أكدت الأستاذة والمترجمة في الجامعة اللبنانية، الدكتورة "دلال عباس العاملية"، أن الإمام الخميني (ره)، "أنجز ثورةً أهمّ نتائجها غير المباشرة أنّها خلخلت بِنية النّظام العالميّ الاستكباريّ، وأحيت قضيّةَ فلسطين، واستولدتْ وغذّت ودعمت مقاوماتٍ أوشكت أنْ تمحو الكيان المحتلّ من الوجود".

وكالة مهر للأنباء_ وردة سعد: لقد استطاع الإمام روح الله الموسوي الخميني (قده) أن ينشئ حركة فكرية ثقافية سياسية ديبلوماسية عسكرية رائدة في طرحها ونضالها ومقاومتها وجهادها، تتصدى من خلالها لكل اشكال العدوان والظلم والحصار والقمع والعنف الممارس على الشعوب المستضعفة، سيما القضية الاولى التي كانت تشغله دائما وهي القضية الفلسطينية، متحديا بذلك اعتى قوى العالم واخبثها كالإداراة الاميركية الخبيثة وربيبتها دولة الاحتلال الصهيوني،

حول حركة الامام الخميني (قده) أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء، الأستاذة وردة سعد، حواراً صحفياً مع الأستاذة والمترجمة في الجامعة اللبنانية، الدكتورة "دلال عباس العاملية"، وجاء نص الحوار على النحو التالي:

تمر على الامة هذه الايام ذكرى وفاة الامام السيد روح الله الخميني رضوان الله تعالى عليه.. بينما تعيش شعوب المنطقة مرحلة عصيبة على ضوء حرب الابادة في غزة.. ماذا لو كان الامام حاضرا اليوم ؟ وما هي الرؤية الاستراتيجية التي وضعها الامام الراحل لهذا الصراع؟

رحم الله الإمام الخميني العظيم، وحشره مع النبيّ وآله الأطهار، لم يكن قائد انقلابٍ أو ثورةٍ غيّرت نظام حكم في بلده، واستبدلت به نظامًا آخر يؤول للانهيار بعد وفاةِ صاحبه، لقد أمضى قٌدّسَ سِرّه عقودًا وهو يخطّط لنظام حكمٍ لا مثيل له على الأرض؛ وأنجز ثورةً أهمّ نتائجها غير المباشرة أنّها خلخلت بِنية النّظام العالميّ الاستكباريّ، وأحيت قضيّةَ فلسطين، واستولدتْ وغذّت ودعمت مقاوماتٍ أوشكت أنْ تمحو الكيان المحتلّ من الوجود، بعد أن انقسمتِ المعمورة إلى قسمين: فلسطين ومن معها من أحرار العالم من ناحية، ودولة الاحتلال ومن معها من المستكبرين والمستعمرين وخَدَمِهم وأذنابهم من ناحيةٍ أخرى…
أربعون عامًا والجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة تحمل قضيّة فلسطين وتدعمها قولاً وفعلاً، والأمور كلّها باتت واضحةً ومعلنةً بعد أن انقسم العربُ والمسلمون علانيةً إلى فريقين: فريقٌ داعمٌ للقضيّة الفلسطينيّة (إيران ومحور المقاومة والمؤيّدون من أحرار العالم)، وفريقٌ مؤيّدٌ للصهاينة من دون حَرَجٍ أو تعميَة…
يعرف كلّ من زار إيران قبل الثورة الاسلاميّة المباركة وأتيح له أن يتعرّف ولو جزئيًّا معالمَ الحياة الثقافية والفكرية فيها، ممثَّلةً بالإعلام الرسمي المرئي والمسموع والكتب والصحف، خطورةَ ذلك المد العنصري المعادي للعرب وللّغة العربيّة، الذي كان أصحابُه يطمحون إلى إلغاء أربعة عشر قرنًا من عمر إيران المسلمة، وإحياء أمجاد الدولة الساسانية، والمحاولات الجادّة التي كان يقوم بها بعض العنصريين لإلغاء الخط العربي، وإحلال الحرف اللاتيني مكانه. أو ربّما شاهد البعض تلك الأفلام التعليميّة التي كانت تعرض على شاشات التلفاز، فيظهر فيها العربيّ بدويًّا متخلّفًا، غزا إيران بالقوة وسلبها مجدها وعزّها؛[ وهذا ما فصّلته في كتابي: أيّامٌ مئات في إيران قبل الثْورة]...
معرفة ما كان يجري تجعلنا نقدّر ونفهم صعوبة التحدي الذي كان يواجهه الإمام الخميني من داخل إيران، قولاً وفعلاً من القضيّة الفلسطينيّة والقضايا العربيّة منذ أوائل الستينيّات، ودفاعه عنها، في الوقت الذي كان فيه شاه إيران داعمًا للصهاينة قولاً وفعلاً.. وهذا ما لا يعرفه ربّما الكثيرون من إخواننا العرب أو يتجاهلونه… هذا الأمر عاينته بنفسي قبل الثورة بعامين، ووجدت في ما بعد تفاصيله في مذكرات رفسنجاني رحمه الله عن مرحلة النضال، وذلك هو ما حفّزني لأن أترجمه بالعربيّة في أواخر التسعينات ليتعرّف القارئ العربيّ المرحلةَ التي سبقت انتصار الثورة الإسلاميّة المباركة.
