواء معينة.
/انتهى/