وكالة مهر للأنباء - نسرين نجم*: في الكتابة سحر الحبر الذي يعبر بحروف وكلمات عن خزائن مكنوناتنا من همس الحالمين ويقظة الثائرين، نكتب عن قضية وعن شخصية على الرغم من تغييبها للعام الخامس والاربعين، الا انها لا تزال جرحا نازفا في قلوب ووجدان كل من عرفها وقرأ عنها وأحبها...
اتى من بلاد فارس سيد هاشمي تقي ورع يسعى يحمل فكرا وعقيدة وثقافة تريد للاسلام الاصيل ان ينزع عنه ثوب النمطية الذي حاول ان يلبسه اياه أعداء الاسلام فنادى :"إن البداية تبدأ برفض كل آلهة الارض بمفهومها الواسع، وهذه البداية التي هي نواة التحرر تشكل أساس الايديولوجية الاسلامية"، حتى أنه وقف في الكنيسة كما في الحسينية والجامع وطالب بعدم المتاجرة بإسم الله فيقول:" لي الحق ان اخرج واغضب، ان المسيح نفسه غضب عندما دخل الهيكل ووجده ملعبا للمحتكرين والمنافقين، حمل السوط وطردهم قائلا بيتي جعلتموه مغارة للصوص"، رافضا ما يطرحه اليهود الصهاينة:" إن ابراهيم اب لجميع المؤمنين اليهود والنصارى والمسلمين، ولا يمكن اختصاص وعد الله لابناء ابراهيم باليهود، وبالتالي لا يمكن اختصاص الارض المقدسة لهم ".
اضاء سماحة الامام المغيب السيد موسى الصدر انوارا في سماء المعرفة والعلم والجهاد والتضحية، فعندما قدم الى وطنه لبنان ورأى ما رأه من سوء الاحوال وتدهور في اوضاع الطائفة الشيعية على كل المستويات، وحتى احوال الوطن الذي بدأت تتغلغل فيه رائحة الحروب رفع شعار سنواجه شر الآتي بخير العمل...
فكان فجر جديد لاحت تباشيره بتنظيم الطائفة مؤسساتيا وخدماتيا ودينيا وثقافيا واسس لمقاومة في وجه العدو الصهيوني كتبت بحبر الدم المقدس لا تسقطوا الراية، لا تطفئوا جذوة الكفاح، معلنا ان " اسرائيل شر مطلق والتعامل معها حرام "، وطالب سماحته ان تتم مقاتلة العدو الصهيوني بالسلاح مهما كان وضيعا، فهو كان يمتلك بعدا رؤيويا كما القادة العظماء، وهو الذي كان من مدرسة روح الله الموسوي الخميني (قده) والذي كانت تربطه فيه علاقة اخوية وثيقة...
دخل سماحة الامام المغيب قلوب اللبنانيين جميعا على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم العقائدية والمذهبية والطائفية فحاور وحاضر في الكنائس والجوامع والاديرة والمدارس والجامعات، ورد على كل الشبهات...
وكان دائما يسعى الى تغليب لغة الحوار والمنطق على اي رد فعل مذهبي، فكتب رسالة ارسلها الى سماحة مفتي الجمهورية الاسلامية انذاك الشيخ حسن خالد:" إن جمع الكلمة وتوحيد الطاقات وتنمية الكفاءات، ليس موجبها كونها من أشرف الغايات الدينية ووصية نبينا العظيم فحسب، ولكنها ايضا تتصل بوجودنا وكرامتنا وبمقومات وجود اجيالنا، إنها مسألة حياتية ".
اسس للندوة اللبنانية التي كانت مؤلفة من نخبة المفكرين والمثقفين اللبنانيين والتي كانت تهدف لصيانة كرامة الانسان، وتعزيز القيم الروحية والمبادىء الخلقية والحق بالحياة الفضلى للمحبة والسلام.
وعمل الامام الصدر على مكافحة الامية والتشرد ورعاية الايتام ورفع مستوى حياة الكادحين، اضف الى ذلك حماية الوطن من مطامع العدو الصهيوني ليصبح لبنان :" قلعة تتكسر عليها قرون اسرائيل وتتبدد مطامع الاستعمار ".
القرآن العظيم وسيرة النبي الاكرم هما المصدران الرئيسيان لتزويد المسلمين بالثقافة في مختلف ابوابها..
ودائما كان يشدد على التعاليم الاسلامية فيقول:" إن القرآن العظيم وسيرة النبي الاكرم هما المصدران الرئيسيان لتزويد المسلمين بالثقافة في مختلف ابوابها.. فالعقائد، والتشريع، والتربية الخلقية والادب والفن والامثال والقصص الموجهة ملأت افكار المسلمين وطورت عقولهم وهذبت نفوسهم ". واعتبر الامام المغيب بأن :" الاديان واحدة حيث كانت في خدمة الهدف الواحد دعوة الى الله وخدمة للانسان وهما وجهان لحقيقة واحدة ".
نجح الامام الصدر بوضع مداميك لعقد اجتماعي جديد قائم على العدالة ومحاربة الفقر والظلم والجهل انطلاقا من فكر مؤسساتي يهدف لحماية الإنسان لا للمتاجرة به، لانه يعتبر بأن ثروة الوطن هي في انسانه، وانطلق ايضا من فكر تربوي ثقافي يرتكز على جواهر ودرر مدرسة آل البيت (ع).
ولانه اتى على صهوة ذاك الحلم الذي اصبح حقيقة، ومسح بمنديل الفرح على الوجوه المتعبة سيبقى حاضرا فينا مهما طال الغياب، وما زلنا نعيش على آمل اللقاء./انتهى/
(*) اختصاصية في علم النفس الاجتماعي