وكالة مهر للأنباء_ القسم الدولي: صرح ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز"، أن السعودية و"إسرائيل" تقتربان كل يوم من إقامة علاقة فيما بينهم.
والموقف نفسه تكرر بعد أيام قليلة على لسان "بنيامين نتنياهو"، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، في مقابلة مع نفس القناة الأميركية.
وفي هذا السياق، اعتبر سفير البحرين لدى أميركا "عبد الله بن راشد"، أن هذا الحدث لا مفر منه، ووصف إقامة العلاقات بين السعودية وكيان الاحتلال بأنها مسألة وقت.
وتعتبر زيارة أول وزراء الكيان الصهيوني _ وزير السياحة ووزير الاتصالات_ إلى السعودية في الأيام القليلة الماضية، سببا قويا لتأكيد هذه التكهنات.
وعلى الرغم من كل ذلك، يرى كاتب هذا المقال أستاذ الدراسات الإسرائيلية في جامعة طهران "سید هادي برهاني" أن العوائق التي تواجه هذه العلاقات أكثر من أن يتم تجاهلها أو الاستهانة بها.
وهذه العوائق التي يمكن أن تحبط عملية التطبيع بين السعودية وإسرائيل، نتناولها في مايلي:
1_ تعتبر السعودية دولة إسلامية بالكامل: ما يقرب من مائة بالمائة من سكان هذا البلد مسلمون. بالإضافة إلى ذلك، فإن جزءًا كبيرًا من هؤلاء السكان المسلمين لديهم عقائد دينية وتقليدية. وهذا الواقع جعلهم حساسين للاحتلال اليهودي في العالم الإسلامي والاستيلاء على الأماكن المقدسة الإسلامية في فلسطين.
للسعودية سجل طويل وتاريخي في دعم فلسطين، وقد تحملت في الحرب مع "إسرائيل" الكثير من التكاليف المالية والبشرية وقدمت مئات الشهداء والجرحى.
تؤكد جميع استطلاعات الرأي التي أجريت في المملكة العربية السعودية، المعارضة الواسعة لشعب هذا البلد لإقامة علاقات مع الكيان الصهيوني.
وفي استطلاع حديث (نُشرت نتائجه في مجلة الإيكونوميست)، أيد 2% فقط من الشباب السعودي مثل هذه العلاقة، في حين أن هذا الرقم، على سبيل المثال، يقترب من 75% في الإمارات.
ولذلك فإن الموافقة على التطبيع لا تحظى بفرصة النجاح في أي عملية ديمقراطية، ولا يمكن تصورها إلا من خلال لغة القوة والإجبار وفرض الدكتاتورية.
وهذا يمكن أن يسبب أيضًا استياءً واسع النطاق على المستويين الرسمي وغير الرسمي في السعودية ولا يؤثر فقط على الشباب وعامة الناس، بل أيضًا على العلماء ورجال الدين، وحتى القوات العسكرية والأمنية.
إن هذا الواقع، أشبه مايكون بالسلام غير الديمقراطي وغير الشعبي بين مصر والكيان الصهيوني، فيمكن أن يعرض سلام وأمن قادة البلاد في السعودية للخطر وبالأخص المسؤولين المؤيدين لعملية التطبيع.
2_ بالإضافة إلى الرأي العام في السعودية، فإن الرأي العام في فلسطين يعارض بشدة هكذا خطوة. وإلغاء زيارة السفير السعودي (في فلسطين) السيد نايف بن بندر إلى المسجد الأقصى خلال زيارته الأخيرة للأراضي المحتلة يؤكد هذا الادعاء.
ومن المحتمل أن يكون هذا القرار بسبب القلق من ردود الأفعال السلبية والغاضبة من جانب المصلين الفلسطينيين. ومثل هذه الردود شاهدناها مؤخراً مع من المدون السعودي، محمد السعود، الذي يدعم التطبيع، وعندما زار المسجد الأقصى هتف الناس بشعارات ضده وأخرجوه من المسجد.
