وكالة مهر للأنباء_ وردة سعد: سقطت اسطورة "الدولة الديموقراطية" التي عمل عليها اللوبي الصهيوني والإعلام الغربي على مدى عقود، فالسابع من اكتوبر أظهر حقيقة هذا الكيان القائم على الاجرام والابادة والقتل والتدمير وسفك دماء الاطفال، وأيقظ العالم على أحقية الشعب الفلسطيني بأرضه.
صحوةٌ تُرجمت مظاهرات وفعاليات اعتراضية انتشرت في أمريكا والغرب والعالم أجمع، وللشباب النصيب الأكبر من هذه الصحوة، لاسيما طلبة الجامعات والفئات المُثقّفة.
وكان لبعض الدول العالمية مواقف مُشرّفة تجاه الحق الفلسطيني، سيما دول أمريكا اللاتينية.
وبما يخص مواقف دول أمريكا اللاتينية المُشرِّفة، أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء، حواراً صحفياً مع المتخصص في شؤون أميركية اللاتينية، الصحفي الأستاذ "علي فرحات"، وجاء نص الحوار على النحو التالي:
بعد أكثر من ثلاثة اشهر من استدعاء سفيرها لدى كيان الاحتلال، قررت حكومة البرازيل قبل أيام ان ظروف عودته الى عمله غير متوافرة، وهي خطوة تماثل سحب السفراء وتجميد العلاقات الديبلوماسية، في اي اطار يمكن وضع هذه التطورات؟ وهل تتوقعون قطع العلاقات بين البلدين امام الصلف والتعنت الصهيوني ؟
شخصية الرئيس البرازيلي دا سيلفا معروفة، هو مناهض جدا للاحتلال الصهيوني لفلسطين، لكن الرئيس البرازيلي الذي أتى في أجواء فيها الكثير من التحديات خصوصا مع نشأة اليمين المتطرف في البرازيل، كان يريد ان يجد نوعا من التوازن بين التحديات الداخلية وما بين تنفيذ الكثير من الرؤى السياسية التي يعتقد فيها، وأهمها اتخاذ الموقف الجريء والحاسم تجاه الاحتلال الصهيوني، وحق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة، من هذا الباب هو تدرج في المواقف السياسية واتخذ هذا الموقف الحكومي في استدعاء السفير وايضا ان ظروف عودته غير متوافرة ، وهي اشارة كبيرة وقرار يتخذ دائما قبل قطع العلاقات، لكن توازيا مع ذلك ما زال الرئيس دا سيلفا يطلق تصريحات جريئة جدا في هذا المجال، خصوصا نحن نعرف انه منذ فترة اتهم الكيان الصهيوني بأن ما يرتكبه في قطاع غزة اشبه بالنازية، وهو يعلم تماما ان هذا التصريح هو اقسى ما يمكن ان يسمعه الاسرائيلي، لان الكيان الصهيوني دائما كان يروج بأن النازية هي اسوأ الكيانات التي ارتكبت مجازر في العالم، وهو يسوق نفسه بأنه الضحية الكبرى لهذه النازية، وقد وصف ايضا ان ما يحصل في غزة هو إبادة جماعية، ولا ننسى ان مواقف دا سيلفا أعطت جرعة من الجرأة لكثير من الدول باتجاه اتخاذ مواقف جريئة في هذا الامر، بموضوع قطع العلاقات بشكل كلي مع الكيان الصهيوني اعتقد ان دا سيلفا في قرارة نفسه يتمنى مثل هكذا امر، الا ان هناك تحديات كبيرة خصوصا المواضيع الاقتصادية المرتبطة بين البلدين، وايضا الموضوع العقائدي الإنجيلي الايديولوجي الذي يربط ما بين "اسرائيل" وما بين قطاع كبير كان قد اسسه الرئيس السابق بولسينارو ولا يريد ايجاد اشكال داخلي كبير يمكن ان تؤثر على عمله في البرازيل وعلى عملية الإصلاحات الكبرى التي يقوم بها، لكن مع ان القرار يمكن اتخاذه ايضا ما لم يكن هناك حلولا في المدى القريب في غزة وفي فلسطين المحتلة، اعتقد ان مثل هكذا قرار يمكن ان يتخذ اذا وصلت الامور في فلسطين وقطاع غزة الى طريق مسدود يمكن للرئيس البرازيلي حينها قطع كل هذه التحديات الداخلية واتخاذ مثل هذا الموقف الجريء.
