وكالة مهر للأنباء - القسم الدولي: في الذكرى السابعة عشرة لانتصار لبنان وحزب الله على العدو الصهيوني الزائل في تموز/ يوليو عام 2006، ولا بد من الإضاءة على ما حققه حزب الله للبنان بشكل خاص ولمحور المقاومة في الصراع الوجودي ضد الاحتلال بشكل عام، حيث شكّل انتصار المقاومة في جنوب لبنان، نقطة تحوّل رئيسية ومفصلية في الصراع ضد الاحتلال الصهيوني الزائل...
انتصار المقاومة اللبنانية سيبقى راسخاً عبر التاريخ لأنه غير معادلات القوة في المنطقة وقلب موازينها لصالح أصحاب الحق كما أثبت مجدداً أن المقاومة هي الخيار الوحيد للحفاظ على كرامة الشعوب واسترداد الأرض المحتلة...
وفي هذا الشأن أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء، "وردة سعد" حواراً صحفياً مع نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ "نعيم قاسم"، وأتى نص الحوار على الشكل التالي:
بداية تتقدم "وكالة مهر" بتوجيه رسالة تهنئة للجمهورية اللبنانية حكومة وشعباً ومقاومة بحلول هذه المناسبة العظيمة، ونقدم لكم الشكر على تفضلكم بإتاحة الفرصة لنا واعطائنا جزءاً من وقتكم الثمين، لإجراء هذه المقابلة وهي ليست الأولى التي تطلون فيها على متابعيكم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وعموم المنطقة من خلال إعلامنا الهادف والملتزم خط المقاومة والنهج الاسلامي الثوري الأصيل.
** بداية لو سمحتم سماحة الشيخ ان نسأل عن هذه الحملة الاعلامية التي شارك فيها اكثر من مسؤول في حزب الله يتقدمهم سماحة السيد الامين العام حول قضية حرق نسخ من كتاب الله والاعتداء على المقدس الاسلامي الاول وعلى كرامة الامة.. ما سبب هذه الجريمة برأيكم؟ وهل تقرأون فيها ابعادا اخرى غير الاثارة وتحريك غريزة الاسلاموفوبيا في الغرب؟
هذه الحملة المنظمة والممنهجة للإساءة إلى القرآن الكريم وهذا الاعتداء على المقدَّس الإسلامي الأول يستهدف إثارة الفتنة والمواجهة مع المسلمين بطريقة أو بأخرى والسبب المركزي أنَّ القرآن لعِبَ دوراً كبيراً في حياة المؤمن وجعل الوحدة مقياساً وعنواناً في زماننا الحاضر، وأثَّر في الترابط والقوة والمقاومة وحقق إنجازات كبيرة على صعيد القضية المركزية الكبرى وهي قضية فلسطين في تحرير الأرض والمقدسات، وأوجدَ قوَّة حقيقية للمسلمين في بلادان مختلفة من هذا العالم، جعلتهم يطردوا الاستعمار والاستكبار من بلادهم ويعملوا على الاستقلال..
القرآن جعل الوحدة مقياساً وعنواناً في زماننا الحاضر...
هذا كله إضافة إلى إرباكات متتالية وإخفاقات متتالية أصابت الدول الكبرى خاصة أميركا والغرب، هذا كله جعل الغرب يعتقد بأنَّ المسلمين يتقدمون إلى الأمام وأنَّ قدرة تطبيعهم أصبحت أضعف، وبالتالي لا بُدَّ من وضع حدٍّ لهذا التقدم، هذا لا يعني أنَّ كل الغرب يعمل في هذا المسار لكن بالتأكيد هناك من يفكر في الغرب بأنَّ أسلوب الإساءة من خلال حرق نسخ من كتاب الله تعالى يشكل حالة من ضرب المعنويات للمسلمين وأيضاً يشكل حالة من الالتفاف عند بعض الغرب حوله، كذلك يمكن أن يؤدي إلى فتنة تبرر المواجهة الميدانية والمزيد من العداء بين الماديين والمسلمين. لكن في اعتقادي أنَّ هذه الخطوات خطوات فاشلة ولن تؤدي نتيجة حقيقية وهي تعبِّر عن ضعف أولئك الذين يلجؤون إلى مثل هذه الأمور لتحقيق أهداف غير قابلة للتحقيق...