ولا تقتصر معارضة التطبيع على السعودية وفلسطين، بل تشمل جميع الدول الإسلامية، ربما باستثناء جيل الشباب في الإمارات.
وبحسب الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة "المؤشر العربي" المرموقة، فإن غالبية الناس في جميع الدول العربية ضد التطبيع.
وتشمل هذه المعارضة الدول التي أقامت علاقات مع إسرائيل، مثل مصر والأردن والمغرب.
والحقيقة أن كل عمليات التطبيع التي جرت في العالم الإسلامي حتى الآن كانت غير ديمقراطية ومخالفة لرأي الناس، وهي بهذا المعنى نوع من الدكتاتورية وتفتقر إلى المصداقية الشعبية.
3_ إن معارضة الشعوب، في السعودية وفلسطين والدول الإسلامية الأخرى لتطبيع العلاقات مع إسرائيل ليست بالأمر الغريب، وهذه المعارضة موجودة دائما منذ بداية العدوان الصهيوني على المنطقة
و في هذا الوقت بالذات وبسبب انتهاكات حكومة نتنياهو المتطرفة، تشكّلت معارضة استثنائية واسعة النطاق لهذه الحكومة في المجتمعات الغربية وحتى في المجتمع اليهودي في إسرائيل.
ويعتبرون أن هذه الحكومة تفتقر إلى الكفاءة والصلاحيات اللازمة للتطبيع ويعتبرون الاعتراف بها امتيازا يعزز هذه الحكومة المتطرفة وسياساتها غير الديمقراطية والمعادية لحقوق الإنسان.
وعليه فإن الحكومات الغربية لا تدعم هذا التطبيع بشكل جدي. جدية الحكومة الأميركية في دعم هذه العملية مشكوك فيها رغم بعض التعليقات. على الأقل الحكومة الأمريكية الحالية ليست مجمعة على رأي واحد مؤيد للتطبيع.
4_ وفقاً للتاريخ، فإن إن معارضة الفلسطينيين للتحرك السعودي تجاه إسرائيل ليست معارضة عاطفية وسطحية، ولكنها معارضة متجذرة في بعض الحقائق التاريخية، وكلها تؤكد أن الاعتراف بإسرائيل والتوصل إلى السلام معها لا يعني فقط ولا يساعد الفلسطينيين، بل له تأثير سلبي للغاية على وضعهم ونضالهم من أجل حرية فلسطين، ويضع إسرائيل في وضع أفضل لاغتصاب حقوقهم وتهويد هذه الأرض بشكل كامل.
ولإخفاء هذه الحقيقة، في كل اتفاق سلام تعقده الدول العربية، تطرح دائما مسألة منح امتيازات للفلسطينيين وبعض الوعود في سبيل إعطائهم حقوقهم، وكلها وعود فارغة ومضللة لا وظيفة لها سوى تهدئة الوضع في دول المنطقة أو التقليل من حدّة معارضتها.
وهذا ما حدث في كل اتفاقيات السلام العربي السابقة مع إسرائيل، بداية من (مصر) وصولاً إلى (الإمارات).
كما زعم أنور السادات أنه أجبر إسرائيل على الاعتراف بحقوق الفلسطينيين، وأن الإمارات جعلت سلامها مع إسرائيل مشروطا بوقف تهويد الضفة الغربية، لكن كل هذا لم يساعد الفلسطينيين فحسب، بل أن الحقائق التاريخية أثبتت إن هذه العمليات زادت من معانات هذه الشعب والتعدي على حقوقه.
إن هذا التاريخ الواضح لخداع إسرائيل (وتعاون بعض الأطراف العربية) يسمح لنا باعتبار السلام مع إسرائيل من أوله إلى آخره بمثابة خيانة لقضية الحرية الفلسطينية وترك المسلمين المضطهدين في قبضة القمع الصهيوني.
