وكالة مهر للأنباء_ وردة سعد: ثورة اسلامية مباركة رسمت معالم دولة قوية على كل الصعد، ثورة مجيدة كسرت الهيمنة والتبعية الاميركية على بلد يعتبر من اهم الدول الغنية بمواردها الطبيعية والنفطية، ثورة اسلامية اصيلة انشأت محورا يذيق الكيان الصهيوني المؤقت وداعميه؛ سيما الولايات المتحده الاميركية والغرب الاستكباري، صنوفا من الهزائم والانكسارات.
ثورة انطلقت من تعاليم الإسلام المحمدي الأصيل على يد حفيد الرسول (ص) روح الله الموسوي الخميني (ره) وكرّست مفاهيم جديدة وأحيت روحية الثورة والجهاد الإسلامي بعدما كانت حبيسة الكتب.
وحول البعد الاستراتيجي لهذه الثورة المباركة، أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء، الأستاذة وردة سعد، حواراً صحفياً مع النائبة السابقة في البرلمان التونسي الأستاذة "مباركة الإبراهيمي"، وجاء نص الحوار على المحو التالي:
قبل خمسة واربعين عاما وفي الاول من فبراير 1979 شهدت طهران ومعها العالم حدثا تاريخيا غير متوقع، فاجأ القريب والبعيد، تمثل بإعلان الامام اية الله روح الله الخميني (قدس سره) العودة الى طهران رغم انف النظام انذاك... برأيك هل كانت تلك العودة مغامرة؟ ام ثقة بالنصر ام تحد غير مسبوق لأعتى الانظمة الدكتاتورية في التاريخ الحديث، كيف تصفين هذه العودة حينها ؟
في غرّة فبراير 1979، كانت انظار العالم مشدودة عبر الشاشات للجماهير التى كانت في مطار طهران، بانتظار عودة الإمام آية الله الخميني إلى بلده بعد أربعة عشر عاما قضاها في المنفى متنقّلا بين عدّة دول كانت آخرها فرنسا التي عاد منها نهائيا في هذا اليوم المشهود.
كان مشهدا غيّر تاريخ هذا البلد، وأنهى حقبة لتبدأ أخرى، تغيرت فيها إيران من النقيض إلى النقيض، وغيّرت التوازنات السياسة والعسكرية في المنطقة. سِيقَ الإمام الخميني إلى منفاه منذسنة 1963بسبب تحريضه ضدّ نظام الشاه التّغريبي العميل وكانت خُطبه مُحمّلة بمعاني الغيرة على الوطن ومقدّرات شعبه وعلى جميع المقدّسات الإسلامية ناهيك عن عدائه الشديد لمنظومة الإستكبار العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة وكيان العدوّ الصهيوني.
كانت الثورة الشعبية على نظام الشاه في أوجها في تلك الأيام وقد ازداد لهيبها لدى عودة الإمام من منفاه واشتدّت المواجهات بين الثوّار وأمن الشاه الهارب وجيشه وارتقى آلاف الشهداء لكن الطاغية لم يصمُد وغادر البلاد -قبل أيام من عودة الإمام- غادر مع اسرته وبضعة أنفار حيث لجأ إلى رفيقه في العمالة والتطبيع الرىيس المصري محمد أنور السادات .
لم تكن رحلة عودة الإمام الخميني يسيرة، بل كانت محفوفة بالمخاطر فقد وردت لمرافقيه معلومات تفيد أن سلاح الجو الإيراني، الذي كان لازال وقتها مواليا للشاه، يخطط لإسقاط الطائرة فور دخولها المجال الجوي الإيرانى، لكن القائد كان يعتبر كل خطوة من خطواته هي من باب دعم الثورة الشعبية ولو على حساب أمنه وحياته وقد ذكر أبو الحسن بني صدر أول رئيس لإيران بعد الثورة "كثيرون لم يستقلوا الطائرة، لأنهم كانوا خائفين، أما أولئك الذين صعدوا إلى الطائرة، فكانوا مضطربين أيضا في حين لم يظهر القلق، على دائرة المقربين من الخميني".
