اعتبر الكاتب والصحفي المصري الاستاذ الهامي المليجي لقد حققت الثورة الايرانية على مدى أربعة عقود ونيف من عمرها قفزات هائلة في العديد من المجالات على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والثقافية والعلمية والتكنولوجية والعسكرية بالرغم من الحصار الذي تعرضت له منذ الأيام الأولى لانتصارها.

وكالة مهر للأنباء، وداد زاده بغلاني: انتصرت الثورة بفضل قيادة الإمام الخميني (رض) وإيمان الشعب الايراني بقيادته وحكمته وشجاعته،فانتصر وحقق معجزة القرن العشرين، لأن الواقع السياسي العالمي كان محصورا ومحتكرا ومقسوما بين قطبين فقط، اما أميركا او روسيا السوفياتية.

وأحيت الثورة المشاعر والاحاسيس الوجودية/الإلهية للشعوب المقهورة والمظلومة والمستضعفة في التحرير والحرية والتنمية والمعرفة والاستقلال خاصة في المناطق الإسلامية وفي العالم منها فلسطين المحتلة منذ حوالي ٧٥ سنة، التي تغتصبها قاعدة عسكرية أميركية اسمها "إسرائيل".

وتحل علينا هذه الايام الذكرى الـ45 لانتصار الثورة الاسلامية الايرانية وفی هذه الصدد اجرت مراسلة وكالة مهر مع الكاتب والصحفي المصري الاستاذ "الهامي المليجي" حوارا صحفيا وفي مايلي نصل الحوار:

**ما هي الضرورة التي دعت الشعب الإيراني إلى القيام على نظام الشاه في تلك الفترة الزمنية؟

هناك العديد من الدوافع التي أدت لانتفاضة الشعب الإيراني على نظام الشاه، نجمل بعضها فيما يلي:

أولاً.. مصادرة الشاه ونظامه لكافة الحريات وحقوق الشعب المنصوص عليها في الدستور، واستخدام البطش والقمع في مواجهة القوى والأشخاص المنادين بالحريات وتكريس الديمقراطية.

ثانياً.. خضوع نظام الشاه وتبعيته الثقافية والسياسية والاقتصادية للإدارة الأمريكية، ما أسهم في القضاء على البنى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية للشعب الإيراني صاحب التاريخ العريق والإرادة الحرة عبر التاريخ، وفي إطار التبعية المطلقة للإدارة الأمريكية جاءت علاقاته الوثيقة مع الكيان الصهيوني على غير إرادة الشعب الإيراني المنحاز للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والرافض للممارسات العدوانية لسلطات الاحتلال الصهيوني.

ثالثاً.. استشراء الفساد بشكل واسع في الكثير من مفاصل ومؤسسات الدولة في ظل رعاية الشاه وحمايته للفاسدين المرتبطين بإدارة الحكم.

وأخيراً وليس آخراً.. غياب العدل الاجتماعي، حيث كانت فئة محدودة للغاية ومقربة من الشاه تمتلك النسبة الأكبر من ثروات البلاد، بينما القطاع الأوسع من الشعب يعاني من الفقر والعوز، بالرغم من الثروات الطبيعية الهائلة التي تزخر بها البلاد.

ولإعطاء صورة عن مدى الفساد والاستغلال المالي للأسرة الإمبراطورية لثروات البلد وتحويله لشركة خاصة ما تؤكده الأرقام شبه الموثوقة عن تحكم أسرة الشاه بـ 80% من صناعة الأسمنت، و70% من الفنادق السياحية، و62% من البنوك والتأمين، و40% من صناعة النسيج، و35% من صناعة السيارات وهكذا.

**ما هو مدى تأثير فكر الإمام الخميني (رض) والثورة الإسلامية في نصرة مظلومي العالم والوقوف في وجه الاستكبار العالمي؟

لقد كان موقف الإمام الخميني ثابتاً جلياً في رفضه القاطع لكل أشكال الاستعمار والهيمنة الامبريالية، وأعلن شعار "لا شرقية ولا غربية" كمرتكز للتعامل مع كافة الدول، ورغم وصفه للقوتين العظميين في زمنه بـ "قطبي نهب العالم" إلا أنه كان على وعي بالفرق الهائل ما بين الاثنتين، بحيث قدم أمريكا باعتبارها "الشيطان – الاستعماري – الأكبر".

