وأفادت وكالة مهر للأنباء، جاء ذلك في رسالة وجهها التجمع العلمائي اللبناني، وتابعتها "إرنا"، بمناسبة "يوم القدس العالمي" 1445هـ ق، إلى "الأمة الإسلامية وأحرار العالم عامة والشعب الفلسطيني خاصة، تلاها رئيس الهيئة الإدارية بالتجمع "الشيخ حسان عبد الله"، وهذا نصها :
وانه يكتسب إحياء يوم القدس هذا العام بُعداً آخر وطعماً مختلفاً، ذلك أن الإحياءَ لا يقتصرُ على الخروجِ إلى الساحاتِ بتظاهراتٍ للتعبيرِ عن التضامنِ مع القضيةِ الفلسطينيةِ، أو بعقدِ ندواتٍ سياسيةٍ أو محاضراتٍ فكريةٍ تتناولُ القضيةَ الفلسطينيةَ من جوانِبها كافّة، بل إنها اليومَ تُحيى من خلالِ الجهادِ والقتالِ على الجبهات، لكي يكونَ يومُ القدسِ هذه السنةَ انتقالاً من مرحلةِ التحضيرِ للمعركةِ الكبرى إلى مرحلةِ الانخراطِ فيها.
وهناك مسألةٌ أخرى لا تقلُّ أهميةً عن الأولى، هي أننا استطعنا أن نحوّلَ موضوعَ محورِ المقاومةِ من مجردِ فكرةٍ إلى واقعٍ عمليٍّ يتجسدُ من خلالِ الاشتباكِ الذي تنخرطُ فيه كلُّ أطرافِ المقاومة، بدءاً من الجمهوريةِ الإسلاميةِ الإيرانيةِ، مروراً باليمنِ السعيدِ والعراقِ الشريفِ وسوريا العروبةِ ولبنانِ المقاومةِ والتحرير، وصولاً إلى غزةَ العزّةِ والضفةِ جبلِ النارِ وساحةِ الجهاد، في الوقتِ الذي حاولَ فيه الاستكبارُ العالميُّ بقيادةِ الشيطانِ الأكبرِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ، بالتعاونِ مع الغربِ الحاقدِ على الإسلامِ والمسلمين، دَعْمَ الاحتلالِ الصهيونيِّ لفلسطينَ بالتواطؤِ مع أغلبِ حكامِ العالمِ العربيِّ، وذلكَ من خلالِ إجهاضِ القضيةِ الفلسطينيةِ وتحويلِها من قضيةِ الأمةِ الإسلاميةِ إلى قضيةِ العربِ، ومن ثمّ إلى قضيةِ الفلسطينيينَ، ومن ثمّ تحويلِها إلى قضيةِ الضّفةِ والقطاع، أعادَ طوفانُ الأقصى لهذهِ القضيةِ عمقَها الإنسانيَّ لا بإرجاعِها إلى قضيةِ الأمةِ الإسلاميةِ فحسب، بل بتحويلِها إلى قضيةِ الأحرارِ والشرفاءِ في العالمِ، وما نراه من مسيراتٍ في كلِّ دولِ العالمِ خصوصاً العالمَ المستكبرَ في الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ وبريطانيا وفرنسا هو تأكيدٌ على أن هذه القضيةِ هي بحقٍّ قضيةُ صراعٍ بين الحقِّ والباطلِ وبينَ الخيرِ والشرّ.
إنَ الذي حصلَ في ملحمةِ طوفانِ الأقصى هوَ إنجازٌ تاريخيٌ لنْ يقفَ تأثيرهُ عندَ الأيامِ القليلةِ للملحمةِ أوْ أشهرِ الصمودِ الأسطوريِ لغزة، بلْ سيتعداهُ ليتحول إلى محطةٍ تاريخيةٍ هيَ نقطةُ البدايةِ لزوالِ الكيانِ الصهيونيِ، ونحنُ نعتبرُ أنَ النصرَ على العدوِ الصهيونيِ قدْ تحققَ بمجردِ إنجازِ هذهِ الملحمةِ التاريخيةِ، وكلَ ما يفعلهُ العدوّ الصهيونيُ منْ محاولةٍ لإعادةِ الاعتبارِ لمعنوياتهِ منْ خلالِ الجرائمِ الكبرى التي يقومُ بها والمجازرِ وتدميرِ المستشفياتِ وتدميرِ دورِ العبادةِ لنْ يفيدهُ بلْ سيزيدُ منْ عمقِ انخراطهِ في الهزيمةِ وسيساهمُ هوَ نفسهُ في زوالِ كيانهِ الغاصبِ، مصداقا لقولهِ سبحانهُ وتعالى: «بسم الله الرحمن الرحيم» ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾.
