وكالة مهر للأنباء _ علاء الدين حزات: في ظل الأحداث الأخيرة بالداخل المحتل من عمليات بطولية شبه منظمة أو دافعية قام بها شباب في مقتبل العمر ، دفعنا ذلك إلى إعادة النظر في جوهر الشخصية اليهودية وبكل مايمسها ويسهم في زلزلتها، وتحديد أولويات العمل المقاوم بأجنحته كافة إن صح التعبير.
ففي ظل التفوق العسكري و التكنولوجي و الاقتصادي الإسرائيلي مقارنة بالوضع الفلسطيني خاصة والعربي عامة لا نجد حالة تكافؤ تشجع باستمرار الصراع، إلا أن للشخصية المسلمة راي اخر، وهذا الرأي هو ماحدده القران الكريم لمواجهة الشخصية اليهودية و يمكن ذكرها بإيجاز شديد في مصطلح قذف الرعب، حيث يكاد يكون من الصعب تحقيق توازن عسكري مع هذا الكيان لأسباب كثيرة لسنا في صددها ولكن يمكننا بالمقابل أن نقول بأننا نمتلك مفتاح نجاة الأمة باختيار طرق متميزة يمكن توظيفها في إدارة الصراع وعلى رأسها جعل الغاية من أي فعل نقوم به هو قذف الرعب ( هُوَ ٱلَّذِىٓ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ مِن دِيَٰرِهِمْ لِأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ ۖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ ۖ وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱعْتَبِرُواْ يَٰٓأُوْلِى ٱلْأَبْصَٰرِ) الحشر 2.
وبالتالي هذه العمليات التي نراها اليوم والتي لم يكن للإحتلال الذي عمل على إغراق الضفة ( بالاف قطع السلاح ظنا منه أنها ستستعمل في اقتتال داخلي، و نشر ثقافة المخدرات وغيرها) مستهدفا الشباب الفلسطيني، أن يتوقعها وكانت خارج حساباته الزمانية والمكانية وطريقتها وأخص بالذكر الضفة الغربية.
فكانت لعمليات الذئاب المفردة والمجاميع الثورية ( كتيبة جنين و بلاطة وجبع وغيرها ) في الضفة دورا بارزا في تحطيم هيبة المنظومة الأمنية والعسكرية للشخصية الإسرائيلية وهي تعد أهم وسيلة في مفهوم قذف الرعب ضمن الإمكان.
أما عن غزة فهي تثبت للعالم أجمع مدى تفوق الشخصية الفلسطينية وقدرتها على حمل أمانة أمة بإبداعها في إذلال وكسر هيبة الاحتلال بالمشاغلة ضمن المكن.
مماسبق كان للعمل العسكري كلمة الفصل، وبالطبع لابد لنا أن نراعي ظروف كل محور إن صح التعبير بعوامله وفرضياته وإمكانياته بحيث يؤدي الدور المناط به في سير المشروع الإلهي (وكان وعدا مفعولا ).
وإذا ما أردنا ذكر هذه المحاور فهي متمثلة بقطاع غزة المحاصر و الذي أنيط به دور المشاغلة، أما الاخر فهو محور الضفة والداخل المحتل (منطقة عرب 48) والذي يمثل أشلاء الشعب المتشرد والذي بحراكه يرفع من حدة المشاغلة. وبالتعمق في تحليل الضفة نجد أن خاصية التكوين الديمغرافي في هذه المنطقة مغايرة ومتميزة.
أولاً: من حيث الإصرار على وضع الكفاح الفلسطيني في إطار أقل تسييساً، وبأنهم يتجاوزون نطاق التشكيل الحزبي والمنظماتي محاولين إبراز العلاقات الحمائلية على الروابط السياسية والإيديولوجية وهذا ماظهر جليا في الأحداث الأخيرة لجنين ونابلس وطوباس وغيرها من المناطق.
ثانيا: بما يمتلكونه من وعي سياسي وطني متجذر ومن أهم خصائصه أنهم أسقطوا الأنظمة العربية من حساباتهم واعتمدوا على الذات، وهذا ماهو واضح من الانتفاضة الأولى وحتى اليوم من كتيبة جنين وعرين الأسود وغيرها..
ولذلك فإن محاولة الاحتلال وأذرعه المتعاملة لكبح جماح الإنتفاضة في هذه المنطقة ليس سهلا، لأنها انتفاضة يشارك فيها مجمل الشعب وبالتالي إعتقال المئات أو الالاف من الشباب وقتل براعم هذا الحراك، لا يجعل البقية بلا قياده لأن كل مشارك هو قائد لنفسه.
وإن القمع الإسرائيلي قادر على خلق نقيض المطلوب ففي حين عملت إسرائيل على التخلص من رموز الحركات الوطنية بالإبعاد والإغتيال وتدمير المنازل وجدت نفسها أمام الجماهير كافة وجها لوجه، وهذا مايزيد من العري للشخصية الإسرائيلية باعتبارها الدولة الديمقراطية التي تكاد أن تكون الوحيدة في الشرق الأوسط حسب زعم العالم.
إلا أنه ما ظنك بدولة وزراؤها اليوم هم جنرالاتها بالأمس؟؟.
