قال الباحث في الشأن السياسي والناطق الرسمي للمجلس الأعلى الإسلامي العراقي الدكتور "علي فاضل الدفاعي": "استطيع ان اقول ان شخصية الشهيد عبد اللهيان كانت على درجة عالية من الوضوح والشجاعة في المواقف، فلا يشعر بضعف ولا تردد امام المواقف المناوئة، والمخالفين سواء في داخل ايران او خارجها".

وكالة مهر للأنباء_ وردة سعد: بعد استشهاد الفريق القائد الكبير الحاج قاسم سليماني، قال وزير الخارجية الإيراني الدكتور حسين أمير عبد اللهيان، في لقاء مع وفد أوروبي، انه ينبغي عليهم تقديم الشكر للجمهورية الإسلامية الإيرانية وللحاج قاسم سليماني لما قدمه القائد الشهيد للعالم من إسهامات في السلام والأمن.

اليوم أكثر من 65 دولة تشارك في تشييع الشهيد الدكتور حسين أمير عبداللهيان، ويشهد الرؤساء والوزراء والأمراء والنواب، كلهم على مدى عظمة الشهيد الدكتور عبد اللهيان كوزير للخارجية، ومدى جهده وسعيه لتماسك المنطقة من خلال مهاراته الدبلوماسية القيمة.

وهذه الحشود التي جاءت للتعزية تدلل على ازدهار إيران سياسياً ودبلوماسياً رغم الجهود المبذولة من قبل محور الشر لكي تبقى معزولة عن العالم، وذلك بفضل حكمة القيادة الإيرانية وجهود الشهيد الدكتور حسين أمير عبداللهيان.

وحول شخصية وانجازات الوزير الشهيد الدكتور حسين امير عبد اللهيان، أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء، الأستاذة وردة سعد، حواراً صحفياً مع، الباحث في الشأن السياسي والناطق الرسمي للمجلس الأعلى الإسلامي العراقي الدكتور "علي فاضل الدفاعي"، وجاء نص الحوار على النحو التالي:

بداية نعزي أنفسنا ونعزيكم ونعزي جمهور المقاومة أجمع باستشهاد الرئيس الإيراني ووزير الخارجية ومن كان معهم، كيف تلقيتم النبأ، وكيف كانت اصداؤه بين الاوساط الحكومية والسياسية وحتى الشعبية في العراق، سيما اننا لاحظنا الوفود العراقية التي تقاطرت الى ايران للمشاركة بالتشييع، وحتى الوفود الشعبية امام السفارة الإيرانية في العراق، الى اي حد هذا يعكس الترابط بين الدولتين والشعبين العراقي والإيراني ؟

لقد تابعنا أنباء حادثة سقوط الطائرة التي كانت تقل فخامة الرئيس الايراني السيد ابراهيم رئيسي ووزير الخارجية السيد حسين امير عبد اللهيان ومرافقيهم بقلق بالغ، كما تابعنا بالتزامن مع هذه الانباء على مواقع التواصل الاجتماعي دعوات العراقيين للابتهال الى الله تبارك وتعالى والدعاء لهم بالنجاة والعودة سالمين، فكان هذا بداية اظهار التعاطف والتفاعل من أبناء الشعب العراقي.
وبعد ورود أنباء وصور لحطام الطائرة والعثور على جثامين الشهداء الابرار صرنا في صدمة كبيرة وكان يوماً حزيناً جداً، ظهر وكأنه مصاب شخصي لكل فرد منّا، فكان العراقيون يتبادلون التعازي بينهم والمواساة في مجالسهم وجامعاتهم واماكن عملهم.

اعلنت الحكومة العراقية على الفور اليوم التالي للفاجعة يوم حداد رسمي في جميع العراق، وبدأت الوفود الشعبية والجهات السياسية والمراكز الثقافية والنشاطات المجتمعية المتنوعة من مختلف المكونات العراقية تتقاطر على مبنى السفارة الايرانية في بغداد، وكذلك الى مقار القنصليات المتواجدة في النجف الاشرف وكربلاء المقدسة والبصرة.

كما شاركت في يوم التشييع الرسمي بطهران وفود عراقية كبيرة وبمستويات رسمية مرموقة؛ كان على رأسها السيد رئيس مجلس الوزراء المهندس محمد شياع السوداني ورئيس المحكمة الاتحادية السيد محمد جاسم العميري وعدد من الوزراء والمحافظين، اضافة الى رئيس مجلس النواب السيد محسن المندلاوي وعدد من نواب البرلمان ورؤساء الكتل والاحزاب، وكذلك من اقليم كردستان العراق رئيسا الاقليم والحكومة، فضلا عن شخصيات اخرى وجماعات من العراقيين المقيمين في الجمهورية الاسلامية. كل ذلك بيّن مدى العلاقة المتينة بين العراق وايران، والترابط العميق بين الشعبين المبني على اسس انسانية ودينية تاريخية.

