قال الفيلسوف الروسي ومستشار بوتين وعقله، الكسندر دوغين أن الليبرالية أيديولوجية شيطانية، مضيفا أن الإبادة الجماعية في غزة مشروع صهيوني لإنشاء إسرائيل العظيمة.

وكالة مهر للأنباء - القسم الدولي - آذر مهدوان: التطورات العالمية تتقدم بسرعة ويبدو أن هذه التطورات علامة على تغير توازن القوى والابتعاد عن القيم الغربية والأمريكية. من جهة أخرى، فإن استمرار الحرب في أوكرانيا، وهجمات النظام الصهيوني على أراضي غزة، والتحديات العالقة في جنوب القوقاز، جعلت الأجواء الدولية قاتمة للغاية.

كان الرئيس الأميركي جو بايدن، قد تصور بعام 2021 علاقة مستقرة يمكن التنبؤ بها مع روسيا، ولكن مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثاني فإنه لا لم يعد يرى تلك الرؤية في العام الأخير من ولايته. والحقيقة أن روسيا دمرت تلك الرؤية منذ اليوم الأول للحرب وبدء العمليات على أراضي أوكرانيا (2022م).

من جهة أخرى، كانت التحاليل تشير إلى أن منطقة الشرق الأوسط ستمر بفترة خالية من الحروب والصراعات في عام 2023، لكننا الآن نشهد صراعا إقليميا مدمرا في المنطقة. كما أنه على الرغم من أن التوتر بين الولايات المتحدة والصين لم يتصاعد على ما يبدو، ولكن وفقا للمحللين، فإن المنافسة والتغير في التوازن العسكري يعكسان مزيجا خطيرا للغاية.

ومع هذه التفسيرات، هناك سؤال يطرح نفسه وهو أن النظام العالمي الجديد كيف ينشأ ؟ بمعنى آخر، هل يستطيع هذا النظام أن يحل التحديات الدولية؟

وفي هذا الصدد، أجرى القسم التركي لوكالة مهر للأنباء مقابلة تفصيلية مع "ألكسندر دوغين"، الفيلسوف الروسي البارز ومستشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. نحاول في هذا الحوار الوقوف على تطورات حرب غزة، وشروط روسيا لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع أوكرانيا، وسبل حل تحديات جنوب القوقاز:

السيد دوغين، بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، كتبت في مقال: يجب على الأوكرانيين أن يفهموا أننا ندعوهم إلى إنشاء قوة روسية جديدة وعظيمة، وكذلك البيلاروسيين والكازاخيين والأرمن والأذربيجانيين والجورجيين وكل أولئك الذين ليسوا معنا فقط، بل كانوا وما زالوا، وسيكونون معنا. ماذا يعني هذا؟ هل تسوقون روسيا فعلاً إلى حرب كبرى؟

أنا لا أفكر هكذا. أنا متأكد من أننا، المجموعات الثلاث من الشعب الروسي، أي شعب روسيا العظمى وروسيا الصغيرة (أوكرانيا) وروسيا البيضاء (بيلاروسيا) جميعنا نمثل أمة واحدة، كما أن شعوبًا أخرى من جنوب القوقاز وآسيا الوسطى متحدون من خلال الثقافة والحضارة والمصالح الجيوسياسية متحدة. المشكلة ليست في الموافقة أو المعارضة مع استقلال هذه الدول. لا يمكن أن يكونوا مستقلين حقًا. يمكنهم خلق مساحة جيوسياسية فريدة معنا، وإلا فسيتم استعمارهم من قبل الغرب. ولذلك، لا توجد إمكانية لاستقلالهم الحقيقي.

ما ينعكس في وسائل الإعلام العالمية حول الحرب في أوكرانيا هو أن روسيا تريد إنهاء عملياتها في أوكرانيا. تحت أي شروط ستوقع حكومة موسكو اتفاق وقف إطلاق النار مع أوكرانيا؟

الهدف من العمليات العسكرية الخاصة كان تصفية النازية وتجريد أوكرانيا من السلاح. لذا أكد بوتين مؤخرا أنه بدون تحقيق هذه الأهداف لا يمكننا بدء محادثات السلام. نحن على استعداد لبدء محادثات السلام، ولكن بشرط أن تتوقف النازية والعسكرة في أوكرانيا. ولكن من أجل ضمان تحقيق مثل هذه الأهداف، نحتاج إلى السيطرة على جميع مناطق أوكرانيا، وبدون ذلك لا يمكننا أن نكون متأكدين من أنه سيكون هناك تغيير سياسي في الجزء الرئيسي من نظام كييف، ولا يمكننا أن نكون متأكدين أن أوكرانيا ستركز على جهود إعادة بناء القوة العسكرية أم لا بعد محادثات السلام أو مرحلة ما بعد السلام.

