وكالة مهر للأنباء_ علاء الدين حمزات: إنه صراع حضاري ومصيري، إنه الانسان الممسوخ في خرافاته المتحجرة، المتوقف عن التطور منذ آلاف السنين، المختنق النفس والوجدان والقلب، يستعمل جميع العلوم التكنولوجية المساعدة على الحرب لتجديد عنصريته ومزاعمه الباطلة بأنه مختار من السماء لقيادة الأرض.
فكل جديد عنده من علم واختراع وغنى مادي ليخدم ذلك العتيق المتوحش المقدس. وإذا كانت تجوز الحرب في هذا العصر فهي إنما تجوز فقط ضد هذا الانسان الذي مسخته خرافاته وحشاً بربرياً، فحولت طبيعته الإنسانية إلى طبيعة أفاعي وعقارب وقضت فيه على الإنسان السوي.
7 أكتوبر تاريخ حفر في أذهان الأمم البشرية أجمع، كسر جدار الوهم وأظهر من خلفه قزم مستوحش كسرت هيبته وأصبح أضحوكة تحت وطأة أقدام المجاهدين.
مجريات المعركة متجددة مستمرة
لا تزال المقاومة الفلسطينية تقدم أسمى صور الصمود أمام آلة القتل الغربية فعبقرية إدارة المعركة استطاعت أن تحبط خطط العدو وتعطل طاقاته، مؤمنة بقدرتها بالوصول إلى النصر المحتم.
تجاوزت الحرب ال100 يوم لا أهداف حققت، ولا رؤية "إسرائيلية" واضحة المعالم بل جل ما نراه هو تعرية للخلافات وشقاقات داخل المجتمع الإسرائيلي وداخل مجلس الحرب وحكومته.
لم تستطع "إسرائيل" حتى اللحظة بأن تحرر أسيراً واحداً على قيد الحياة، ولم يعد هناك ثقة عند مستوطني الغلاف وشمال الأرض المحتلة على قدرة جيش الاحتلال بحمايتهم.
ارتدادات الطوفان
هذا بعض الشيء من ارتدادات وأثر المعركة على الداخل الإسرائيلي وبالمقابل هناك آثار عدة على المجتمعات العربية والتي يشكل اللاجئ الفلسطيني جزءاً من كينونتها ونسجيها.
فقد جابهت أمواج التطبيع التي كادت أن تغرق في مستنقعها وتنسيها عروبتها وانسانيتها فأخرجت هذه المعركة ما بداخل تلك الشعوب من أصالة عروبية وإسلامية، لقد أعادة معركة طوفان الأقصى الوعي للجماهير العربية والإسلامية والعالمية.
العامل الفلسطيني في الشتات
تحرك الكل الفلسطيني في دول الشتات والطوق ليأخذ على عاتقه ما بدأت به المقاومة من تعرية لدولة الاحتلال فكان لها الخطوة الأولى في إيقاد شرارة المسيرات الغاضبة في دول الطوق بالآلاف المؤلفة حيناً وبعضا منها وصل للمليونية.
سوريا على سبيل المثال ما انفكت الفصائل الفلسطينية مجتمعة ومدعومة بقرار من الحكومة السورية وأحزاب العمل الوطني والقومي العروبي لتنظيم المسيرات الحاشدة والوقفات التضامنية والإسنادية دعماً لأهل غزة، إضافة لتقديم مذكرات الاحتجاج على سلوك الاحتلال الإسرائيلي ضد أهل غزة إلى منظمة الصليب الأحمر والأمم المتحدة باعتبارها وسيلة ضغط على المجتمع الدولي.
ويجد الإشارة هنا إلى ما قام به اتحاد طلبة سورية من معارض فنية ومرئية مع منظمات العمل الطلابي الفلسطيني والعربي داخل جامعة دمشق وحلب من تسليط للضوء أمام الطلبة الجامعيين عن همجية الاحتلال وعدوانيته ضد شعب أعزل وهو الجيل الذي لم يكد يرى من هذه الهمجية شيء بسبب اشغال سورية بحرب العشرة أعوام والتي مازالت أثارها مستمرة.
