وصف أستاذ الدراسات الإسرائيلية في جامعة طهران، سید هادي برهاني، حق النقض الذي استخدمته أميركا لمنع اعتماد قرار مجلس الأمن بشأن غزة، بأنه أبغض فيتو في التاريخ، واكد أن موجات الكراهية ضد أميركا في العالم بسبب ضلوعها في مجازر الاحتلال ستصل إلى قلبها وقد تخلق 11 سبتمبر آخر.

وأفادت وكالة مهر للأنباء أن برهاني أكد في مقال له نشره في صحيفة "اعتماد": أميركا تستخدم مرة أخرى، حق النقض لمنع اعتماد قرار مجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النار في غزة فورا. هذه المرة، كانت وانشطن وحدها تماما. فقد صوتت 13 دولة (من أصل 15 عضوا) في مجلس الأمن لصالح القرار (الذي اقترحته الإمارات)، فيما امتنعت بريطانيا عن التصويت.

عقد مجلس الأمن اجتماعه هذا بناء على طلب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش. لقد أثارت مواقف غوتيرش المسؤولة والشجاعة في دعمه لأهالي غزة، حفيظة الإسرائيليين وقادتهم إلى اتخاذ مواقف حادة ومهينة ضده. اعتمد غوتيرش في خطوة غير مسبوقة (في تاريخ الأمم المتحدة) المادة الـ99 في ميثاق الأمم المتحدة، في طلبه إلى مجلس الأمن بشأن أزمة غزة باعتبارها تهديدا على السلام والأمن الدوليين.

إن وحدة أميركا في الاجتماع الأخير لمجلس الأمن عكس على الصعيد الدولي، انزوائها وانحيازها إلى إسرائيل. يدعم جميع أعضاءالمجتمع الدولي في الوقت الحالي بنوع أو بآخر، تنفيذ االهدنة في غزة أو يرفضون الفصح عن معارضتهم علنا، على الأقل.

وليس غريبا هذا الموقف على المجتمع الدولي نظرا للمجازر الواسعة التي تستهدف الأطفال والنساء في قطاع غزة وانعكاسها في الأخبار ونشر صورها على وسائل التواصل الجماعية، والتي تركت تأثيرا قويا على الرأي العام العالمي.

بل كان لهذه القضية تأثيرا جديا على الرأي العام الأمريكي، وقد جعلت أغلبية الشباب الأمريكي وصفوف أنصار الحزب الحاكم (الحزب الديمقراطي) يتجهون إلى تأييد وقف إطلاق النار.

على هذا الأساس، قد يمكن اعتبار الفيتو الأميركي الأخير أبغض فيتو في تاريخ الولايات المتحدة.

ولا يرجع ذلك فقط إلى معارضة أغلبية المجتمع الدولي لهذا القرار، بل أيضا إلى عواقبه الكارثية. بناء على حق النقض الذي استخدمته أميركا، ستتاح لإسرائيل الفرصة لمواصلة القتل الوحشي لأطفال غزة. وإضافة إلى الكراهية ضد مرتكبها الرئيسي، إسرائيل، فإن هذه المجازر ستخلق عاصفة من الكراهية ضد أمريكا في المنطقة وفي العالم. واعتبارا من اليوم، فإن كل بريء يُقتل في غزة، له قاتلان. إسرائيل وأميركا! إن موجات الكراهية التي تظهر بالشرق الأوسط ستصل إلى قلب أمريكا عاجلا أو آجلا ولن تصان مصالح أمريكا في المنطقة من الخطر، بل قد يمتد أيضا إلى عمقها وسيخلق 11 سبتمبر آخر.

