من الواضح أن اليمنيين اكتسبوا خبرة من أحداث الأشهر الأخيرة والصراع المباشر مع الولايات المتحدة والتحالف الغربي وتوصلوا إلى استنتاج مفاده أنهم بحاجة إلى تطوير شبكة واسعة من الأنفاق تحت الأرض لزيادة بقاء واستمرارية أنظمتهم الدفاعية في ساحة المعركة وخاصة الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز.

وأفادت وكالة مهر للأنباء، إن أرض اليمن والمقاومة الأسطورية لشعبها منذ عام 2015، رغم الهجمات الشديدة والحصار الرهيب واللاإنساني للتحالف المناهض لليمن، شهدت فترة مليئة بالعجائب في تاريخ هذه المنطقة من العالم. بعد عملية طوفان الأقصى، كانت حركة أنصار الله والقوات المسلحة اليمنية هما اللتان شنتا، سلسلة من الهجمات الصاروخية و عبر الطائرات بدون طيار دعماً لشعب غزة المضطهد، وألحقتا ضربات قاصمة بالبنية العسكرية والاقتصادية للصهيونية.

ونشرت وكالة الأنباء الايرانية "ارنا"، تقريرا خاصا حول القدرات الصاروخية اليمنية، جاء فيه: يُشار إلى أنه منذ بداية الهجمات اليمنية دعماً لأهالي غزة لقطع الشريان الاقتصادي للكيان الصهيوني، انخفض عدد السفن الواصلة إلى ميناء إيلات في جنوب الأراضي المحتلة كما انخفض عدد السفن المغادرة للميناء ، باعتباره أحد الشرايين الاقتصادية الرئيسية للصهاينة، بنسبة 85%، كما فقد حوالي نصف الموظفين والعاملين في هذا الميناء وظائفهم.

و قد أظهر اليمنيون مبادرات عديدة خلال عدة سنوات من الحرب ضد التحالف السعودي والآن منذ عدة أشهر ضد التحالف الغربي والعبري وكانت نتائجها واضحة المعالم ميدانياً. من الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة الدقيقة على منشآت أرامكو النفطية التي صدمت العالم وإسقاط عدد كبير من الطائرات المسيرة الأمريكية والعربية ، إلی أول استخدام عملي للصواريخ الباليستية المضادة للسفن في العالم وإغراق عدة سفن.

وفي الاستراتيجية العسكرية، لجأت أنصار الله والقوات المسلحة اليمنية، مثل معظم دول محور المقاومة، إلى استخدام مزيج من قوات المشاة المسلحة وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية، فضلاً عن الطائرات المسيرة. لكن ما يرتكز عليه هذا التقرير والذي تم اكتشافه مؤخراً باستخدام صور الأقمار الصناعية، هو استخدام اليمن لنموذج آخر مما قام به محور المقاومة وهو استخدام الأنفاق تحت الأرض.

اليمن وقصة الأنفاق

الملاجئ تحت الأرض لأغراض عسكرية مختلفة ليست غريبة على اتليمنيين و في اليمن بمناطقها الجبلية ،لكن صور الأقمار الصناعية الأخيرة تظهر أن اليمنيين، على غرار محور المقاومة والجمهورية الإسلامية الإيرانية، طوروا شبكة أنفاقهم تحت الأرض رغم كل المشاكل والتحديات التي يواجهونها.

تعتبر الأنفاق تحت الأرض، خاصة تحت الغطاء الجبلي، مساحة جيدة للاختباء وزيادة مستوى البقاء على قيد الحياة في ساحة المعركة. خلال سنوات حكم "علي عبد الله صالح" لليمن من 1978 إلى 2012، تم إنشاء عدد من المنشآت تحت الأرض، خاصة في الجبال المحيطة بمدينة صنعاء، عاصمة اليمن واستخدم بعضها لتخزين المعدات العسكرية و تم استخدام بعضها لإيواء المسؤولين الحكوميين في ظروف خاصة.

تم بناء منشأتين رئيسيتين تحت الأرض خلال هذه الفترة، أحدهما في محافظة صعدة شمال هذا البلد، بالقرب من حدود المملكة العربية السعودية، والمنشأة الأخرى تحت الأرض تقع في منطقة تسمى الحفة في محافظة صنعاء وبالقرب من عاصمة هذا البلد.

الصورة تتعلق بالمنشآت الموجودة تحت الأرض في محافظة صعدة بداية شتاء العام الماضي شمال اليمن

الصورة بتاريخ 1 يناير/كانون الثاني 2018، ومداخل قاعدة الحفة تحت الأرض بمحافظة صنعاء التي تم استهدافها

ومع هجوم التحالف السعودي على اليمن منذ بداية عام 2015، تم استهداف مداخل هذه الأنفاق بشكل سريع. في بداية العمل اتجه اليمنيون إلى الجبال والأنفاق الطبيعية للجبال أي الكهوف بسبب إلمامهم التام بجغرافيا أرضهم. وكان استخدام اليمنيين الصحيح للمعالم الجبلية، وخاصة الكهوف، ناجحا للغاية في تنفيذ هجمات ناجحة ضد نقاط التجمع والخنادق للتحالف السعودي وفي كثير من الأحيان أنقذ حياة القوات اليمنية أمام النيران السعودية المتبادلة.

