وكالة مهر للأنباء_ القسم الدولي: شهدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أحداثاً عديدة في الآونة الأخيرة، لعل أبرزها التحريض الأمريكي الغربي للشعب الإيراني للخروج إلى الساحات في ذكرى وفاة "مهسا أميني" وإخفاقهم الساحق في استخدام تلك الورقة.
ومن الاحداث المهمة حضور السيد رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية في اجتماع الأمم المتحدة، ورفعه للمصحف الشريف، واعتراض المندوب الصهيوني ومحاولته تشويش كلمة السيد رئيسي والتي باءت بالفشل وتم طرده بعدها.
وعلى ذكر كلمة الرئيس الإيراني، يقول الكاتب والباحث الاستراتيجي الإيراني "أ.مصدق مصدق بور" في حديث له مع وكالة مهر للأنباء: "اعتقد ان کلام الرئيس رئيسي في توضيح معالم وملامح السياسة الايرانية في عصرها الجديد والقول بانها تقوم على اسس العلاقة المتكافئة مع دول الجوار والدول الصديقة من خلال وضع ممرها " الشمال – الجنوب" تحت تصرف كل العالم بما تضمن لها مصالح متبادلة ومشترکة ستسیل لعاب الاوروبیین للعودة الی التعاون مع ایران.
ويتابع ضيفنا الإيراني فيما يتعلق بالإخفاق الأمريكي بالتعويل على قضية "مهسا أميني" واضطرار واشنطن لقبول الشروط الإيرانية: بعد عامين من المحادثات الشائكة والوساطات المختلفة والمماطلات الامريكية وفشل الرهان الامريكي على قضية الذكرى السنوية الاولى للاحتجاجات الداخلية على خلفية قضية مهسا اميني انجزت صفقة تبادل السجناء وتحرير الاصول الايرانية المجمدة في كوريا الجنوبية بقرار وزارة الخزينة الامريكية دون وجه حق واستعادت الجمهورية الاسلامية سجنائها واموالها وارغمت الجانب الامريكي على القبول بكامل شروطها .
ويضيف الأستاذ مصدق بور: الواقع هناك الكثير من الاسباب والعوامل التي دفعت بساسة واشنطة صاغرين الى انهاء هذه الصفقة ولعل اهم هذه العوامل ان امريكا كانت تعول على الاضطرابات الداخلية في ايران والتي كانت تخطط لها ووظفت اموالا وجهودا كثيرة بالتنسيق مع العديد من الدوائر الغربية والصهيونية الحليفة لها بيد انها ادركت في النهاية ضرورة حصول الصفقة مع اقترابها من الاستحقاق الرئاسي الامريكي.
ونظراً لأهمية ما يجري على الساحة الإيرانية مؤخراً، وللغوص في خفايا تلك الأحداث، أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء "وردة سعد" حواراً صحفياً مع الكاتب والباحث الاستراتيجي الإيراني" أ. مصدق مصدق بور" وجاء نص الحوار على الشكل التالي:
رفع آية الله السيد رئيسي المصحف الشريف في الأمم المتحدة اي ابعاد تحملها وما مدى تأثيرها على العالم الاسلامي؟ ومن الملفت أيضا أنه خلال كلمة السيد رئيسي خرج سفير الكيان المؤقت عن الأصول الديبلوماسية ورفع صورة الفتاة الإيرانية التي توفيت وفاة طبيعية مهسا اميني وتم طرده من جلسة الأمم، برأيكم إلى اي حد تشير خطوة هذا السفير الصهيوني إلى ارتباط الاحتجاجات التي وقعت في الفترة الأخيرة بإيران بدعم ومساندة الكيان المؤقت ؟
بینما حاول المندوب الاسرائیلی ان یشوش علی خطاب الرئیس رئیسی برفع صورة مهسا امیني فی قاعة الجمعیة العامة للامم المتحدة فی محاولة لتألیب المجتمع الدولي علی ایران والقول ان ایران هی راعیة الارهاب فوجئ برفع الرئيس الايراني من على منصة الجمعية العامة المصحف الشريف في الأمم المتحدة، بكل الابعاد التي یحملها هذا المصحف ومدى تأثيره على العالم الاسلامي کرمز لتوحید هذا العالم ناهيك عن المضامین الاخری التی حملتها هذه الخطوة والتي تدخل في سیاقات حریة المعتقد واحترام الادیان السماویة التی لاتلتزم بها الحرکة الامبریالیة والصهیونیة التی سمحت بالاساءة لهذا المصحف تحت ذریعة حریة التعبیر.