5_ تلعب السعودية دوراً مركزياً في العالم الإسلامي. هذا البقعة هي أصل الإسلام، وفي هذا البلد يوجد أقدس الأماكن الإسلامية، مكة والمدينة.
وأهمية هذه الأماكن جعلت ملوك السعودية يطلقون على أنفسهم صفة (خادم الحرمين الشريفين).
في كل عام، يذهب ملايين الأشخاص من جميع أنحاء العالم الإسلامي إلى هذا البلد للمشاركة في مراسم الحج. وتعتبر المملكة العربية السعودية المقر الرئيسي لمنظمة التعاون الإسلامي وأهم داعم لهذه المنظمة الإسلامية التي أنشئت لتحرير القدس.
بالإضافة إلى ذلك، ساهم موقع هذه البلاد وحجمها وثرواتها في تقلدها دوراً مركزياً في العالم الإسلامي.
ولهذه المكانة قيمة وأهمية كبيرة بالنسبة للسعودية، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل؛ في حين أن الأغلبية الساحقة من المجتمعات الإسلامية تعارضه، وأيضا غالبية الدول الإسلامية _نحو ثلاثين دولة_ لا تربطها بها علاقة، سيجعل مكانة السعودية في العالم الإسلامي تواجه العديد من التحديات غير المسبوقة.
فكيف لملوك السعودية أن يسموا أنفسهم خادمي الحرمين الشريفين وقد وقعوا في هاوية خيانة الحرم القدسي الثالث المسجد الأقصى، ويدخلون في صداقة مع حكومة انتهكت حرمة الأماكن الإسلامية المقدسة، وتنوي تدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل على أنقاضه؟!.
وإذا كانت هذه الحقيقة يمكن إنكارها في الماضي، فإنها لا يمكن إخفاؤها اليوم، عندما تنقل الكامرات كل يوم صوراً مؤلمة لاعتداء اليهود المتطرفين وحتى أعضاء الحكومة الإسرائيلية على هذا المسجد إلى جميع أنحاء العالم الإسلامي.
6_ إن تطبيع العلاقات مع إسرائيل يتعارض مع خطة السلام العربية التي وافقت عليها جميع الحكومات العربية عام 2002 في اجتماع الجامعة العربية في بيروت.
وبموجب هذه الخطة، ستعترف الدول العربية بإسرائيل عندما ينسحب هذا الكيان من الأراضي التي احتلها عام 1967 (الضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان) ويسمح بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس.
وبطبيعة الحال، انتهكت دول مثل الإمارات والبحرين هذا القرار من قبل، لكن المملكة العربية السعودية نفسها كانت المصمم والمقترح لهذه الخطة.
وفي عهد الملك عبد الله، ملك هذه البلاد المحترم والحكيم، طرحت المملكة العربية السعودية الخطة المذكورة، والتي حظيت بموافقة الدول العربية والإسلامية.
كما تحظى هذه الخطة بشرعية وقبول دولي واسع نظرا لتوافقها مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بفلسطين.
7_ إن تطورات التقارب بين السعودية وإسرائيل تأتي في وقت تعيش فيه فلسطين واحدة من أسوأ الأوضاع في تاريخها بسبب سياسات إسرائيل القمعية والعدوانية.
يعيش قطاع غزة تحت حصار كامل منذ أكثر من عقد من الزمن، ويعاني سكانه من ضائقة شديدة بكل الطرق لتلبية احتياجاتهم.
وتشهد الضفة الغربية مقتل مواطنين فلسطينيين كل يوم. ومنذ بداية العام الجاري، استشهد أكثر من 250 فلسطينيا في الضفة الغربية، منهم 41 على الأقل من الأطفال أو المراهقين.
إن مشاهدة صور القتلى الفلسطينيين، الذين تقتلهم القوات الصهيونية، أصبح أمراً يومياً وعادياً.