و بدأ اليمنيون في صمت تام خلال هذه السنوات، سواء خلال الحرب مع السعوديين أو بعد وقف إطلاق النار وعلى غرار محور المقاومة والجمهورية الإسلامية الإيرانية،بدأوا في تطوير هذه الملاجئ و بنوا الأنفاق تحت الأرض في الأراضي الخاضعة لسيطرتهم.

ماذا تقول صور الأقمار الصناعية؟

وتظهر صور الأقمار الصناعية في عدة فترات زمنية أن اليمنيين لم يقوموا فقط بإصلاح الأنفاق القديمة وتحديثها وتشغيلها وإعادة استخدامها، بل بدأوا أيضًا في بناء أنفاق تحت الأرض. وتظهر صور الأقمار الصناعية من يناير من هذا العام أن اليمنيين أعادوا تنشيط المنشآت تحت الأرض في محافظة صعدة شمال اليمن وأضافوا طريقًا آخر على الجانب الآخر من القاعدة.

ويؤدي الطريق القديم الذي يتجه يميناً من مداخل هذه القاعدة في النهاية إلى مدينة صعدة -عاصمة المحافظة- ولكن تم إنشاء طرق جديدة على الجانب الآخر لزيادة مستوى الوصول إلى هذه القاعدة تحت الأرض. تم إنشاء ثلاثة مداخل جديدة في هذه المنشأة وبالنظر إلى كبر حجم المداخل من جهة وكمية التراب التي تمت إزالتها منها، فمن الواضح أن هناك مساحة كبيرة في هذه الأنفاق للمركبات العسكرية ربما حاملات الصواريخ.

الصورة لصيف 2023 وأحد مداخل المنشآت تحت الأرض في محافظة صعدة شمالي اليمن

صورة لمداخل قاعدة الحفة تحت الأرض بمحافظة صنعاء ربيع 2022

وتظهر صورة متاحة لمداخل منشأة الحافة تحت الأرض في محافظة صنعاء منذ بداية العام 2018، تعرض مدخلين على الأقل للمنشآت للقصف وأصبحا شبه غير صالحين للاستخدام، لكن في الصورة المنشورة في ربيع 2022، يمكننا أن نرى أن هذه المداخل قد تم تجديدها وأعيد فتح المداخل وأصبحت جاهزة للاستخدام. وتظهر إزالة كمية كبيرة من التربة وحطام البناء من المنشآت السابقة من داخل هذا الموقع أن اليمنيين قاموا بزيادة مساحة هذا الموقع تحت الأرض، واليوم لديهم قاعدة تحت الأرض أكبر بكثير في هذا القسم.

مدينة الصواريخ اليمنية في جبل عطان

وكانت قاعدة الصواريخ اليمنية في معسكر جبل عطان العسكري بمحافظة صعدة هي الموقع الرئيسي لأسطول صواريخ سكود الباليستية التابع للجيش اليمني قبل بدء الصراع في عام 2015. وبحسب صور الأقمار الصناعية الجديدة بتاريخ 1 مارس 2024 فقد أضاف اليمنيون مدخلاً جديداً تحت الجبل في هذه القاعدة، كما أن إخلاء كمية كبيرة من التربة وإخلاءها بجانب المسار المؤدي إلى مدخل النفق واضح في الصورة. وفي هذا الموقع بذل اليمنيون جهدا كبيرا لزيادة المساحة من أجل الحفاظ على عدد كبير من صواريخهم وطائراتهم المسيرة.

الصورة من الأول من مارس هذا العام في قاعدة جبل عطان الصاروخية بمحافظة صعدة

القوة الصاروخية الناشئة في المنطقة على غرار إيران

وفي السنوات الأخيرة وخاصة بعد عام 2015، اتجهت القوات المسلحة اليمنية بشكل واضح نحو التطوير الكمي والنوعي لأسلحتها، خاصة في مجال الصواريخ واليوم لديهم إنجازات كبيرة في مجال الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار اليمن قوة ناشئة في مجال الصواريخ في غرب آسيا. ومن ناحية أخرى، توصل اليمنيون إلى استنتاج مفاده أنهم بحاجة إلى تطوير شبكة أنفاقهم تحت الأرض من أجل زيادة قدرة أنظمتهم الهجومية والدفاعية على البقاء.

وما بدأه اليمنيون اليوم يبشر بإنشاء شبكة واسعة من الأنفاق وربما في مدن المستقبل وصوامع الصواريخ وهي قضية تتزايد أعدادها، مما يجعل من الصعب جداً على أي عدو التعرف عليها والتعامل معها. ومن الواضح أن اليمنيين يتابعون تجارب الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد انتهاء فترة الحرب المفروضة و من البداية بالإضافة إلى تطوير قوة الصواريخ والطائرات المسيرة، بدأت أيضًا مناقشة تطوير الملاجئ تحت الأرض، ومراكز إطلاق الصواريخ تحت الأرض ومدن الطائرات المسيرة والصواريخ تحت الأرض واليوم تم تحقيقه.

وقد أدركت القوات المسلحة اليمنية وأنصار الله جيداً أنه مع استتباب نوع من الاستقرار و الهدوء النسبي في البحر الأحمر من جهة ووقف إطلاق النار المستمر مع السعودية من جهة أخرى،أدركت أن ظروف المنطقة متغيرة ومعقدة ولهذا السبب فإن هذه الظروف يمكن أن تختفي بسرعة وتسود ظروف الحرب مرة أخرى في حدود اليمن ولهذا السبب فإن الوضع الحالي يعتبر أفضل وقت ممكن لتطوير القدرات الدفاعية والعسكرية لبلادهم.

/انتهى/