انعكس لقاء وزيري خارجية إيران ومصر على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة على نطاق واسع في وسائل الإعلام الدولية، وتم ذكره كحافز لتطبيع العلاقات بين طهران والقاهرة.

وكالة مهر للأنباء، القسم الدولي؛ انه التقى وزير خارجية بلادنا حسين أمير عبد اللهيان، يوم الأربعاء، مع وزير الخارجية المصري سامح شكري، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي هذا اللقاء، جرت مناقشة إيجابية ومثمرة بالتفصيل حول القضايا ذات الاهتمام المشترك بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومصر. وأكد الجانبان أنه وفقاً للسجلات الحضارية والتاريخية والمشتركات الثقافية بين البلدين وبما يتوافق مع المصالح المشتركة، فإنه من الضروري تمهيد الطريق والخطوات لتحقيق ذلك من خلال مواصلة الحوار بين سلطات البلدين.

ورغم أنه قبل عامين، أجرى وزير خارجية بلادنا محادثة قصيرة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على هامش الاجتماع الإقليمي لدعم العراق، أو في العام الماضي، أجرى علي سلاجقه، رئيس البيئة الإيرانية، حوارا قصيرا مع سامح شكري وزير الخارجية المصري، على هامش اجتماع التغير المناخي في شرم الشيخ، لكن لقاء حسين أمير عبد اللهيان والوفد المصري في نيويورك مهم للغاية. لأن هذا اللقاء يأتي بعد اللقاءات بين مسؤولي طهران والقاهرة التي عقدت مؤخرا بوساطة بغداد، وهذا يدل على تقدم عملية التفاوض بين الجانبين. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذا الاجتماع سيتم بعد استئناف العلاقات بين طهران والرياض وتحسن علاقات إيران مع دول مجلس التعاون الخليج الفارسي، وهو ما يشير في حد ذاته إلى الضوء الأخضر من دول مجلس التعاون للقاهرة واستمرار حالة التهدئة في المنطقة بعد عقد من الصراع والتوتر والأزمات .

كما حظي اجتماع وزيري خارجية إيران ومصر، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتغطية واسعة في وسائل الإعلام الإقليمية والدولية، وتم ذكره كحافز لتطبيع العلاقات بين طهران والقاهرة. وفي الواقع فإن لقاء وزيري خارجية إيران ومصر في نيويورك وتأكيد الطرفين على مواصلة الحوارات يمكن أن يؤدي إلى عامل تسريع عملية تطبيع العلاقات بين طهران والقاهرة وتحسين مستوى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في المستقبل القريب.

أسباب أهمية استئناف العلاقات بين إيران ومصر

ووفقا للنصوص والوثائق التاريخية، تربط إيران ومصر واحدة من أقدم العلاقات الثنائية على المستوى الدبلوماسي العالمي. إيران ومصر دولتان مهمتان ومحوريتان في منطقة غرب آسيا لأسباب عديدة. أولا، يتمتع البلدان بوزن سكاني مرتفع، وقد تم بناؤهما وفقا لتاريخ الحضارة القديمة والمكونات الثقافية القوية. ثانياً، تعتبر إيران ومصر من الجهات الفاعلة المؤثرة في المنطقة، حيث تسيطران على معبرين بحريين مهمين، وهما مضيق هرمز وقناة السويس. ثالثا، يتمتع البلدان بمكانة أساسية ودور مؤثر في معادلة توازن القوى وتحديد نوع التحالفات والائتلافات الإقليمية.

ولهذا السبب، منذ بداية الحكومة الثالثة عشرة، وتمشيا مع سياسة الجوار، بذلت جهود كثيرة لتطبيع العلاقات بين طهران والقاهرة. كما أن هناك دلائل على رغبة البلدين في استئناف العلاقات. تعود رغبة طهران والقاهرة في استئناف وتحسين مستوى العلاقات الدبلوماسية إلى عدة أسباب يمكن أن تتماشى مع مصالح كلا اللاعبين المهمين في المنطقة.

أولا، كانت القارة الأفريقية دائما مهمة بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبالنظر إلى قوة ونفوذ مصر في هذه المنطقة، فإن تحسين مستوى العلاقات بين البلدين يمكن أن يؤدي إلى توسيع تعاون إيران مع الدول الأفريقية الأخرى. ثانياً، مصر هي قلب العالم العربي، لذا فإن أي جهة فاعلة في الشرق الأوسط يمكنها تشكيل تحالف مع مصر لكسب نفوذاً كبيراً في المنطقة. لذلك، باستئناف العلاقات، تستطيع طهران إعادة رسم شكل التحالفات الإقليمية، أو على الأقل منع القاهرة من الانضمام إلى تحالفات إقليمية ضد إيران. ثالثاً، من خلال التعاون الاقتصادي الثنائي والاستثمار في مصر، تستطيع طهران تحقيق مكاسب اقتصادية وتقليل الضغوط الاقتصادية الدولية ضد إيران.