قبل أن تتعرف جماهير الشعب في إيران شخصيّة الإمام الخميني (قدس) وتعلنه قائدًا لها ومرشدًا وإمامًا، كان الخمينيُّ في قمّ معلمًا في حوزتها، يتنافس الطلبة على الإستماع إلى دروسه، ويحلمون باليوم الذي سيصبحون فيه في عداد تلامذته...
لقد استطاع الإمام أن يربيّ جيلاً من طلبة حوزة قمّ الشباب أوّلا وحوزة النجف ثانيًا بعد نفيه من إيران، حملوا على عاتقهم مهمّة النضال، في الطريق الذي رسمه المرشد… كان من بين مريديه مجموعةٌ من رجال الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة المرموقين داخل إيران حين كان يدرّس في حوزة قمّ، وتشبّعوا بأفكاره وتطلعاته، ومواقفه المعلنة وغير المعلنة، وعملوا على نشرها في مختلف مناطق إيران، وفي البلاد التي سافروا إليها، ولم تبقَ محبوسة داخل جدران الحوزة؛ وكان له مريدون آخرون كثر من مختلف الجنسيّات ،من الذين تتلمذوا على يديه في حوزة النجف، أو سمعوا أو قرؤوا تسجيلات خطبه وأحاديثه وهو في المنفى لا سيّما في النّجف، وكذلك خطب تلاميذه وأحاديثهم داخل إيران وخارجها…
فمنذ أن بدأ الإمام مهمة التدريس في حوزة قم، وقبل أن ينخرط في النضال السياسي المباشر، ابتداءً من العام 1963، كان حريصًا على التركيز في دروسه على أربع قضايا أساسيّة:
ـــ مواجهة الفكر الديني المتحجّر وإخراج الدين من القمقم الذي حُبس فيه قرونًا متماديَة، وانتقاد علماء الدين والفقهاء الذين يختصرون الدين بممارسة الفرائض والشعائر الدينيّة منفصلةً عن القضايا الوطنية والاجتماعيّة. كان يقول لتلاميذه دائمًا، لا تكونوا كالآخرين (يعني علماء الدين والفقهاء التقليديين) وتقولوا: "لا شأن لنا بما يجري"، و "نحن لا دخل لنا بالسياسة".
ــــ إظهار حقيقة التشيّع فكرًا إسلاميًّا ثوريًّا وحدويًّا، وعلى هذا الأساس بنى الإمام مشروعه في استعادة الهويّة لبناء شخصيّة إسلاميّة مكلّفة تكليفًا شرعيًّا بالنضال.
ــــ مواجهة التيار القوميّ الفارسيّ العنصريّ، الذي كان يدعو إلى إحياء أمجاد إيران القديمة قبل الإسلام، ويقود حملةً شعواء على العرب وعلى الدين الذي أدخلوه إلى إيران، وقد أُدخلت هذه الأفكار في المناهج التعليمية، لتربية الأجيال المتعاقبة من المتعلمين على كره الغزاة العرب، وتاليًا على كره الإسلام ونبذه، وفهم هذه الأمور من شأنه أن يوضّح مواقف هؤلاء المعادية للثورة الإسلاميّة بذرائع مختلِفة ومختَلَقَة.
ـــ مواجهة التغريب والغزو الثقافي الغربي الذي يعادل في نظره الاحتلال العسكري لأراضٍ إسلاميّة، ولن يتمكن المسلمون من التصدي لذلك إلا بالتمسّك بتعاليم الإسلام والاجتهادات التي تعزّز دور الإسلام الجهاديّ.[ وها نحن اليوم نشهد التوحّش الذي يمثلّه الغرب مجسّدًا بما يمارسه الصهاينة؛ وما زلنا نسمع ونرى في بلداننا متيّمين بحضارةِ المستعمرين]…
كان آيةُ الله الخميني يعطي الأولوية في تعريف الأمة والوطنية والقومية، إلى النظام الفكري والسلوكي والاجتماعي للقرون الأربعة عشر الإسلاميّة، ويعلن العداء للاستعمار الغربيّ بكلّ أشكاله، وعلى رأسه أميركا وصنيعتها إسرائيل، ويزرع الإمام في نفوس تلاميذه منذ البداية العداء لإسرائيل، وضرورة دعم القضية الفلسطينيّة بكلّ أبعادها، في الوقت الذي كان الشاه وأعوانه يرون إلى إنكلترا أولاً ثم إلى أميركا وإسرائيل حلفاء وأقرباء وأصدقاء، ويُعلن الحكمُ تأييده لإسرائيل ولحقّها في الوجود، وعداءه الصريح والمعلن للعرب، وتكون إيران الشاه ثاني دولة إسلاميَة بعد تركيا تلغي اسم فلسطين من كتبها المدرسية.

