وكالة مهر للأنباء_ هيام وهبة: هي ذكرى النكبة الأليمة ..ذكرى أحتلال فلسطين ..فلسطين هذا الجرح العربي المفتوح منذ أكثر من سبعة عقود.
عقود طويلة موجعة من الحزن والدموع واللجوء والمنافي والمجازر المروِّعة التي اختُرِقَت فيها كل الأعراف والقوانين الدينية والأخلاقية والإنسانية وهذه القضيّة تائهة في أروقةِ مجلس الأمن ودهاليز الهيئات الدولية دون ان تجد من ينصِفها ..كل هذا الزمن الطويل وما زال الجرح ينُزٌ دماً وألماً وقهراً وانتظاراً لعقابٍ لم يحدث ولحقٍِّ لم يعُدْ ولعدالة ٍ مفقودة في العصر الأمريكي المتوحِّش.
هذا العام تأتي هذه الذكرى مختلفة، تأتي بنكهة ِ العزّة والكرامة، وبطعم ِ الشهادة وبرائحة ِ النصر الوشيك وببركة ِ الوعد الإلهي بزوال هذا الكيان اللقيط.
تجيء هذه الذكرى معمّدة بالدم ِ الطاهر لأهلِ غزّة. غزّة هاشم التي وطأت الموت بالموت ِ فوهبت الحياة لفلسطين وجعلتها أيقونة لكل أحرار العالم.
هذه الدماء أثمرت ثمارها في إثبات حقِّها في مقاومة المُحتّل وفي تصحيح صورة القضية الفلسطينية ، وفي تغيير الرواية الصهيونيّة المزيّفة لتحٌل ّ مكانها الرواية الحقيقية عن مظلوميّة الشعب الفلسطيني صاحب الحق في الأرض وقضيّتُهُ العادلة.
تعود ذِكرى النكبة على وقع ِ أصوات المتظاهرين في كل العالم وفي جامعات أميركا وأوروبا وهم يهتفون لفلسطين التي تصدّرت المشهد العالمي، .هتافات مُنَدِّدة بجرائم ِ الكيان السفّاح قاتل الأطفال، عدو الحياة، وأصبحت رايات فلسطين مرفرِفة في فضاءات أميركا وأوروبا والعالم كله وصوَر تاج العرب السيد نصرالله والقائد يحيى السنوار مرفوعة بأيدي الطلبة الأحرار في كل جامعات العالم. هي بركة أرواح الشهداء وبطولات أهل غزّة وصمودهم الأسطوري أمام هذا الجنون الصهيوني وهذه الإبادة التي لم يشهد مثلها التاريخ، غزّة أدهشت العالم بإيمانها العميق وثباتِها في أرضِها، فهي المكان الوحيد على الأرض الذي كل ما فيه يُقاوِم حتى الطفل يُقاوِم كل قِوى الطغيان والإستكبار في العالم التي تدعم الكيان الغاصِب وتحقُنه بالأوكسجين كي يبقى على قيد الحياة وقيد الجغرافيا، وليزداد إجرامه وسفكه لدماء الأبرياء، الطفل في غزّة يولد وهو مدرك لقدَرِهِ بأنه مشروع شهيد يسحقون عظامه ويقاوم، يعجنون لحمه ودمه برمالِ غزّة ويقاوِم، يستشهد وهو يحلم بالتحرير، فغزّة تستحِّق الشهادة ، وفلسطين جديرة بالحب وبالموت من أجلِها.
استحضار اغتصاب فلسطين هذا العام يتزامن مع طوفان الأقصى المبارك الذي امتدّت إشعاعاته فأضاءت العالم وأيقظت ضمائر كل الشعوب التي كانت مُضلّلَة بسرديّة مزيّفة بناها الصهاينة على أساطير كاذبة ولا تستند إلى حقائق التاريخ، بشهادة كِبار مفكِّري الغرب الذين حوربوا لقَولِهم الحقيقة واتٌهِموا بمعاداة الساميّة.