على أية حال، فإن الشرق الأوسط، مثل أي منطقة أخرى في العالم، لا يخلو من التطرف والعنف، وسيبحث المتطرفون وطالبو العنف أيضاً عن طرقهم الخاصة للتعبير عن كراهيتهم لأميركا. إن الكراهية لأمريكا هي الثمن التي تدفعه واشنطن مقابل دعمها لإسرائيل. والأثمان الأخرى التي تقع على عاتق واشنطن، منها السياسية والاقتصادية والنفسية والدولية وغيرها، باهضة للغاية حيث تضع كل مشاهد عاقل أمام سؤال أساسي؛ ما هو سبب دفع مثل هذا الثمن لدعم وجود كيان أجنبي على الجانب الآخر من العالم؟

الإجابة المحددة على هذا السؤال هو التأكيد على المصالح الأميركية باعتبارها التفسير الرئيسي لهذا الدعم. يمكن أن تشمل هذه المصالح، المصالح الوطنية (أو المصالح الحالية) أو المصالح الاستراتيجية (المصالح المستقبلية). هذه الإجابة تحظى بتأكيد مجموعتين مختلفتين تماما: إسرائيل أو موالوها يؤيدون هذا الجواب بالكامل، لأن هذا الجواب يجعل دعم أمريكا لإسرائيل يبدو مبررا ومعقولا، وخاصة لأنهم يعتبرونه جوابا واضحا يمكن الدفاع عنه لدى الشعب الأمريكي. وعلى هذا فإن هذا الدعم يحقق بالواقع المصالح الأميركية. أما المجموعة الأخرى فهي مناهضو الغرب وأمريكا الذين يعتبرون أميركا كيانا إمبرياليا لا يمكن تحقيق مصالحه إلا من خلال هذا الدعم الإجرامي.

لم يتمكن أي شيء في مشهد الواقع من إقناعي بأن فوائد دعم أمريكا لإسرائيل أكثر من الأثمان الباهظة التي تدفعها، ولذلك أرى أن هذ الدليل الشهير هو أكثر من مجرد بضاعة أنتجها أنصار إسرائيل وقدموها للشعب، وأن العديد من الأشخاص، بما فيهم مناهضو الغرب، تقبلوه جيدًا. في رأيي أن العامل الأهم وراء الدعم الأميركي الاستثنائي لإسرائيل هو قوة ونفوذ اللوبي الإسرائيلي في أميركا.

وبطبيعة الحال، فإن اللوبي لا يعني فقط المؤسسات مثل إيباك وأمثالها، بل يشمل كل المنحازين لإسرائيل الذين يكتسبون السلطة والنفوذ في مراكز القوة في أمريكا. فمن هؤلاء الأشخاص: الرأسماليون والفنانون والعلماء والمخرجون والمحامون والمحللون والجيش الضخم من النخب الأمريكية (اليهودية وغير اليهودية) الذين لديهم مراكز تأثير على أمريكا مثل الكونجرس والبيت الأبيض والجامعات وهوليوود ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي (مثل الفيسبوك). فقد استولوا على هذه المراكز وملكوا زمامها.

ولا يخفى فإن هذا الاستيلاء على مراكز الثقل هذه، ليس له جانب عسكري أو أمني أو حتى سري، وقد تم الحصول عليها أساسا بالطرق الديمقراطية وباستخدام الفضاء المفتوح والحر لنشاط اللوبيات والأفراد في أمريكا. ومن هذا المنظور، فما دامت قوة اللوبي الإسرائيلي في أميركا باقية على المستوى الحالي، فلا يجوز لنا أن نتوقع تغيراً جدياً في سياسة أميركا في الشرق الأوسط.

وعلى هذا فإن السبيل الوحيد لإنقاذ أمريكا وتحررها من النفوذ الصهيوني هو كبح جماح قوة اللوبي الإسرائيلي. إن هذه المهمة يمكن أن يقوم بها المجتمع المسلم الأمريكي، الذي لديه دوافع كثيرة لايجاد هذا التحول. هؤلاء السكان، الذين يساوي عددهم (ستة أو سبعة ملايين نسمة) عدد اليهود الأمريكيين، يفتقرون على عكس المنافسين اليهود، إلى الجودة اللازمة للتنافس مع اللوبي الإسرائيلي.

إذا تحول رأس المال الفعلي هذا إلى قوة محققة، وإذا ارتفعت حصة المسلمين في المجتمعات العلمية والفنية والإعلامية وغيرها في أمريكا، فسيتم توفير القوة اللازمة لمواجهة تأثير اللوبي اليهودي وتحرير أمريكا، ففي غير ذلك فلا يمكن أن نتوقع تغييرا على الساحة في المستقبل.

انتهى/