استقبله المواطنون بمئات الآلاف محتشدين فى المطار وعلى الطريق المؤدية إلى مقبرة «جنة الزهراء» (بهشت زهرا ء) في جنوب طهران، حيث ألقى أول خطاب له بعد عودته، وفى كلمته قال الإمام الخميني (رض) وبوضوح إن حكومة شهبور بختيار الذي عيّنه الشاه عشية مغادرته إلى المنفى لقطع الطريق على الثوّار غير شرعية وكان ذلك إيذانا بتحوّلات جديدة وواسعة سيشهدها نظام الحكم بالجمهورية الإسلامية.
بعد عشرية الفجر في فبراير 1979 اعلن انتصار الثورة الاسلامية في ايران على نظام الشاه الدكتاتوري المدعوم من الغرب الامبريالي.. برأيك أستاذة مباركة، هذه الثورة اعتبرت واحدة من المحطات الثورية للتحول في مسار التاريخ والهيمنة الامبريالية... ولماذا حازت الثورة تلك الأهمية في ذلك الحين؟
عندما انتصرت الثورة الإيرانية بقيادة الإمام الخميني (ره) كان الوطن العربي يشهد زحفا مهولا للهيمنة الاستعمارية الصهيونية وتراجعا قاسيا على عهد التحرر الوطني الذي قاده الزعيم جمال عبد الناصر رحمه الله.. كما كانت سوريا القلعة العربية التي رفضت الاستسلام للإمبريالية شبه محاصرة والمقاومة الفلسطينية رهينة الحكومات الرجعية العربية وضغوطاتها على للفلسطينيين من أجل الإلتحاق بقافلة اللاهثين خلف سراب التسويات المزعومة بينما كانت لبنان المتاخمة في حالة تآكل داخلي وتعفن فتح الطريق امام الاجتياح الصهيوني عام 1978 ثم امام الحرب الإسرائيلية الكبرى عام 1982.
كان كل ما يدور يشير إلى مواجهات صعبة يخوضها دعاة التحرر والانعتاق من الهيمنة الاستعمارية وأنصار مقاومة الاحتلال الصهيوني والصمود في وجه الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي الذي ما انفكّ يهاجم من أجل محاصرة القوى التحررية خاصة بعد اتفاقيات كامب ديفيد وإلحاق مصر الدولة العربية الكبرى بمنظومة الهيمنة والتطبيع
في هذا المناخ كان نظام الشاه ظهيرا وسنَدا قويّا للكيان الصهيوني وقوة قمع أيضا وتدخل في ساحات عربية متعددة تحت الرعاية الأميركية البريطانية وقد نال لقب “شرطي الخليج ” بلا منافس.
ثم جاءت الثورة الشعبية في إيران فشكّلت إنعاشة ربيعية لجميع الأحرار في المنطقة والعالم .. وما إن أعلنت الثورة عن موقفها الثورة والبطولي حتى بدأت تتشكّل ملامح التوازنات الجديدة التي كان أول من التقطها الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي كان يبحث عن سبل التعويض الاستراتيجي بعد رضوخ مصر وافتراقها عن سورية ومسارها المقاوم والمتصدي للهيمنة الأميركية الصهيونية على المنطقة.
خلال أيام من انتصار الثورة الشعبية في إيران كانت جميع القوى الوطنية العربية التحررية في حالة احتفال بتحول طهران إلى قلعة جديدة مكافحة ضد الهيمنة الاستعمارية الصهيونية لا سيما في ظل المكانة المركزية لفلسطين ضمن خطاب قائد الثورة ومشروعه المناهض للاستعمار والصهيونية.