تعود هذه الذكرى اليوم وغزّة تُقاتل باللحم الحي وتحت حِصار ظالم ساهمت فيه كل قِوى الشر بما فيها أنظمة التطبيع العربيّة المتخاذلة التي تبدّدت أحلامها بالسلام مع العدو بعد طوفان الأقصى وسقوط مشروع الشرق الأوسط الجديد تحت أقدام المقاومة، والعدو الآن عاجز عن حِماية كيانه من الصواريخ المتساقطة عليه من كل جبهات الإسناد وهو لم يستعد وعيَهُ بعد من هول الضربة الإيرانية المباركة، هذا الكيان الهزيل يحاول لملمة هزيمته ومعالجة إخفاقه في تحقيق أي هدف من أهداف هذه الحرب، وهو يحاول ترميم صورة الردع المهشّمة بيد المجاهدين، هو في مأزق صعب فهذه الحرب تسببت بالكثير من الانقسامات الداخلية والأزمات الاقتصادية والاجتماعية ورغم كل الدعم الأميركي له ومحاولة إنعاشه إلّا أن خسارته حتميّة وزواله قريب، وكلما أدرك هذه الحقيقة أزدادت دمويّتهُ وأمعن في قتل المدنيين.
في ذكرى اغتصاب فلسطين نُعلن أن صُنّاع النكبة لم يتمكّنوا من كسر إرادة الشعب الفلسطيني وطمس هويّتهُ، لم يتمكّنوا من تحويل الوهم إلى واقع وعجزوا طوال عدّة عقود من القهر والظلم والتزييف عن تغييب قضيّة فلسطين وركنِها للنسيان، ورهانهم على نظريّة سيء الذكر "بن غوريون" بأن الكبار يموتون والصغار ينسون أثبتت فشلها، فالكبار قبل موتِهم سلّموا للصِغار مفاتيح بيوتهم وحكاية فلسطين الحزينة ويقين العودة.
هم لم ينجحوا في إلغاء الذاكرة الجمعية لشعبٍ لن يغفر ولم ينس، وهم إيضاً لم يتمكّنوا من إقصاء الحقيقة عن الوعي العالمي فشعوب الأرض التي استفاقت على الخديعة التاريخية التي آمنوا بها لزمن ٍ طويل قد أدركت مدى قُبْح هذا الكيان المُجرِم، ونفاق أميركا وديموقراطيتها فكانت انتفاضة الوعي في أميركا وأوروبا، انتفاضة الضمير الإنساني والقيَم الأخلاقية والحق والعدالة.
في الذِكرى السادسة والسبعين للنكبة ، تعود بنا الذاكرة إلى بداية المأساة المستمِّرة حتى اليوم، وعد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، ومنذ ذلك التاريخ البعيد والثورات والانتفاضات لم تتوقف في الأرض المحتلّة رفضاً لهذا الوعد الظالم، وعد من لا يملُك لمن لا يستحِّق.
منذ ذلك الزمن والشعب الفلسطيني يُقاوِم كل محاولات التهويد للأرض والإنسان ، ويتحدّى ويتمرّد على الجلّاد، يُذبَح ويُشرّد ويُباد في مجازر دموية يَندى لها جبين الإنسانيّة، مذابح ممتدّة منذ النكبة وحتى اليوم ، فمن مذبحة بلدة الشيخ إلى مجزرة دير ياسين ومجزرة قرية أبو شوشة والطنطورة ثم مجزرة قبيّة وقلقيلية وكفر قاسم وخان يونس وتل الزعتر ،وصولاً إلى المجزرة التي توّجت حقارة وقذارة المجتمع الدولي الشاهد الصامت عن الجريمة المُرعِبة ، مجزرة صبرا وشاتيلا وبعدها مجازر عديدة في المسجد الأقصى وفي الحرَم الإبراهيمي وفي مخيّم جنين ، تاريخ الصهاينة حافل بالإجرام والإبادات العرقية والتي لم تتصدّى لها الهيئات الدولية بقرارات ٍ حاسمة ، رادِعة ، كانوا وما زالوا ينصرون القاتل على الضحيّة ، والباطل على الحق ...وحتى اليوم ورغم فظاعة ما يحدث تحت سماء غزّة وأمام ( الهولوكست ) الحقيقي للقتل الوحشي المستمِّر..
إن عام 1948 ليس رقماً، بل هو حكاية شعب، قِصص حزينة، تهجير ومنافي ودموع ودماء، وسلسلة بلا نهاية من الشهداء..
هي حكاية شعب يرفُض أن يموت أو يذوب في المنافي شعب يرَبِّي الأمل بالعودة من زمنٍ طويل ويقينه أن فلسطين على أهُبّة الفجر وقاب قوسين أو أدنى من النصر وأنّ كل الغُزاة سيرحلون وستبقى فلسطين
فلك السلام يا فلسطين ولأرواح الشهداء على طريقك ولك السلام يا غزّة، يا عروس فلسطين، لقد انتصر دمك على السيف.
/ انتهى/