وهکذا لفت الرئیس "رئیسی" انظار العالم والرأي العام الی الارهاب الامریکي والاسرائیلي والغربي الذي یخترق القانون الدولي والارهاب الایراني المزعوم الذی قضی علی الارهاب الداعشي واجهض اخطر مخطط ارهابي اراد ان یزرع مخالبه فی جسم المنطقة وجسم العالم علی حد سواء. کما انه وضع قضیة مهسا امیني وجها لوجه مع قضیة الانتهاکات الامریکیة والغربیة والاسرائیلیة لحقوق الانسان والدیمقراطیات ضد شعوبها تارکا الحکم للمجتمع الدولي لیعرف ماهو الارهاب الحقیقی ومن هو الارهابی الواقعی، وبالتالی فقد سجل خطاب الرئیس الایرانی نجاحا باهرا في الدقائق الاولى منه، حیث کان عمل سفير الكيان المؤقت برفع صورة الفتاة الإيرانية مهسا اميني التي توفيت وفاة طبيعية خروجا عن الأصول الديبلوماسية وتم طرده من جلسة الأمم، فی حین کان عمل الرئیس الایراني عملا قانونیا ذا ابعاد اقناعیة ومؤثرة إلى اي حد تشير خطوة هذا السفير الصهيوني إلى ارتباط الاحتجاجات التي وقعت في الفترة الأخيرة بإيران بدعم ومساندة الكيان المؤقت.
ولايمكن تجاهل مضامین ما ذهب الیه الرئیس الایراني في خطابه حول القران والذي يتفق مع روح القانون الدولي حیث اشار الرئیس الی ان معاداة الاسلام والابارتاید الثقافي والتبریرات المختلفة المسموعة حول حرق المصحف لا تلیق بالانسان المعاصر.
مهسا اميني لم يعد اسم فتاة ايرانية، بل تحول الى عنوان مؤامرة دولية خطرة للنيل من امن الجمهورية الاسلامية! بعد عام من تفجير هذه المؤامرة هل اتضحت الصورة الان بكل ابعادها للشعب الايراني؟ هل كانت القصة تتعلق بقمع الحريات ام بافتعال ازمة لاسقاط النظام وتقسيم البلاد ؟
من المؤكد ان هناك مخططا اكبر يقف وراء كواليس هذا التحريض على خلفية قضية مهسا اميني التي كانت فعلا عنوانا رئيسيا لمؤامرة امبريالية وصهيونية ضد ايران وتسويقها ضمن مقولة حرية التعبير المضللة. ورغم اتهامه لبعض التيارات المشؤومة والتي قال انها قوية في نفس الوقت ويقصد القوى الغربية التي تبحث عن حلول لازمتها هذه والکثیر من الازمات الاخری التي تعصف بها باشعال ازمات اخرى وتحت عناوين مختلفة.
من الواضح ان الشعب الايراني لم يتناغم مع المخطط الامريكي والصهيوني في هذه القضية رغم ان البلاد شهدت اضطرابات وتظاهرات بتحريض من الدوائر الغربية وصرف ملايين الدولارات لتأجيج الاوضاع الامنية في ايران. ويكفي هنا ان نعرف ان عدد المشاركين في هذه التظاهرت لاتساوي عشر عدد المشاركين في تشييع جثمان الشهيد قاسم سليماني او تظاهرات اخرى خرجت في البلاد للدفاع عن الحجاب والعفاف وسرعان ما تم لجم هذه المؤامرة التي كانوا يرجون منها نسف وحدة المجتمع الايراني وايجاد شرخ في داخله لكي يتمكنوا من خلال مراحل تآمرية أخرى توسيع هذا الشرخ وصولا الى هدفهم الرئيسي وهو اجهاض مسيرة الثورة والنظام الاسلامي وتفكيك التلاحم بين القاعدة والقيادة في ايران.