ما أشبهَ اليومَ بالأمسِ، نفسُ الذي كانَ عليهِ اليهودُ أيامَ وجودهمْ في المدينةِ المنورةَ، وتآمرُهمْ على الإسلامِ وعلى رسولِ اللهِ (ص)، وتواطؤهمْ معَ العربِ الكفارِ منْ قريشِ، معتمدينَ أنَ حصونهمْ ستمنعهمْ منْ المسلمينَ، فإذا بهمْ يخرجونَ من الجزيرةِ العربيةِ وتدمّرُ حصونُهمْ وتصبحُ خراباً بأيديهمْ منْ خلالِ سوءِ اختيارهمْ وبأيدي المؤمنينَ منْ خلالِ الجهادِ، وهذهِ الأيامُ بنوا الجدرانَ حولَ مستوطناتهمْ ظناً منهمْ أنها ستمنعُهمْ منْ المؤمنينَ، ولكنَّ هذهِ الحصونَ انهارتْ في السابعِ منْ تشرينِ الأولِ، واليومَ الصراعُ في الجبهةِ الداخليةِ يتصاعدُ وقدْ يصلُ إلى حربٍ أهليةٍ، فيكونُ الخرابُ الثالثُ كما هوَ الوعدُ الذي يعرفونهُ همْ منْ خلالِ مروياتهمْ بأيديهمْ منْ خلالِ الخلافاتِ المتصاعدةِ بينهمْ وبينَ الحريديمْ وغيرهمْ، وبأيدي المؤمنينَ، منْ خلالِ الجهادِ الذي لنْ يقفَ حتى التحريرِ الكاملِ لفلسطين.
إننا على قناعةٍ تامةٍ أنَ النصرَ الناجزَ سيكونُ حتمياً سواءٌ في هذهِ المرحلةِ بتصاعدِ الحربِ في المعركةِ الكبرى أوْ منْ خلالِ مراحلَ لاحقةٍ تؤسسُ على هذهِ المعركةِ، والأمرُ يحتاجُ إلى صبرٍ، فما النصرُ إلا صبرُ ساعةٍ، ونحنُ المؤمنونَ باللهِ الصائمونَ نعرفُ ما هوَ الصبرُ ونتقنهُ، وأريدُ أنْ أغتنمَ هذهِ الفرصةَ كيْ أوجّهَ لحكّامِ الدولِ العربيةِ الذينَ ما زالوا في نهجِ التطبيعِ الخيانيِ مع العدوِ الصهيونيِ، عليكمْ أنْ تغتنموا الفرصةَ وتعودوا إلى خيارِ الشعبِ، وهذهِ نصيحةٌ واقعيةٌ وليستْ تهديداَ واهياَ ستدخلُ الشعوبُ إلى قصوركمْ وتُنزلُ حكمَ اللهِ فيكمْ، إنَ استمريتمْ على هذا التآمرِ على القضيةِ الفلسطينيةِ، فاغتنموا الفرصةَ وأعلنوا انسحابكمْ منْ الاتفاقياتِ الخيانيةِ وادخلوا إلى المنازلةِ الكبرى التي ستؤدّي إلى زوالِ الكيانِ الصهيونيِوقدْ يتوبُ اللهُ عليكمْ وإلا فسوءُ مصيرٍ في الدنيا والآخرةِ، ما كنتمْ تتذرعونَ بهِ سابقاً منْ أنكمْ ضعاف وأنّ الجيشَ الصهيونيَّ جيشٌ أسطوريٌ، أثبتتِ المقاومةُ ومحورُها في السابعِ منْ تشرين الأولِ وفي كلِ الانتصاراتِ التي حصلتْ سابقاً، وكذلكَ ما حصلَ بعد السابعِ منْ تشرين الأولِ، أنَ هذا كلهُ وهمٌ ودعايةٌ كاذبةٌ روّجتْ لها وسائلُ الاستكبارِ العالميِ، فلا تقعوا في الندمِ كما ندِمَ أجدادُكمْ الذينَ تَخَاذَلوا عنْ نصرةِ النبيِ صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَ عندما قالوا كما وردَ في القرآنِ الكريمِ: ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾.