اليوم الجميع يتحدثون عن محور المقاومة الذي يقود الصراع مع الامبريالية والصهيونية العالمية.. كيف اسس الامام الخميني رضوان الله عليه لقيام هذه الجبهة ولماذا وضع الصراع مع الاستكبار العالمي والغدة السرطانية في مقدمة اولويات النظام الاسلامي في ايران ؟

لقد كان الإمام يصبو منذ البداية إلى حركة تدفّعُ مصير الأمّة الإسلاميّة كلّها، ولهذا السبب كان يولي أهميّة بالغة لأسلمة المقاومة، ولم يشأ أن تظل محصورة في الحيّز القومي أو الوطني الضيّق، معارضًا هذا الخط منذ البداية وحتى النهاية، وكان يرى أن الدراسة الحوزوية قاصرة، ولا يمكنها التصدي لكل ما كان يجري في الساحة الإيرانية، اجتماعيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا، لذلك شجّع طلبة الحوزة على مطالعة مواد غير مدرجة في برامج الحوزة، كما حثّهم على دخول الجامعة، ومتابعة دراستهم العليا داخل إيران وفي الخارج، لبناء كوادر تتولى القيادة الفكرية في الجامعة وخارجها، يمكنها أن تردّ على الشبهات التي يزرعها العنصريون في النفوس…
… طلب الإمام في أواخر الخمسينيات إلى عدد من الطلبة المواظبين على دروسه من أهل القلم والبيان، وذوي الحضور الفاعل في الساحة الاجتماعية، التصدي للحملات العنصريّة بإصدار نشر إعلامية يكون هدفها التنوير، وتعميم الفكر الإسلامي المتقدم، كما طلب إليهم أن يطرحوا في هذه النشرة موضوع "القضية الفلسطينيّة"، وهكذا صدرت في قمّ نشرة "مكتب تشيّع"؛ وقد نشرت في عددها الأوّل مقالة عن فلسطين في العام 1960، كانت أول مقالة تتطرق إلى موضوع القضية الفلسطينيّة في إيران، استعان كاتبها رفسنجاني بكتاب "القضية الفلسطينيّة" لأكرم زعيتر، الذي كان سفيرًا للأردن في إيران في تلك المرحلة، مرجعًا لكتابتها، وكان لهذه المقالة أصداء دفعت الإمام الخمينيّ إلى أن يطلب من صاحبها ترجمة الكتاب نفسه بعد ذلك؛ فيعدّ السافاك الكتاب من الكُتب المضرّة بأمن الدولة، ويوضع مترجمه تحت المراقبة… وجاء هذا العمل مناسبًا في توقيته ومؤثرًا في بلورة الرؤية السياسية للحوزة؛ لا سيّما أن المكتبات في إيران كانت تعجُّ بالكتب التي تعكس النظريّة الصهيونيّة الباطلة[ كما صرّح أكرم زعيتر صاحب الكتاب محتجًّا]...
وعلى الرغم من الملاحقات والاعتقالات، ونفي المرشد، استمر تلاميذ الإمام، في المناسبات الدينية المختلفة، في المراكز التي كانت منطلقًا للمقاومة في طرح الوجه الثوري للتشيع، والرّد على ما كان يُشاع في إيران من عداء للعرب والفلسطينيين والمقارنة بين الخميني وبين العلماء الآخرين الذين لا هم لهم سوى إقامة صلاة الجماعة، لا ينصرون حقًّا ولا يحاربون باطلاً…
هذه الخطب نهلت من معين التسجيلات والدروس التي كان يلقيها الإمام قبل النّفي وبعده… بعد هزيمة العرب في العام 1967، في الوقت الذي كان فيه نظام الشّاه لا يخفي تعاطفه مع إسرائيل من دون مراعاة لمشاعر الشعب الدينية، أصدر الإمام من منفاه في النجف بيانًا يحرّم فيه بيع النفط للدول التي تمدّ إسرائيل بالأسلحة، كما يعلن أنّ أي علاقة بإسرائيل مهما كان نوعها ودرجتها حرام، وكان هذا هو أوّل الغيث، وقد أصدر علماء آخرون، بيانات مماثلة، ويمعن الشاه في تحديه لمشاعر الشعب الدينية، فيعلن بعد ذلك بأشهر معدودة تأييده لحق إسرائيل في الوجود، فيُصدر الإمام والعلماء الآخرون بيانات معادية لهذه المواقف، ويتصدى إعلام الثورة لهذا الأمر، فتُلقى الخطب في المقرّات والمراكز المختلفة، يحمل فيها أصحابُها، على قلّة اكتراث علماء الدين بما يجري، ويندّدون بالجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحقّ العرب، ويشبّهون هذه الجرائم بما كان الألمان قد اقترفوه بحقّ اليهود، لا سيّما أنّ إعلام النظام والقوى المؤيدة لإسرائيل ركّزت على موضوع اليهود الذين أبيدوا في المحارق النازيّة، لطمس فظاعة المجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحق العرب، وبسبب التعتيم الإعلامي هذا كان أنصار الثورة يضطرون إلى الحصول على الصحف العربية بصورة سريّة من السفارات العربية، وما أكثر الذين كانوا يُستجوبون، إذا شوهدوا داخلين أو خارجين من إحدى هذه السفارات.
كان إعلام الثورة يندّد باعتراف الشاه بالدولة الهجين التي تجمّع فيها اليهود من أقاصي الأرض، وأخرجوا السكان الأصليين من منازلهم واحتلوها، في حين كان الإعلام الرسمي يصوّر إسرائيل دولة مسالمة، محاطة بالوحوش، اضطُرّت أن تدخل الحرب لتدافع عن نفسها، وكان يذكّر الإيرانيين باحتلال العرب لبلادهم منذ أربعة عشر قرنًا، ومعنى ذلك أن إيران فقدت هويتها لأنها لم تتمكن من الوقوف في وجه العرب، في حين استطاعت إسرائيل أن تعوّض عن تلك الهزيمة، بهزيمتها للعرب مجتمعين
كان من الطبيعي أن يكون الرّد على هذا الكلام خطبًا لقادة الثورة يركّزون فيها على تعذيب الإسرائيليّين الأسرى العرب والفلسطينيين، وتقارن بين سجون إسرائيل وسجون إيران، بعد أن ذاق عدد منهم طعمها… وكان كلّ من يُتّهم بانتقاد علاقات الصداقة التي تربط الحكم البهلوي بالصهاينة الغاصبين، يُعتقل، ومنهم من استُشهد تحت التعذيب؛ ويتزامن استبدال التاريخ الشاهنشاهي بالتاريخ الهجري وإحراق المسجد الأقصى، فيؤجج مشاعر أهل الثورة وأحاسيسهم، وفي الوقت نفسه يؤكد على ابتعاد الفقهاء التقليديين الذين لم يحرّكوا ساكنًا، عن خط الإمام وثورته؛ وقد بدأ هذا الخلاف يبرز يومًا بعد يوم، فيصدر الإمام بيانًا ينتقد فيه العلماء المشهورين المعادين للثورة، الذين لا ينصرون الحق، ولا ينتقدون الباطل، وقد سمّاهم فيه: "فقهاء البلاط"؛ [ومعظم هؤلاء ركبوا قطار الثورة بعد نجاحها]؛ ما أن يتوفى عبد الناصر في العام 1970 ويتولى أنور السادات رئاسة الجمهورية في مصر، حتى تعود العلاقات السياسية بين مصر وإيران، بين ليلة وضحاها، وكأن كلّ شيء كان معدًّا سلفًا، مترافقةً مع تدفق الإستثمارات الأميركية على إيران، وفي المرحلة نفسها تقدّم الدولة قطعة أرض في شيراز للبهائيين هبة لبناء "حظيرة القدس".
وأعلنت وسائل الأعلام الرسمية عن إقامة مباراة كرة القدم بين إسرائيل وإيران في ملعب الأمجدية، فارتفعت أصوات العلماء المجاهدين ردًّا على هذا الحدث، معلنين العداء لإسرائيل، وتحريم أي تعامل معها، مهما كان نوعه؛ ويتظاهر طلاب جامعة طهران، ويرفعون شعارات معادية للشاه وللصهيونية، فيقمع الحكم هذه التظاهرات بعنف شديد.
وفي العام نفسه يصدر العلماء المجاهدون بيانًا يعلنون فيه اعتراضهم على استخدام النفط الإيراني لمدّ آلات أعدائهم الحربية بالوقود، وأُلقيت خطب تحث على مساعدة اللاجئين الفلسطينيين، وتتحدث عن نضال الشعب الفلسطيني والمجازر التي ارتكبها الصهاينة بحقّه، ويُعلن الإمام أن الحرب بين الفلسطينيين واليهود متواصلة، وأنها حرب دينيّة، والدليل على ذلك إحراق المسجد الأقصى، محاولاً بثّ روح النخوة لدى الإيرانيين وهم يرون يهود إيران يرسلون المساعدات لإسرائيل."

الاسلام اليوم لم يعد مجرد حشود شعبية وكتل بشرية يتحكم بقرارها المستعمر بطريقة غير مباشرة.. بل تحول الى حركة جهادية تقود حركة التحرر الوطني في المنطقة والعالم.. ووضع المسلمين في مصاف الامم الحية والفاعلة. هل ترين بصمات الامام الخميني الراحل في هذا الحضور الثوري للاسلام والمسلمين على المسرح الدولي ؟ وهل كان الامام رضوان الله عليه صاحب رؤية على هذا الصعيد؟