أما عن الأردن الذي لم يختلف أداءه عن دول الطوق من حيث الحراك الشعبوي إلا أننا شاهدنا اندفاعاً لتلك الحشود نحو سفارة العدو وداعميهم، تارة ً للاحتجاج وتارةً أخرى لاقتحامها معبرين، تعبيراً عن الرفض الشعبوي لهمجية وبربرية "إسرائيل" في انتقامها من أهل غزة بعد فشلها الذريع في السابع من أكتوبر.
الجنوب اللبناني مقاوماً
لم يستطع الجنوب اللبناني بمقاومته وشعبه أن يقف موقف المتفرج والمراقب لما يحصل في أرض فلسطين بل أخذ على عاتقه المشاركة في اليوم التالي من المعركة، فمن إعماء للحافة، إلى اصطياد المجنزرات و تحشدات الجنود، إلى ضرب مراكز القيادة لما بعد الحافة.
وعلى الرغم من تضرر المصالح التجارية وانتكاس المشاريع الزراعية والنزوح الداخلي قدم الجنوب عشرات الشهداء والجرحى وامتزجت دماء المقاومين اللبنانيين والفلسطينيين سوياً بما شكله الجنوب اللبناني من فرصة سانحة أمام اللاجئ الفلسطيني لمواجهة إسرائيل، فالشاهد على ذلك شهداء مخيمات اللجوء الفلسطيني في لبنان وسوريا والذين ارتقوا خلال تنفيذهم لمهام قتالية ضد آلة الكيان وبؤرها الاستيطانية في شمال فلسطين المحتلة.
اللاجئ الفلسطيني في أوروبا
لم يختلف أداء الفلسطيني في الدول الأوروبية التي لجأ اليها ساعياً لحياة أفضل عن أدائه في دول الطوق، فلعب دوراً اساسياً في رفع الوعي للمجتمعات التي انخرط فيها من حيث أحقية الفلسطيني بأرضه ومدى عدالة قضيته المطلق أمام ما يروج له الجانب الإسرائيلي من دعاية في الأرض الموعودة، ووحشية المقاومة.
فعملوا على تنسيق الجهود لتجاوز الإجراءات الإدارية في رفض المظاهرات المؤيدة لغزة والتي كان من الممكن أن تؤدي لاحتقان داخلي بسبب سياسة الدول الأوروبية واتباعها ازدواجية بالمعايير بين ما هو مسموح للمسيرات المؤيدة للفعل الإسرائيلي والمسيرات المؤيدة لغزة.
محمد دياب فنان مسرحي فلسطيني متحدثاً
منذ العام 2014 وأنا أحاول استخدام الفن كأداة لتمثيل القضية الفلسطينية وتبديد الصورة المرسومة في ذهن المجتمع الأوروبي بأن الإسرائيلي هو صاحب الأرض وأنه يُحارب من مجاميع بشرية عنفوية، فخلال فترة حرب غزة الممتدة من السابع من أكتوبر أصبح الجهد مضاعف كون الشعب يتعرض لإبادة جماعية وتطهير عرقي حيث أصبح دورنا أكثر مسؤولية عما سبق, مما دفعنا أن ننتقل من خشبة المسرح إلى أرصفة الشارع لأداء مشاهدنا التمثيلية أمام عامة الناس وإيصال الصورة الصحيحة.
حيث قمنا بعرض مشهد تمثيلي تحت مسمى (أصوات من غزة ) والذي كان قائماً على جمع أصوات حقيقية من غزة لأبناء وأمهات وأطباء وجرحى كانت نتيجة العدوان الإسرائيلي وتجسيدها بمشاهد تمثيلية أمام الناس عامة.
وأضاف دياب: قمنا بعرض جديد خاص بالصحفيين يجسد فيه ما تواجهه الصحافة للقمع منذ نشأتها وخصصنا حيزاً من العرض أوضحنا فيه كيف أن الصحافي الفلسطيني في الضفة يتعرض للمضايقات والملاحقات على الرغم من عدم وجود فصائل مقاومة.