** لماذا برأيكم سماحة الشيخ كثفت الجهات الصهيونية والغربية فتح هذه الجبهات في حربها على الامة الاسلامية وعلى منطقتنا بالتحديد؟ من تحريك عملاء للاعتداء على كتاب الله الى تعمد نشر ثقافة الشذوذ .. وغير ذلك؟ هل ترون انها الحرب البديلة عن الحروب العسكرية المباشرة بعد الارهاب؟ ام انها معارك لارباك قوى المقاومة وتشتيت جهودها؟
خطوات الماديين في نشر ثقافة الشذوذ والاعتداء على كتاب الله تعالى وتشجيع الاحتلال في فلسطين هي جزء لا يتجزأ من مواجهة الخط المقاوم والاتجاه الإسلامي وتحرر شعوب المنطقة...
الاتجاه المادي هو المسيطر في العالم اليوم والدول الكبرى تتبنى مساراً بعيداً عن الله تعالى وقائم على الأنانية والتسلط والتحكم بشعوب العالم وكل عناوين الهيمنة والاستحواذ والاستعمار والسيطرة والاحتلال والعدوان من أجل مصالحهم ومصالح شعوبهم حتى ولو أدى ذلك إلى كسر واحتلال مناطق والإضرار بالشعوب على مستوى العالم، وخاصة فيما يتعلق بمواجهة العالم الإسلامي. إنَّ نشر ثقافة الشذوذ هي جزءٌ لا يتجزأ من تعطيل قدرة الإنسان من أن يعود إلى الله تعالى، وهي جزءٌ من الاتجاه المادِّي الذي يخرِّب بنيان الأسرة ويؤدي إلى ارتكاب الكثير من المعاصي ما يجعله بعيداً عن الله وغارقاً في الشهوات والحياة الدنيا، وهذا مخالف تماماً لتعاليم الإسلام التي توازن بين الجسد والروح والتي تربط الإنسان بالخالق وتؤدي إلى عيش حياته الدنيا بشكل مستقيم ومتوازن..
إنَّ خطوات الماديين في نشر ثقافة الشذوذ والاعتداء على كتاب الله تعالى وتشجيع الاحتلال في فلسطين وكل هذه الأعمال العدوانية هي جزء لا يتجزأ من مواجهة الخط المقاوم والاتجاه الإسلامي وتحرر شعوب المنطقة، وهي ليست بديلاً عن الحروب العسكرية المباشرة حيث يستطيعون يباشرون عملاً عسكرياً وحيث يجدون أنَّ الأمور معقدة يلجؤون إلى الحرب الناعمة ونشر الدعاية وفرض الأفكار المنحرفة على مستوى الأمم المتحدة وعلى مستوى استغلال الجهات الدولية المختلفة، إذاً هي مواجهة بأساليب مختلفة لا يتركون فيها أسلوباً دون آخر وإنَّما يمارسونها جميعاً بحسب المكان والزمان والظروف...
** سماحة الشيخ بشكل مباشر وبصراحة انتم متهمون من قبل الطرف الاخر في لبنان بأنكم تعطلون انتخابات رئيس للجمهورية!! ولا تسمحون بعقد دورات متتابعة للانتخاب! كيف تفسرون ذلك؟ وما حقيقة الامر والقوى التي تتسبب بالفراغ؟ وهل شرطكم للقبول بالرئيس شرط تعجيزي؟
من المعلوم أنَّ انتخاب رئيس الجمهورية يتطلب حصوله على ثلثي أعضاء المجلس النيابي الذي يتشكل من 128 عضواً وهذا في الدورة الأولى، أمَّا في الدورة الثانية فيحتاج إلى النصف زائد واحد أي 65 نائباً.
وطبيعة تركيبة هذا المجلس النيابي طبيعة مشتتة بحيث يوجد 7 إلى 8 كتل نيابية فضلاً عن المستقلين وهناك تفاوت كبير في القناعات والاتجاهات السياسية والعملية، فلا يوجد انقسام عامودي إلى اثنين حتى يسهل أن نقترب من فريق دون آخر، وإنما يوجد انقسام إلى عدة اتجاهات؛ بهذه الحالة المطلوب أن تقترب بعض الاتجاهات من بعضها لتشكِّل قدرة على الاتفاق..
نريد رئيساً وطنياً جامعاً للبنانيين ويتعاون معهم جميعاً، وينفتح على الدول العربية والأجنبية ولا يكون تابعاً...
