وكالة مهر للأنباء_ وردة سعد: بعد مرور ثمانية أشهر من الإجرام الصهيوني تجاه المدنيين العُزَّل في فلسطين المحتلة وجنوب لبنان، وفي ظل دعم أمريكي واضح لهذا العدو، ودعم عسكري بأسلحة فتاكه محرمه دوليا و اقتصادي وامني ولوجستي، يبدو انه لا أفق لوقوف هذه الحرب. فأميركا والعدو الصهيوني يضربان بعرض الحائط كل المواثيق والمعاهدات الدولية القانونية الانسانية فقط لاشباع رغبتهما الهمجية السادية بسفك دماء الاطفال والنساء الابرياء، ولكن مهما كان تكلفة الامر من ثمن باهظ في الارواح الا ان النصر هو حليف محور المقاومة مهما عمل العدو ومن ورائه من غرب استكباري على نشر الأكاذيب والبطولات الوهمية، وهذا النصر تجلى واضحا في خطاب سماحة السيد حسن نصر الله الأخير.
حول هذا الموضوع وغيره، أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء، الأستاذة وردة سعد، حوارا صحفيا مع مدير المركز الدولي للإعلام والدراسات في بيروت، الأستاذ "رفيق نصر الله"، وجاء نص الحوار على النحو التالي:
سماحة السيد نصرالله تحدث في ذكرى استشهاد القائد السيد مصطفى بدر الدين، الذي قضى اخر سنوات جهاده في سوريا واعتبر ان هذه التضحيات اثمرت بقاء هذا البلد دولة منيعة وفي قلب محور المقاومة. فهل هذه النتيجة تستحق كل التضحيات التي بذلت من اجلها؟ وهل كان الهدف تغيير موقع سوريا في خريطة الصراع في المنطقة ؟
من غير شك كان الهدف الرئيسي للمؤامرة هو ضرب سوريا، ضرب خطها الوطني والقومي وبالتالي الوصول الى ضرب القضية الفلسطينية خاصة وان سوريا كانت الركن الاساس في مواجهة كل المخططات لإنهاء القضية الفلسطينية، وبالتالي كانت هذه المؤامرة متعددة الاطراف والوسائل التي يمكن اعتبارها مؤامرة كونية، من هنا كان موقف المقاومة وموقف الممانعة من اجل الحفاظ على وحدة سوريا، على الدور القومي والوطني لسوريا، كان لا بد من تقديم التضحيات الكبيرة من اجل ذلك وهو ما تحقق فعلا.
لم يكن مستغربا ان يستحوذ الوضع في غزة على القسم الاكبر من خطاب سيد المقاومة، وكان لافتا ان السيد الامين العام قدم صورة معبرة عن انتصارات حققتها عملية طوفان الاقصى حتى الان.. ما أهمية هذه الانتصارات على صعيد القضية الفلسطينية؟ وكيف يمكن البناء عليها لإنجاز عملية التحرير واستعادة الحقوق الفلسطينية ؟
سماحة السيد رسم صورة بيانية هامة لمسار ما جرى منذ السابع من اكتوبر حتى الان من خلال ما سمي بحرب غزة، معتبرا ان ما قامت به المقاومة الفلسطينية في غزة وضع حدا للتآمر على إنهاء القضية الفلسطينية ووضع حدا لمسار التطبيع، وبالتالي كرس معادلة جديدة على ان الشعب الفلسطيني يحافظ على مقاومته وعلى هويته من اجل استمرار عملية المواجهة مع الاحتلال، وهو ما يحصل الان في الميدان.
سعى سماحة السيد الى تبيان حقيقة ما يجري على المستوى العسكري، عندما تقف المقاومة على مدى ثمانية اشهر وبدعم من القوى المساندة امام" إسرائيل" وامام القوى الداعمة، فإن هذا يشكل انتصارا حقيقيا للمقاومة والمرحلة القادمة ستعزز هذه القناعة.
سماحة السيد نصرالله يوصف بأنه استاذ الحرب النفسية في هذه المرحلة.. وهو يملك كاريزما تؤثر في اعدائه قبل بيئته ومناصريه.. ما الذي اراده من التركيز على ان الصهاينة انفسهم لا يتحدثون عن انتصار بل عن مستوى الهزيمة؟ وما تعليقك على انتقاده اللاذع لوزير دفاع الاحتلال؟
ربما في كلمة السيد ما يعطي دلالات على انه يقرأ جيدا المجتمع الاسرائيلي، ومراكز القوة في" إسرائيل" وما يجري هناك وكيف يمكن ان يؤثر على الرأي العام الاسرائيلي، كان سماحة السيد صادقا وواعيا لكل هذه الحقائق في المجتمع الاسرائيلي وبالتالي عندما تحدث عن هذا الامر، تحدث من خلال موقعه كإنسان قارىء لكيف يفكر الاسرائيلي سواء على المستوى العسكري او على المستوى السياسي، وهو من غير شك يلعب لعبة اعلامية ذكية وقادر على ان يؤثر، ليس مستغربا ان يتحدث "الاسرائيليون" عن مخاطر ما تتضمنه كلمات السيد في مناسبات عديدة على الرأي العام "الاسرائيلي".