نظرا لهذه التصريحات، فإن أوكرانيا وروسيا بعيدتان عن وقف إطلاق النار، ويجب قطع طريق طويل للتوصل إلى وقف إطلاق النار؟

نعم؛ من المؤكد أن أوكرانيا تعتمد على المساعدات الغربية، والأموال الغربية، والأسلحة الغربية، وإذا استمر الغرب في تقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا، فإن هذه (الحرب) قد تستمر لفترة طويلة.

يبدو أنه مع بداية الحرب في أوكرانيا، يتم استبدال النظام الحاكم في العالم بنظام آخر، وفي الواقع هناك نظام عالمي جديد يتم تشكيله. ما هو تحليلك؟

النظام العالمي الحالي أحادي القطب. وقد تم إنشاء هذا النظام بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وكان هناك نوع من الأحادية القطبية الغربية، وقد صمم العالم الغربي قوانينه الخاصة للبشرية جمعاء. إذن، كان هذا النظام أحادي القطب موجودًا لمدة 30 عامًا أو أكثر بقليل، وهو الآن في زوال. إن تقدم روسيا والصين والمقاومة الإسلامية، بما في ذلك في غرب آسيا؛ كل هذه الظواهر تظهر أننا الآن بصدد تغيير هذا النظام الأحادي القطب إلى نظام متعدد الأقطاب. ومن المهم أن نعلم أن هذا ليس عودة إلى القطبية الثنائية. إنها ليست ثنائية القطب بل متعددة الأقطاب. لأن الكتلة الغربية، روسيا والصين، تشكل حاليا ثلاثة أقطاب مستقلة. وهناك أيضًا بعض المناطق القوية مثل إيران وتركيا والعالم العربي وإندونيسيا وباكستان والهند وأفريقيا وأمريكا الجنوبية. وهذا هو التعددية القطبية الناشئة حديثا. هذا هو النظام العالمي الناشئ متعدد الأقطاب، والذي لا يعتمد فحسب على الدولة والشعب كما كان من قبل، بل يعتمد أيضًا على الحضارة الوطنية. هذا بالتحديد ما يحدث. هذا هو التغيير الذي نعيشه حاليا، وهو الانتقال من نظام أحادي القطب إلى نظام متعدد الأقطاب.

ما رأيك في منصة 3+3؟ هل تستطيع هذه المنصة حل التحديات في جنوب القوقاز؟

أعتقد أن الشرط الأساسي لحل المشكلة في جنوب القوقاز هو التخلي عن التطرف والغرب، لأن أي تدخل للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في هذه المنطقة يدمر أي إمكانية للتوصل إلى اتفاق وتفاهم متبادل. أعتقد أن مشكلة جنوب القوقاز يجب أن تحل من قبل الدول الموجودة في هذه المنطقة، أي روسيا وإيران وتركيا وجورجيا وأرمينيا وجمهورية أذربيجان، ومن دون الغرب. لذا فإن الشرط الأساسي لإيجاد طريقة لحل هذه المشكلة هو إيجاد حل معًا لأن هناك مصالح في جنوب القوقاز. هناك مصالح للقوى الإقليمية الثلاث الكبرى، وهي روسيا وإيران وتركيا، وفي الوقت نفسه هناك اتصالات بين كل من هذه القوى الإقليمية مع الدول الأصغر في منطقة جنوب القوقاز. على سبيل المثال، ينتمي الروس والجورجيون الأرثوذكس والأذريون والأتراك والمسلمون إلى مجموعات عرقية مماثلة.

وفي الوقت نفسه، يرتبط الشيعة المسلمون الأذربيجانيون تاريخياً بإيران. الأرمن أيضًا قريبون عرقيًا أو عنصريًا من الإيرانيين. ولكن هناك مسيحيون جورجيون وروس وهم فرع مختلف من المسيحية يسمى مونوفيزيت وهم ليسوا مسيحيين أرثوذكس مثلنا ومثل الجورجيين. إذن هناك تقاطع الدين والمجموعات العرقية والعلاقات التاريخية والمصالح الجيوسياسية. وعلينا أن نحل هذه المشكلة من خلال منصة 6 دول، أي 3 دول جنوب القوقاز و3 قوى إقليمية، دون تدخل أي طرف آخر. يجب أن نتخلى عن الغرب.