بالنسبة إلينا نحن نعمل على توفير العدد الملائم بالاتفاق بيننا وبين بعض الكتل، وغيرنا يعمل بهذه الطريقة وقد شهدت جلسة الانتخابات الشهيرة في 14 حزيران 2023 في المجلس النيابي أنَّه كان مطروح إسمان هما "سليمان فرنجية" و"جهاد أزعور" ولم يستطيع أي فريق أن يحصل على النصف زائد واحد فضلاً عن الثلثين في الدورة الأولى بالأصل؛ إذاً المشكلة لها علاقة بالجميع ولسنا نحن وحدنا من يتحمل المسؤولية فقط، وقد سمعنا تصريحات من الطرف الآخر أنّه لو تمكَّنا كحزب الله وحركة أمل ومن معنا أن نتوَّفق لجمع 65 نائباً في الدورة الثانية فهم سيعطِّلون الانتخابات لأنَّهم لا يريدون لمرشح لدينا أن يصل إلى المجلس النيابي، إذاً من المعطِّل؟!..
أمَّا شروطنا فهي من أهم الشروط المطروحة في لبنان، كل ما نقوله أنَّنا نريد رئيساً وطنياً جامعاً للبنانيين ويتعاون معهم جميعاً، وينفتح على الدول العربية والأجنبية ولا يكون تابعاً ولا يطعن المقاومة في ظهرها، هذه شروط وطنية وليست خاصة إنما يستفيد منها الجميع..
** اذا بقينا في الساحة اللبنانية سماحة الشيخ سمعناكم تدعون منذ اشهر للحوار وتعتبرون ذلك مدخلا ضروريا لحل ازمة الرئاسة.. اولا هل يمكنكم ان توضحوا لمتابعينا سبب هذه الدعوة وعلاقتها بالتركيبة اللبنانية؟ ثم لماذا باعتقادكم يرفض الطرف الاخر الحوار بل ويتخوف منه الى هذا الحد؟
الحوار هو مدخل من أجل معالجة الانقسام الحاد الموجود بين الكتل...
نحن دعونا إلى الحوار من أجل أن نقرِّب وجهات النظر بسبب هذا التوزع الموجود في المجلس النيابي، لا يمكن أن يكون الحوار بالتراشق الإعلامي وكيل الاتهامات، هذا ليس حواراً بل هذا تنافر وتباعد، أمَّا الحوار فهو عبارة عن نقاش يمكن أن يكون بطرح الأسماء وتبيان المواصفات واختيار المواصفات الأفضل بطريقة منطقية وطنية جامعة ويمكن أيضاً أن توضع الشروط المناسبة للطمأنينة عند الأطراف المختلفين ويتفقون عليها، كما يمكن أن يؤدي الحوار إلى الاتفاق على مواصفات للرئيس وما يمكن أن يقوم به بالإجمال في رؤيته أو توجهاته، ثمَّ بعد ذلك يتم تطبيق هذه المواصفات على إسم من الأسماء المطروحة بالتفاهم والحوار والتعاون...
إذاً الحوار هو مدخل من أجل معالجة هذا الانقسام الحاد الموجود بين الكتل وهذا التباعد بين الرؤى ووجهات النظر في الوقت الذي يمكننا أن نجد القواسم المشتركة لكن هذا الأمر يتطلب الحوار...
** سماحة الشيخ نعيم قاسم نحن على مشارف الرابع عشر من اب، حيث الذكرى السابعة عشرة للنصر الإلهي الذي تحقق على يد المقاومة الاسلامية في جنوب لبنان على آلة الحرب الصهيونية.. ما هي القيمة المضافة لهذا النصر في الصراع المديد مع كيان الاحتلال؟ ولماذا عجز العدو عن ترميم صورته المحطمة واستعادة هيبته العسكرية المنهارة بعد كل هذه السنوات؟
نصرُ المقاومة في لبنان في مواجهة عدوان إسرائيل سنة 2006 لمدَّة 33 يوماً هو نصرٌ استثنائي وتاريخي ومفصلي، لأنَّه حصل في مواجهة عدو إسرائيلي أربكَ المنطقة وعطَّل تنميتها واحتلَّ فلسطين ومدَّ احتلاله إلى أراضٍ عربية عدة..
هذا الكيان الغاصب كان يعمل للتوسع وللمزيد من العدوان والاحتلال، فجاءت المقاومة في لبنان لتحقِّق أولَ وأضخم وأكبر إنجاز في طرد هذا العدو في معركة عسكرية طاحنة ومؤثِّرة ولا يخفى أنَّه للمرة الأولى ينكشف أنَّ الجيش الذي لا يُقهر يمكن قهره وإخراجه وتعطيل هدفهُ في هذا الاحتلال الذي أراده للبنان، وهو بالفعل يتميَّز أنَّه حصل كتحرير بعد معركة عسكرية طاحنة..
هذا النصر أنَّه أوجد توازناً للردع لازال مستمراً حتى الآن إلى درجة أنَّ العدو الإسرائيلي لم يتجرأ على القيام بأعمال عسكرية أو أمنية أو اعتداء مباشر على لبنان...