قدم الإمام الخميني (رضوان الله عليه) تشخيصا ووصفا ينمُّ عن وعي استراتيجي عميق لطبيعة الكيان الصهيوني ولدوره في منظومة الهيمنة من خلال نظريته عن الغدة السرطانية كناية عن اعتباره الكيان الصهيوني بمثابة الركيزة الرئيسية في منظومة الهيمنة وتبنّى نهج المقاومة لهزيمة الكيان الصهيوني وطردِهِ من المنطقة واتخذ مبادرات كبرى في احتضان المقاومة الفلسطينية دون شروط ودعم مواقع الصمود و جبهات المقاومة العربية فكانت الشراكة الاستراتيجية مع سورية هي التعبير الأقوى عن نهج تحرري جذري ما لبث أن تجسد في أقوى مظاهره بعد الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982 والاحتضان السوري الإيراني الثابت لنواة المقاومة اللبنانية التي تنامت وتحولت إلى قوة قاهرة طردت الاحتلال دون قيد أو شرط وأدخلت المنطقة في عهد توازنات جديدة فأحْيَت الأمل مجدّدا في دحر العدوّ وكسر جبروته.
من أهم ما أطلقته الثورة الإيرانية هو ترسيخ نهجها وتجذّره على يد السيد القائد الخامنئي مواصلة لنهج القائد المؤسس رحمه الله وهو الإيمان الراسخ بارتباط تحرر وازدهار دول المنطقة بتحرير فلسطين وبكسب معركة الصراع ضد الكيان الصهيوني.
قدمت القيادة الإيرانية منظومة تفكير استراتيجية تحررية واضحة الملامح عبر شحذ الروح الكفاحية كحقّ وواجب يرتبط أساسا بكرامة الشعوب كافة وانتشلت فكرة التحرر ونزعة الاستقلال في الشرق من علب التقوقع القُطري والقومي والطائفي إلى المدى الأممي الواسع وقد جاءت السنوات الماضية لتثبت بقوة أهمية الحلف المقاوم الذي قام على جسر التحالف الإيراني السوري منذ قيام الجمهورية الإسلامية التي قدمت دعما نوعيا لمعركة الدفاع عن البلاد العربية ضد الحملة التدميرية التي حركتها الإمبريالية الأميركية بواسطة عصابات التوحش التكفيري وجاءت المساهمات الإيرانية الجليلة بالقدرات وبالأرواح والدماء دفاعا عن العراق وسورية ولبنان لتراكم رصيدا تاريخيا كبيرا في الدفاع عن هذه البلدان وعن الشرق بأسره.
من خلال دورها الداعم لقوى التحرر تجسًد إيران فهما عميقا لمصالحها الوطنية البعيدة فحجم المقدرات الإيرانية الاقتصادية والاستراتيجية يجعل منها دولة شرقية عظمى وهذا الطموح التاريخي يضعها على خط الصراع الوجودي ضد الكيان الصهيوني هذا إضافة إلى البعد الديني الذي يمثل سرً مركزية فلسطين في نظر القيادة الإيرانية لذلك تجهزت إيران واستعدت بكل قواها وإمكاناتها منذ انتصار الثورة لهذا لدور التاريخي العظيم .
إن إيران اليوم هي القلعة الشرقية الحرة في أمتنا وهي التي تقيم شراكات وتحالفات عالمية ضد الهيمنة الأميركية الأحادية على العالم وهي بلد يستحق احترام وتقدير الوطنيين والثوريين العرب الذين ينظرون باحترام لاحتضان إيران غير المشروط لحزب الله المقاوم ولتحالفها الاستراتيجي مع سورية العربية ولتضحياتها الجليلة من أجل فلسطين ولكل ما تقدمه في سبيل انعتاق الشعوب والبلدان المستضعفة من هيمنة الاستعمار وفقا للنهج الذي سطّره الإمام المؤسس رحمه الله تعالى.
كيف اثرت الثورة الاسلامية التي فجرها الامام الخميني (ره)، على المسار الثوري لحركة التحرر العربية؟ وهل استطاعت هذه الثورة بقيادة الامام الخامنئي (دام ظله) بعد رحيل مؤسسها ان تحافظ على دورها كرافعة ثورية للقضايا الوطنية والقومية ومصالح الامتين العربية والاسلامية في مواجهة تغول الغرب الاستعماري؟
كان لنجاح الثورة الإسلامية الإيرانية الدور الأول والرئيسي في ميلاد محور المقاومة الذي تبلور وجوده وثقله خلال العقود الثلاثة السابقة دون وجود اتفاق هيكلي مسبق أو ايّة بنية تنظيمية أو مؤسّساتية.