قلنا إنّ الإمام كان يصبو منذ البداية إلى حركة تدمغُ مصير الأمّة الإسلاميّة كلّها، ولهذا السبب كان يولي أهميّة بالغة لأسلمة المقاومة في داخل إيران، وتاليًا في كلّ أنحاء العالم؛ من ذلك البيان الذي أصدره في ٩ ـ ١١ ـ ١٣٤٩ هـ ش[١٩٧١ م يدعو فيه الحجّاج الإيرانيين إلى طرح "القضيّة الفلسطينية" في مراسم الحج، وشرحها لحجّاج العالم…وتوالت دعوته قبل انتصار الثورة وبعد انتصارها، سنويّا يدعو المسلمين لإعلان البراءة في موسم الحج من المستكبرين والمستعمرين لا سيّما الشيطان الأكبر وإسرائيل وإعوانهما…
وقد كان من نتائج بيان العام ١٩٧١، الذي وُزّع بصورة مكثفة في جميع أنحاء إيران، أنْ طرَح العلماء المجاهدون هذا الموضوع في خطبهم الأسبوعية، وكانوا يقولون: " إنّ المسلم الحقيقي هو الفدائي الفلسطيني الذي يستطيع بالرشاش أو بالقنبلة على الرغم من المشقّات التي يتكبّدها والعطش والاختباء في المغاور، ان يقتل جنديًّا صهيونيًّا، أما المسلم الذي لا همّ له سوى زيارة الأماكن المقدّسة وقراءة القرآن والصلاة لنيل ثواب الآخرة فليس مسلمًا».وحين دارت رحى الحرب العربية الإسرائيلية الثانية، كان موقف الدولة الرسمي مؤيدًا لإسرائيل، وصار كل من يتطرق إلى الكلام عن نضال الفلسطينيين أو مساعدة العرب يُتهم بالتآمر على أمن الدولة، فيُسجن أو يُنفى …
ويوجّه الإمام رسالة من النجف يعلن فيها دعمه للمجاهدين الفلسطينيين، ويدعو إلى مساعدة ضحايا الاعتداءات الإسرائيلية، ويُفتح حساب لهذا الغرض في طهران … وتتوالي الخطب والمواقف المؤيدة للقضية الفلسطينية والمناصرة للعرب، واضعة الشاه وإسرائيل في جبهة واحدة، مثيرة مشاعر الناس ضدّه، وضدّ الصهيونية. في هذه المرحلة كانت شبكة العلاقات قد توسّعت، وصار للثورة قواعد في أوروبا وفي سوريا ولبنان، وقد جاء في أحد تقارير السافاك ما يلي:
« ...تبيّن من مراقبة رسائل بعض المتطرفين أن هناك نشاطات تخريبية سرية يقوم بها عناصر الجبهة المذكورة والمتطرفون من علماء الدين في فرنسا ولبنان وأميركا... وهذه خلاصة لبعض الإجراءات التي قمنا بها: ــ معرفة عناوين أصحاب الرسائل بواسطة قسم مراقبة صناديق البريد. ــ إعطاء التعليمات والأوامر إلى المندوبين لمعرفة الشبكات العاملة في ألمانيا وأميركا وانكلترا وفرنسا ولبنان، والطلب إلى ممثلينا في الكويت وتركيا، اختيار بعض العناصر وتدريبهم وإرسالهم إلى لبنان، لاستقصاء المعلومات عن الفدائيين في لبنان والتغلغل في صفوفهم».
في 19/8/1351 (1973)، وجه الإمام إلى الأمة رسالة يعلن فيها دعمه للمجاهدين والمقاومين الفلسطينيين، وفي 23/6/1352 (1974)، يعلن أن الخطر الأساسي على الإسلام والمسلمين هو العلاقات السياسية بين إيران من ناحية وأميركا وإسرائيل من ناحية ثانية، ويأمر بوجوب التبرع بربع سهم الخمس للمجاهدين الفلسطينيين، ومتضرري الاعتداءات الإسرائيلية، ويعلن العلماء المجاهدون عن فتح حسابات لهذا الغرض. وجاء في تقرير للسافاك حول هذا الموضوع: "إنّ مسألة جمع الأموال للفلسطينيين موضوع خطير جدًا، لذلك يُرجى أن يتم التحقيق بواسطة المخبرين والمتعاونين عن صحة موضوع جمع الأموال بواسطة الأفراد المذكورين في التقرير السابق للفلسطينيين، ومعرفة إذا كانت الأموال التي جُمِعتْ قد حُوِّلت إلى أحد المسؤولين في إيران أو أنها أُرسلت بصورة سريّة إلى الفلسطينيين؟ ومن هم المحرضون للقيام بهذا العمل؟ ومن أي طريق أرسلت هذه الأموال؟ ومن هم الذين تولوا عمليات الجمع؟ يجب أن تُعلموا المديريّة بكل التحقيقات العادية، أو أي نوع من أنواع المعلومات عن نشاطات الأفراد أو الذين تكشف التحقيقات عن وجودهم، وكل المعلومات التي تساعد في جلاء الموضوع».
في العام نفسه في 16/8/ 52 (1974) دعا آية الله الخميني زعماء المسلمين في رسالة وجهها إليهم الإتحاد لمقاومة إسرائيل الغاصبة جاء فيها: « لو أن رؤساء الدول الإسلامية تركوا خلافاتهم الداخلية وتعرّفوا الأهداف الساميةّ للإسلام ومالوا إليه لما أصبحوا أسرى واذلاء للاستعمار. إن خلافات رؤساء الدول الإسلامية التي أوجدت مشكلة فلسطين هي العائق دون حلّ هذه المشكلة».

لقد كان الإمام يربط بين مواجهة الوجود الصهيوني في فلسطين وبين صحة إيمان المسلم وصدق إخلاصه لله، وقرن بين مواجهة إسرائيل ومواجهة الشاه، مستشرفًا ما نراه بأمّ أعيننا اليوم، كيف أنّ التبعيّة لأميركا (الشيطان الأكبر) والغرب، قد استولدت من رحمها عربًا ومسلمين مؤيّدين لإسرائيل سائرين على دربها...
في هذا الوقت كنت أنا وعائلتي في طهران، لا أعرف شيئًا عما يجري، في طريق الثورة، أتابع التلفزيون والصحف لمعرفة ما يجري في جنوب لبنان، وأرى بأمّ عيني تعاطف الحكم مع إسرائيل، إلى أن كانت زيارة أنور السادات لإسرائيل وتهليل الإعلام الإيراني المرئي والمسموع، فيعلن الإمام أنّ اتفاقات كامب ديفيد خيانة للإسلام وللمسلمين والعرب.
إنّ حسبان الإمام الخمينيّ محاربة الإستعمار وتأييد القضيّة الفلسطينيّة واجبًا دينيًّا، جعله يُعلن فورَ عودته إلى إيران بعد انتصار الثورة في العام 1979 ، آخر يوم جمعة من شهر رمضان المبارك من كلّ عام احتفالاً عالميًّا للقدس وسمّاه "يوم القدس". ما أبقى القضيّة حيّةً بعد أن تخلّى عنها بعضُ أهلها في البداية؛ ولولا الإمام الخمينيّ وإيران لنسيها العرب أجمعون وتاليًا العالم بأسره… إنّ ما حقّقه العرب في لبنان وفلسطين وسوريا من انتصارات، ومايحقّقونه الآن بعد طوفان الأقصى وتكاتف الساحات وتعاضدها، إنّما كان بفضل الجمهوريّة الإسلاميّة، وبفضل الأسس التي وضعها الإمام رحمه الله، وسار عليها خلفه.

إيران اليوم هي غير ما كانت عليه قبل اربعة او خمسة عقود من الزمن! بل انها رغم الحصار والحروب والتآمر عليها تتقدم وتحقق الانجازات على كل صعيد، فكيف نجح الامام الخميني ان يؤسس لهذه الثورة وهذا النظام في اجواء العواصف والصراعات ؟

كان مستوى الأمية في إيران قبل انتصار الثّورة مرتفعًا ارتفاعًا ملحوظًا على الرغم من ادعاءات النظام البائد وكلامه على التحديث والعصرنة وغير ذلك، وطموحه لأن يجعل من إيران دولة تقف في مصافّ الدول العظمى.

في العام 1978 كان عدد الطلاب الجامعيين 50 ألفاً في كلّ إيران وصل في العام 2001م إلى مليون وست مئة ألف، وكان عدد الجامعات تسع عشرة، أصبحت في العام 2001م 50 جامعة، قد تابع القادة في إيران التأكيد بصورة دائمة على أهمية التعليم لأنّ مشكلة الأمية ما كان يمكن أن تحلّ في عقد أو عقدين من الزمان، من المفيد أن نشير أخيراً إلى أن المادة الثلاثين من الدستور تنص على الآتي: "إنّ على الحكومة أن توفر وسائل التربية والتعليم مجاناً لأبناء الشعب كافة حتى نهاية المرحلة المتوسطة، وعليها أن توسع مجال التعليم العالي بصورة مجانية لكي تبلغ البلاد حدّ الاكتفاء الذاتي".