ما انفك الرئيس البرزيلي "لولا دا سيلفا" يدلي بتصريحات عالية السقف ضد همجية كيان الاحتلال منذ ان اتهم جيش الاحتلال بارتكاب حرب ابادة ضد الشعب الفلسطيني.. هل ترون ان هذه المواقف هي نتيجة مشاعر إنسانية واخلاقية؟ ام انها تعبر عن قلق من التهديدات التي باتت الصهيونية تمثلها على العالم؟
بالنسبة لتصريحات الرئيس البرازيلي هي تقع ضمن النظريتين، النظرية الاولى المسألة الانسانية التي يتمتع بها الرئيس البرازيلي، مثالاً، توجه الى احدى المناطق التي اجتاحها الطوفان وهي من المناطق التي كانت مناهضة له، والتي كان فيها نسبة متدنية ممن انتخبوه، ميزته انه يفصل المواقف السياسية عن المواقف الانسانية، لديه جرعة كبيرة من الحس الانساني على الصعيد الداخلي وحتى على صعيد المسائل الخارجية، اعتقد بمعرفتي الشخصية بالرئيس لديه عقيدة سياسية ولديه عقيدة اخلاقية تجاه فلسطين، فهو يناوىء جدا ويعادي جدا المشروع الصهيوني ولو حكمت عليه الظروف السياسية بأن يكون اقل حدة في بعض المواقف ، لكنه من المعروف على الصعيد الشخصي هو يعادي الكيان الصهيوني ، لديه نظرية ان ترك الكيان الصهيوني يرتكب هذه المجازر يؤدي بلا شك الى خلل في النظام العالمي ، خلل في المؤسسات الدولية التي تقف متفرجة على ما يحصل في فلسطين وتشكل خطرا على الامن العالمي من خلال إثارة الحروب واستجلاب الصراعات في المنطقة واجبار الاخرين على التدخل في هذه الحرب مما يؤثر على الاقتصاد العالمي والأمن العالمي، واكثر من يتأثر بهذا هي الدول النامية والدول التي تعاني من مشاكل اقتصادية، البرازيل بلد يعاني الكثير من المشاكل الاقتصادية، وبلا شك فإن الحرب الروسية الاوكرانية والحرب الصهيونية في غزة تؤثر كثيرا على دورة الاقتصاد العالمي، على الامن في العالم وعلى الحركة التجارية التي تحتاجها البرازيل كثيرا.
مواقف البرازيل ليست وحيدة في اميركا اللاتينية خصوصا.. وهناك العديد من الدول التي رفعت صوتها للتنديد بالوحشية الصهيونية، وهذا العدوان السافر على الشعب الفلسطيني.. لماذا خسرت دولة الكيان هذه الجبهة؟ وكيف سينعكس ذلك على علاقاتها المستقبلية مع هذه المنطقة الحساسة والمهمة؟
هناك خسارة استراتيجية كبيرة للكيان الصهيوني داخل امريكا اللاتينية خصوصا انه قبل السابع من اكتوبر كان هناك مد انجيلي متطرف في امريكا اللاتينية وكان هناك عملية توغل في الامور العقائدية والسياسية وكنا نلاحظ ان هناك اعلام ل"اسرائيل" في الكثير من المناسبات، وهي بالمناسبة شيء هجين ومستهجن داخل امريكا اللاتينية التي تعيش وجدانا مقاوما مناهضا لكل حركات الاحتلال، واكثر ما حصل من هذه الخسائر الاستراتيجية والكبيرة هي انكشاف صورة الكيان الصهيوني بأنها ليست صورة الدولة الديموقراطية التي تعاني مما اطلق عليه الاعلام المسيطر عليه من قبل الصهاينة بأنه الإرهاب المستمر ضد هذه الدولة وضد الثقافة الغربية وثقافة الديموقراطية في الشرق الاوسط حيث ان هناك دولا كثيرة ديكتاتورية وما الى ذلك، هذه هي الصورة النمطية التي كان يسوقها الاعلام الغربي لهذه الشعوب، وكانت "اسرائيل" بالنسبة لهم تمثل ايقونة الحرية والديموقراطية وكانت الضحية دائما بحسب هذا التصوير الاعلامي، لكن تكشفت حقيقة هذا الكيان من