هذه الفعالية لدور الضفة يمكن تسميتها مخاض ماقبل ولادة وتهيئة امتدادهم الخارجي المتمثل في مخيمات اللجوء(وهو المحور الثالث) لتحقيق الوعد الإلهي ( وليدخلوا المسجد كما دخلوه أوّل مرّة...) الاسراء -6.
وبعودتنا لدور الضفة من رفع حده المشاغلة وقذف الرعب نجد لها دور اخر يمكن أن تستغله وتستفيد منه بإدارة الصراع باعتبارها خزان للعمال الفلسطيني في المعامل والمنشات (بمايقارب ال150 ألف عامل ) داخل كيان الاحتلال المقام على أرضهم.
وهنا لابد من الوقوف وإعطاء هذا العامل المتميز وقتا كافيا للتفكير في استثماره وجعله من الوسائل الرديفة للعمل العسكري والتي قد لاتكون بالجديدة إلا أنها تكتسب فاعليتها من مدى تأثيرها في الإقتصاد الإسرائيلي باعتباره مرتكز أساسي للكيان ( وأمددناكم بأموال وبنين .....).
لنطرح على أنفسنا سؤوال، ماهو دور الانتفاضة بالتأثير على التشابك التجاري والإقتصادي الإسرائيلي؟
إن مجرد اشتعال الانتفاضة وبشكل عملي وبدون توجيه سياسي يؤدي لشلل في الحرة العمالية وإلى تناقص الإستهلاك وبالتالي الواردات و الصادرات من منتجات الاحتلال للضفة وسبب هذا النقص العابر، هو أن الجو السياسي والنفسي وظروف الصدامات والاضرابات ومنع التجول دفعت المواطنين إلى اتخاذ موقف الدفاع الذاتي الذي يفترض مباشرة تقليل الاستهلاك من حيث المبدأ وبالتالي الإكتفاء بالحدود الدنيا. وهذا ما يؤثر على الوارد المالي للخزانة الإسرائيلية وهنا بيت القصيد.
لو أننا فعلنا هذا العمل بشكل اخر ضمن حملات منظمة لمقاطعة المنتجات والواردات الإسرائيلية لحققنا انتكاسات لا يستهان بها بالاقتصاد الإسرائيلي حيث يتحول المستهلك نفسه إلى متحكم حر في الاختيار، محفوز بشعور وطني واضح وهذا مايطلق عليه ( الاقتصاد الحمائي الشعبي).
هذا الأسلوب اتبعته "إسرائيل" نفسها خلال فتره ماقبل نكبة ال48 حيث ورد على لسان ديفيد هكومين، عضو سابق في الكنيست الإسرائيلي في حديث مع سكرتارية حزب مابالي 1969 قائلاً ( كنا ننصح ربات البيوت بعدم الشراء من الحوانيت العربية، وكنا نمنع العمال العرب من العمل في البيارات، وكنا نرش الكاز على حقول البندورة العربية، وكنا نهاجم ربات البيوت اليهوديات ونكسر البيض العربي الذي اشترينه...).
وبهذا نجد أن الإسرائيلي كان يمهد مسبقا لنكبة 48 بكل الطرق والوسائل المتاحة. وعليه فإن تأثير الانتفاضة في التشابك التجاري يظهر مدى القلق داخل الأوساط الإسرائيلية على إقتصادها والذي يشكل ارتباط وثيقاً مع الأمن في ظل تحريك الكتائب والشرطة التي تكلفهم مبالغ طائلة مقابل نقص حاد في الواردات المالية للصندوق الإسرائيلي.
وهنا يمكن القول إن اتباع منهجية عمل خاصة بالضفة ذات جناحين الأول عسكري يؤدي دوره بقذف الرعب ويحافظ ويرفع من حده المشاغلة والأخر هو التأثير على الخزانة المالية للبقرة المقدسة سيكون مفصل هام في اقتراب الوعد الإلهي.
في سياق الحديث هل من الممكن إدخال غزة لمعادلة الاقتصاد الحمائي الشعبي ؟؟
بالطبع هذا يعتمد على نسبة الوارد من الكيان بالتشابكات التجارية وبالتالي هذه النسبة هي التي تحدد مدى الفاعلية.
ولكن يمكن لغزة أن تتميز بمنحى اخر من حيث قدرتها على عامل الاستقرار الغذائي الإسرائيلي حولها(في مستوطنات الغلاف) فمثلا يمكن حرق المشاريع الزراعية التابعة للمستوطنات، كل ذلك يساعد في زيادة الإرهاق الاقتصادي سواء على الحكومة الإسرائيلية وعلى المستثمر من قبل الاحتلال.
ختاماً : إن الحرب مع هذا الاحتلال هي من نوع خاص، حرب طويلة الأمد، معقدة ودقيقة تستهدف إيصال العدو أفرادا وجماعات ومنظومات إلى نهاية اليأس من احتمال التسليم الفلسطيني واليأس من إمكانية العيش على أرض فلسطين بأمن وطمأنينة نفسية واقتصادية ومن ثم بحثهم عن طرق الخلاص والعودة من حيث أتوا.
/انتهى/