أفادت وكالة مهر للأنباء، انه سجّل محور المقاومة وما زال يسجّل انتصارات متتالية، فمن انتصار حزب الله في لبنان في مايو 2000 وتموز 2006 إلى انتصارات المقاومة الفلسطينية في معركتي "سيف القدس" و"ثأر الأحرار"، هذا يؤكّد صوابية نهج الإمام الخميني (رض) والتكامل في البنية والأهداف بين قوى محور المقاومة من القدس إلى طهران مرورًا بـ بيروت، دمشق، بغداد، صنعاء وغيرها من بقع الصمود والمواجهة. في الأيّام الأولى لحرب تمُّوز كان كلُّ شيء يُنذِر بحجم العدوان، فيما كان أهلُ القرى والبلدات الواقعة تحت مرمى النّار العدو، ينتظرون يدا ما لتنقذهم، وفعلًا كانت تلك يد مجاهدي المقاومة الأبطال مُسجِّلةً مفارقة استثنائية كبرى في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. في تلك اللحظة التاريخيّة، كان على الجبهات مقاومون يضعون يدهم على الزّناد، فكيف يستعيد هؤلاء تلك الأيام المجيدة؟
في الذكرى السابعة عشرة لانتصار 2006، لا بد من الإضاءة على ما حقّقه حزب الله في تلك الحرب غير المتكافئة التي خاضها ضد العدو الصهيوني؛ للحديث عن هذا الموضوع حاورت صحيفة "تهران تايمز" التابعة لوكالة مهر للأنباء، أحد ضباط المقاومة الإسلاميّة، سيد حيدر، ممّن قادوا العمليات البطولية وحققوا النصر.
**بدايةً، حبّذا لو تذكّر القارئ كيف بدأت الحرب.
في تمام الـ 8:45 من صباح 12 تموز 2006، خرج طاقم من اللواء الصهيوني الخامس بـ آليتا "هامر" في دورية كان يفترض أن تكون عادية على طول السياج الحدودي مع لبنان حتى وصلوا إلى النقطة التي كانت المقاومة قد زرعت فيها العبوة. أطلق مدفع -غير مرتد- كان قد نُصب على تل، في خراج بلدة عيتا الشعب، قذيفة مباشرة باتجاه الهامر الخلفي من الدورية. وفي الموازاة، أُطلقت من الموقع نفسه نيران الأسلحة المتوسطة باتجاه الآليتين. قتل اثنان في الهامر الخلفي، فيما قتل الثالث لدى محاولته الفرار من الموقع. بعد ذلك بثوانٍ، أُطلقت على الهامر الأمامي قذيفتان من مسافة 40 مترًا، فتدهور قرابة 20 مترًا إلى أن توَقّف. يقرّ الصهاينة أن اثنين من طاقم الهامر الثانية فرّا فيما انسحب حزب الله مع أسيريه، وهما قائد الدورية والسائق الذي كان إلى جانبه، حيث سارعت مجموعة الاقتحام التي كانت تكمُن بين الأشجار الحرجية إلى فتح باب الهامر، وسحبت الجنديين إلى آلية رباعية الدفع كانت تنتظر خلف الحدود، بعد أن فجّرت مجموعة إسناد أخرى السياج بواسطة عبوة ناسفة مكّنتها من نقلهما بسهولة. في التحقيقات العسكرية الصهيونية التي نشرت لاحقًا، ورد إقرار في الإخفاقات الاستخبارية إذ لم يلاحظ العدو العشرات من مقاتلي النخبة لدى حزب الله، الذين كانوا ينتظرون الدورية الصهيونيّة.