خلال المجازر والأعمال الوحشية ومن خلال ايضا سقوط الاعلام الغربي الكبير المؤيد للكيان الصهيوني ودخول السوشيل ميديا وكل هذه الصور المتناقلة بين الناس خاصة تلك التي تم تداولها بين فئة الشباب، حيث كان هناك صدمة كبيرة لدى الشباب الذي كان يعتقد بأن "اسرائيل" هي دولة معتدى عليها فرأى بأم العين كيف هي تقوم بقتل الاطفال بالتدمير المنهجي للبنى التحتية وأسر الالاف من الشباب وحرق الاراضي وترك المستوطنين يعتدون على اصحاب الارض الحقيقيين، كل هذه الصورة رسمت فهما جديدا لمسألة الكيان الصهيوني وبرزت ايضا حقيقة الاحتلال الموجود هناك، وبرزت مظلومية الشعب الفلسطيني، وبالتالي كانت نتيجة الاعتداء الاسرائيلي على غزة مدوية في امريكا اللاتينية وايضا المد اليساري في كولومبيا مثلا التي قطعت العلاقات مع الكيان الصهيوني، والتي يردد دائما رئيس الدولة الكولومبية الخطابات المعادية للكيان الصهيوني وهو الذي انتقد منذ ايام الصمت العالمي لهذه المجازر الكبيرة التي تشكل عارا على هذا العالم الذي يرى كيف ان الدولة المصطنعة ترتكب المجازر بحق المدنيين والامنيبن، ايضا رئيس تشيلي ورئيس فنزويلا وعددا من الدول وكثير من الشخصيات السياسية والثقافية والنقابية واساتذة الجامعات والفنانين ألقوا تصريحات مدوية جدا بما يحصل في فلسطين، ونحن نرى هنا بعض التعليقات على مواقع المؤسسات الإعلامية الكبيرة التي كانت دائما تقف الى جانب الكيان الصهيوني تعليقات بالمئات والالاف من اللاتينيين ينتقدون سياسات هذه المحطات ويدينون الاعتداء الصهيوني والاجرام الاسرائيلي، نعم هناك تحول في هذه المنطقة نتيجة وصول الصورة للمرة الاولى عبر السوشيل ميديا وعبر الكثير من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر حركة الشباب التي بدأت تشكل حالة وعي جديدة في هذه المجتمعات، ودحض كل هذه الاضاليل والأكاذيب التي كان يبثها الاعلام المؤيد للصهاينة.
من المعروف ان الجمهورية الاسلامية في ايران استثمرت الكثير في السنوات الماضية لدعم صمود دول عديدة في اميركا اللاتينية وتطوير العلاقات معها.. هل تعتقدون ان الحضور الايراني اللافت في تلك المنطقة انعكس في رفع مستوى الوعي والاهتمام بالقضية الفلسطينية؟
بلا شك حركة الجمهورية الاسلامية الإيرانية تجاه أميركا اللاتينية وتعزيز العلاقات ساعد في تصحيح الصورة للجمهورية الاسلامية ووقوفها الدائم مع عدد من شعوب أميركا اللاتينية خصوصا في فنزويلا ، لا ننسى مواقف الجمهورية الاسلامية تجاه فنزويلا ومحاربة الظلم الذي تعرض له الشعب الفنزويلي وكسر الحصار من خلال ارسال المواد النفطية والمواد الغذائية الى فنزويلا شكل حالة تعاطف من الشعب الفنزويلي تجاه الجمهورية الاسلامية في إيران وكشف الصورة الحقيقية للولايات المتحدة الاميركية ولشركائها الغربيين، نعم تعزيز العلاقات من قبل الجمهورية الاسلامية وتوجهها نحو دول امريكا اللاتينية ساعد كثيرا في ايجاد حالة الوعي والنظرة الصحيحة بإتجاه الجمهورية الاسلامية الإيرانية خصوصا في فنزويلا حيث كانت السفن الإيرانية تتجه لكسر الحصار، وكان اللاتينيون يشاهدون هذه المشهدية الرائعة التي رأوا فيها دولة جريئة استطاعت ان تكسر هذا الحصار وتدعم شعوب مظلومة محاصرة.