وقد اعتبر الإمام الخميني أن قضية إيران هي مواجهة الاستكبار العالمي ودحره، وذلك بجمع كلمة المستضعفين وتوحيد شتاتهم على مستوى العالم كله ضدهم، فقد "وضع تقسيماً شاملاً للمجتمع الدولي على أساس الاستكبار والاستضعاف؛ فهناك جبهة المستكبرين التي تضم القطبين العالميين وحلفاءهما وأتباعهما، وهناك جبهة المستضعفين التي تشمل الدول والشعوب التي تعيش ظلم الجبهة الأولى واستغلالها وسيطرتها، وكان يدعو أن تتفق كلمة جميع الحكومات والشعوب على ضرورة قطع دابر القوى الكبرى ناهبة العالم والمجرمين التاريخيين إلى الأبد، حتى يرفعوا أياديهم عن رؤوس مظلومي العالم ومضطهديه".

وكان يرى أن التبعية في بعض المجالات تؤدي إلى تفسخ جذور الدولة وإن كان لها منافع وقتية، وطالما كان يؤكد أن النصر سيكون حليف المظلومين، مهما كان ما تمتلكه قوى الاستكبار العالمي من قوى وما تمارسه من غطرسة.

ومن كلماته المأثورة "يا مستضعفي العالم.. انهضوا واتحدوا، واطردوا الظالمين؛ فإن الأرض لله، وورثتها هم المستضعفون".

و"إن النصر النهائي يكمن في انتصار جميع المستضعفين على جميع المستكبرين".

**بعد أكثر من أربعة عقود من الثورة الإسلامية كيف تقيِّمون نجاح الثورة في تحقيق أهدافها؟

منذ اليوم الأول للثورة الإسلامية الإيرانية وعلى مدار أربعة عقود ونيف، واجهت العديد من التحديات والتهديدات الكبيرة والخطيرة التي اتخذت أبعاداً ومظاهر سياسية وعسكرية وأمنية وإعلامية واجتماعية ودينية، ولكن إيران استطاعت بإرادتها الصلبة وصمودها المبهر مواجهة التهديدات والتحديات وتحويلها إلى فرص وآفاق للتقدم والنهوض في شتى الجوانب والمجالات، والمحافظة على الثورة وإعادة بناء الدولة على أسس قوية متقدمة، بل تحولت إلى قوة إقليمية فاعلة مؤثرة في محيطها الإقليمي والفضاء الدولي بشكل عام.

أيضاً تمكّنت إيران الثورة من بناء نظام سياسي متميز يحمل هوية خاصة، ويمازج بين آليات ومناهج وسياقات المفاهيم السياسية المعاصرة كالديمقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة وحرية التعبير والعمل السياسي من جانب، وبين قيم ومبادئ الدين الإسلامي التي شكّلت هويتها الأساسية من الجانب الآخر، ونجحت في التوفيق بين الثوابت الوطنية والدينية.

لقد حققت الثورة الإسلامية في إيران على مدى أربعة عقود ونيف من عمر الثورة، قفزات هائلة ونوعية في العديد من المجالات على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والثقافية والعلمية والتكنولوجية والعسكرية وحتى الرياضية، بالرغم من التآمر والحصار الذي تتعرض له منذ الأيام الأولى لانتصارها، ومازالت تتعرض له من قبل القوى الاستعمارية وحلفائها.

فعلى الصعيد السياسي تم التخلص من نظام الاستبداد وأصبحت السيادة للشعب الإيراني وتم ترسيخ مفهوم السيادة الشعبية الذي يضمن انتخاباً حراً ومباشراً لبرلمان يعبر عن الشعب بكل أطيافه، أيضاً انتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب، كذلك أنهت الثورة التبعية للقوى الكبرى، وحققت الاستقلال الوطني، وواجهت قوى الاستكبار العالمي، ودعمت المستضعفين في العالم، وأضحت إيران في المكانة المرموقة المستحقة إقليمياً، ولها دور رائد وفاعل في المنطقة التي تحتل مكانة جيوسياسية مهمة.

وعلى الصعيد العلمي أصبحت إيران في مصاف الدول المتقدمة علمياً على الصعيد العالمي، وأصبحت تمتلك أدوات البحث العلمي، ما جعلها متقدمة في مجال التصنيع والعلوم، ومن أبرز الأمور التي تكشف عن التقدم العلمي والصناعي الكبير البرنامج النووي الإيراني.