واستطاع هذا المحور أن يفرض نفسه بقوة الأمر الواقع في المنطقة نتيجة التطورات والأحداث المتسارعة والمتراكمة خلال العقود السابقة، والتي شملت مساعي أميركية صهيونية للاستفراد بالمنطقة والهيمنة عليها، بالقوة العسكرية أو بفرض عمليات "سلام" مختلَّة الموازين لمصلحة الكيان الغاصب، ومن خلال متابعة التطورات الجيوسياسية بالمنطقة، فإنَّ محور المقاومة الذي عملت على إنشائه الجمهورية الإسلامية بالأساس قد اتسعت دائرة أعضائه باتساع إجرام العدوّ في حقّ أصحاب الحقّ وباتساع القناعة بضرورة مواجهته بالقوّة التي ليس منها بُدٌّ... فقد خرجت مصر التي كانت تشكّل الثقل العربي - من دائرة الصراع العربي الصهيوني بعد توقيع الرئيس المصري أنور السادات على اتفاقيتي "السلام" و"كامب ديفيد" مع الكيان الإسرائيلي، وإقامة العلاقات الدبلوماسية معه في العامين 1978 و1979، ما جعل سوريا، الضلع الرئيسي في المحور، وحيدة في ساحة الصراع مع الكيان المحتلّ ، في ظلّ تزايد الخلافات البينية العربية وخروج مصر نهائيّا من دائرة الصراع مقابل التفوّق العسكري للعدوّ بدعم أميركي صريح.
جاء نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة الإمام الخميني (رض) في فبراير 1979 في وقته في تلك الظروف التي شهدت عربدة أمريكية وصهيونية غير مسبوقة إلى إن نجح الإمام الخميني وعموم الثوار في إيران في الإطاحة بنظام الشاه الذي كان ينفّذ السياسات الأميركية في المنطقة بحذافيرها
نجحت الثورة الإسلامية، فرفعت شعار معاداة الكيان الصهيوني، ورفض الخضوع للهيمنة الأميركية، وتحرير فلسطين، ودعم خيار الشعب الفلسطيني في المقاومة، وهو ما ساهم في تلاقي الأهداف بين سوريا والجمهورية الإسلامية الإيرانية.
بعد ذلك بثلاث سنوات، ونتيجة الظّروف التي غلب عليها الكفاح المسلّح والمقاومة العسكرية للاحتلال الإسرائيلي، وخصوصاً بعد اجتياحه بيروت في جوان/يونيو 1982 أثناء الحرب الأهلية، وبعد زيارة "مجموعة التسعة" لطهران ولقائهم المرشد، والاتفاق على تأسيس "حزب الله" الَّذي حمل تسمية "المقاومة الإسلامية"... منذ ذلك الحين وحتى العام 1985.
وخلال الذكرى الأولى لاغتيال سيّد شهداء المقاومة الشيخ راغب حرب، تمَّ الإعلان عن "الرسالة المفتوحة" التي أعلنت انتقال الحزب من العمل الّسرّي إلى العمل المقاوم عسكرياً وسياسياً بشكل علني. وقد اكتسب الحزب شهرة عربية مبكرة بعد استهدافه مقر القوات الأميركية - الفرنسية في لبنان في تشرين الأول/أكتوبر 1983، مما أدّى إلى مقتل 300 جندي.
هذه التطوّرات ساهمت في التقارب الاستراتيجي بين مكوّنات المقاومة الثلاثة، وكان أبرزها الاتفاق الاستراتيجي على مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة إلى العرب والمسلمين، واعتماد الكفاح المسلَّح للوصول إلى الغاية الأسمى، ولكن في هذه المرحلة لم يكن المحور قد تبلور بالتعاون الفعّال بعد.