وكان لتأبين المرجعية الدينية العليا متمثلة بآية الله العظمى السيد السيستاني حفظه الله اثراً كبيراً زاد وعمّق التفاعل والتأثر لدى ابناء الشعب العراقي حيث أظهر البيان الذي اصدره مكتب سماحته مستوى الحزن والاسف البالغين لدى المرجع الاعلى، مقدّماً عزاءه بما وصفه بالــ(الفاجعة الاليمة) لــ(الامة الشريفة الايرانية). وفي ذلك مؤشرات واضحة وجليلة من التقدير والتأثر.

كان للعراق حصة هامة في جولات وتنقلات الوزير الشهيد حسين امير عبد اللهيان وحتى قبل توليه منصب وزارة الخارجية فهل سبق و اجتمعتم معه، وكيف تنظرون اليه على المستوى الشخصي، الدبلوماسي السياسي؟

ترأستُ في عام 2019 مجموعة من شباب المجلس الاعلى الاسلامي العراقي لزيارة مجلس الشورى في الجمهورية الاسلامية الايرانية، التقينا خلالها بالسيد امير حسين عبد اللهيان وكان حينها مساعد رئيس المجلس للشؤون الدولية، ناقشنا خلالها شؤون المنطقة وتحدياتها، والعلاقة المتينة بين العراق وايران والروابط الراسخة بين الشعبين.

استطيع ان اقول ان شخصية الشهيد عبد اللهيان كانت على درجة عالية من الوضوح والشجاعة في المواقف، فكان على ثقة كبيرة بما يتبناه من منهج الثورة الاسلامية ويشعر بقوة الجمهورية الاسلامية لينطلق من ذلك في تمثيلها؛ فلا يشعر بضعف ولا تردد امام المواقف المناوئة والمخالفين سواء في داخل ايران او خارجها.

كما كان يتمتع الى جنب شخصيته القوية الواثقة بتواضع كبير وأدب اسلامي واضح على سلوكه رغم مناصبه التي تسلمها فكان سريع الدخول الى قلوب الذين يتعامل معهم. وقد فتحت معرفته باللغة العربية آفاقاً جيدة في المنطقة ساعدت على نجاحه فيها وبناء علاقات شخصية مع مسؤولين رسميين من مختلف الدول العربية. كما ان الوضوح الذي يتحلى به وكونه يُعرّف نفسه بأنه رجل مقاومة وداعم لحركات التحرر ونصرة المستضعفين جعله يفرض احترامه ومحبته حتى على المخالفين.
مثّل الوزير الشهيد عبد اللهيان وجهة نظر خاصة في سياسة ايران الدولية، تقوم على ان قوة المنطقة والاقليم وايران يجب ان تكون مترابطة وفاعلة ومميزة، فعندها تكون قوتهم معاً أقوى من ان تكون ايران منفردة او المنطقة منقسمة على نفسها امام الهيمنة الغربية والتدخلات الامريكية. وكانت هذه النظرة بالعكس تماما ممن يرى انه لا حل لايران او المنطقة الا بالرجوع الى امريكا وتقديم التنازلات لحل المشاكل معها.

كان رضوان الله تعالى عليه يقدّر أهمية العراق ودوره في المنطقة، وتربطه علاقات حميمة مع العراقيين حكومةً واحزاباً ومجتمعا، إذ كان يتعامل مع العراق كحليف وليس مجرد دولة جارة، ولولا فقدانه المُفجع لكانت تنتظر البلدين آفاقاً كبيرة للعمل والتعاون والتنسيق في كثير من المواقف التي تعود بالنفع والفائدة للشعبين العراقي والايراني ولعموم المنطقة.

الكثير لقب الشهيد حسين امير عبد اللهيان بالذي ( لايعرف التعب) وبأنه الوجه الناعم لقوة إيران الصلبة؛ اشارة الى فعالياته الكثير وجولاته وسعيه الدؤوب اقليميا وعالميا، كيف استطاع ان يرسم خارطة ديبلوماسية جديدة خلال فترة توليه الوزارة واي انجازات قدمها لصالح إيران ولصالح دول محور المقاومة؟

