وكالة مهر للأنباء _ القسم الدولي: يشنّ الكيان الصهيوني حربًا على غزة، حيث يمارس القتل الوحشي بحقّ المدنيين العُزّل، ويُمعن في اغتيال الصحفيين بهدف إسكات أصواتهم. ويحاول هذا الكيان منذ فترة، من خلال طرح الادعاءات الكاذبة، تشويه صورة حماس وتبرير الإبادة الجماعية في هذا القطاع.
زعم "أفيخاي أدرعي" المتحدث باسم جيش الكيان الصهيوني مؤخرًا أن أحد صحفيي شبكة الجزيرة يعمل كقائد لحركة حماس في قطاع غزة، حيث ادّعى هذا المسؤول الصهيوني في تغريدة على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي X" " مساء الأحد إنّ "محمد سمير محمد وشاح" من مواليد 1986، أحد صحفيي شبكة الجزيرة القطرية، هو أحد قادة الجناح العسكري لحماس."
وعلى الرغم من أن أدرعي زعم أنه يملك وثائق تثبت صحة ادعائه، إلا أنه لم يُقدم أي وثيقة في هذا الخصوص. نشر الكيان الصهيوني على الإنترنت بعض الصور لـ "محمد وشاح" وهو يتدرب على الأسلحة العسكرية، لكن كون "محمد وشاح من قادة حماس" لا زال مجرّد ادعاء. يُعدّ هذا الادعاء جزءًا من مشروع تخريب وتشويه صورة الصحفيين ومحور المقاومة، والذي صمّمه قادة جيش الكيان الصهيوني وبدأوا بتنفيذه.
تأتي هذه الادعاءات في سياق اتّهامات سابقة من جيش الكيان الصهيوني لصحفيين آخرين من شبكة الجزيرة، فقد زعم الجيش سابقًا أنّ مراسلا الجزيرة "حمزة دحدوح" و "مصطفى ثريا" هما أعضاء في حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) وحركة الجهاد الإسلامي، وقد استشهد هذان الصحفيان في غارة جوية إسرائيلية على جنوب قطاع غزة.
في الواقع، إنّ ما يُخيف الكيان الصهيوني في ميدان غزة ليس انتماء الصحفيين إلى جبهة المقاومة، بل صوتهم الواضح والقوي في نقل الأحداث وكشف جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها هذا الكيان للعالم.
يجب على قادة الكيان الصهيوني، بدلاً من التهرب، أن يجيبوا على هذا السؤال: "هل الـ 124 صحفيًا الذين استشهدوا منذ بداية الحرب على غزة، كانوا من قادة حماس ومحور المقاومة؟"
آخر صحفية استشهدت هي "آلاء الهمص"، لقد استهدف جيش الاحتلال منزلها في حي الجنينة شرق رفح قبل فترة. في هذه الغارات استشهد جميع أفراد عائلتها، وكانت آلاء هي الناجية الوحيدة حيث أصيبت بجروح خطيرة في هذا الهجوم. وفي النهاية، توفيت هذه الصحفية متأثرة بجراحها بتاريخ 12 فبراير 2024.
حتى لو عدنا إلى فترة ما قبل الحرب، فسنجد سلوكًا عدائيًا من قبل الصهاينة تجاه الصحفيين. إنّ هذا الكيان يذبح أي شخص ينقل الحقائق من الأراضي المحتلة وفلسطين إلى العالم.
سياسة قتل الصحفيين لمنع نشر أخبار الإبادة الجماعية
نشهد في الأسابيع الأخيرة ذروة المواجهة بين الكيان الصهيوني ووسائل الإعلام لمنع نقل الأحداث التي تجري في غزة إلى جميع أنحاء العالم، حيث تُظهر شهادة 126 صحفيًا ذروة هذه الفضيحة. ولكن يمكن تفسير هذه المعضلة في سياق سياسة الكيان التي اتبعها في مختلف الأوقات بدرجات متفاوتة من القوة والضعف.
شهدنا نموذجًا لمساعي الكيان الصهيوني لإسكات صوت الإعلام في مايو 2021، وذلك تزامنًا مع الذكرى السنوية الثالثة والسبعين لتأسيس الكيان؛ وهو اليوم الذي يسميه الفلسطينيون "يوم النكبة".
في ذلك الوقت، حاول هذا الكيان إسكات صوت الإعلام من خلال قصف برج "الجلاء" المكون من 13 طابقاً في غزة، والذي كان يضم مقرات صحفيين أجانب، وكان الهدف من هذا الهجوم استهداف مكاتب وكالات الأنباء التي كانت تغطي أخبار غزة، ومنع انتشار أخبار الجرائم التي كان يرتكبها ضد الشعب الفلسطيني المظلوم.