بالمقابل ، تمادى النظام الرسمي العربي في توقيع اتفاقيات "سلام" منفردة، تمثلت بالتنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية عبر اتفاقية "أوسلو"، ومن ثم "وادي عربة" مع الأردن في العامين 1993 و1994 على التوالي، بعد فشل مساعي الأمم المتحدة في إنجاح مؤتمر مدريد 1991، وتفرد واشنطن بالنظام الدولي، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وغياب أيّ دعم عربي لانتفاضة القدس الأولى 1987... كل ذلك شكّل دافعاً قوياً لزيادة التقارب بين سوريا وإيران من ناحية، وبين هذين الفاعلين و"حزب الله" وفصائل المقاومة الفلسطينية من ناحية أخرى.
أسهمت هذه التطورات في وضوح المسعى الأميركي لتغذية النزاعات بين دول المنطقة، والتي تشكل تهديداً لأمن الكيان الإسرائيلي بما تملكه من قوة، وخلق صراعات جانبية، بالتوازي مع عدم حياد الوسيط الأميركي الذي كان يدعم التوجّه الصهيوني بإقامة "سلام" منفرد على صيغة فرض الأمر الواقع من القوي على الضعيف، في اللجوء إلى تأمين مقومات الاستعداد والتدريب والتصدي.
لقد شكّلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية عامل دعم سياسي ولوجستي لحركات المقاومة، بينما مثّلت سوريا ساحات التدريب والغطاء السياسي والدعم العسكري لها .
في المقابل، فإنَّ نشاط حركات المقاومة في فلسطين لم يكن أقل وطأة من نظيراتها في لبنان، إذ تمكّنت هذه المقاومة، وبفعل الدعم السوري الإيراني المشترك، من إجبار "جيش" العدو الإسرائيلي على الانسحاب من قطاع غزة.
وقد استمرّ هذا المحور باكثر وضوح و صلابة مع الرئيس بشار الأسد إثر وفاة والده رحمه الله. خلال السنوات الأخيرة قام الحلف الأمريكي الصهيوني تنسيقا مع ممالك وإمارات النفط العربية بصناعة الحركات الدينية المتطرّفة، تأطيرها وتمويلها وشُنٌت حربا كانت بمثابة المحرقة على عديد الدول العربية خاصّة التي لم ترضخ للترغيب في التطبيع ولا للترهيب من رفضه ودفعت سوريا الثمن الأقسى والأغلى.
هي حربٌ أريد بها كسر محور المقاومة وإلى الأبد ..لكن لم تنكسر سوى مشاريعهم الاجراميّة فهزمتهم دماء الأبرياء شرّ هزيمة بل وازداد المحور قوة وصلابة وإيمانا بمواصلة الرسالة الأخلاقية والإنسانية حتى تحقيق أهدافها النبيلة في النصر والتحرير.
فلسطين كانت درة التاج في فكر الامام الخميني رضوان الله عليه، وفي مسيرته السياسية والثورية منذ خمسينات القرن الماضي.. وقد ربط الامام بحكمته ونظرته الثاقبة بين النضال لازاحة الرجعية الايرانية المتمثلة بنظام الشاه العميل وازالة الكيان الصهيوني الغاصب لارض فلسطين.. هل تعتقدين اولا بضرورة الربط بين الانظمة الرجعية والاستعمار العنصري الصهيوني لفلسطين؟ وهل جسدت الثورة الايرانية فعلا هذه النظرية في سياساتها؟
كثيرة هي الثورات التي تموت بموت قائدها و ملهمها إلا الثورة الإسلامية في إيران التي ازدادت توهجاً وحكمة وقُدرة على المُناورة بعد رحيل مؤسسها الإمام الخميني رحمه الله الذي احتضنت الأرض جسده الطاهر..لكن إيمانه ونهجه وحِكمته استمرت إلى اليوم في بناء الدولة وتسييج علاقاتها الخارجية بما يحفظ استقلالها وسيادتها، وها هي إيران أصبحت قوة إقليمية تُنافس العالم بالحكمة والعدالة بالرؤية الجيوستراتيجية الواضحة وبالقوة العسكرية و التقدم العلمي والتقني الكبير وبالذّوْدِ عن حقوق المظلومين والمقهورين في كلّ أنحاء العالم .