ولعل الضربة القاضية والقاصمة التي كسرت ظهر هذه المؤامرة هو الخطاب الذي القاه قائد الثورة الاسلامية سماحة السيد الخامنئي عندما قال بما معناه ان كل فتيات ايران من محجبات وسافرات هن بناتي. لقد تعاطت القيادة الايرانية بحكمة بالغة مع هذا التحدي والازمة المفتعلة من خلال تحليها بالحلم والصبر في التعامل مع حالات عدم التقيد بالحجاب الاسلامي وافشلت خطة العدو في اجتذاب الشريحة النسوية بشعاره الكاذبة (حرية المرأة) . ربما يسأل كثيرون لماذا نشهد حاليا فتيات حاسرات الرأس ؟ وهل فعلا ان النظام قد تراجع عن مبادئة الاسلامية؟ الواقع ان النظام لم يتراجع وهو يتصدي لبعض الحالات الشاذة جدا والتي يصبح من المؤكد لها انها على اتصال مباشر بالمخطط التآمري المذكور لكنه يتهاون ويتسامح مع الحالات العفوية باعتبار ان هذا النموذج من الفتيات هن من ابناء الوطن وليس صحيحا استخدام العنف المفرط ضدهن فهل يعقل ان يطرد الاب ابنته مهما كانت الى الشارع لتصبح فريسة لذئاب السياسة ؟ نحن نعيش في عصر عنوانه التحول وتواجه اليوم الكثير من الاسر في مختلف المجتمعات الاسلامية في منطقتنا مشكلة التباين الفكري بين الابناء والاباء وهذه ظاهرة طبيعية تتطلب معالجة علمية وموضوعية دقيقة وان الاقصاء والطرد والتعامل بشدة وغلائة يعطي نتائج معكوسة .. الصورة اصبحت اليوم واضحة جدا للشعب الايراني ومن الطبيعي في ظل الحقائق والمعطيات التي نشاهدها في المجتمعات الغربية وتحديدا في الولايات المتحدة الامريكية يدرك الشعب الايراني جيدا زيف التشدق الامريكي والغربي بحرية المرأة من خلال مقارنته بين واقع حقوق الانسان وحقوق المرأة في ايران وفي امريكا وهذا ما تطرق الیه الرئیس " رئيسي " عندما تساءل في كلمته بالقول : هل يمكن لامريكا ان تكون صادقة في قلقها على حقوق الانسان وهي التي تمتلك اكبر سجن للامهات في العالم ؟ علی ای حال هناك الکثیر من الحقائق حول ايران اغتالها القمع الاعلامي والاشاعات الاعلامية التي لا تشير اليها هذه الاجهزة الاعلامية ومنها القصف الكيمياوي على الشعب الايراني ومد بعض الاوروبيين لنظام صدام البائد بالسلاح الكيمياوي.والدور الذي تلعبه اليوم المرأة الايرانية في المجتمع في مختلف الساحات وعلى جميع الاصعدة وعلى قدم مساواة مع الرجل.
في الذكرى السنوية الاولى للاحتجاجات الصاخبة لاستغلال وفاة فتاة، واتهام الشرطة بالتسبب بوفاتها، سمعنا الكثير من الدعوات للتظاهر من جديد واغراق البلاد بمشاهد الفوضى والتخريب، ما هي الاستنتاجات المنطقية من حقيقة عدم استجابة الشباب الايراني لهذه الدعوات؟ هل استنفد اعداء ايران ادواتهم لتحريك الفوضى الداخلية؟
الغباء الامريكي والغربي في فهم حقيقة وواقع المجتمع الايراني هو الذي جعله يراهن على الذكرى السنوية الاولى للاحتجاجات الصاخبة على خلفية قصة مهسا اميني الملفقة فالشرطة لم تتسبب بوفاتها ولم تقتلها بشهادة شريط الفيديو الذي اظهر الحقيقة بكل وضوح وشفافية منذ لحظة ركوبها سيارة شرطة الاداب والاخلاق وهي ضاحكة ومن ثم نزولها من المركبة ودخولها الى صالة التوجيه المعنوية لتلقي بعض الارشادات ومن ثم يتم اخلاء سبيل الجميع والى كيفية وفاتها ومحاولات الفرق الطبية لانقاذها، حيث انها كانت تعاني من المرض بشهادات الاطباء والمستشفيات التي عالجتها في السنوات الماضية وبشهادات من ذويها وكل هذه الامور والوثائق هي التي كانت السبب في حصول استنتاجات منطقية في اذهان الشباب وعدم استجابة هؤلاء للدعوات المتكررة من الابواق المعادية لجولة ثانية من الاضطرابات.
