وكالة مهر للأنباء_ وردة سعد: استمرار المقاومة في الجمع بين صلابة ميدانية غير مسبوقة في هذه الصراعات وبين حكمة سياسية، تدل على نضج وعلى فهم عميق لمجريات الصراع ولاساليب المواجهة.
شد الحبال حول اتفاق الهدنة لا زال قائما، تارة يعلن عن ان خلال ايام سيتم البدء بالهدنة وتارة يعلن عن ايقاف المفاوضات وطبعا نتنياهو ليس لصالحه ايقاف الحرب، فهو يعمل جاهدا بتغطية من الادارة الاميركية على مواصلة العدوان وحرب الابادة هذه الحرب الصهيونازية على اهلنا في غزة.
تشير الغارديان عن مسؤول أممي مقيم بغزة: القنابل التي ألقتها "إسرائيل" بزنة 2000 رطل غيرت التضاريس الفعلية القطاع. عناوين متنوعة طرحتها مراسلة وكالة مهر للأنباء، الأستاذة وردة سعد، على الرئيس المؤسس للمنتدى القومي العربي، الأستاذ معن بشور، وجاء نص الحوار على النحو التالي:
لاول مرة بدأنا نسمع عن اخبار التفاؤل بشأن المفاوضات الجارية في القاهرة والدوحة لترتيب صفقة لتبادل الاسرى وانهاء العدوان على غزة..هل يمكن البناء على هذه التسريبات؟ وما امكانية التوصل الى اتفاق فعلا في الايام القادمة؟
لا شك ان من يتابع جولات المفاوضات من اجل وقف الحرب في غزة يلاحظ ان اخبار موجات من التفاؤل تطغى لفترة ثم تأتي العراقيل والعوائق لتفشل تلك التوقعات، ولكن في المرة الأخيرة بدا ان فرص التوصل لاتفاق هي اكثر من أي مرحلة سابقة، والسبب في رأيي هو ان الوضع العسكري والسياسي والإعلامي والاقتصادي والسمعة الدولية لهذا العدو قد تراجعت كثيراً، خصوصاً مع تصاعد عمليات المقاومة داخل القطاع وعلى مستوى جبهات المساندة خصوصاً الجبهة اللبنانية، لذلك اعتقد الكثيرون انه ربما الوقت قد حان من اجل ان يخرج الاحتلال الصهيوني وداعموه من المأزق الذي وضعوا انفسهم داخله منذ أن اختاروا طريق العدوان على غزة والرد على عملية "طوفان الأقصى" المباركة.
واعتقد ان هذا التراجع تجلى مع ارتفاع أصوات من المؤسسة الأمنية والعسكرية تنادي بإقرار الصفقة بالإضافة الى المظاهرات الشعبية والى المواقف السياسية ناهيك عن تصاعد الضغط الدولي على المستوى الشعبي من أجل وقف القتال في غزة. لذلك ظن الكثيرون ان الصفقة ستجد طريقها الى التطبيق وفق شروط المقاومة التي كانت أيضاً حريصة ان تبدي إيجابية لكي لا تتحمل مسؤولية عرقلة هذا الاتفاق وعرقلة وقف الحرب.
لكن بالتأكيد علينا ان لا نستبعد ان يسعى نتنياهو والفريق المتطرف بحكومته الى تجاهل هذه الوقائع والاستمرار بحرب الإبادة التي يشنونها على غزة كطريق للانتقام من مقاومة تحقق كل يوم إنجازات في مواجهتها مع هذا العدو، ولذلك اعتقد ان الكلمة النهائية تبقى للميدان فاذا استمرت المقاومة في تفعيل عملياتها النوعية المميزة ضد هذا العدو سواء في فلسطين في غزة في الضفة او في جبهات المساندة لا سيّما في لبنان فإن العدو سيرضخ كما رضخ في مرات سابقة خصوصاً في لبنان عام 2006 الذي نعيش هذه الأيام الذكرى 18 للانتصار اللبناني المؤزر في وجه العدوان الصهيوني.
هناك اكثر من مسؤول اميركي يشارك في ايجاد المخارج للعراقيل التي يضعها نتنياهو امام اي اتفاق لانهاء العدوان على غزة.. هل فعلا باتت واشنطن تمارس ضغطا جديا لاغلاق هذا الملف؟ وكيف نصدق ذلك في وقت باتت فيه هيبة الولايات المتحدة في الحضيض جراء الاهانات الاسرائيلية؟
لا شك ان هناك داخل الولايات المتحدة الأميركية رأيان رأي يمثله متطرفون معروفون من المحافظين الجدد الذين كانوا وراء توريط بلادهم في حروب فاشلة، خصوصاً في أفغانستان وفي العراق وفي أوكرانيا، ولكن أيضاَ هناك فريق اخر يعتقد ان مصلحة الولايات المتحدة كما مصلحة الكيان الصهيوني نفسه هو في الخروج بأسرع وقت ممكن من هذا المستنقع الذي ورط نتنياهو وداعموه. نفسهم به.
ومن هنا فما يقال عن الميدان بالنسبة للجانب الإسرائيلي، ودور الميدان في حسم الأمور، يجب ان يقال عن الموقف الأميركي فبمقدار ما تتصاعد المقاومة وبمقدار ما يتصاعد تفاعل جبهات المساندة معها الممتدة من لبنان الى سورية فالعراق فاليمن فالجمهورية الاسلامية في ايران، وبمقدار ما يتصاعد الضغط الشعبي العربي والعالمي، وبمقدار ما يتصاعد الضغط داخل الولايات المتحدة نفسها فإن الموقف الأميركي الذي بقي منحازاً للعقل الأكثر تطرفاً داخل الكيان الصهيوني سيتغير بمصلحة لجم هذا الكيان وحرصا بالمصالح الأميركية الكبيرة في منطقتنا.