من ميّزات الشهيد حسين امير عبد اللهيان تدرجه الوظيفي والمهني في مواقع متعددة اكسبته مهارة وكفاءة وفطنة في عمله السياسي والدبلوماسي، فلم يكن مجرد اكاديمي يحمل النظريات دون ممارسة تطبيقية ومواجهة عملية للمواقف والتحديات. فبالاضافة الى دراسته وشهادته العليا في العلاقات الدولية فقد ابتدأ ميدانياً في الشأن الخارجي ودعم القوى التحررية، فعمل مساعداً خاصاً لوزير الخارجية في الشؤون العراقية ثم سفيراً في البحرين، بعدها مساعداً خاصاً لرئيس مجلس الشورى للشؤون الدولية، ليكون بعدها عميد الديبلوماسية الايرانية وزيراً للخارجية. فكان نتيجة كل ذلك مسكه لملفات مهمة مثل ادارة مفاوضات اعادة احياء الاتفاق النووي، واعادة العلاقات الايرانية السعودية بعد قطيعة استمرت سبع سنوات، وبناء اتفاقيات ستراتيجية مع روسيا والصين، فضلا عن دوره المحوري في دعم القضية الفلسطينية حتى عُد بحق الناطق الرسمي في المحافل الدولية باسم القضية الفلسطينية.
ذهب الى الشرق ودعا الى محور التعددية بتوطيد العلاقات وابرام الاتفاقيات مع الصين وروسيا ودول المنطقة لتجاوز المشاكل المعقدة بتنسيق ايجابي، فأعطى بذلك محورية جديدة لايران مما أنجح هذا التوجه الرامي الى اظهار الندية من موقع القوة والاقتدار للجمهورية الاسلامية في اية مفاوضات او حوار، مقابل من يرى ان الحلول تكون فقط بالتنازلات امام ما يسمى بالدول العظمى.

لقد كان الشهيد السيد ابراهيم رئيسي خياراً يمثل رؤية السيد القائد الخامنئي حفظه الله في ادراة الحكم وإظهار وجه ايران القوي والثوري والحكيم، وكان الشهيد حسين امير عبد اللهيان هو الوسيلة لتطبيق تلك الرؤية في المحافل الدولية والمفاوضات مع دول العالم شرقاً وغربا. فنجح في ذلك من خلال ما امتاز به من وضوح وشجاعة وعمل دؤوب.

السيد عبد اللهيان اتخذ مواقف حساسة وحازمة بمايتعلق بالمقاومة وكان المدافع الرئيس عنها وصوت فلسطين وغزة في كل المحافل الإقليمية وعلى كل المنابر الدولية، حتى انه لقب بوزير محور المقاومة، اذا أردنا ان نقدم صورة بانورامية لما قدمه لدول محور المقاومة على اي مشهد نقع؟

في الوقت الذي كان يُراد للقضية الفلسطينية ان تُنسى خصوصاً في المنطقة العربية بعد الاتفاقيات المذلة التي وقعتها بعض دول الخليج والمنطقة مع الكيان الصهيوني بتدبير وضغط امريكي مما كان سيجعل فلسطين مجرد قصة تاريخية، كان للجمهورية الاسلامية مواقفها المستمرة في حمل اسم فلسطين وتبنّي قضيتها كأولوية من ثوابت الثورة الاسلامية والنظام الاسلامي في ايران. وعلى الرغم من هيمنة القوى الغربية الداعمة للكيان المؤقت على مجلس الامن وقراراته فقد كان صوت الشهيد وزير الخارجية الايرانية قوياً في الدفاع عن مظلومية الشعب الفلسطيني وداعياً الى موقف انساني دولي مما يجري من ابادة جماعية في غزة تقوم بها آلة القتل الهمجية للكيان الاسرائيلي في ظل صمت وتجاهل لا يمكن السكوت عنهما.

ولعل من أبرز المواقف التي قام بها الشهيد وزير الخارجية هي تلك الجولات الدولية التي شملت عواصم كلا من العراق ولبنان وسورية وقطر، وتصريحاته الواضحة التي كشف فيها عن ان جبهات جديدة ستفتح ضد الاحتلال الاسرائيلي في ضوء التطورات الخطيرة في قطاع غزة بعد عملية طوفان الاقصى لما قامت به قوات الاحتلال الصهيوني من جرائم ابادة بحق المدنيين والاطفال والنساء منهم خاصة، وتدمير شامل للبنية التحتية وقصف المستشفيات وهدم البيوت وقتل الصحفيين والقيام بأوسع عملية تهجير للفلسطينيين من منازلهم في محاولة لتفريغ القطاع تماما من اهله.

كان هذا الدور البارز والفريد والشجاع والعادل للجمهورية الاسلامية على يد وزير خارجيتها الشهيد عبد اللهيان لا نظير له فقد اثار بذلك اضافة الى حضوره الفاعل والمؤثر في المحافل الدولية موجة من الردود المضادة لجرائم الاحتلال والتي لم يكن ليتحرك الماء الراكد لولا الحركة الدؤوبة والشخصية الشجاعة والمهارة العالية للشهيد عبد اللهيان مما جعل الكثيرين يلقبونه بوزير محور المقاومة.

شخصية بمثل هذا الوزن السياسي والدبلوماسي، مع سمات قلّ اجتماعها في هذا الميدان الحساس من الوضوح والشجاعة والكفاءة لا يمكن ان نحيط بها، وتبقى كلمة الفصل التي تعبر عن الحقيقة هي ان فقدانه خسارة لا تعوّض وهي لا تخص ايران لوحدها، بل هي خسارة تشمل القضية الفلسطينية في المقام الاول ومعها احرار العالم اجمع.

/انتهى/

سمات