**إلى أي مدى كانت المقاومة جاهزة لصدّ ذلك العدوان؟
في زمن الحرب، تنتفي الفردانية والشخصنة، ويصبح همّ المقاومة جماعيًّا أساسه توفير سبل النصر. وإذا كان أبسط تعريف للنصر في الحروب، طبقًا لأشهر المُنظّرين العسكري، الألماني كارل فون كلاوزفيتز، هو كسر إرادة العدو، ثم منعه من تحقيق أهدافه، فإن الانتصار في الحرب لا يكون انتصارًا للسلاح مهما بلغت كفاءته بل هو انتصار للمبدأ والعقيدة. بهذه الروحية، انطلق المجاهدون لتأدية واجبهم في ردع الحرب المفتوحة التي أطلقها الصهاينة -تحت مظلة أميركية كاملة- لغرض وحيد هو إنهاء حزب الله. آنذاك، كان جورج بوش وكوندليزا رايس يُبشّران بالشرق الأوسط الجديد، مستخدمان الكيان المؤقت كـ رأس الحربة، بعد حشد كل ما أمكن حشده من تأييد أنظمة العار "العربي"، الذين لا يتجرؤون على رفع رؤوسهم أمام أسيادهم في تل أبيب وواشنطن. كان النظام العربي وإلى اليوم يتمنّى سقوط محور المقاومة، الذي يكشف رخص نفوسهم، لكن صرخة "هيهات منا الذلّة" الزينبيّة كانت بالمرصاد، وستبقى. دخل حزب الله الحرب بأهداف واضحة، وهي تحرير الأسرى مقابل الجنديين الصهيونيين في عملية "الوعد الصادق".
**أشرتم إلى الضوء الأخضر الأمريكي. برأيكم إلى أي مدى توَرّطت واشنطن في هذا العدوان؟
الإدارة الأمريكية ليست فقط الداعمة للكيان المؤقت، وراعيته السياسية والعسكرية، بل هي شريكته، ولا زالت. على المكشوف، كانت تُموّل العدو وترفده بكلّ ما يلزم لقصف لبنان وتدمير بنيته التحتية واغتيال المدنيين فيه. لم يقتصر ذلك على تحريضهم ضدّ حزب الله، ومُعارضتهم أي وقف لإطلاق النار، بل تمثّل في التعاون الاستخباري بين واشنطن وتل أبيب، كما كشفت معلومات سرية نُشرت على موقع SID Today، وهو موقع تابع لوكالة الأمن القومي الأميركية، تظهر كيف ضغط مسؤولون صهاينة في وحدة 8200، المختصة بالتجسّس التقني على نظرائهم الأميركيين للمساعدة في توفير معلومات عن "الجنود الاسرائيليين المخطوفين في لبنان، ودور إيران في عمليات الاختطاف هذه".
**برأيكم، أي دور مساند لَعبه إعلام المقاومة في تحقيق نصر تموز؟
طبعًا قبل الخوض في الإجابة، ومن باب الشكر والتقدير، نذكر –تحديدًا- بأن مراسلُ قناة المنار وإذاعة النور، الحاج علي شعيب، كان ممّن واكب الحرب لحظة بلحظة وكان له دور بارز في تغطية أحداثها. فقد أسقط سماحة الامين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، نظرية الغرس الثقافي التي تتَّبعها النظم السياسية والاقتصادية لخلق مجتمعات تابعة مُسلّمة بما تَتلقّى من المرسِل بعد تطويعها، وهو ما درجت عليه وسائل إعلام عربية جعلت من التطبيع مع المحتل الصهيوني ممرًّا إجباريًّا، بل وعملت على محاولة غرس الهزيمة النفسية في الوجدان والسلوك والعربي. والأمر ينطبق على الإمبريالية الأمريكية من خلال ترويج تفوقِّها وعملقة مُواطنها الذي لا يُهزَم. السيد نصر الله أرسى نظرية مفادها: "الإعلام شريك في صنع الإنتصار". خلال حرب تموز 2006، أصبح الإعلام المقاوم مصدرًا للمعلومة، ليس فقط للمتلقّين بل للاعبين في هذه الحرب، وعلى ما تنقله بنَوْا مواقفهم السياسية والعسكرية. السيد نصرالله أكّد أن الإعلام جزء فاعل من قواعد الاشتباك. كما أشار تقرير فينوغراد إلى الدور الإعلامي الذي لعبته المقاومة قي صنع الهزيمة بجيش الاحتلال.