فقبل عودته إلى إيران في 1 فبراير 1979 اعتقد العالم أن ما يحدث مجرد تحرك شعبي عابر وسيهدأ بعد أن يعالجه النظام بالقتل والاعتقالات وفرض حالة الطوارئ ..وأن النظام لن يخرج من معسكر أميركا مهما كانت الجهة التي ستحكم بعد رحيل الشاه.
لكن لا الشاه عاد إلى الحكم ولا النظام الجديد عاد أيضا لحظيرة أمريكا الإمبريالية ..إنه عهد جديد يُبشّر بالخير والتقدّم لمواطني الجمهورية الإسلامية و بالخلاص والإنعتاق من التبعية لكل المظلومين في العالم .
بمجرّد أن استلمت قوى الثورة مقاليد الحكم لم تَخُن الدماء الزكيّة التي اطاحت بالشاه ولم تُدِرْ ظهرها للمستضعفين في الوطن وخارجه ، بل رفعت بيارِق الحالمين بالكرامة والحرّية والإستقلال داخليّا في مواجهة الفاسدين واللصوص الذين استفادوا من منظومة الشاه البائدة ..ودوليّا في مواجهة الأمريكي ناهب خيرات الشعوب والغرب المنافق والصهيونية العنصرية الإستيطانية.
إنّ عودة الإمام الخميني رحمه الله تعالى كانت مبنيّة على ثوابت إيمانية عقاىدية مُشبعة بقيم الحقّ والعدل ونُصرة المظلوم بكلّ الوسائل والأدوات بدءً بالكلمة والموقف وصولا للصواريخ والطائرات.
لقد كانت فلسفة الثورة الإسلامية صرخة مدوّية في وجه الديكتاتورية واللصوصية وصفعة على وجه قُوى الإستعمار والإستغلال والتبعيّة .
الثورة الإسلامية منارة مشعة على جبين الإنسان الثائر الحالم بوطن يُؤمّنُ له كرامة العيش في وطن قويّ ومَنِيع،
إن لعودة الإمام الخميني إلى إيران الثورة الكثير من معاني التغيير، التغيير في انتهاج سياسة محلّية تعتمد على الإنسان(المواطن) أوّلا وأخيرا يستعيد عبرها كرامته ويساهم في بناء وطنِه، وسياسة خارجية مبنية على مبدأ استقلال القرار الوطني ودعم المستضعفين في مواجعة قوى الإستكبار العالمي .
عودة الإمام الخمينى رحمه الله فجرت في الشعوب المقهورة والمستعبدة إرادة تحدّي قوى الإستعمار الغاشم وجدّدت الإرادة لرفع الظلم عن المظلومين ولتحدّي قوى العدوان والمتعاونين معها .. عودة تُثبِتُ أن العين أقوى من المخرز ..وتُجدّد أنه ما ضاع حقّ وراءه طالب .
إنها العودة التي وضعت اللّبِنات الأولى لمحور المقاومة الذي يقول اليوم كلمته الفصل ، يرسمها بصواريخ العِزّ التي تنطلق من يمن المروءة والبطولة فتتفجّر على المحتلّ الغاصب في قلب المُغتصبات الفلسطينية .
إنّ بركات الإمام الثائر وتوجيهاته في انفاس المجاهدين في العراق وسوريا ..في خطوات المجاهدين في عموم فلسطين المحتلة وغزّة بالخصوص وفي تراتيل شباب حزب الله اللبناني وهم يدكّون بصواريخهم العنيدة مخابئ جُنْدِ العدُوِ دكّا ، فيُحيلونها قاعًا صفصفا
وهكذا ..بين عودته ورحيله رسَم ملامح دولةٍ سيّدة وقويّة أصبحت طرفا مُحدّدا وعنيدا في السياسة العالمية وفي ميلاد حِقبة جديدة.