لقد وصفت فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 بأنه "انتصار لروسيا". هل مازلت تعتقد أن فوز ترامب في انتخابات 2024 سيكون انتصارا لروسيا ولماذا؟

ليست لديكم أي فكرة على الإطلاق عما أعنيه بانتصار دونالد ترامب باعتباره انتصارًا لروسيا. علينا أن نفهم أن السياسات الأميركية تسير في اتجاهين. الاتجاه الأول هو العولمة. إن هيمنة العولمة هي ميول الحزب الديمقراطي الذي يسعى إلى تطبيق الديمقراطية الليبرالية في جميع أنحاء العالم والتحول إلى قوة مهيمنة أكثر من قوة إقليمية، وتوجد وجهة نظر مماثلة تتقاسمها مجموعة المحافظين الجدد داخل الحزب الجمهوري. كان جورج بوش الابن يمثل هذه المجموعة من المحافظين الجدد، ويمثل باراك أوباما أو جو بايدن عولمة الحزب الديمقراطي. ولكن المحافظين الجدد والديمقراطيين الليبراليين في الحزب الديمقراطي يشتركون عموماً في وجهة نظر مماثلة بشأن النظام الأحادي القطب.

إنهم المشكلة الرئيسية التي تبدأ الحرب وتثير الصراع، ودعم هؤلاء المحافظون الجدد والديمقراطيون الليبراليون على وجه التحديد الثورات الملونة وبدأوا الحرب في أوكرانيا وفي الولايات المتحدة في الحزب الجمهوري هناك وجهة نظر بديلة للقواعد والألعاب الأميركية والنظام العالمي. ويمثل ترامب هؤلاء المحافظين القديمين، أو المحافظين التقليديين، وليس المحافظين الجدد، ويميل منطق هؤلاء إلى أن يكون أقل تدخليا. وهم يقترحون التركيز بشكل أكبر على المشاكل الداخلية، وشعار "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، ووقف الهجرة غير الشرعية، وإنقاذ بعض الثروات التقليدية للمجتمعات الأميركية الكلاسيكية.

يظهر ترامب تدخلا أقل بكثير في السياسة الأمريكية. ولهذا السبب لا يوجد فتور جدي في العلاقات بين أمريكا وروسيا خلال رئاسة ترامب. ووعد ترامب بوقف كافة المساعدات المالية والعسكرية لأوكرانيا. لذا، إذا لم تتلق أوكرانيا هذا الكم الهائل من المساعدات من أمريكا، فهذا يعني أن روسيا ستفوز بالحرب بسرعة. ووعد ترامب بوقفه. لذا، إذا أصبح ترامب رئيسًا، أعتقد أن النظام النازي في كييف سيسقط وسننتصر ونهزم أعدائنا.

لكن في الوقت نفسه، يجب أن نفهم أن ترامب مناهض للغاية للإسلام ومعادٍ لإيران، وإنه مؤيد لإسرائيل ومؤيد للصهيونية، وقد يكون هناك صراع ليس بين الغرب وروسيا، بل بين الولايات المتحدة أو إسرائيل مع قوى المقاومة، لكن يجب علينا أن نفهم، على سبيل المثال، أن العالم الإسلامي ليس في مواجهة مباشرة في الوقت الحالي، وأن روسيا تخوض حرباً ضد الغرب وأوكرانيا وحدها. وقد يأتي وقت يدخل فيه العالم الإسلامي حريا مع الغرب ومع ترامب. لذا، بالنسبة لنا، كما أعتقد، فإن انتخاب ترامب يشير إلى حل جيد. لكن هذا لا يعني أنه سيكون مثاليًا للجميع. إنه مناهض للصين وإيران بشدة. إن خط المواجهة الرئيسي بين الأحادية القطبية والمتعددة الأقطاب يمكن أن يتغير ويمكن أن يكون في منطقة أخرى من العالم، لذلك لا يمكننا أن نقول إن انتخاب ترامب هو الحل للجميع.