**أي أثر تركته حرب تموز في المقاومة الفلسطينية؟
كان للمقاومة الفلسطينية الفرصة الأكبر في اكتساب الدروس من حرب 2006، فصعدت وبسرعة من مستواها القتالي في أكثر من مواجهة، خاصّةً في معركة بأس جنين مؤخرًا. من الضروري هنا الإشارة إلى تكتيكات قتالية اكتسبها طورها حزب الله خلال حرب تموز ثم اكتسبتها المقاومة الفلسطينية وهي قتال الأنفاق، مناورة إطلاق الصواريخ، وسلاح الاتصالات السلكية التي أفشلت قدرات العدو السيبرانية. في الحد الأدنى، لم يعد الكيان المؤقت في موقع التفوّق والهجوم وامتلاك المبادرة، وبذلك انتقل "محور القدس" من الاستراتيجية الدفاعية إلى الاستراتيجية الهجومية. حرب تموز 2006 أسقطت إتفاقيات: أوسلو 1993 ووادي عربة 1994، وصفقة القرن والعقوبات والحصار، والثورات الملوّنة تارةً عبر التوحّش والتكفير، وطورًا عبر مشاريع وقنوات هدفها بثّ الفتنة بين السنّة والشيعة، بين العرب والفرس، بين المقاومة وبيئتها.
**بالعودة إلى دور المجاهدين، ثمّة عدد كبير منهم قادوا الحرب ببطولة، ومنهم من التحق بقافلة الشهداء. حبّذا لو تحدّثنا عنهم وعن أدوارهم بإيجاز.
خطَّ انتصار تموز 2006 قادةٌ شهداء، عاصرت بنادقهم مختلف المعارك منذ الطلقات الأولى عام 1982 حتى 12 تموز 2006، وأكملت مسيرة الجهاد راغبةً بإحدى الحُسنَيين: النصر أو الشهادة. من هؤلاء الشهيد إبراهيم محمود الحاج، المعروف بـ أبو محمد سلمان، وقد استشهد في العراق عام 2014. خلال عملية الأسر، تولّى الشهيد مهمة تأمين القوات المهاجمة. قيادة المقاومة قرّرت أن يبقى في عيتا الشعب لتقدير الموقف وإدارة التشكيلات القتالية (قوات النخبة، التعبئة العامة، المدنيون، الخ) للحفاظ على وتيرةٍ واحدةٍ من نسقٍ قتاليٍّ منسجم. اهتم الشهيد بأحوال جرحى المقاومة وبدفن جثامين شهدائها، وبإدارة شؤون المدنيين الذين بقوا في عيتا الشعب. خلال الحرب، علم الشهيد عن تسلّل مجموعة صهيونيّة، كان سبّاقًا إلى فتح النار عليهم مرديًّا جنود العدو بين قتيل وجريح. أصيب الشهيد (رض) في قدمه، فضمّدها بنفسه متعمّدَا ألاّ يعرف أحدٌ بذلك. بعثت قيادة المقاومة له رسالةً أعربت فيها عن ثقتها به، وسألته: هل تستطيع الصمود والاستمرار؟". فردّ: "نستطيع أن نقاتل حتى آخر نفس. المعنويات مرتفعة"... وختمها مخاطبًا السيد نصرالله: "لك رجالٌ لا تهاب شيئًا من جيشهم. اعلم -يا سيّدنا- أن لك في عيتا .. استشهاديون. سنبقى نقاتل ونقاتل حتى النفس الأخير".
كذلك أذكر الحاج خالد بزّي، الذي استشهد في بنت جبيل، المدينة التي ألقى فيها السيّد نصرالله خطابه الشهير: "إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت"، وذلك أثناء قيادته لمعركة الصمود خلال حرب 2006. مرارًا، حاول العدو احتلالها لرفع العلم الصهيوني داخل ملعب المدينة ردًا للاعتبار. ظن العدو أن ذلك سيستغرق 48 ساعة فقط، لكن صمود المقاومين أفشلهم، فاتخذ العدو قرارًا بتدمير المدينة. معظم مبانيها سوّيت بالأرض وأحدها كان فوق جسده ورفيقيه الشهيدين محمد أبو طعام وكفاح شرارة. رفض الشهيد التراجع قائلًا لرفاقه: "أفضل أن تدعس جنازير دباباتهم فوق جثتي على أن أتراجع". شهيد بارز آخر هو محمد قانصو، المعروف بـ ساجد الدوير، استشهد في بيت ياحون 2006. راكم باكرًا خبرةً عسكريّةً هائلة، ساهم في تشكيل "القوّة الخاصّة" حتى بات قائدها قبيل 2000. عام 2005، أوكل إليه قيادة عملية أسر جنودٍ صهاينة في الغجر، كما شارك في عملية أسر الجنود في خلة وردة، في 12 تموز 2006. عاد إلى بنت جبيل، حيث أدار المعركة إلى جانب رفيقه الحاج خالد بزي ورفاق آخرين. جُرح في الحرب 3 مرّات، حيث كان يشتبك مع العدو من على بعد أمتارٍ قليلةٍ جدًّا. آخر كلماته كانت: أنا سوف أستشهد. لا تدعوا الإسرائيلي يأخذ جثتي. إن النصر قريبٌ جدًّا".