إن الكتب التي تصدر سنوياً عن دور النشر الخاصة والعامة في إيران تتجاوز أعدادها الحد الذي يمكن المثقف الإيراني نفسه متابعته، وأن معظم هذه المنشورات خاصة بالميادين الثقافية والفنية والاجتماعية، والعلميّة؛ وكما تحدّث الإمام منذ البداية عن ضرورة الثورةالسياسيّة وضرورة الوحدة الإسلاميّة، وضرورة إنقاذ المظلومين والمحرومين؛ وعن طبيعة نظام الحكم الإسلامي، وشروط الحاكم، وولاية الفقيه؛ تركيز الإمام على العلم في كتاب "الحكومة الإسلاميّة" وفي خطبه الهدف منه بحسب قوله: إزالة آثار العدوان الاستعماري الفكري والخُلُقي، ولتأسيس مؤسّسات قضائيّة وماليّة واقتصاديّة وثقافيّة وسياسيّة جديدة: تستطيع الوقوف في وجه الطّاغوت، لأنّ الله عزّ وجلّ قد نهى عن طاعة الطّاغوت، والسّير في ركابه.

إنّ المستوى العلمي الذي وصلت إليه إيران اليوم من ثمار ماحثّ عليه الإمام الخمينيّ، من التركيز على العلم للاستغناء نهائيًّا عن الغرب؛ ومما جاء في المادّتين الثالثة والثالثة والأربعين من الدّستور، من أنّ سياسات الدولة الأساسيّة تحتاج لتحقيق الأهداف السامية للحكم (العدل، والاستقلال والوحدة الوطنيّة) إلى برامج مفصّلة. لذا قُرِّرت مسؤوليّات الحكومة مفصّلة، بعنوان سياسات الحكومة الأساسيّة في المجالات الأخلاقيّة والثقافيّة والاجتماعيّة والإداريّة والاقتصاديّة. إنّ هدف السياسات الأخلاقيّة والثقافيّة رفع مستوى الوعي العام، وتوفير التربية والتعليم مجّانًا، وتقوية روح الإبداع والابتكار للوصول إلى الاكتفاء الذاتيّ. وهدف السياسات الاجتماعيّة، القضاء على كلّ أشكال التمييز، وإيجاد الإمكانات والفرص العادلة للجميع، وإشاعة روح الأخوّة (الطاقات السياسيّة، تلاقح الأفكار، وتأليف القلوب). وهدف السياسات الإداريّة، القضاء على أيّ نوع من أنواع الاستبداد، والاستئثار، والتفرّد بالسلطة، وإيجاد نظام إداريّ صحيح، وإلغاء المؤسّسات غير الضروريّة (إصلاح المؤسّسات وتنظيم الحكومة والقوى البشريّة، والأساليب والأعمال الإداريّة)، وهدف السياسات الاقتصاديّة تأمين الاستقلال الاقتصاديّ للمجتمع، من خلال استعادة الثقافة الوطنيّة ومتطلّبات المجتمع الشاملة والإمكانات الوطنيّة، والقضاء على الفقر والحرمان، وتلبية حاجات الإنسان في مسار التنمية مع المحافظة على حرّيّته.

الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، نظام سياسيّ، جمهوريّ القالب، إسلاميّ المضمون، ثمرةُ انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران في 14 ربيع الأوّل 1399هـ/ 11 شباط-فبراير 1979م، بقيادة الإمام الخمينيّ، وقد حلّ محلّ النظام الملكيّ. مبدع هذا النظام الإمام الخمينيّ، وقد أُعطيَ الصفة الرسميّة في الاستفتاء العامّ الذي جرى في 4 جمادى الأولى 1399هـ/ 1 نيسان-أبريل من العام 1979م، وشارك فيه 98,2٪ من أصل جميع الذين تتوافر لديهم شروط الاقتراع، وقد اقترع 97٪ من هؤلاء لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة، فمن أصل 20,422,438 صوتًا، كان عدد المؤيّدين للنظام الجمهوريّ 20,054,834 صوتًا، وعدد المعارضين 367,604 أصوات. بعد انتهاء الاستفتاء العامّ وجّه قائد الثورة في الساعة 24 من 4 جمادى الأولى 1399هـ / أوّل نيسان-أبريل 1979م، بيانًا إلى الأمّة سمّى فيه هذا اليوم، يوم الحكومة الإلٰهيّة، وأعلن رسميًّا قيام الجمهوريّة الإسلاميّة …في أوائل تمّوز من العام 1399هـ/1979م، وضعت الحكومة المؤقّتة مشروع اقتراح دستور الجمهوريّة الإسلاميّة، في متناول أهل الرأي والمعنيّين لدراسته النهائيّة… ولهذا الغرض جرت انتخابات مجلس خبراء الدستور، وفي 12 محرّم 1400هـ/ ك1-ديسمبر من العام نفسه، أُخضعت النسخة النهائيّة من الدستور للاستفتاء الشعبيّ العام، وحظيَ بمصادقة الأمّة. لكنّ الإبهام والخلل في بعض نِقاط الدستور، دفع النوّاب ومجلس القضاء الأعلى إلى مطالبة الإمام الخمينيّ بوضع آليّة لإعادة النظر في الدستور، فطلب الإمام إلى مجلس الخبراء مراجعة الدستور وتعديله؛ ومن المسائل الأساسيّة التي طُرحت للتعديل، الخلل وعدم التنسيق داخل السلطة التنفيذيّة لتعارض صلاحيّات رئاسة الجمهوريّة ورئاسة مجلس الوزراء، وقضيّة إدارة السلطة القضائيّة، لأنّ تسليم مسؤوليّات هذه السلطة إلى مجلس القضاء الأعلى، قد قلّص استقلاليّة السلطة القضائيّة، ومسألة عدم التنسيق وعدم الانسجام بين المجلس النيابيّ ومجلس الصيانة في قرارات المجلس. بدأ مجلس الخبراء العمل على إعادة النظر في الدستور في 22 رمضان 1409هـ/ 27 نيسان-أبريل 1989م، وبعد وفاة الإمام الخمينيّ في شوّال 1409هـ/ أيّار-مايو من العام 1989م، استمرّ في أداء المهمّة وفي تمّوز- يوليو 1989م صادقت الأمّة على الدستور المصحّح والمعدّل في استفتاء عامّ؛ في الاستفتاء الشعبيّ العامّ على الدستور، بلغ عدد المقترعين الملايين".

ثوابت نظام الجمهوريّة الإسلاميّة ومبادئه. ثوابت النظام الجمهوريّ تتضمّن أربعة مكوّنات: الشعب هو الذي يختار الحاكم بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة (من خلال المجلس النيابيّ)؛ مدّة حكم الرئيس محدّدة، ولا يُسمح بإعادة انتخابه أكثر من مرّة أو مرّتين؛ الحاكم مساوٍ أمام القانون لغيره من أفراد الشعب، ويلتزم بالقانون، ومسؤول عن أعماله كلّها؛ مسؤوليّة الحاكم مضاعفة حقوقيًّا وسياسيًّا.

يتمتّع نظام الجمهوريّة الإسلاميّة بالثوابت المذكورة آنفًا، لأنّ الحكم وإدارة البلاد سواء في انتخاب القائد (غير مباشرةً) أو في انتخاب رئيس الجمهوريّة (مباشرة)، وكذلك في إضفاء الشرعيّة على الحكومة (طرح الثقة في مجلس الشورى الإسلاميّ)، يقومان على أساس العودة إلى الاقتراع العامّ؛ مدّة حكم رئيس الجمهوريّة أربع سنوات (قابلة للتجديد مرّة واحدة)؛ القائد ورئيس الجمهوريّة وسائر المسؤولين متساوون مع بقيّة أبناء الشعب أمام القانون؛ هنالك مسؤوليّة قانونيّة (إلى حدّ المحاكمة والإدانة)، ومسؤوليّة سياسيّة (إلى حدّ الإقالة والعزل) على عاتق القائد ورئيس الجمهوريّة والوزراء (إيران. الدستور، الموادّ 6، 87، 107، 111، 114، 133، 142).