بالتاكيد ان الاعداء استنفدت ادواتهم لتحريك الفوضي الداخلية وهذا ما لاحظناه بوضوح في الموقف الامريكي واسراع واشنطن لابرم صفقة تبادل السجناء وتحرير الاصول الايرانية المجمدة بعد ان كانت تماطل وتعتمد اسلوب التسويف بانتظار حلول الذكرى. ونتيجة لهذا الاخفاق والاحباط اضطرت واشنطن صاغرة للقبول بالشروط الايرانية بكل حذافيرها وافرجت عن السجناء الايرانيين والاموال والارصدة الايرانية المجمدة" .
اذا عدنا عاما الى الوراء واستعدنا شريط الاحداث التي تلت وفاة مهسا اميني.. كان اللافت اسلوب الشرطة والاجهزة الامنية في ضبط النفس وعدم الانجرار الى مواجهة العنف من قبل المحتجين بالعنف، الى اي حد ساهم ذلك في احباط الهدف الحقيقي من الاحتجاجات؟ ولماذا استمر الاعلام الغربي في الحديث عن القمع والعنف الدموي ضد الاحتجاجات السلمية؟
اساسا ان اسلوب الشرطة الايرانية لايقوم على اساس " مواجهة العنف من قبل المحتجين بالعنف " ودائما كان اسلوب ضبط النفس وعدم الانجرار الى مواجهات عنيفة هو لاسلوب المعتمد لدى الشرطة بناء على توجيهات قائد النظام الاسلامي السيد الخامنئي . ولكن حجم المؤامرة كانت كبيرا جدا لذلك اضطرت الشرطة لتوقيف البعض من هؤلاء المحتجين ريثما يهدأ الشارع ولغربلتهم ومعرفة الطيب من الخبيث بينهم وفعلا توصلت التحقيقات الامنية الى خيوط هذه المؤامرة والى العناصر المندسة وسط هذه الحالة الاحتجاجية الطبيعية وهي تعمل على تنفيذ اجندة خارجية معادية لقد كان العدو يأمل ان تتعامل السلطات الايرانية بعنف مفرط مع المتظاهرين الا ان السياسات المعتمدة من قبل النظام هي التي افشلت مخططهم . ورغم هذه الحقيقة لم يكن بامكان العدو ان يتراجع ويتوقف عن مؤامراته ومحاولاته لاشعال جذوة الاضطرابات التي تطفئ بصورة كاملة لانه صرف ملايين الدولارات وصرفت اجهزته المخابراتية وقتا طويلا لحياكة هذه المؤامرة بالاستعانة ببعض التيارات السياسية الايرانية او ما تعرف بالمعارضة في الخارجة والمرتبطة بها. وظلت تراهن الى ان ادركت جيدا ان مخططها قد فشل رغم حظرها الاقتصادي الجائر الذي لم يشهد له مثيل في التاريخ وكانوا يعتقدون ان بامكانهم تحقيق غاياتهم ومآربهم الدنيئة من خلال استخدام عاملي الحظر والاضطرابات الداخلية .
ويجب الا ننسى حقيقة اخرى ربما هي ايضا تجعل اعداء ايران يتمادون في مؤامراتهم رغم اخفاقاتهم وفشلهم وهي فشل النظام اللیبرالی الذی یخدم مصالح السلطویین والرأسمالیة الغربیة فانه لم یعد مرجعیة کفوءة لادارة العالم فی العصر الجدید وايضا فشل مشروع امرکة العالم وبالتالي يحاول الغربيون المقاومة امام هذا المصير وتخلي الكثير من الدول حتى الدول الحليفة لهم عن السلطة الامريكية والغربية ومحاولة استبدالها بنظم جديدة ودوائر تعاون اقليمية من خلال لاالانخراط في تحالفات وشراكات جديدة مع بقية القوى العالمية القوية ولايمكن ان نتجاهل حقد هؤلاء على ايران التي ساهمت بشكل كبير منذ بداية انتصار الثورة الاسلامية بقيادة الامام الخميني الراحل قدس سره حيث كانت ايران في طايعة الدول المطالبة بتغيير نظام الهيمنة الامريكي وبالتالي ان هذا الحقد هو الذي يجعلها لمواصلة اعمالهم الانتقامية ضد ايران رغم الاثمان الباهضة التي دفعوها"
هل ترون ان الاتفاق الجزئي على تبادل السجناء بين طهران وواشنطن، وتحرير بعض الودائع الايرانية المحتجزة في الخارج، دليل على الانفراج في الازمة بين ايران والولايات المتحدة؟ وهل يمكن البناء على ذلك لتوقع المزيد من الانفراجات وتخفيف التوتر بين الجانبين ؟
بعد عامين من المحادثات الشائكة والوساطات المختلفة والمماطلات الامريكية وفشل الرهان الامريكي على قضية الذكرى السنوية الاولى للاحتجاجات الداخلية على خلفية قضية مهسا اميني انجزت صفقة تبادل السجناء وتحرير الاصول الايرانية المجمدة في كوريا الجنوبية بقرار وزارة الخزينة الامريكية دون وجه حق واستعادت الجمهورية الاسلامية سجنائها واموالها وارغمت الجانب الامريكي على القبول بكامل شروطها .