ومن الشهداء علي الهادي العاشق، المعروف بـ الحاج عباس، وقد استشهد في تدمر عام 2017. خلال حرب تموز، كان أحد القادة الميدانيين للمقاومة في حرب تموز 2006، بل كان في طليعة القيادات العسكرية التي حرّرت الأراضي السورية من الإرهابيين. شهيد آخر هو علاء البوسنة، علي أحمد فيّاض، الذي استشهد في حلب عام 2016. "لو بحثنا في كل بيوت العرب، لما وجدنا أشجع منك"، هكذا نعاه الشهيد القائد السّيّد مصطفى بدر الدين (رض). لـ الحاج علاء بصماتٌ واضحة في البوسنة حيث قاتل هناك في التسعينيات إلى جانب المستضعفين. خلال حرب تموز حرص الشهيد على أن يكون على رأس اللائحة للمشاركة في أي عملٍ نوعي ضد الاحتلال. تولّى مسؤوليته في القرى المحيطة بـ بلدة عيتا الشعب الحدوديّة حيث شارك في زَرع العبوات ونَشَر الكمائن والقبضات المضادة للدروع. حضوره في الميدان أعطى دُفعةً معنوية للمجاهدين. ومن الشهداء القادة الذين شاركوا في بطولات تموز، الشهيد حسن محمد الحاج، المعروف بـ أبو محمد الإقليم. استشهد في حماة عام 2015. نظرًا لكونه من الجيل المؤسس للمقاومة، فقد كان ملمًّا بكافة تفاصيل المحاور. مع اندلاع حرب 2006، ومع تقدّم العدو ناحية بلدة البياضة في صور، أوعز الشهيد إلى المقاومين بضرورة توزيع الكمائن على طول الخط البحري، وأشرف في الوقت عينه على إطلاق الصواريخ على أهداف معادية في فلسطين المحتلة.
كذلك أذكر الشهيد حسّان اللقيس. استشهد في الضاحية الجنوبية عام 2013 في عملية اغتيالٍ نفّذها الموساد. خلال حرب تموز 2006، تنقّل اللقيس بين أرجاء الضاحية الجنوبية لبيروت مشرفًا على منظومة اتصالات المقاومة. تعرّض لأكثر من محاولة اغتيال باعتباره "العقل المبدع" للمقاومة. وفي 7 آب 2006، استشهد نجله علي الرضا. كما لعب الشهيد حاتم أديب حمادة، المعروف بـ الحاج علاء، دورًا محوريًّا خلال حرب تموز. استشهد في حلب عام 2016. كان مهندسًا كهربائيًّا خطّط لعملياتٍ عسكريةٍ عدّة. خلال عمليّة الأسر في 12 تموز 2006، كان معنيّا بمسؤولية أن يُشتِّت نيران العدو التي تستهدف المجموعة المناط بها أسر الجنود الصهاينة. بعدها، انتقل الحاج علاء سريعًا إلى غرفة العمليات المركزية في الضاحية الجنوبية لقَود مجموعات الدفاع الجوي".