لقد وصفت الليبرالية بأنها خلاصة الشيطان. ماذا تقصد بهذه العبارة ولماذا أنت معادي لليبرالية بشكل علني؟

الليبرالية تقطع أي علاقة بالهوية الجماعية. إذن هذه هي الفردية المطلقة. الفردية التي تحاول تحرير الفرد من أي نوع من الهوية الجماعية. لذلك يتم وضع الشخص في المركز. بدأ تطور الليبرالية على وجه التحديد مع البروتستانتية وتدمير الهوية الجماعية الكاثوليكية، ثم نهاية إمبراطورية الدولة، الدولة التقليدية، ثم المجتمع المدني مقابل الدولة - الشعب، ثم الفردية مقابل الهوية الجنسية، وهي سياسة جنسية. وبينما انتصرت الأيديولوجيات في الغرب أو على المستوى العالمي، فقد كانت الخطوة الأخيرة هي تحرير الهوية الإنسانية الفردية لأن الهوية الإنسانية هي أيضا جماعية، وإذا نظرنا إلى هذه الأيديولوجية من منظور ديني مسيحي أو إسلامي، فإننا نرى أن هذا المشروع يهدف إلى سلب الهوية الإنسانية من البشرية وهو عملية شيطانية.

كيف ترى الإبادة الجماعية التي تحدث حاليا في غزة ؟ إلى متى يمكن لإسرائيل أن تستمر في هذه الحرب؟

بداية، أود أن أقول إنه من وجهة النظر الجيوسياسية، فإن الحرب في غزة هي جبهة أخرى بين القطب الواحد والمتعدد الأقطاب. في أوكرانيا، تدخل روسيا متعددة الأقطاب في حرب مع الغرب أحادي القطب، وقوتها بالوكالة، أي أوكرانيا، ليست دولة ذات سلطة، إنها فقط قوة وكيلة عن الغرب أحادي القطب، وإسرائيل هي قوة وكيلة أخرى للغرب أحادي القطب. لذا فإن هاتين الحالتين متشابهتان إلى حد كبير. فروسيا تحارب أوكرانيا الأحادية القطب، والسكان المسلمون والفلسطينيون من كافة الأديان هم ضحايا نفس العالم الغربي. إن قتل الفلسطينيين يؤدي إلى إبادة جماعية للسكان الفلسطينيين ونساءهم وأطفالهم على يد الإسرائيليين، ولذلك أعتقد أن الإسلام في هذا السياق هو قوة متعددة الأقطاب تحارب الهيمنة والإمبريالية الأمريكية، ولكن ما أراه حاليا في غزة والشرق الأوسط هو تعبئة السكان الشيعة في الشرق الأوسط.

إن محور المقاومة في الشرق الأوسط، باستثناء الفلسطينيين وحماس، هو بالأساس من الشيعة، وفي البلدان الأخرى، ينشط في الحرب ضد العولمة الحوثيون (أنصار الله) في اليمن، وحزب الله في لبنان، والحكومة العلوية الشيعية في سوريا، والشيعة في العراق، والآن نرى الشيعة يحتشدون ضد هيمنة الغرب وأحادية القطب. قد تكون إيران هي التالية، وبالتالي فإن الدول الشيعية هي جوهر المقاومة والقوى في الشرق الأوسط، لكنني أعتقد أنه ذات مرة سينضم فيها السكان المسلمون السنة إلى القتال والحرب ضد الهيمنة. على سبيل المثال، وعدت مصر بأنها سوف تدخل القتال ضد إسرائيل في حال قصف رفح. والآن تم قصف رفح في جنوب غزة، ومن المنطقي بعد ذلك أن تدخل مصر في الحرب. كما وعدت الجزائر بالانضمام إلى الحرب.

أعتقد أننا الآن ننظر إلى حرب كبيرة في الشرق الأوسط بين الهيمنة الأمريكية والحضارة الإسلامية، ولا نستطيع أن نقول ماذا سيحدث بعد ذلك، لكن الصهاينة يبحثون فعلا عن تدمير وتفجير المسجد الأقصى، و ميلي، الرئيس الصهيوني للأرجنتين، قال مؤخراً علناً إن الصهاينة يريدون تفجير المسجد الأقصى والبدء في بناء الهيكل الثالث، وهذا مشروع صهيوني ومشروع مروع لإنشاء إسرائيل الكبرى.

انتهى/