وتتعرض حياة الفلسطينيين لضغوط من جميع الجهات في الضفة الغربية. في السابق، كان هذا الضغط يمارسه النظام العسكري والأمني الغاشم، أما اليوم فإننا نشهد اعتداءات المستوطنين المتطرفين الذين لا يعرفون حدودا في التعامل مع الفلسطينيين وبيوتهم ومقدساتهم، إضافاً إلى المعقلين من غير محاكمة، فهنالك أكثر من 1300 فلسطيني في السجون الإسرائيلية دون محاكمة أو تهم محددة.
يتم تدمير منازل الفلسطينيين بسرعة، ومصادرة أراضيهم. التهويد في جميع أنحاء فلسطين مستمر بأقصى سرعة.
أجبر التمييز العنصري ضد الفلسطينيين منظمات حقوق الإنسان الغربية مثل "منظمة العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش" على الاعتراف رسميًا بوجود نظام الفصل العنصري اللاإنساني في إسرائيل.
إن الضغوط الإسرائيلية على الفلسطينيين واسعة النطاق وشاملة لدرجة أن زملاء حكومة الاحتلال، حكومة الحكم الذاتي، لا يسلمون من هذه الضغوط ويتنفسون بصعوبة تحت وطأة هذه الضغوط. إن السلام مع إسرائيل في مثل هذه الظروف هي بمثابة مكافئة لهم على جرائمهم ونظام الفصل العنصري الذي تمارسه الحكومة المتطرفة الحالية في إسرائيل، وسيشجعها على ممارسة المزيد من الضغوط على الفلسطينيين.
8_ كل هذا يأتي في ظل وجود حكومة في إسرائيل اليوم، لا تملك أدنى جدارة للاعتراف بها وإنشاء علاقات معها.
وبحسب الأبحاث، فإن هذه الحكومة هي الحكومة الأكثر معاداة للعرب والإسلام والأكثر تطرفا في هذا الكيان الغاصب، والتي لا تمنح الفلسطينيين رسميا أي حقوق.
وقد راعت الحكومات السابقة بعض الحقوق للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي مساحة تبلغ حوالي 20% من إجمالي أراضي فلسطين. لكن الحكومة الحالية غير راضية.
وأحدث وثيقة لهذا الادعاء هي الخريطة التي أظهرها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو للعالم مؤخراً في الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي هذه الخريطة (الشرق الأوسط)، تعتبر كامل أراضي فلسطين (بما في ذلك الضفة الغربية وغزة) جزءاً من إسرائيل، وتم حذف فلسطين بالكامل من خريطة الشرق الأوسط.
والأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن نتنياهو أظهر هذه الخريطة عندما كان يتحدث عن الآثار الإيجابية للسلام بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية.
وحوّلت إسرائيل في السنوات الأخيرة اغتصاب الحقوق العربية في فلسطين بشكل سري وعلى استحياء إلى أمر قانوني ورسمي، وفي القانون الأساسي الذي أقر عام 2018 تحت عنوان "دولة الأمة اليهودية"، تم تحديد مصير البلاد باعتبارها لليهود حصراً.
وفي نفس القانون، وبإزالة اللغة العربية، أُعلن أن اللغة العبرية هي اللغة الرسمية الوحيدة لإسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، تمت الموافقة في هذا القانون على تطوير المستوطنات اليهودية (في الضفة الغربية)، وهو أمر مخالف للقانون الدولي.
إن اقتراب الدول العربية من مثل هذه الحكومة، بهذا القدر من العدوان وانتهاك الحقوق العربية، هو حقا من عجائب التاريخ.
بالإضافة إلى ذلك، في اتفاقيات السلام الحالية، ما يسمى بسلام إبراهيم، لا يوجد أدنى ذكر لضرورة الحد من خطر إسرائيل، من خلال خفض ترسانات البلاد النووية والكيميائية والميكروبية غير القانونية، والتي تهدد منطقة الشرق الأوسط برمتها.