ولكن كما علمت هناك "استقبال شعبي" كبير لنتنياهو في 24 من هذا الشهر خلال زيارته للولايات المتحدة لإلقاء كلمته في الكونغرس الأميركي في مبنى الكابيتول حيث قرر احرار في الولايات المتحدة من خلال تحالف (Answer) الذي يضم عشرات الهيئات الأميركية المناهضة للحرب، الدعوة الى محاصرة مبنى الكابيتول حيث من المفترض ان يلقي نتنياهو كلمته وتتضمن المحاصرة ايضاً دعوة لاعتقال نتنياهو خلال زيارته، اعتقد ان هذه الأمور من شأنها ان تضغط على واشنطن في ان تحسم موقفها وان تمارس ضغوطاً جدية على الكيان الصهيوني لوقف الحرب.
جيش الاحتلال لا يزال يقترف المجازر في غزة، بل ويمارس الانتهاكات دون ردود فعل دولية مناسبة، هل ترى ان ذلك استمرار لحرب الابادة ام انه جزء من لعبة التفاوض تحت النار؟ ولماذا لا يكون ذلك هو الهدف الحقيقي بينما تماطل حكومة الاحتلال في المفاوضات لكسب الوقت؟
لا شك ان جيش الاحتلال باستمراره في اقترافه المجازر والجرائم وحرب الإبادة بحق أهلنا في غزة في محاولة منه لكسر إرادة المقاومة، ولكسر صمود الشعب الفلسطيني في هذه المعركة التاريخية التي يخوضها، ولكن أيضاً اعتقد ان هذه الوحشية المفرطة التي يمارسها المحتل هي تعبير عن شعور بالعجز وبالفشل في تحقيق أهدافه المعلنة وغير المعلنة، التي اعلن عنها قبل 300 يوماً مع بدء ملحمة "طوفان الأقصى" التي نعيشها حتى هذه الساعة، واعتقد ان العدو الصهيوني يرضي بهذه الجرائم شهوة الاجرام والقتل داخل مجتمعه الذي كان يميل اكثر فأكثر نحو التطرف ونحو الوحشية والاجرام، لا بل ان هذه الوحشية تكشف الطبيعة العنصرية والفاشية لهذا الكيان العنصري الاستعماري الاحتلالي في فلسطين، وهي تحقق امرين في آن معاً الامر الأول انها تكشف بطولات الشعب الفلسطيني الذي رغم تعرضه لمذبحة من أبشع المذابح التي عرفها عالمنا المعاصر يتصدى لها بكل بطولة وصمود وشجاعة، وثانياً تكشف حقيقة هذا العدو وحقيقة ادعاءاته، وحقيقة داعميه الذين يتشدقون بحقوق الانسان والحرية والديمقراطية. بل يدعمون واحدة من اكبر المجازر التي عرفها تاريخنا المعاصر. بكل الأحوال لا اعتقد ان هذه الوحشية ستؤدي الى أي نتائج سوى انها تكشف عجز العدو عن تحقيق إنجازات على الأرض وتكشف طبيعته الاجرامية المتوحشة.
ما هي المرونة التي قدمتها المقاومة لتسهيل الحل الذي يجري العمل عليه؟ وهل ترى ان تقديم تنازلات للعدو يدفعه للتطرف اكثر على امل المزيد من المكاسب؟
لقد أظهرت المقاومة وفي مقدمها حركة (حماس) حكمة عالية في تعاطيها مع مشاريع الاتفاقات والصفقات المطروحة امامها، وهي حكمة لا تقل أهمية عن البراعة والبطولة والكفاءة القتالية التي أبدتها المقاومة في ساحات القتال.
لقد كان للانتصار في هذه المجابهة عاملان؛ براعة ميدانية وحكمة سياسية، ففي هذه الحكمة السياسية نجحت المقاومة في تفويت الفرصة امام كل المحاولات التي حاولت ان تصور انها هي المعرقلة لأي اتفاق فيما هي أبدت نواح إيجابية في أمور هامشية ولكنها بقيت متمسكة بالعناصر الأساسية لأي اتفاق يمكن الوصول اليه وفي مقدمها وقف دائم لاطلاق النار، وانسحاب كامل من القطاع، وعودة النازحين، وفتح المعابر للمساعدات الإنسانية واعمار القطاع، ناهيك عن صفقة تبادل عادلة للأسرى من الجانبين، لقد اثبتت المقاومة انها ثابتة بتمسكها بالمطالب الرئيسية، وانها مرنة في بعض التفاصيل غير المخلة بروح الاتفاق، وهذا يؤكد امرين، يؤكد على قوة المقاومة وثباتها في الميدان، ويؤكد على عقل سياسي يدرك التعقيدات السياسية المحيطة بهذه المعركة، خصوصاً ان وراء العدو قوى كبرى في العالم تمدّه بالمال والسلاح والرجال، وفي مقدمها الإدارة الأميركية ، ناهيك عن تخاذل رسمي عربي واسلامي مشين. اظن ان استمرار المقاومة في الجمع بين صلابة ميدانية غير مسبوقة في هذه الصراعات وبين حكمة سياسية تدل على نضج وعلى فهم عميق لمجريات الصراع ولاساليب المواجهة.
/انتهى/