تواجدت مكاتب المؤسسات الإعلامية الدولية، بما في ذلك الجزيرة، أسوشيتد برس، ووكالة الأنباء الفرنسية، في برج الجلاء لتغطية الأخبار المتعلقة بغزة. وبالإضافة إلى المكاتب الإعلامية، كان هناك أيضًا عدد كبير من عيادات الأطباء والمكاتب القانونية والمنازل السكنية في هذا المبنى.
لذلك، وفقًا لما اتفق عليه العديد من الخبراء والمراقبين الدوليين، فإن ما حدث في غزة، بما في ذلك الهجوم على برج الجلاء، كان عملًا غير إنساني يهدف إلى إسكات صوت الإعلام خوفًا من كشف الحقائق التي كانت تجري في غزة في ذلك الوقت. هذه الحقيقة المرة تكررت خلال الأشهر الأربعة الماضية، ولكن بشكل أشد و أكبر بكثير.
وفي سياق الهجمات الصهيونية، تم استهداف برج "حجي" الذي كان يضم العديد من الإعلاميين، حيث استشهد وأصيب عدد من الصحفيين خلال هذا الهجوم الجوي الصهيوني.
أكد اغتيال "شيرين أبو عاقلة"، مراسلة الجزيرة الفلسطينية-الأمريكية، في مايو 2022، حقيقة أن أي صحفي يغطي الأحداث الميدانية في غزة ليس بمنأى عن هجمات الصهاينة. أصيبت هذه الصحفية برصاصة مباشرة في رأسها من قبل قوات الاحتلال بينما كانت تغطي اقتحام الجيش الإسرائيلي لمخيم "جنين" وحي "جبريات"، ولم تكن من قادة حماس أو أي من فصائل المقاومة.
وفي نفس العام استشهدت الصحفية "غفران هارون"، وفي عام 2018 استشهد الصحفي "أحمد أبو حسين" على يد قوات الاحتلال الصهيوني حيث تم إطلاق النار على هذين الشهيدين.
لا يقتصر غضب الصهاينة على الصحفيين الفلسطينيين فقط، بل في عام 2014، قتلت "سيمون كاملي" الصحفية الإيطالية في قصف استهدف قطاع غزة، وحتى التقرير الأخير للجنة حماية الصحفيين أثبت أن الكيان الصهيوني حرم بعض الصحفيين اليهود المستقلين من عملهم، وحتى أن أحد الصحفيين الإسرائيليين قد اختفى وبات مفقوداً.
ووفقًا لإحصائيات وزارة الإعلام الفلسطينية، قتلت إسرائيل 45 صحفيًا من بداية الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت عام 2000 حتى مايو من العام الماضي.
ما الذي يكمن خلف ستار مشروع تشويه صورة الصحفيين في الظروف الحالية؟
يسعى جيش الاحتلال الصهيوني إلى تصوير الصحفيين، من محمد وشاح إلى حمزة دحدوح ومصطفى ثريا، على أنهم أعضاء أو حتى قادة في المقاومة، وذلك بهدف تبرير جرائمه وعمليات القتل الجماعي التي يرتكبها في غزة.
وبالطبع، الإعلاميون ليسوا وحدهم من يتعرضون لمثل هذه الهجمات، حيث أنّه يتم اتهام أي فئة أو منظمة تسعى إلى عرقلة عملية الإبادة الجماعية من قبل الصهاينة بالتآمر، على غرار الادعاءات التي وجهها الكيان الصهيوني ضد "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى" (الأونروا).
ففي ملف مليء بالادعاءات والاتهامات، ادعى الكيان الصهيوني أن حوالي 190 موظفًا في الأونروا شاركوا في عملية "طوفان الأقصى"! ونتيجة لهذه الاتهامات الكاذبة، قطعت أكثر من 10 دول، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وكندا، مساعداتها لهذه الوكالة، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة.
يسعى الكيان الصهيوني من خلال توجيه الاتهامات للصحفيين ووكالة الأونروا وغيرها من الجهات، إلى صرف الانتباه العالمي عن استشهاد أكثر من 28 ألف فلسطيني، ثلثيهم من النساء والأطفال. ويهدف من خلال ذلك إلى الاستمرار في جرائمه وتحقيق مصالحه.
تتطلب العمليات البرية الواسعة التي يخطط لها الكيان الصهيوني في رفح، التي تضم 1.4 مليون شخص لجأ إليها، تهيئة الظروف المناسبة. ويأتي إعلان نتنياهو عن الهجوم الوشيك على أقصى جنوب قطاع غزة، في الوقت الذي عارضت فيه المجتمعات الدولية والدول العربية، والولايات المتحدة وبريطانيا، هذا التصعيد بشكل علني.
لا شك أن هدف نتنياهو من هذا التصعيد هو تهجير الفلسطينيين قسراً من أراضيهم، لكنه يسعى في هذا المهلة التي حددها بأسبوعين إلى تهيئة الظروف وإقناع حلفائه. وفي هذا السياق، فإن ربط الصحفيين بحركة حماس هو مجرد جزء من مشروع التظاهر بالمظلومية لشن هجوم واسع على رفح.
/انتهى/