إنّ ما يميّز النظام الجمهوريّ الإسلاميّ في إيران من أنواع الأنظمة الجمهوريّة الرائجة في العرف السياسيّ، إسلاميّته، بمعنى أنّ أكثريّة الشعب الإيرانيّ، قد اختارت الإسلام وسلطة معاييره وأحكامه محتوى للحكم، من خلال الاستفتاء على تعيين النظام السياسيّ في البلاد. للشعب دورٌ أساسيّ في إقامة النظام الجمهوريّ الإسلاميّ، والأمور التي تعبّر عن هذا الأمر هي: إيمان الشعب الإيرانيّ بمبادئ الحقّ والعدل، وأنّ هذا الطموح يمكن أن يتحقّق من خلال تطبيق أحكام القرآن الكريم؛ كان الشعار الأساسي الذي رفعته الثورة الإسلاميّة الإطاحة بنظام الحكم الملكيّ الشاهنشاهيّ وإقامة نظام الجمهوريّة الإسلاميّة؛ قائد الثورة، الذي لولاه لما قامت هذه الثورة ولا نظام الجمهوريّة الإسلاميّة على هذا النحو؛ والعودة إلى الاستفتاء العامّ، واقتراع أكثريّة الشعب الإيرانيّ على تعيين النظام السياسيّ الجديد، بعد سقوط الحكم الملكيّ …

إنّ الأهداف السامية للحكم هي العدل والاستقلال والتضامن الوطنيّ، ولتحقيقها لُحِظَت في دستور الجمهوريّة الإسلاميّة الأساليب والمناهج والأحكام العامّة، المتمثّلة في: الاجتهاد المستمرّ للفقهاء الجامعي الشرائط، والاستفادة من العلوم والفنون والتجارب البشريّة المتقدّمة والسعي من أجل السير بها قِدمًا، والقضاء على أيّ نوع من أنواع الظلم والقهر (داخليًا)، والتسلّط والخضوع (خارجيًّا)؛ (المادّتان 2 و 152).

الدين الرسميّ لإيران هو الإسلام، بحسب المذهب الجعفريّ الاثني عشريّ في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، ويستوجب ذلك أن تكون المعايير الدينيّة والمذهبيّة هي أساس جميع القوانين والقرارات المدنيّة والجزائيّة والماليّة والقضائيّة والسياسيّة النافذة. أمّا أتباع المذاهب الإسلاميّة الأخرى (الحنفيّ والشافعيّ والمالكيّ والحنبليّ والزيديّ) فحقوقهم محفوظة بحسب مقتضيات مذهبهم، فهم يتمتّعون باحترام كامل، ولهم الحريّة في أداء شعائرهم المذهبيّة بحسب فقههم، ومُعترفٌ رسميًّا بحقّهم في التعليم والتربية الدينيّة، والأحوال الشخصيّة..

يعتمد الحكم في الجمهوريّة الإسلاميّة على سلطات ثلاث (السلطة التشريعيّة والسلطة التنفيذيّة والسلطة القضائيّة) وتعمل هذه السلطات مستقلّة عن بعضها البعض، وتمارس صلاحيّاتها بإشراف القيادة (الوليّ الفقيه)، لذلك فإنّ أنموذج فصل السلطات في الجمهوريّة الإسلاميّة، يختلف اختلافًا جوهريًّا عن فصل السلطات في الأنظمة السياسيّة العرفيّة …الحكم نصف رئاسي ونصف برلماني؛ هو نصف رئاسي لأنّ الشعب هو الذي ينتخب رئيس الجمهوريّة، ونصف برلماني لأنّ أعضاء الحكومة يقترحهم رئيس الجمهوريّة على المجلس، والمجلس هو الذي يوافق على تكليفهم. وحدة نظام الحكم وانسجامه يستوجب أن يكون هنالك تنسيق وانسجام بين السلطات الثلاث، على الرغم من الفصل بين السلطات… أركان الحكم في الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران هي:

1) الولاية والقيادة. بناءً على مقدّمة الدستور والمادّتين 5، و 7 منه، فإنّ ولاية الفقيه المطلقة هي ركيزةُ إسلاميّةِ الحكم في الجمهوريّة الإسلاميّة. إسلاميّة الحكومة بمعنى أنّ القوانين النافذة فيها، ترتكز من مختلِف النواحي على المعايير الإسلاميّة، ومشروعيّةُ الدستور مشروطةٌ بمطابقته للشرع… [نحن نقارن عادةً بين ما جاء في الدستور الإيراني تطبيقًا لما جاء في رسالة التكليف التي أرسلها الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام إلى واليه على مصر مالك الأشتر، مفصّلًا فيها واجبات الحاكم المسلم …]
يستعين القائد في إنجازه مهامّه، فضلًا عن مستشاريه، بالمساعدة الفكريّة والآراء التخصّصيّة لمجمع تشخيص مصلحة النظام. هذا المجمع يقوم بتقديم المشورة للقائد، لرسم استراتيجيّات النظام العامّة، وفضلًا عن ذلك هو المرجع في حلّ الخلافات بين مجلس صيانة الدستور ومجلس الشورى الإسلاميّ. كما أنّ المجمعَ يشارك في مجلس إعادة النظر في الدستور، وفي مجلس انتخاب القيادة.

يتولّى مجلس خبراء القيادة انتخاب القائد؛ وهذا المجلس مؤلّف من علماء الدرجة الأولى من جميع أنحاء البلاد. وهؤلاء يتولّون مراقبة أداء القائد لمهامّه، واحتفاظه بالشروط اللازمة، وفي حال عجزه عن أداء مهامه يقومون بعزله. وإنْ توفّي القائد أو استقال أو عُزل، وإلى أنْ ينتخب الخبراءُ القائد الجديد، توكل مهامّ القيادة إلى مجلس قيادة مؤقّت مؤلّف من رئيس الجمهوريّة، ورئيس السلطة القضائيّة، وأحد فقهاء مجلس صيانة الدستور…

٢ ) السلطة التشريعيّة. هذه السلطة مبنيّة على نظام المجلس الواحد ومؤلّفة من ركنين مختلفين كلّيًّا: مجلس الشورى الإسلاميّ ومجلس الخبراء. كلّ مجلس من هذين المجلسين له مهامه. مجلس الشورى الإسلاميّ مؤلّف من نوّاب يُنتخبون من الشعب مباشرة بواسطة الاقتراع السرّيّ، لمدّة أربع سنوات. يبدأون بممارسة عملهم بعد المصادقة على انتخابهم وأدائهم القسم . مهمّة المجلس الأساسيّة، تشريع القوانين في القضايا كافّة، ضمن الحدود المقرّرة في الدستور. لا يحقّ لمجلس الشورى الإسلاميّ أن يسُنّ القوانين المناقضة لأحكام المذهب الرسميّ للبلاد ولمعاييره، أو المغايرة للدستور. ويتولّى مجلس صيانة الدستور، مهمّة البتّ في هذا الأمر. لمجلس الشورى الإسلاميّ، فضلًا عن سنّ القوانين وإصدار القرارات، وظيفة رقابيّة تتضمّن:

أ) رقابة تأسيسيّة (الإشراف على تشكيل الحكومة، وعلى التغييرات التي تطرأ عليها، والحلّ والفصل في خلافاتها).