والحقيقة أنه في ظل مثل هذه التسوية تقبل الدول العربية أن تعيش إلى الأبد في ظل تهديد هذه الأسلحة الخطيرة والمدمرة (التي يمكنها تدمير دول المنطقة في جزء من الثانية).
ولا يقتصر الأمر على تسليم جيل واحد لمعتدي مجرم فحسب، بل هو أيضًا تسليم الأجيال القادمة لهذا المعتدي المسلح (بأسلحته الفتاكة).
9_ إن سياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية غير مقبولة ومرفوضة لدرجة أنها أثارت غضب الحكومات الغربية وحتى اليهود الإسرائيليين.
لقد مرت تسعة أشهر منذ اندلاع الاحتجاجات العامة الحاشدة ضد حكومة نتنياهو في إسرائيل. لقد وصل الأمر إلى حد أن الجنود، ينسحبون على شكل مجموعات من خدمة الاحتياط، كنوع من الاعتراض على سياسة هذه الحكومة.
ورجال الدولة الغربيون غير مستعدين للقاء نتنياهو أو وزرائه، وإن قبول نتنياهو في أي من الدول الغربية يواجه الآن معارضة قوية من الرأي العام.
وفي زيارة نتنياهو الأخيرة إلى أميركا، تسبب وجود نتنياهو، في أي مكان حلّ به، بخروج عدد كبير من المتظاهرين، بما في ذلك اليهود.
إن التفاوض مع هذه الحكومة المكروهة وتقديم التنازلات لها أمر غير مقبول ليس فقط في الدول العربية والإسلامية، بل إن الكثيرين في الدول الغربية وحتى إسرائيل يعارضونها ويدينونها.
10_ إسرائيل ليست مشكلة لفلسطين فحسب، فالخوض في أبعاد هذه المشكلة يظهر أن إسرائيل تشكل خطرا على المنطقة برمتها.
وبعد الاحتلال الكامل لفلسطين، احتلت إسرائيل أجزاء من أراضي جميع جيرانها، بما في ذلك لبنان وسوريا والأردن ومصر وحتى المملكة العربية السعودية. وتحتل إسرائيل جزيرتي تيران وصنافير السعوديتين منذ سنوات طويلة، لكن على الرغم من انسحابها منها، إلا أنها لا تزال حساسة تجاهها وتمارس السلطة.
وفي هذا الصدد، فإن بناء جسر فوق هذه الجزر يربط المملكة العربية السعودية بمصر عارضته إسرائيل، بل وهددت بشأنه.
ومع اكتساب الصهيونية الدينية قوة، وتزايد الأحزاب الدينية في إسرائيل، فإن الفكرة الدينية من النيل إلى الفرات ستكتسب قوة تدريجيا في إسرائيل، وبهذه الطريقة، تتعرض المزيد من الأراضي في المنطقة، بما في ذلك أجزاء من السعودية، لتهديدات الكيان الصهيوني التوسعية ( والذي قام بإدراج هذه الأمور في جدول أعماله منذ تأسيسه).
والمبرر الجيوسياسي لهذا التوسع التوراتي هو صغر حجم إسرائيل مقارنة بحجم منافسيها العرب في المنطقة، وهو ما لن تتردد إسرائيل في استخدامه (كما تستخدمه الآن في استمرار احتلال الضفة الغربية).
إن اكتساب إسرائيل للقوة في المنطقة (وهو ما سيتم تسريعه وتسهيله في ظل التطبيع) سيعرض دول المنطقة لمزيد من القيود.
اليوم دول المنطقة، حتى أصدقاء أميركا مثل السعودية، لديها قيود جدية على التمتع بالطاقة النووية السلمية وشراء الأسلحة المتطورة، الأمر الذي يصب في قدرة إسرائيل على فرض هذه القيود على المنطقة.
إن قوة إسرائيل الأكبر وشرعيتها المتزايدة من شأنها أن تساعد إسرائيل على مزيد من التدخل في المنطقة.