حرب الثمانية اشهر في غزة حتى الان عرَّت كيان الاحتلال واسقطت كل مزاعمه بالديمقراطية والتحضر وصولا الى المظلومية والرغبة بالسلام.. هذا ما أكده سماحة السيد نصرالله في خطابه.. فكيف يبدو الكيان اليوم برأيك؟ وما اثر ذلك على مستقبله وازمته الوجودية التي يجري الحديث عنها؟
من غير شك خطاب سماحة السيد حمل اشارات ملؤها الثقة بالانتصار لكنه ترك ذلك الى ما سيؤول عليه واقع الميدان وما ستنتهي اليه المعركة، ولكن في النهاية حدد عناوين رئيسية لنتائج هذه المعركة، لا يمكن ان تُضرب المقاومة في فلسطين ولا ايضا المقاومة على مستوى المنطقة، لان هذا الصراع مفتوح والنصر سيكون فيه لخط الممانعة، والهزيمة واضحة "للاسرائيلي" الذي يعاني ما يعانيه في هذه المرحلة نتيجة المعركة وما يواجهه في الميدان الان.
نعيش هذه الايام في اجواء ذكرى احتلال فلسطين واعلان دولة الكيان الغاصب.. والتاريخ سجل لنا ان هذه الذكرى تعيد صور المجازر الارهابية لعصابات جابوتنسكي وبيغن وسواهما.. بينما نحن اليوم نشهد حرب إبادة حقيقية على يد تلاميذهما من الصهاينة.. فماذا يعني ذلك بالنسبة لهذا الكيان؟ وهل يمكن لمجازر اليوم ان تحقق انجازات المؤسسين الإرهابية؟
نحن امام "اسرائيل" غير "اسرائيل"، امام "إسرائيل" التي انهار جيشها الذي كان يسمى بجيش الدفاع الذي لا يقهر، قامت "إسرائيل "واستجلبت المستوطنين منذ عام 1948 على قاعدة انها هي الدولة المتفوقة في المنطقة، التي تمتلك جيشا قادرا على ان يضرب في كل اتجاه، يضرب في العراق وفي تونس واوغندا وان يفعل ما يريد وان يحتل دول، ارادوا الإيحاء بأن هذه الجيش هو الذي يحمي كيان الاحتلال وكينونة "إسرائيل"، بعد السابع من تشرين وما واجهه هذا الجيش بات المستوطن الاسرائيلي يخشى على وجوده، هو يفر من منطقة الشمال ويفر من غلاف غزة، ويفر باتجاه مطار بن غوريون بعد قناعته بأن القاعدة التي نشأ على اساسها الجيش "الإسرائيلي" قد انهارت ولم تعد "إسرائيل" المتفوقة بل ظهرت بأنها تحتاج الى حماية وإلى من يقف الى جانبها وهذا ما فعله الأميركيون فورا والاوربيون ايضا، وبدت "إسرائيل" غير قادرة على البقاء اذا ما تخلى عنها الغرب، فلم تعد "إسرائيل" هي "إسرائيل" ، وسوف يكون هناك ارتدادات كبيرة بمعركة السابع من تشرين بعد ان تتوقف هذه الحرب على اكثر من صعيد سياسي ومجتمعي واقتصادي وهوياتي ايضا.
الهدف من انشاء كيان الاحتلال كما تقول الوثائق التاريخية بالنسبة للدول الاستعمارية التي دعمت هذه الجريمة، كان ابقاء منطقة غرب آسيا منطقة مضطربة لا تنعم بالاستقرار الضروري للتنمية والنهضة.. فهل نجح كيان الاحتلال في هذه المهمة؟ وهل يعزز ذلك فكرة ازالة الكيان لضمان الامن والاستقرار للمنطقة برمتها؟
طبيعي اذا ما عدنا الى خلفية انشاء الكيان وايضا خلفية النظرة الاستعمارية للمنطقة والتي صبت في اتجاه هذا الكيان والتي اتت من اجل تمزيق الوطن العربي والسيطرة على ثرواته، وابقاء هذه المنطقة بؤرة التخلف وغير ذلك، يتضح من كل هذا الهدف الذي انشأت فيه "إسرائيل "والتي استفادت من هذه الرؤية الغربية للمنطقة، واستفادت ايضا من الانقسامات والتشظي في الوطن العربي فنشأت وحاولت ان توحي انها هي التي تشكل واحة للديموقراطية في هذه المنطقة، لكن يمكن القول انه منذ مؤتمر بال عام 1898 حتى الان، ورغم انشاء الكيان ورغم ما قامت به "إسرائيل "فإنها لم ترتاح يوما، ولا تزال تواجه المقاومات في هذه المنطقة وارادة التحرر، هذا ما يدل الان على اهمية معركة غزة التي أكدت ان الصراع سيظل مفتوحا وان جيشا قويا بكل هذه المقدرات وبكل هذا الدعم والسند الذي امنه الغرب "لإسرائيل" لم تستطع القضاء على مقاومة في مساحة لا تزيد عن 360 كم، وهذا ما يعزز الرؤية في المستقبل على ان "إسرائيل" ستواجه مصيرا محتوما بأنه لا مناص من ان ينال الشعب الفلسطيني حقه في اقامة دولته على ارضه.