وأغتنمُ الفرصةَ أيضاً لأتوجهَ إلى السلطةِ الفلسطينيةِ، المطلوبُ منكم هو أن تنصروا أهلَكُم في غزة، لا أن تبتدعوا من الحيلِ السياسيةِ التي لن تفيدَ إلا أعداءَ الأمةِ والقضيةِ الفلسطينيةِ، عودي أيتها السلطةُ إلى خيارِ الشعب، انخرطي في المقاومةِ ومزّقي هذه الاتفاقياتِ مع العدوِّ الصهيونيِّ التي مزّقَها هو منذُ اللحظةِ الأولى لتوقيعها، ادعموا المقاومةَ ولتحلَّ السلطةُ نفسها، ولتنخرطَ في حربٍ مباشرةٍ مع العدوِّ الصهيونيِّ، ولتكن على قناعةٍ أن النصرَ سيكونُ حليفَها، وسيكتبُ أسماءكم بأحرفٍ من نورٍ بدلاً من الذهاب إلى مزابل التاريخ.
في يوم القدس العالمي نعلن نحن في تجمع العلماء المسلمين ما يلي:
أولاً: يجبُ على الأمةِ أن تكونَ متنبهةً إلى إمكانياتِ عملِ الأعداءِ على تفكيكِ جبهتِنا الداخليةِ من خلالِ بثِّ الفتنةِ بكلِّ أنواعِها بين أبناءِ الأمةِ، وذلك من خلالِ تمتينِ أواصرِ الوحدةِ بين أبناءِ الأمةِ، خصوصاً الوحدةِ الإسلاميةِ، والتنبُّه لما يَحيكُه الأعداء.
ثانياً: نعتبرُ أن الإحياءَ العمليَّ ليومِ القدسِ هو بالانخراطِ في المقاومةِ ومحورِها، وهذا لا يقتصرُ على الانخراطِ الجهاديِّ في محاورِ القتالِ، بل يتعدّاهُ إلى كلِّ وسائلِ التعبيرِ من خلالِ التظاهراتِ والندواتِ والمحاضراتِ في أيِّ مكانٍ على الكرةِ الأرضيةِ.
ثالثاً: في الوقتِ الذي ندينُ فيه اغتيالَ قادةِ الحرسِ الثوريِّ الإسلاميِّ في إيران في القنصليةِ الإيرانيةِ بدمشق، نعتبرُ ذلك جزءاً من المعركة، وهو لن يُثنينا ولن يُثني الجمهوريةَ الإسلاميةَ الإيرانيةَ ولا محورَ المقاومةِ عن الاستمرارِ في الجهادِ حتى التحريرِ الكامل لفلسطين.
رابعاً: لأهلنا الأبطالِ في غزةَ والضفةِ لا نملكُ ما نعبّرُ لكم به عن تضامُنِنا معكم ووقوفِنا إلى جانِبِكم، فهذه فلسطينُ والقدسُ مهرُها غالٍ، وكلما كانتِ القضيةُ عظيمةً وكبيرةً كان الثمنُ باهظاً، وأنتم تحمّلْتُموه، ونحن ندعو لكم بالثباتِ ونُعِدُّ العُدّةَ للاشتراكِ معكم بالمعركةِ الفاصلةِ التي بدأتموها أنتم، وسنلتقي قريباً على أسوارِ القدسِ محرّرينَ إن شاء الله تعالى.
خامساً: لأهلِنا في لبنانَ نقولُ إن اشتراكَنا في المعركةِ واجبٌ شرعيٌّ ووطنيٌّ وقوميٌّ، وهو من أجلِ لبنانَ كما هو لأجلِ فلسطين، لأن العدوَّ الصهيونيَّ إذا ما قُيِّضَ لهُ النصرُ علينا في غزّة، سيعودُ لتحقيقِ أطماعِهِ في أرضِنا ومياهِنا ونفطِنا في لبنان، لذا أخذتِ المقاومةُ على عاتِقِها أن تنخرطَ في هذهِ المعركةِ حفاظاً على لبنان، فلا تدعموا العدوَّ بإثارةِ البلبلةِ حول هذا الانخراط، فإن لم تريدوا الالتحاقَ فعلى الأقلِ اصمتوا.
أخيراً نتوجه إلى المولى عزَّ وجلَّ بالدعاءِ بأن يتغمّدَ روحَ إمامِنا العظيمِ الإمامِ الخمينيِّ (قده) الذي دعا لإحياءِ يومِ القدسِ واعتبرَهُ يومَ إحياءِ الإسلام، وما ننعمُ به من نصرٍ اليومَ هو نتاجُ هذه الثورةِ المباركِة التي قادها وأعلنَ منذُ اليومِ الأولِ أن اليومَ إيران وغداً فلسطين، وقد جاءَ الغدُ الذي ننتظره، وإنهُ لجهادٌ نصرٌ أو استشهادٌ والحمد لله رب العالمين.
/انتهى/