ب) رقابة إطّلاعيّة (شكاوى المواطنين حول طريقة عمل السلطات الثلاث، ابتكار النوّاب طرقًا تتيح لهم الاطلاع على طريقة ممارسة الوزير أو رئيس الجمهوريّة لصلاحيّاتهما، ابتكار المجلس في الحصول على المعلومات (التحقيق والتثبّت من كلّ ما يجري في البلاد)).

ج) رقابة استصوابيّة، بمعنى أنّ المجلس يراقب عقد الاتفاقات والمعاهدات الدوليّة، وتغيير الخطوط الحدوديّة، وإعلان حالة الطوارئ وفرض الأحكام العرفيّة، وحلّ الخلافات في الدعاوى الماليّة، أو إخضاعها للمداولة، ومنح أعمال الحكومة الأخرى كعمليّات الاقتراض والإقراض أو منح المساعدات من دون مقابل، وتوظيف الخبراء الأجانب.

د ) الرقابة الماليّة (إعداد ميزانيّة البلاد السنويّة وتدوينها والمصادقة عليها، ومراقبة التصرّف في الميزانيّة من خلال ديوان المحاسبة).

هـ) الرقابة السياسيّة (استيضاح الوزراء ورئيس الجمهوريّة)؛ وبما أنّ للمجلس الحقّ في وضع القوانين في جميع الشؤون، وحرّيّة تغيير القوانين العاديّة، فإنّ لديه صلاحيّة تفسيرها. لجانُ المجلس الموصوفةُ أنظمتها الداخليّة، متعدّدة، وهنالك هيئة رئيسيّة، وتنتخب كلّها سنويًّا. كان عدد النوّاب في أوّل الأمر 270 نائبًا، وطبقًا لما لحظه الدستور، يمكن مع تزايد عدد السكّان زيادة عشرين نائبًا على الأكثر.

يتألّف مجلس صيانة الدستور من ستّة فقهاء وستّة قانونيّين، القيادة تعيّن الفقهاء، أمّا رجال القانون فيقترح أسماءهم رئيس السلطة القضائيّة، ويوافق عليهم مجلس الشورى. ويتولّى مجلس صيانة الدستور مراقبة مدى مطابقة القوانين الوضعيّة للشرع والدستور، وكذلك تفسير الدستور ومراقبة الانتخابات والاستفتاءات.
3) السلطة التنفيذيّة. هذه السلطة في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، من حيث المكانة الشعبيّة، نصف رئاسيّة ونصف برلمانيّة، ومن حيث تركيب العناصر الحاكمة في ممارسة السلطة التنفيذيّة، مؤلّفة من ركنين (القيادة ورئاسة الجمهوريّة)، وعن هذين الركنين تتفرّع كلّ الهيئات والتنظيمات والأمور التنفيذيّة (المدنيّة والعسكريّة). رئيس الجمهوريّة أعلى مقام رسميّ في البلاد، بعد مقام القائد (إيران. الدستور، المادّة 113). المرشّح لرئاسة الجمهوريّة يجب أن يكون إيرانيَّ الأصل ويحمل الجنسيّة الإيرانيّة، مؤمنًا بمبادئ الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة وبمذهبها الرسميّ، ومن الساسة المتديّنين (المادّة 115). يُنتخب رئيس الجمهوريّة مباشرة من الشعب لمدّة أربع سنوات، ولا يجوز انتخابه لأكثر من دورتين متتاليتين (المادّة 114). يؤدّي رئيس الجمهوريّة المـُنتخب، بعد مصادقة القيادة، القَسَمَ في مجلس الشورى الإسلاميّ بأن يكون حاميًا لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة، وللدستور، ولمذهب البلاد الرسميّ (المادّتان 117 و117). رئيس الجمهوريّة مسؤول أمام المجلس وأمام القائد، وفي حال قرّر الاستقالة، يقدّم استقالته إلى القيادة (المادّتان 122 و130).

تتضمّن مهام رئيس الجمهوريّة وصلاحيّاته ما يلي: إدارة كلّ ما يُعدّ من شؤون البلاد العليا، كتنفيذ الدستور، ورئاسة المجالس العليا في البلاد والمسؤوليّة عنها (المجلس الأعلى للأمن الوطنيّ، والمجلس الأعلى للثورة الثقافيّة، والمجلس الاقصاديّ، ومجلس إعادة النظر في الدستور وغيرها)، والشؤون الدوليّة (من ضمنها توقيع المعاهدات والاتفاقات وبعث السفراء، وقبول أوراق اعتماد السفراء الأجانب). ورئاسة مجلس الوزراء، والرئاسة الأرفع للمؤسّسات التابعة لمجلس الوزراء (البيئة، والتربية البدنيّة، والطاقة الذرّيّة، والإدارة والتخطيط)، ومنح الأوسمة الحكوميّة. لدى رئيس الجمهوريّة كذلك مهام وصلاحيّات على علاقة بالسلطة التشريعيّة (تتضمّن توقيع القوانين، اقتراح إجراء الاستفتاءات، وإمضائها، وتعيين الوزراء وعزلهم، وإعطاء الثقة للحكومة، وتوقيف الانتخابات، والحضور في المجلس والإحضار إليه، والطلب إلى المجلس عقد جلسة غير علنيّة)، ولديه صلاحيّات على عَلاقة بالسلطة القضائيّة (تعيين وزير العدل من بين الأسماء التي يقترحها رئيس السلطة القضائيّة، وعرضه على المجلس لكسب الثقة) .
يتولّى رئيس الجمهوريّة والوزراء أيضًا ممارسة السلطة التنفيذيّة، وللوزراء كيانهم الحقوقيّ جماعيًّا (مجلس الوزراء) وإفراديًّا (المادّة 60). يتألّف مجلس الوزراء من رئيس الجمهوريّة ومعاونيه (يتولّى المعاون الأوّل في غياب رئيس الجمهوريّة رئاسة مجلس الوزراء ← إيران. الدستور، المادّتان 124 و131) ومن الوزراء، ويكون هذا المجلس المعبّر عن الدستور لصفته بنية حقوقيّة، لها حقوق ومهام محدّدة. بعد أن يختار رئيس الجمهوريّة الوزراء، يُعرضون على المجلس لنيل الثقة. من مهام الوزراء وصلاحيّاتهم: تسيير أمور الوزارة، وعضويّة مجلس الوزراء، والقيمومة على الهيئات التابعة لوزاراتهم، والعضويّة في الاجتماعات العامّة للشركات الحكوميّة، ووضع القرارات واللّوائح الحكوميّة وإصدار التعميمات. عدد الوزارات ليس ثابتًا ولا بِنيتُها، ومختلف باختلاف المراحل والتركيز على النواحي المختلفة، في وضع البرامج الضخمة. مهمّة مجلس الوزراء، تحضير وتنظيم اللّوائح القانونيّة وتقديمها إلى المجلس، وتدوين اللّوائح التنفيذيّة للقوانين التي يصادق عليها مجلس الشورى الإسلاميّ، والقرارات السياسيّة العامّة والجزئيّة، وحلّ الخلاف بين المؤسّسات التنفيذيّة، ومصادقة المصالحة في الدعاوى أو إناطتها بالتحكيم.