التقطت الصورة بواسطة: Kristine Haukeli
ثم أنتقلنا للحديث عن مشهد آخر خاصاً بصحفيين غزة والذين يعتبروا مقاومين بأسلحتهم الخاصة وهي الكاميرا والمايك فجسدنا أكثر من شخصية صحفية على سبيل المثال (وائل دحوح – الصحفية بيسان وغيرها) حيث لاقى هذا العرض استجابة عالية من الجماهير الحاشدة كما تحدثنا عن الصحفية شيرين أبو عاقلة وعن طريقة استشهادها وهي تقوم بنقل الحقيقة عن همجية الاحتلال وكم كان هذا الدور مؤثر في نشر الحقيقة وبنفس التوقيت مقلق للاحتلال.
وتابع دياب: إضافة للدور المسرحي استطعنا مع مجموعة من الشباب الفلسطيني والعربي في السويد أن نقوم بالتواصل مع الأحزاب اليسارية التي تدعم فلسطين لتنسيق مسيرات مؤيدة لغزة رغم المشاكل والتحديات التي واجهتنا من قبل السلطات السويدية في البداية باعتبار هذه المسيرات مرفوضة كونها تشكل ظاهرة احتفال بما جرى في السابع من أكتوبرمن وجهة نظرهم وليس تنديداً بجرائم الاحتلال والتي ما زال أثر المضايقات من قبل السلطة وارداً في كل عملية تنسيق وإن كان أحد هذه المضايقات هي الملاحقة الأمنية لبعض الشباب.
وختم الفنان الفلسطيني حديثه بالقول: استطعت بأدائي المسرحي أن أنقل معاناة الشعب الفلسطيني واحقيته في أرضه رغم بعدنا الجغرافي وارتباطنا القلبي في أرض لم نراها.
التقطت الصورة بواسطة: Kristine Haukeli
طارق الشهابي لاجئ من مخيم اليرموك
وهو لاجئ من مخيم اليرموك في ألمانيا استطاع مع مجموعة من الشباب اللاجئين الفلسطينيين توضيح القضية الفلسطينية أمام باقي التلاميذ في دورة اللغة، إضافة لحراكهم في رسم شعارات النصر ورفع الأعلام الفلسطينية في كل مسيرة مؤيدة لغزة مؤكدين بأن هنالك شعباً له حق في أرض مسلوبة.
عز أبو القاسم طالب في إيران
وهو الشاب الحامل للهم الفلسطيني طالب الماجستير في الهندسة المعلوماتية، وممثل اتحاد طلبة فلسطين في ايران، متحدثاً عن دور الطالب الفلسطيني في نطاق الجامعات على امتداد الساحة الإيرانية، والتي لم تنفك عن إجراء المعارض الفنية والتي تجسد همجية الاحتلال و قدرة المقاتل الفلسطيني على مقارعة دولة الاحتلال بفعل عبقريته وإبداعه المقاوم، حيث ذكر أنهم كانوا جزءاً مهماً في كل المعارض باعتبارهم صوت فلسطين في الجمهورية الإسلامية، إضافة لمشاركاتهم في المسيرات المؤيدة للمقاومة و الرافضة للإحتلال الإسرائيلي.
كما تابع قائلاً : شاركنا مع ممثلين عن حركات طلابية فلسطينية في جلسات توعية للطالب الإيراني باعتبارها فرصة لكي الوعي أمامهم وبالأخص في ظل ما تتعرض له الجمهورية الإسلامية من مضايقات غربية بسبب وقوفها إلى جانب مظلومية الشعب الفلسطيني.
المرحلة الفاصلة
في المراحل الإنسانية الفاصلة، كهذه التي يجتازها مجتمعنا وعالمنا ، ليست قوة الحديد والنار الغاشمة هي التي تنتصر في الجولة الأخيرة، الإنسان هو العنصر الأول و الأهم والمحرك والفاصل في هذا النوع من القضايا وإن كانت الأولوية للفلسطيني سواء في الداخل المحتل أو الشتات.
وإذا قرر الغرب أن يبقى جاهلا أو متجاهلا هذه الحقيقة فنحن لا نقدر أن نرغمه على المعرفة، يكفي أن نعلم نحن حقيقتنا و أحقية مطلبنا، وحقيقة عدونا وعدو الإنسانية لندمر منجزاته العدوانية كما دمرنا عشرات غيرها عبر التاريخ.
/انتهى/