والآن أصبح السلاح الرئيسي لدول المنطقة للضغط على إسرائيل وسياساتها العدوانية هو الحصار السياسي والدبلوماسي، الذي مارس ضغوطا شديدة على إسرائيل وأبقى إسرائيل نظاما يفتقر إلى الشرعية الكاملة في المجتمع الدولي.
وعلى الرغم من تفوقها العسكري والاقتصادي والأمني في المنطقة، إلا أن إسرائيل وحتى الآن ليست عضواً عادياً منتظم في المجتمع الدولي، وكذلك الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها. وذلك بسبب العقوبات وقطع العلاقة بين الدول العربية والإسلامية. إن إقامة العلاقات مع إسرائيل سوف يزيل هذه الورقة الرابحة الأخيرة من الدول العربية ويمنح إسرائيل الحرية الكاملة لمواصلة سياساتها التوسعية والعدوانية والمعادية للعرب.
11_ إحدى الحجج الشائعة لتعزيز السلام مع إسرائيل، والتي يتم الترويج لها بكثافة في وسائل الإعلام التابعة لها، هي نشر المعلومات حول الآثار الإيجابية لهذا السلام في المنطقة.
ويظهر الإعلام التابع للكيان الصهيوني، أن جحيم المنطقة سيتحول فجأة إلى جنة مثالية في ظل هذا السلام.
ولحسن الحظ، مرت 40 سنة على السلام بين مصر وإسرائيل، وأيضا سنوات عديدة مرت على السلام بين الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية والإمارات والبحرين مع إسرائيل، ونتيجة اتفاقيات السلام مع إسرائيل الآن أمام أعين الجميع.
إن نظرة سريعة إلى صحافة تلك الفترة تظهر بوضوح أنه في ذلك الوقت كانت هناك أيضًا مثل هذه الدعاية التي يتم الترويج لها اليوم، والتي وعدت الشعب المصري بأنه سيحقق السعادة في ظل هذا السلام.
إن الوضع الحالي لهذه الدول ومستوى رضا شعوبها عن السلام مع إسرائيل هو المعيار الأفضل للحكم على هذه الوعود الفارغة والمخادعة.
أي دولة عربية أو إسلامية حققت الرخاء والثروة والازدهار والأمن من خلال السلام مع إسرائيل؟ فمصر، على سبيل المثال، أصبحت الآن في وضع بائس إلى حد أنها تشتاق إلى الأيام التي سبقت كامب ديفيد، وأي استفتاء شفاف سوف يُظهِر أن أغلبية كبيرة من شعب هذا البلد تعارض هذا السلام.
12_ بالإضافة إلى العوائق المذكورة أعلاه، فإن السلام مع إسرائيل سيعرض الإرث العظيم للملك فيصل، للخطر، وهوملك السعودية الراحل والمحبوب.
فيصل هو رجل الدولة السعودي الأكثر شعبية في العالم الإسلامي بأكمله، والذي جلب الكثير من الهيبة والهيبة والمحبوبية لآل سعود، بسياساته المسؤولة والموثوقة في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني والشعوب الإسلامية الأخرى.
وقيادته الفعالة في العالم الإسلامي والعربي، في الحملات ضد إسرائيل في الستينيات والسبعينيات، أجبرت هذا الكيان على الانسحاب من جزء من الأراضي العربية.
وفي تلك الفترة بلغت قوة الدول العربية ووحدتها في المجتمع الدولي ذروتها وكان لها تأثيرات عديدة لصالح العرب على المنظمات الدولية بما فيها الأمم المتحدة.
خلال هذه الفترة، سُمع صوت الشعب الفلسطيني في الأمم المتحدة والدول الغربية من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، وحدثت تغييرات مهمة لصالح هذا الشعب.
ومنذ ذلك الحين، وشعوب المنطقة، بما في ذلك شعب فلسطين، تكن احتراماً خاصاً للسعودية ودورها في دعم مصالح الدول الإسلامية.