تشمل القوّات المسلّحةُ الجيشَ الذي يتولّى الدفاع عن استقلال البلاد ووحدة أراضيها، وقوّات حرس الثورة الإسلاميّة كمؤسّسة متعدّدة الرؤى (عسكريّة، وأمنيّة، وسياسيّة واجتماعيّة)، منبثقة عن الثورة، بهدف حماية الثورة الإسلاميّة ومكتسباتها. مقام القيادة هو القائد العام للقوّات المسلّحة (إيران. الدستور، الموادّ 143، 145، 150-151).

4) السلطة القضائيّة. هذه السلطة مكلّفة بالشؤون القضائيّة، وبسط العدالة، وكشف الجرائم ومحاسبة المجرمين، وحماية حقوق الأفراد والمجتمع. على رأس مؤسّسات هذه السلطة، رئيس السلطة القضائيّة، الذي يجب أن يكون مجتهدًا، يعيّنه القائد لمدّة خمس سنوات (إيران. الدستور، المادّة 157). يتولّى رئيس السلطة القضائيّة إعداد اللّوائح القضائيّة، وتعيين القضاة وعزلهم، وبإمكانه أن يُفوّض بعضَ صلاحيّاته إلى وزير العدل. ويتحمّل وزير العدل مسؤوليّة الأمور المرتبطة بتنظيم العلاقات بين السلطة القضائيّة والسلطتين التنفيذيّة والتشريعيّة (المادّتان 158، 160).

لتؤدّي السلطة القضائيّة مهامّها تعتمد على مؤسّسات ومديريّات منها: وزارة العدل، مرجع شكاوى الناس وتظلّمهم وتبتّ بالجرائم العاديّة والعامّة (المادّة 159)؛ ديوان العدالة الإداريّة، شُكّل للتحقيق في شكاوى المواطنين واعتراضاتهم وتظلّماتهم من الموظّفين أو الإدارات الرسميّة، ويمكنه أيضًا إبطال اللّوائح الحكوميّة المخالفة للقوانين الإسلاميّة أو خارجة عن صلاحيّات السلطة التنفيذيّة (المادّتان 170 و173)؛ المحاكم العسكريّة تتولّى التحقيق في الجرائم المتعلّقة بالواجبات العسكريّة الخاصّة، أو الأمنيّة التي تهتم بها القوّات المسلّحة (المادّة 172)، مديريّة التفتيش العام، يشرف من خلالها رئيس السلطة القضائيّة على التنفيذ الصحيح للقوانين في المؤسّسات الإداريّة (المادّة 174)؛ ديوان القضاء الأعلى، يتولّى الإشراف على صحّة تنفيذ القوانين في المحاكم وتوحيد الرؤية القضائيّة (المادّة 161)؛ والنيابة العامّة تتولّى الدفاع عن حقوق المجتمع مقابل الجرائم العامّة. القضاة هم العناصر الأساسيّة في المؤسّسة القضائيّة، وصفات القضاة، والشروط اللّازم توافرها لديهم مستمدّة من القواعد الفقهيّة. والقاضي، هو مفسّر القوانين العاديّة والمدوّنة، وفي حال عدم العثور على حكم المسألة، يجب أن يُراجع النصوص الفقهيّة (المادّة 167). يمكن أن تكون المحاكمات علنيّة، إلّا إنْ طلب طرفا الدعوة أن تكون المحاكمات سرّيّة، أو إن كانت مناقضة للآداب العامّة (المادّة 168)...

بِنيةُ بعض المؤسّسات في نظام حكم الجمهوريّة الإسلاميّة من حيث طبيعة عملها ومن حيث آليّاته، لا يمكن أنْ تُعدّ جزءًا من مؤسّسة القيادة، ولا سلطةً من السلطات الثلاث. هذه المؤسّسات هي: مجالس الشورى الإسلاميّة، الإذاعة والتلفزيون، المجلس الأعلى للثورة الثقافيّة، ومجمع تشخيص مصلحة النظام (هاشمي، مج2، ص10-11).
الحقوق والحرّيّات. في نظام حكم الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، الأصل هو المساواة بين الأفراد، والمساواة أمام القانون، مع الأخذ في الحسبان المعايير الإسلاميّة، ويشمل ذلك الرجال والنساء على حدٍّ سواء (إيران. الدستور، الموادّ 3، و 20-21). حقوق المواطنين وحريّاتهم تُقسم إلى مجموعتين: فرديّة وجماعيّة. المقصود بالحقوق والحريّات الفرديّة، حقّ المِلكيّة والحريّات المتعلّقة بالحياة الخاصّة. الملكيّة الخاصة، التي لم توضع لها حدود معيّنة كما يبدو، يجب أن تُكتسب بالطرق المشروعة (← المادّة 47)، وإلّا فإنّ الحكومة ملزمة بإعادتها إلى أصحابها الأصليّين (المادّة 49).

الحقوق والحريّات المرتبطة بالحياة الخاصّة للأفراد لها علاقة بالخيارات والرغبات والأذواق. ففي الجمهوريّة الإسلاميّة معترف رسميًّا بحريّة اختيار العمل والمهنة (← المادّة 28)، ومحلّ الإقامة (المادّة 33) وحريّة المعتقدات والآراء (المادة 23)، وهذه الحقوق يحميها القانون (المادّة 22). أمّا الحقوق والحريّات الجماعيّة فهي حقوق الأفراد والجماعات من خلال وجودهم في المجالات العامّة، وهي تضمّ ثلاث مجموعات: حريّة التفكير والتعبير عن العقائد غير المخلّة بأحكام الإسلام والحقوق العامّة، وتنعكس في حريّة المطبوعات وتمنع محاسبة الناس على عقائدهم؛ وحريّة عقد الاجتماعات، المتمثّلة في المؤتمرات، والنشاطات المعارضة والمظاهرات، بشرط عدم الإخلال بالأسس الإسلاميّة، وحريّة تشكيل الأحزاب والجمعيّات والنقابة للجماعات المختلفة، والأقليّات الدينيّة معترف بها رسميًّا، بشرط أن لا تكون مناقضة لأسس الاستقلال، والحريّة، والوحدة الوطنيّة، والمعايير الإسلاميّة، ودستور الجمهوريّة الإسلاميّة (الموادّ 23-24، 26-27؛ أيضًا ← هاشمي، 1425هـ/2005م، ص345-349، 402-428).

في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة معترف رسميًّا بحقوق أتباع الأديان الإلٰهيّة، وهنالك تأكيد على المساواة في الحقوق للجميع، وهم أحرار في ممارسة شعائرهم ومناسكهم الدينيّة، والمحافظة على عقائدهم وتعاليمهم الدينيّة، ويحقّ لهم استعمال لغاتهم المحلّيّة والقوميّة وتدريس آدابها إلى جانب اللّغة الرسميّة (المواد 12-13،).

/انتهى/