**بعد كل هذا العرض، نصل إلى الحديث عن الدور البارز الذي لعبه سيد شهداء محور المقاومة، الحاج قاسم سليماني، خلال حرب تموز.
خلال الأيام الأولى لحرب تمّوز 2006، حمل الشهيد قاسم سليماني رسالة شفهيَّة عاجلة من قائد الثورة الإسلاميّة، السيد علي الخامنئي، إلى السيد حسن نصراللَّه، مفادها: "ستكون هذه الحرب قاسية، لكن اتَّكلوا على اللَّه، وعليكم الصمود. لدينا يقين تام بانتصار المقاومة، بل أكثر من ذلك، هذه المقاومة ستنتصر وتتحوَّل إلى قوَّة إقليميَّة". كان الحاج قاسم حاضرًا "عند الساتر الأمامي" -كما عبّر السيّد نصر الله- تحت القصف في الضاحية، بعد أن أصرّ على الحضور رغم طلب السيد نصرالله إليه بعدم المخاطرة لأن الشرّ الأميركي يتربّص به عند كلّ مفترق. أصرّ الحاج قاسم على مواكبة كل التفاصيل المتعلّقة بالحرب وتأمين كل ما تحتاجه المقاومة من دعم على مختلف الصعد. انتهت الحرب ولم يغادر الضاحية إلا بعد دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ لينطلق في مهمة إيواء أهل المقاومة في مناطقهم وقُراهم التي نزحوا منها كي تعود "أجمل ممّا كانت".
**في ختام هذا الحوار القيّم، ماذا خسر الكيان المؤقت برأيكم، وما كسبت المقاومة؟
في حرب 2006، خسرت في تشويه صورة حزب الله، إنما ساهم في زيادة عدد المتطوّعين في المقاومة. انتهت الحرب، وخاض حزب الله بعدها مواجهة حرب كونيّة ضدّ سوريا، وخرج منها منتصرًا إلى جانب الجيش العربي السوري وإيران، وخاضت فلسطين معركة سيف القدس ووحدة الساحات وبأس الأحرار، واشتعلت الضفة، وتصاعدت العمليات الفدائية. كل ذلك وصورة المقاومة تبرق أكثر. في النظرة المتفحّصة لطبيعة الأهداف الصهيونيّة المشروحة في الدراسات الغربية والإسرائيلية، نلاحظ انخفاضًا حادًّا في سقف الأهداف من تبشير المستوطنين بالقضاء على المقاومة في لبنان بداية الحرب، وصولًا إلى محاولات تغيير معادلة الردع بالحدّ الأدنى. في مقابل ذلك، انتقل حزب الله في معادلة الردع نفسها، من التحمّل والصمود إلى امتلاك زمام المبادرة. بعد حرب تموز 2006م، نشر الباحث الأميركي، أنطوني كوردزمان، دراسة مطوّلة بعنوان "دروس من الحرب بين إسرائيل وحزب الله"، عرض فيها 3 أهداف استقرّت عليها قيادة العدو بعد حال من التخبط حول كيفية إدارة الحرب، متى يجب أن تنتهي، وماذا يجب أن تحقّق، وهي: تدمير قوة حزب الله العسكرية؛ إعادة المصداقية إلى قوة الردع الصهيونيّة؛ وإضعاف حزب الله داخل الدولة اللبنانية. مرّ الآن على دراسة كوردزمان 16 عامًا، تعاظمت خلالها القوة العسكرية لحزب الله لدرجة أنها امتدت إلى باقي أطراف محور المقاومة، فكان انتصار تموز مثالًا لهذه الأطراف بأن المستحيل يصبح ممكنًا لو توفرت عناصر المعركة الأساسية وأهمّها الالتزام بحتمية مواجهة الاحتلال أو الاعتداء. ويبقى كافيًا القول إن لانتصار حزب الله دورًا رئيسيًّا في تثبيت معادلات القوة التي فرضها ويفرضها لبنان اليوم بمواجهة العدو بدءًا من الترسيم البحري الذي حصل تمامًا كما طلب لبنان، الى ما يحصل اليوم من تحدٍّ لـ الكيان المؤقت في موضوع الخيم المنصوبة من قبل بعض الاهالي من اللبنانيين في مناطق كانت محتلّة في تلال كفرشوبا، حيث يسير الكيان المؤقت مرغمًا نحو الخضوع الكامل لشروط حزب الله ولبنان بالانسحاب من القسم الشمالي من الغجر. صمدت المقاومة على رغم شراسة الحرب وتواليها بأدوات وأقنعة متعددة. لم تنكسر روح المقاومة لدى شعوب المنطقة على رغم ضراوة النيران وخبث الأساليب. لم تخترع إيران محور المقاومة بل قادته ومكّنته حينما انسحب منه آخرون. لم يستورد حزب الله المقاومة من إيران بل تولّاها بدعم منها عندما كان الكيان المؤقت يعتدي على لبنان. حرب تموز 2006 كانت مفصليّة، نُفخ في جمر الطائفية والمذهبية، لكن، من رحم التحدّيات تعاظم محور المقاومة.
/انتهى/