ما يجري في اميركا اللاتينية، وحتى في اميركا الشمالية على صعيد ثورة الطلاب وحركة الوعي الجديدة بالمظالم التي لحقت بالشعب الفلسطيني، جاء نتيجة مباشرة لطوفان الاقصى وصمود وصبر اهالي غزة خصوصا.. هل تتوقعون ان ينعكس ذلك ايجابا على صعيد القضية الفلسطينية؟ وكيف يمكن الاستفادة من ذلك؟
تحدثنا عن اهمية السابع من اكتوبر من اهمية فتح باب ما يحصل في فلسطين، معرفة حقيقة الجرائم الصهيونية، كسر الدعاية الاسرائيلية والدعاية الاميركية فيما خص الشعوب المضطهدة وحركات المقاومة التي تسعى دائما الى تحرير الارض، وهي ليست حركات إرهابية تريد ان تقوم بالعنف العبثي، كل هذه المشهدية التي رآها اللاتينيون سيما قطاع الشباب كانت مهمة جدا على صعيد اعادة قضية فلسطين الى الذاكرة اللاتينية، توضيح الصورة، وايضا ايجاد حركة سياسية كبيرة مؤيدة للدولة الفلسطينية وحركة شعبية وثقافية خصوصا داخل الجامعات، ما حصل الان يمكن الإستفادة منه في حال ذهبت الجاليات العالمية بإتجاه استثمار حالة الوعي الجديدة في امريكا اللاتينية من خلال عقد المؤتمرات ومن خلال تعزيز المعرفة اكثر في حقيقة العدوان الصهيوني والاجرام الصهيوني ومظلومية الشعب الفلسطيني، ما حصل في غزة وفي فلسطين المحتلة فتح الباب واسعا امام كل المؤيدين للقضية الفلسطينية ان يجدوا منبرا واسعا داخل امريكا اللاتينية, وأعتقد ان التغييرات على مستوى الايام القادمة وعلى المستوى البعيد سيكون لها تداعيات سيئة جدا على "اسرائيل" ونظرة الشعوب اللاتينية الى "اسرائيل"، تأييد الشعوب لأي خطوات تتخذها الحكومات مناهضة لهذا الكيان، اعتقد ان من اكثر الخسارات التي واجهتها "اسرائيل" بعد احداث السابع من اكتوبر هي كسر هذه الصورة النمطية الايجابية عن "اسرائيل" وتوضيح الصورة امام هذا العالم اللاتيني الذي كان بعيدا جدا عن هذه المشهدية، وكان متأثر كثيرا بالحملات الدعائية والحملات الدينية لكن الان اصبحت الامور واضحة جدا لدرجة ان حتى بعض القساوسة الانجيلين الذين كانوا يرفعون علم "اسرائيل" باتوا غير مقتنعين بهذه النظرة واصبحوا يخجلون من طرح هذه الشعارات وهذه الخطابات المؤيدة للكيان الصهيوني ، واصبحوا ينأوون بأنفسهم عن هذا الامر، اعتقد ان السابع من اكتوبر كان مهما جدا لكسر هذا الاجتياح الكبير للوبي الصهيوني لمنطقة أميركا اللاتينية واعادة القضية الفلسطينية الى وجدان كل ابناء هذه المنطقة، والأهم في ذلك هي القطاعات الشبابية وطلاب الجامعات الذين بدأوا يتحدثون دائما عن حقوق الشعب الفلسطيني وعن مدى جرائم وظلم هذا الكيان الذي بات يشكل ليس فقط اضطهادا للشعب الفلسطيني بل اضطهادا للانسانية وللحس الانساني حينما يرى الكثير من الناس أشلاء الاطفال والبيوت المدمرة وكل هذه الغطرسة الصهيونية هم ايضا يتأثرون بهذا الامر، وبالتالي اعتقد انها من اكبر الخسائر الاستراتيجية للكيان الصهيوني الذي سيشهدها بعد انتهاء الحرب في غزة.
/انتهى/