كذلك حققت إيران إنجازات واضحة في البنى التحتية، وتجلى ذلك بوضوح في مجال تعبيد ورصف الطرق وتطوير شبكة المواصلات العامة وخاصة السكك الحديدية، وتزويد المياه لأكثر من 1500 قرية ومدينة.

وحققت نجاحات مشهودة في مجال الطب، حيث أصبحت تنتج العديد من اللقاحات والتطعيمات، كذلك حقق العلماء الإيرانيون إنجازاً هائلاً في العلاج الجيني لمرض سرطان الدم "اللوكيميا"، فضلاً عن إجراء عملية زرع الأعضاء بعد الموت التام للمرة الأولى في الشرق الأوسط.

إذا أردنا تحديد مجالات النجاح الذي حققته في المجالات المختلفة من علمية وصناعية وزراعية وصناعات عسكرية وفضائية، سنحتاج لصفحات؛ لذلك سنكتفي بما أوردنا.

**كيف تأثرت القضية الفلسطينية من الثورة الإسلامية وهل تؤيدون النهج الذي اتخذته الثورة الإسلامية دعماً للقضية الفلسطينية؟

لقد استهلت الثورة عهدها بإغلاق مقر سفارة الكيان الصهيوني وطرد طاقمها من إيران الذي كان يحظى باهتمام ورعاية خاصة من نظام الشاه، وقامت القيادة الثورية بتسليم المقر لمنظمة التحرير الفلسطينية، ليصبح بذلك أول مكتب يحظى بامتيازات دبلوماسية لفلسطين.

وأصبحت القضية الفلسطينية في عهد الثورة الإسلامية في إيران ضمن أولوياتها وقدمت لفصائل المقاومة الفلسطينية الدعم السياسي والمعنوي والمالي والتقني والتسليحي، فأصبح للمقاومة قدرات هائلة مكنتها من مواجهة العدو الصهيوني وإلحاق الهزيمة بآلة الحرب الصهيونية.

لقد لعبت ثورة إيران الدور الأبرز في تشكيل محور المقاومة الذي يمثل رأس الحربة في مواجهة المخططات الصهيونية التي تستهدف المنطقة، وهذا الأمر كان له الدور الأبرز في إفشال العديد من المخططات.

أثمن عالياً النهج الذي اتبعته الثورة الإيرانية في دعمها الهائل للمقاومة الفلسطينية، وأرى أنه سيسهم بشكل كبير في تحرير كامل التراب الفلسطيني من رجس العدو الصهيوني.

** برأيكم إلى أي مدى أضر قطع العلاقات بين إيران ومصر بمصالح البلدين وإذا لم تنقطع العلاقات فكيف كان ليعود نفعها إلى القضايا الإسلامية؟

إنَّ العلاقات بين مصر وإيران تمتد إلى عمق التاريخ، وتقوم على أسس تاريخية وثقافية واقتصادية. وقد تنامت تلك العلاقات في العصر الحديث، واعتراها قليل من التباعد وكثير من التقارب، لكنْ تبقى تلك القطيعة التي بدأت مع قيام الثورة الإيرانية، هي الأطول في تاريخ البلدين، وخلال هذه الفترة، كانت المنطقة مطمعاً للقوى الاستعمارية، التي عملت على إغراق المنطقة بالكثير من الأزمات والمشكلات، مما أعاق سبل التنمية واللحاق بركب التطور.

وفي اعتقادي، أنَّ قطع العلاقات بين البلدين كانت له انعكاسات سلبية على مصالح البلدين وكذلك الأمر بالنسبة لصالح الاستقرار والتنمية في المنطقة، فالبلدان هما القوتان الأكثر قدرة إذا ما شكَّلا ثنائياً إقليمياً لإخماد الحرائق ووأد الفتن في المنطقة ومجابهة الاختراقات في الإقليم لتهنأ شعوبه بالعيش الرغد في مناخ من الأمن والحرية.

إن العالم مقبل على تغيرات كبرى ستفضي إلى عالم متعدد القطبية، ما يستوجب على مصر وإيران أن تكونا جاهزتين لهذه المتغيرات، وهذا يتطلب بدء حوار معمق وشفاف يفضي إلى عودة العلاقات، وإدراك أن التاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة تفرض السعي للبدء في عودة العلاقات بينهما ليضطلعا بالدور المنوط بهما في قيادة المنطقة إلى المكانة التي تستحق في العالم الجديد.

/انتهى/