وكالة مهر للأنباء، القسم الدولي: كان دور الشهيد الحاج قاسم سليماني في فلسطين ونمو حركات المقاومة الفلسطينية واضحا ومهما لدرجة أن إسماعيل هنية زعيم حركة حماس أنهى كلمته في مراسم الصلاة على جثمان هذا الشهيد في طهران، بهذه الكلمات: "شهيد القدس، شهيد القدس" شهيد القدس".
وعن دور اللواء سليماني ومساعدته الخاصة للفلسطينيين، يقول آية الله خامنئي: «خطة الأمريكان فيما يتعلق بفلسطين كانت نسيان القضية الفلسطينية؛ إبقاء الفلسطينيين في حالة ضعف حتى لا يجرؤون على القتال. هذا الرجل [الجنرال سليماني] ملأ أيدي الفلسطينيين؛ لقد فعل شيئًا تقف فيه منطقة صغيرة مثل قطاع غزة أمام الكيان الصهيوني بكل ادعاءاته، قلب جميع المعادلات على رأسهم وجلعهم يصابون بالاحباط لدرجة يقولولن خلال 48 ساعة، يا سيدي، لندعو إلى وقف إطلاق النار؛ هذا ما قام به الحاج قاسم سليماني، لقد ملأ أيديهم، لقد جعلهم قادرين على الوقوف، ليكونوا قادرين على المقاومة، وهذا ما أكده لي إخواننا الفلسطينيون مراراً وتكراراً، وانني بالطبع كنت أعرف، لكنهم جاءوا أيضاَ وشهدوا بذلك أمامنا".
لكن هل فقط المساعدات العسكرية والتدريب وإرسال الأسلحة المختلفة على مدى عدة عقود جعلت من الشهيد سليماني شهيد القدس؟ الجواب لن يكون إيجابيا. فهذه المسألة تعود لخطوة سابقة، ومتجذّر في موقف ورؤية الشهيد اللواء سليماني.
تفويض القرار واستقلالية العمل
كان الشهيد سليماني يتمتع بعبقرية عسكرية خاصة وموقف استراتيجي وعسكري. وان إتقانه للأمور العسكرية واكتساب هذه المعرفة والمهارة الدقيقة والحساسة بشكل عملي وليس نظري فقط، كان نتيجة حضوره الحقيقي في ساحة المعركة وتواجده المستمر. لقد شارك القائد سليماني في ثلاث جبهات رئيسية على الأقل وهي : جبهة حرب الدفاع المقدس، جبهة محاربة الأشرار المسلحين، وأخيرًا جبهة الحرب العابر للحدود والقتال الإقليمي في العراق وسوريا.
لكن أهم ما يميزه لم تكن قوته العسكرية وفهمه لجبهات القتال، بل استراتيجيته الدقيقة والفكرية في طريق المواجهة وتوسيع محور المقاومة ونواة فكرالمقاومة. إحدى الأفكار المهمة والاستراتيجية للشهيد سليماني، والتي شكلت المنظومة الفكرية والشخصية لهذا الشهيد العظيم، كانت النظرة الاستراتيجية الكلية للعالم الإسلامي ومحور المقاومة. وهذا ما نشهده اليوم من انتشار التيارات والقبائل والمواقف والأفكار بين تيارات المقاومة وفصائلها العسكرية. وهو الفكر الذي ارتبط بالفهم الصحيح لموقف فلسطين وقضية المسجد الأقصى.
يرى بعض الأشخاص وأصحاب وجهات النظر أو يفسرون العلاقة بين إيران وحركات المقاومة في لبنان وسوريا والعراق واليمن وفلسطين على أنهم وكلاء الجمهورية الإسلامية الإيرانية في القرار والتنفيذ والاستراتيجية والمسار. ولكن عندما ننظر إلى أداء ونشاط الشهيد سليماني في العقود الأربعة الماضية، ندرك أنه ترك استقلالية العمل والقرار لهذه الحركات بكل براعة وإيمان دقيق.
ملحمة طوفان الأقصى أهم نتيجة لاستراتيجية الشهيد سليماني
يمكن اعتبار طوفان الأقصى مرحلة النضج النهائي لمحور المقاومة في التصميم والقرار والفهم والاستراتيجية العملياتية في الميدان. عملية تم تنفيذها بشكل صحيح ولباقة بالقرار الفلسطيني. وقد يكون محور المقاومة برمته منخرطا في التخطيط والتدريب وقضايا من هذا النوع، لكن القرار بشأن ضرورة هذه العملية وتوقيتها أصبح بيد المقاومة الفلسطينية بالكامل.