الواقع هناك الكثير من الاسباب والعوامل التي دفعت بساسة واشنطة صاغرين الى انهاء هذه الصفقة ولعل اهم هذه العوامل ان امريكا كانت تعول على الاضطرابات الداخلية في ايران والتي كانت تخطط لها ووظفت اموالا وجهودا كثيرة بالتنسيق مع العديد من الدوائر الغربية والصهيونية الحليفة لها بيد انها ادركت في النهاية ضرورة حصول الصفقة مع اقترابها من الاستحقاق الرئاسي الامريكي .
السبب الاخر هو فشل سياسة الحظر الامريكي على الدول التي لاتريد الانضواء تحت مظلة سلطتها وهيمنتها حيث فرضت امريكا العقوبات على عدد كبير من الدول بحيث اصبح عدد الدول المحظورة يفوق عدد الدول غير المحظورة وبالتالي نتيجة لحظر الحظر الفاشل توحدت هذه الدول المحظورة بوجه السياسة الامريكية ودخلت احلافا اقتصادية وسياسية معادية للسياسة الامريكية ومطالبة باسقاط امريكا من عرش النظام العالمي الذي قادته بقوة الانقلابات والدمار والحروب والعقوبات. ولعل نموذج الحظر الامريكي على ايران وما تمكنت ايران من فعله لمواجهة هذا الحظر والالتفاف عليه خير شاهد على ذلك حيث استطاعت ايران بسبب هذا الحظر ان تقوي بنيتها الاقتصادية وتطور نفسها علميا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا لتتحول الى قطب كبير في المنطقة قادر على تغيير المعادلات وموازين القوى .
ربما من السابق لاوانه على المدى القصير ان نقول ان هذه الصفقة ، دليل على حدوث انفراجة حقيقية في الصراع الامريكي الايراني وكلنا يعلم ان السياستين الايرانية والامريكية خطان موازيان لايلتقيان هناك قوة استعمارية واستغلالية وسلطوية تقابلها قوة اسلامية صلبة وناعمة في نفس الوقت هي على النقيض منها في الكثير من التوجهات السياسية والاهداف والاساليب لكن رغم ذلك يمكننا التعويل على الصفقة والبناء عليها لتوقع المزيد من الانفراجات وخفض حالة التوتر بين البلدين. هناك نقطة اخری في غاية الاهمية اکد علیها الرئیس " رئیسی " فی خطابه امام الجمعیة العمومیة للامم المتحدة والتی تعطی لکلام الرئیس بعدا اعمق من الفهم الامریکی والغربی لتحولات العالم الجیوسیاسیة والجیو اقتصادیة ؛ فالعالم اليوم آخذ نحو التغییر والعبور من النظام العالمی الحالی بزعامة الولایات المتحدة ویتجه بخطوات محسوسة وواعیة نحو تبلور نظام عالمی جدید من ابرز معالمه التعددیة القطبیة وان هذا الطریق الجدید الذی بدأ العالم یسلکه لارجعة عنه وان معادلة السلطة والهیمنة لم تعد تستجیب لمتطلبات وطموحات العالم واصبحت عاجزة عن تقدیم الحلول للازمات السیاسیة والامنیة والاقتصادیة التی تعصف فی الوقت الحالی بالواقع العالمی . وهذا المعطی العالمي الكبير والمهم سيدفع بامريكا لتجديد حساباتها وتقديراته حول المتغيرات العالمية وسيدفعها لابرام صفقات متعددة اخرى مع ايران . الحديث عن حصول اختراق ليس واردا حاليا وربما سنشهد تحولا كبيرا في السياسة الامريكية بعد الانتخابات الرئاسية القادمة وفي حال فوز الديمقراطيين فيها خاصة وان هناك مؤشرات واضحة على ذلك بدأت واشنطن تلوح بها فقبل ايام قليلة سمعنا اقرارا صريحا من قبل وزير الخارجية الامريكي يعترف بان النظام العالمي التي تأسس في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية فقد مقوماته لادارة العالم في ظل المتغيرات الجديدة والمح بلينكن الى ان الولايات المتحدة ستسعى للتكيف مع هذا التحول العالمي .في الواقع ان الاحداث العالمية القادمة ستكون حبلي بمفاجآت عديدة رغم الشكوك التي تحوم بواقع النوايا والسياسات الامريكية.