رحل وترك دولةّ قوية .. وبالمقابل ترك أيضا غرفةّ شديدة التواضع، -هي كلّ املاكه - يزورها السياسيون والزّوار ليتعلّموا إن اموالهم وممتلكاتهم لا ولن تصنع منهم قادةً ولا أسيادا .
كان من أم المهام لدى الإمام الخميني رحمه الله تعالى هو تأسيس الحكومة الإسلامية التي ستقطع مع التّرٍكة البَشٍعة لنظام الشاه وما اقترفه في حقّ الشعب الإيراني ، وتركيز مؤسسات الدولة الجديدة، أمّا على المستوى الدولي فكان تحرير فلسطين ومقدّساتها وعلى رأسها بيت المقدس يُشكل أهم هاجس فكريّ وسياسي للإمام آية الله الخميني (ره)، فمن أهمّ أسباب الخلافات الجوهرية مع النظام البهلوي هو النفوذ الصهيوني في إيران وعدم مساندة الشعب الفلسطيني الأعزل ولو بالموقف السياسي والديبلوماسي... لذلك كان الخميني رحمه الله في كلّ المناسبات يدعو الشعب الإيراني والمسلمين وأحرار العالم لدعم الشعب الفلسطيني بكلّ الوسائل الممكنة والمُتاحة.
كان في تصريحاته حول اسباب معارضته للشاه ، كونه يقف مع المعتدي الصهيوني ضدّ صاحب الحقّ في فلسطين وتقرُّبِهِ بكلّ الوسائل لدولة الإحتلال ناهيك كونه نظام الساعة يرفض استعمال سلاح النفط للضغط على العدوّ كما أنّ حكومة الشاه كانت الشريان الذي انتعش به اقتصاد " إسرائيل" خلال حصار النفط العربي بداية السبعينيات من القرن الماضي.
كان أول ارتباط عملي بين الإمام الخميني والقضية الفلسطينية قُبيل اندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية عندما أصدر أول فتوى عام 1968، حثّ فيها على أهمية تقديم الدعم المالي والإسناد للثورة الفلسطينية، وضمان استمرار جذوة المقاومة والالتحاق بها ضد الاحتلال الصهيوني، انطلاقاً من قاعدة أساسية هي أن فلسطين قضية محور الصراع، وهي في قلب إيران الثورة، وستبقى ثابتة راسخة بعيداً عن أيّ حسابات سياسية أو طائفية مذهبية أو عقائدية أو أيديولوجية، وأن تحريرها واجب لا يجوز التخلي عنه، وهو بذلك يوجّهُ رسالة مفادها أن القضية الفلسطينية منذ تلك اللحظة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من ثوابت إيران تجاه فلسطين وقضيتها، بإعلانها الانحياز لفلسطين المقاومة.
ولقد كتب الإمام (قدس) عند انطلاقة الرصاصة الأولى للثورة الفلسطينية في 16 نیسان/ ابريل 1965 رسالةً مفتوحة الى رئیس الوزراء الإيراني (امیر عباس هویدا) استعرض فیها ممارسات النظام المجرمة وحذّره من الوقوف الى جانب "اسرائیل" وقال فيها : "لا تعقدوا عهد الإخوّة مع "اسرائیل"؛ عدوة الإسلام والمسلمین، التی شرّدت أكثر من ملیون مسلم، لا تسیؤوا إلی عواطف المسلمین، لا تطلقوا ید "إسرائیل" وعملائها الخونة فی أسواق المسلمین أکثر من هذا، لا تُعرضوا اقتصاد البلاد للخطر من أجل "إسرائیل" وعملائها، لا تضحوا بثقافتنا من أجل أهوائکم ... خافوا غضب الجبار، واحذروا سخط الشعب. وهي رسالة تحريم واضحة لأيّ شكل من أشكال التعامل مع هذا العدوّ المجرم.
/انتهى/