ومن ناحية أخرى، يمكن تحليل وتقييم استئناف العلاقات بين إيران ومصر على أنها لعبة مربحة للجانبين. أولاً، تحاول مصر في السنوات الأخيرة استعادة دورها الإقليمي، ومن خلال تطبيع العلاقات مع إيران يمكنها الاقتراب من هذا الهدف. ثانياً، تهتم مصر بتعزيز العلاقات الاقتصادية مع العراق ولبنان وسوريا، وبما أن طهران تتمتع بعلاقات وثيقة للغاية مع هذه الدول الثلاث، فإن تطور علاقات القاهرة مع طهران يمكن أن يؤدي إلى توسيع وتطوير شركات الاستثمار المصرية في هذه الدول. ثالثاً، تحتاج مصر إلى الحفاظ على السلام في غزة بسبب علاقات طهران الوثيقة مع جماعات المقاومة في قطاع غزة، بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي. ولذلك يمكن لطهران والقاهرة أن تتحدثا وتتعاونا فيما بينهما في هذه الحالة.

احتمال عرقلة تل أبيب في عملية المفاوضات بين إيران ومصر

وبشكل عام فإن تطبيع العلاقات بين طهران والقاهرة يتضمن العديد من الإنجازات لإيران ومصر ويعزز مكانتهما ودورهما الإقليمي. ومن ناحية أخرى، فإن التعاون بين إيران ومصر، والذي له دور مؤثر في معادلة توازن القوى وتحديد نوع التحالفات والائتلافات الإقليمية، يضر بمصالح تل أبيب الأمنية والاستراتيجية؛ لأن التعاون وتزايد قوة إيران ومصر في المنطقة سيؤدي إلى مزيد من عزلة للكيان الصهيوني.

كما أن الجغرافيا السياسية لمصر وقرب هذا البلد من قطاع غزة قد أضافت إلى القضية وضاعفت مخاوف الصهاينة. ويخشى الصهاينة من أن تتمكن إيران من المساعدة في تطوير هذه المنطقة من خلال الاستثمار حول معبر رفح. لأنه إذا تلقت الجماعات الفلسطينية مساعدات من مصر، فإنها ستعزز قوتها أكثر، وسيكون لهذه القضية ثمن باهظ على الصهاينة.

ولذلك فإن اقتراب مصر تجاه إيران بالنسبة للصهاينة هو بمثابة خسارة حليف استراتيجي في العالم العربي. ومع الأوضاع التي نشأت في العلاقات بين مصر وإيران، تعتبر سلطات تل أبيب خروج القاهرة عن مدارها تهديدا لأمنها. بمعنى آخر، ابتعاد مصر عن دائرة حلفاء الكيان الصهيوني باتجاه أعدائها الإقليميين، جعل تل أبيب تشعر بالتهديد والقلق من هذا التغيير. على أية حال، إذا استأنفت مصر علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فإن الطوق الأمني ضد الكيان الصهيوني سيكون أكثر إحكاما، ويمكن أن يشكل تهديدا لهذا الكيان عندما تشتعل النيران في الأراضي المحتلة.

ولهذا السبب يمكن القول إن لقاء وزيري خارجية مصر وإيران في نيويورك، والذي يظهر رغبة وجهد البلدين لتحسين مستوى العلاقات الدبلوماسية، سيثير قلق السلطات في تل أبيب ولهذا ممكن ان يحاولون الاتصال بالسلطات المصرية لمنع الارتقاء بالعلاقات الدبلوماسية بين هذين البلدين القويين في المنطقة.

وفي نهاية لا بد من الإشارة إلى أن تحسين مستوى العلاقات الدبلوماسية بين طهران والقاهرة يمكن أن يعزز عملية بناء الثقة بين إيران والدول العربية أكثر فأكثر، ويتسبب في انتشار سياسة تخفيف التوتر في المنطقة والمساهمة في حل الأزمات الإقليمية، بما فيها سوريا، لبنان واليمن.

سيد علي نجات، خبير في قضايا غرب آسيا

/انتهى/