كان لافتا التصعيد الاوروبي ضد الجمهورية الاسلامية في الاونة الاخيرة.. سواء في ملف العقوبات او تحريك ورقة وكالة الطاقة الذرية!! لماذا تتحرك الدول الاوروبية اليوم؟ وما الذي يخفيه هذا التحرك ؟ والى اي حد تخشى القيادة الايرانية هذه الحملة الأوروبية؟
ریمکن ان نعزو التصعید الاوروبي الاخير ضد ايران فيما يتعلق بملف الحظر أو الاخلال بمسار التعاون القائم بين ايران والوكالة الدولية في اطار معاهدة حظر الانتشار النووي NPT او اتفاقیات الضمان بن الجانبین الى عدة عوامل منها شعور الجانب الامريكي بالغبن وهو يرى من جهة ان الجانب الامريكي يمنعه من توصل الاوروبيين الى سلام مع روسيا في حرب اوكرانيا لحل مشكلة الغاز لكنه من جهة اخرى يدخل مع ايران في صفقات لحل ازماته الخاصة . اليوم بدأت هذه القناعة تتوسع وتترسخ اكثر في اذهان الاوروبيين ان هدف واشنطن الاساس من استمرار الحرب الاوكرانية هو اضعاف القدرة الاوروبية والحيلولة دون حدوث تغيير في السياسة الاوروبية باتجاه القدرات العالمية الصاعدة كالصين ويجب الاننسى ان هناك تنافس قديم بين الولايات المتحدة والكتلة الاوروبية الامكر الذي دفع بالاوروبيين للتوحد في اطار الاتحاد الاوروبي . اساسا ان سياسة تأسيس الاتحاد المذكور هي سياسة في الاتجاه المعاكس للسياسة الامريكية وبالتالي نری ان الاوروبیین یسعون الیوم للاخلال بهذا المنجز الايراني الامريكي ويبحثون عن حصة لهم فيه بعد ان قررت ايران سحب مشاريعهم الاقتصادية في البلاد بسبب اندماجهم في المشروع الامريكي وتكيفهم مع سياسة ترامب التي انسحيت من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 واعطوا وعودا كاذبة لايران . لا اعتقد ان ايران تخشى هذا الموقف الاوروبي بدليل الشرخ الموجود في التكتل الاوروبي وبالعكس انها تحاول ان تعمق هذا الشرخ وتستميل بعض الدول الاوروبية من غير دول الترويكا بريطانيا وفرنسا والمانيا . اعتقد ان ما قاله الرئيس ابراهيم رئيسي في كلمته امام الجمعية العامة للامم المتحدة عندما اعلن لقادة العالم ان الرؤية الايرانية لتحقيق المزید من التقارب الاقتصادي والسياسي داخل وخارج المنظومة الاقليمية وترغب بالتعامل مع جميع الدول دون استثناء على اساس مبادئ العدالة ليست شعارا وتنظيرا هي رسالة واضحة يمكن قراءتها في هذا السياق.
اعتقد ان کلام الرئيس رئيسي في توضيح معالم وملامح السياسة الايرانية في عصرها الجديد والقول بانها تقوم على اسس العلاقة المتكافئة مع دول الجوار والدول الصديقة من خلال وضع ممرها " الشمال – الجنوب" تحت تصرف كل العالم بما تضمن لها مصالح متبادلة ومشترکة ستسیل لعاب الاوروبیین للعودة الی التعاون مع ایران.
/انتهى/