إذاً العدو خسِر لأول مرَّة بهذه الصورة منذ سنة 1948 أمام قوَّة مقاومة شعبية متلاحمة بطريقة نموذجية في إطار ثلاثي الجيش والشعب والمقاومة، والدليل على أهمية هذا النصر أنَّه أوجد توازناً للردع لازال مستمراً حتى الآن إلى درجة أنَّ العدو الإسرائيلي لم يتجرأ على القيام بأعمال عسكرية أو أمنية أو اعتداء مباشر على لبنان خشيةَ ردَّة فعل المقاومة وحزب الله وكل القوى التي تسانده لأنَّ التجربة أثبتت بأنَّ قدرته على المواجهة مع حزب الله غير ناجحة، بل هو اعترف كعدو بأنَّه فشل في حرب تموز 2006...
كيف الآن وقد تعاظمت قوَّة المقاومة وازدادت عدداً وعدَّةً وسلاحاً ونوعية ودقة في الصواريخ ووجود قدرات معروفة وغير معروفة بتجهيزات وإمكانات مختلفة تماماً وأكثر بكثير مما كان عليه الوضع في سنة 2006؟! فإذاً كيف يمكن أن يواجه العدو الإسرائيلي حزب الله ومقاومته مع هذا التطور الموجود؟ صحيح أنَّ العدو عمل على ترميمم قدرته بعد الـ 2006 ولكن أيضاً حزب الله عمل على تطوير إمكاناته وقدراته واستعداداته لأيِّ مواجهة مستقبلية فإذا درسنا خارطة التقدم سنرى أنَّ المستوى في التقدم الذي أحرزه حزب الله يتجاوز أضعاف الترميم الذي أحرزه العدو الإسرائيلي...
أمَّا لماذا لم يتمكن من ترميم صورته فهذه مشكلته، وهذا لأنَّه محتلٌّ ولأنَّه مع كل الدعم الغربي وخاصة الأميركي المفتوح من دون استثناء هو لا يملك كعدو أهداف نبيلة تساعد على حُسن الاستثمار أكثر بالإمكانات المتوفرة لديه، وعندما يواجه مثل حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي والجمهورية الإسلامية وكل هذه القوى التي تملك رؤية شريفة ونبيلة ووطنية وهي تعمل من أجل التحرير، بالتأكيد سيكون المشهد مختلفاً تماماً وهذا ما نراه...
** هل ترون سماحتكم ان شبح الحرب بدأ يخيم من جديد على جنوب لبنان اثر الاستفزازات الاسرائيلية المتسارعة في المنطقة الحدودية وخصوصا في الغجر؟ ولماذا اكتفى سماحة الامين العام ببضع كلمات في اخر خطاباته لتحذير حكومة الاحتلال وقيادته العسكرية من الخطأ في التقدير؟
تحاول إسرائيل أن تحقِّق إنجازات صغيرة ومحدودة في قضم أمتارٍ هنا أو هناك أوتثبيت احتلالها أو إعطاء صورة بأنَّها حاضرة من خلال منواراتها، ولكن هذا كلّه لا يؤدي إلى حرب مباشرة ولا يعني أنَّ إسرائيل الآن في حالة استعداد كبرى للحرب، في المقابل المقاومة تقوم بما عليها من الاستعدادات والقيام بالمناورات والتحرك على الأرض والانتباه إلى ما يجري على الحدود، وكذلك جمع المعلومات والاستمرار في التدريبات..
لا بدَّ أن نذكر العدو وجيشه وشعبه أننا جاهزون لتكون حساباتهم أدق...
كل هذه الأمور تحصل ولكن لا يوجد قرار لدى المقاومة الآن بمواجهة عسكرية شاملة مع العدو الإسرائيلي. إذاً من جهة الطرفين لا يبدو أنَّ الأجواء أجواء مساعدة على حرب في هذه المرحلة، وبناءً عليه لا يحتاج الأمر إلى أكثر من تحذير لحكومة الاحتلال وتذكير لقيادته العسكرية أنَّهم إذا أخطأوا في التقدير فهم يعلمون تماماً جهوزية المقاومة واستعدادها للمواجهة والرد، وهذا الأمر جاء على خلفية تهديدات قادة العدو الإعلامية التي تكررت في الفترة الأاخيرة وإن كنَّا نعلم أنَّها تهديدات غير حقيقية وغير فعّالة ولكن لا بدَّ أن نذكر العدو وجيشه وشعبه أننا جاهزون لتكون حساباتهم أدق...
/انتهى/