إن السلام مع إسرائيل في مثل هذه الظروف غير المناسبة، والتي تتعارض مع مُثُل الملك فيصل وسياساته، يمكن أن يعرض هذا الرأسمال السياسي الثمين للتدمير والخراب.
13_ في الماضي، قبل المصالحة بين إيران والسعودية، كان للقرب من إسرائيل مبرر معين. ويمكن لرجال الدولة السعوديين أن يعتبروا "خطر إيران وسياساتها" سبباً للتقرب من إسرائيل والتحالف معها لمواجهة الخطرالإيراني المشترك كما كانوا يعتقدون.
وهذا التبرير قد يقنع فريقاً داخل السعودية (أو خارجها) بأن السعودية اضطرت، تحت ضغط شديد من إيران، ورغم رغبتها الداخلية، إلى الاستسلام لمثل هذه العلاقة.
لكن الآن بعد أن انقضت هذه الفترة وتصالحت إيران والسعودية وحلتا خلافاتهما ومشاكلهما المتبادلة، فقد هذا التبرير فعاليته.
وتظهر أبعاد هذا التطور المهم أن المصالحة المذكورة ليست خطوة تكتيكية ومؤقتة. ولم توقف إيران هجماتها الدعائية ضد السعودية فحسب، بل تبنت موقفا دعائيا إيجابيا تجاه السعودية، لدرجة أن هذا الموقف المختلف تماما أصبح مصدرا للسخرية والفكاهة لبعض النقاد.
إن سلام السعودية مع إسرائيل سيضع إيران وجهازها الدعائي في موقف صعب للغاية، كما أن أعداء العلاقة مع السعودية في إيران (وهم لا يزالون ليسوا بالقليل، ولكن يهيمن عليهم حاليا خطاب التضامن الإسلامي وضرورة الوحدة والتآزر في مواجهة خطر النظام الصهيوني) سيضعهم في موقع متفوق لتولي إدارة الخطابات ذات الصلة وإعادة إنتاج سياسة مختلفة تجاه السعودية. إن متابعة سلوك الحكومة الإيرانية الحالية والخطابات المرتبطة بها يشير إلى أن إيران مستعدة جدياً للتعاون مع السعودية في مجموعة واسعة من القضايا الدولية وعلى أعلى المستويات.
وتولي إيران أهمية كبيرة وقيّمة لبعد السعودية عن إسرائيل، وهي مستعدة لإثبات ذلك عمليا.
وفي هذا السياق، يمكن مناقشة ومراجعة دعم إيران لخطة الملك عبد الله للسلام من قبل االطرفين. ويمكن للسعودية أن تغتنم هذه الفرصة لحل مخاوفها الأمنية وحل المشاكل الإقليمية. بل إن إيران أعلنت استعدادها لمساعدة السعودية في الاستخدام السلمي للطاقة النووية.
إن السلام مع إسرائيل يمكن أن يعرض استفادة السعودية من هذه الفرص غير المسبوقة للخطر.
ما أسلفناه في العوائق الثلاثة عشر السابقة، ماهو إلا جزء من الموانع الموجودة أمام صُنّاع القرار السعودي وقرارهم بالتقرب من إسرائيل.
وهذه العوائق المهمة والمتعددة تحذر كل صاحب قرار حكيم من المغامرة في هذا المجال، وفي الوقت نفسه فإن موقف الرأي العام وجمهور هذه القرارات في العالم الإسلامي، سواء داخل السعودية أو خارجها، حاسم للغاية. وإذا خرجت الأغلبية الصامتة في العالم الإسلامي، وخاصة العلماء والمرجعيات الفكرية والدينية، المناهضة لهذه العلاقة، عن صمتها وأبدت معارضتها للتطبيع، بكل الطرق الممكنة، فستكون مساحة تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني محدودة وحتى مغلقة.
* المقال لايعبر بالضرورة عن راي الوكالة انما يعبر عن رأي صاحبه حصراً
/انتهى/