وتعد طوفان الأقصى نموذجا لاستراتيجية الحاج قاسم الكبرى في تسليم القرار واستقلال نواة المقاومة، والتي أظهرت نتيجتها في النضج الفكري وصناعة القرار لمقاومة غزة.
لقد كان هناك دائماً اختلاف في الرأي، أو حتى فجوة تحليلية، بين تيارات المقاومة في مختلف القضايا الإقليمية. لكن اللواء سليماني أدار هذه العلاقات بسياسة مثالية وذكية.
لقد تابع اللواء سليماني وأدار علاقات طهران مع الحركات الأخرى بنفس المستوى وبما يتناسب مع الاحتاجات والمصالح الإقليمية والوطنية للفاعلين. على سبيل المثال، يمكننا الحديث عن ظهور الحشد الشعبي في العراق،
حيث يختلف نوع العملية والهيكلية والإدارة للحشد الشعبي تماما عن أنصار الله في اليمن أو جماعات المقاومة في سوريا وحتى حزب الله في لبنان. لقد تم تشكيل وتأسيس الحشد الشعبي بما يتوافق تماماً مع مصالح العراق، والسلطة الخاصة لهذا البلد، وثقافة الشعب، والاعتبارات القومية للعراق.
ومن السمات الأخرى لرؤية سردار سليماني الكلية والإستراتيجية إيمانه بمكانة الشعب في المقاومة وتغيير المعادلات في كل جزء من المنطقة. ويمكن العثور على مثال واضح لهذا الرأي في كلمات سردار سليماني: "تسعة وتسعون في المئة من شعب فلسطين هم من السنة". ماذا نريد من فلسطين اليوم؟ هل نبحث عن المصالح الشيعية؟ لا، بالمناسبة، إذا كان هناك من يريد نشر التشيع في فلسطين، فلن نعمل معه. "أنا نفسي لا أعمل معه."
وفي هذا الصدد أيضاً، يقول خالد القدومي، رئيس مكتب حركة حماس في طهران، عن النظرة الخاصة للجنرال سليماني: "في آخر لقاء جمعنا مع وفد من حماس معه في بيت قائد الثورة، أثار بعض النقاط. وكانت وجهة نظره تحديد دورلكل مجموعة على المستوى الإقليمي في جبهة المقاومة بحيث لا تكون المقاومة في فلسطين فقط، بل تكون المقاومة على المستوى الإقليمي؛ وبذلك يتضح واجب الجميع في مواجهة الإسرائيليين. وهذا بالطبع كان خطيراً جداً بالنسبة لإسرائيل، وبالطبع سيكون له تأثير كبير على القضية الفلسطينية، عندما يحدد ما واجبكم انتم كايران، وما واجب لبنان، وما واجب الأردن، وما واجب الإسلاميين.
اخلاص الحاج قاسم في عمله جعل منه مدرسة وليس شخص عادي
الشهيد قاسم سليماني، بحسب السيد حسن نصرالله، لم يكن شخصاً بل مدرسة. مدرسة أساسها الإسلام والإخلاص. ومن أجل فهم هذه المدرسة والاستمرار في هذا الطريق، لا بد من الفهم التفصيلي والكامل والشامل لها.
كما قال قائد الثورة عن هذه المدرسة في صلاة الجمعة عام 2019: "أينما يكون الإخلاص، يبارك الله تعالى إخلاص عباده المخلصين، ويبارك العمل، وينمو ويتطور، ويتم العمل بحيث يصل أثره إلى الجميع، وتبقى بركاته بين الناس. وهذا يرجع إلى الإخلاص. ونتيجة ذلك الإخلاص هي محبة الشعب ووفاءه، دموع الشعب وتنهداته، حضور الشعب، تجديد الروح الثورية للشعب.
اما اذا اردنا تقييم هذه الأحداث، وتقديرها، ومعرفة حجم وقيمة هذه الأحداث؛ فسيتحقق ذلك إذا لم ننظر إلى الشهيد الحاج قاسم سليماني والشهيد أبو مهدي على أنهما أشخاص؛ بل فلننظر إليهم بعين المدرسة الواحدة، والنموزج التعليمي الواحد وعندها ستصبح أهمية وقيمة هذه القضية واضحين بالنسبة لنا".
/انتهى/