اعتبرت استاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدكتورة، هالة أبو حمدان، أن قرار محكمة العدل الدولية تجاه القضية الفلسطينية، بمثابة "مكسب كبير للقضية الفلسطينية كونه يشكّل مستندًا قانونيًا لجميع من يقاوم المشاريع الصهيوأميركية في فلسطين". 

وكالة مهر للأنباء_ وردة سعد: أحيا طوفان الأقصى القضية الفلسطينية، وأعادت صور المجازر القادمة من غزة القضية إلى واجهة العالم، ودفعت بشعوب العالم إلى الضغط على حكوماتها لاتخاذ مواقف تجاه ما يحصل.

ومن صور هذه المواقف، ما أكدته محكمة العدل الدولية، في رأيها الاستشاري الصادر اليوم (19 يوليو/ تموز)، بأن الكيان الصهيوني قانونيا ينتهج سياسة الاحتلال والاضطهاد ضد الشعب الفلسطيني. وبحسب الرأي، يجب على الاحتلال الصهيوني أن ينهي وجوده في الأراضي الفلسطينية على الفور وأن يعوض عن الأضرار التي سبب بها.

حول الملف القانوني لما يحصل من تطورات في المحكمة الدولية تجاه الكيان المؤقت، أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء، الأستاذة وردة سعد، حواراً صحفياً مع استاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدكتورة، هالة أبو حمدان، وجاء نص الحوار على النحو التالي:

الرأي الاستشاري الصادر اخيرا عن المحكمة الدولية كان لافتا في العبارات التي اختارها لتوصيف الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية.. فكيف قرأتم هذا البيان؟ وما اهم النقاط التي يمكن الوقوف عندها فيه برأيكم؟

رغم عدم إلزامية الآراء الاستشارية الصادرة عن محكمة العدل الدولية، إلا أن العرف يقضي بأنّ للآراء التي تبديها محكمة العدل قيمة قانونية إلزامية. وتكمن أهميتها في الضغط المعنوي على قوة الاحتلال الصهيونية، وعلى إبراز مخالفتها للقوانين الدولية وعدم أحقيتها بالبقاء في الأراضي المحتلة. وهو يسقط كلّ الاتفاقيات التي حصلت بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل"، ولا سيما اتفاق "أوسلو" وما تلاه.
إن أحد أشكال المقاومة هي المقاومة القانونية. واللجوء للقضاء الدولي أو للاستشارات الدولية هو أحد أشكال النضال ضد استمرار الاحتلال الصهيوني، ولنزع الشرعية عن إقامة المستوطنات. ومن المهم جداً أن تدعو المحكمة ما يسمى بدولة "إسرائيل" لوضع حد لاستمرار وجودها في الأراضي المحتلة والذي وصفته المحكمة بأنه "غير مشروع". أما المستوطنات، فقد وصفتها بالنشاط الاستعماري ودعتها لإزالتها، مع إصلاح كل ضرر مادي ومعنوي تسببت به للفلسطينيين. أيضاً، من المهم جداً اعتبار المحكمة أن من واجب كل الدول عدم الاعتراف بمشروعية الوضع الناجم عن الوجود غير المشروع لدولة الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن واجبها عدم تقديم أي مساعدة أو عون لاستمرار الوضع الناجم عن وجود كيان الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة. أخيرا وضعت المحكمة على عاتق المنظمات الدولية، وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة ومختلف هيئاتها واجب عدم الاعتراف بالأوضاع غير المشروعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وهذا مكسب كبير للقضية الفلسطينية كونه يشكّل مستندًا قانونيًا لجميع من يقاوم المشاريع الصهيوأميركية في فلسطين.

ماذا يعني ان تصر المحكمة الدولية على اصدار مثل هذا الرأي رغم الدعوات للامتناع عن ذلك؟ وماذا يعني ابقاء ملف الاحتلال مفتوحا على الطاولة في هذا الوقت بالذات؟ على الرغم من الضغوط الاميركية والبريطانية للحد من تدخل المحكمة واصدار قرار توقيف بعض المسؤولين في كيان الاحتلال؟

ليس من اختصاص محكمة العدل الدولية إصدار قرارات توقيف بعض المسؤولين إنما هو اختصاص المحكمة الجنائية الدولية. هذه الأخيرة هي التي بإمكانها ملاحقة الأفراد جزائياً بسبب جرائم الحرب أو جرائم ضد الإنسانية وغيرها من الجرائم الدولية الخطيرة. في حين أن محكمة العدل الدولية تتمتع باختصاص قضائي يسمح لها بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، كما تتمتع باختصاص استشاري يسمح لهيئات هذه المنظمة بالتوجه إلى المحكمة لطلب رأيها الاستشاري بخصوص مسألة قانونية. من الأمثلة، الرأي الاستشاري الذي أصدرته المحكمة بناء على طلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة، بخصوص شرعية الجدار العازل الذي تقوم إسرائيل بتشييده على الأراضي الفلسطينية. وأدلت المحكمة برأيها الاستشاري، في 9/7/2004، وأكدت فيه مخالفة بناء الجدار الفاصل لقواعد القانون الدولي، ورأت أنه لا يمكن اعتباره دفاعاً عن النفس ولكن دفاعاً عن الاحتلال، وأكدت ضرورة وقف استكماله وإزالة ما تم بناؤه، وطالبت بتعويض الفلسطينيين عما لحق بهم من إضرار في الأراضي والممتلكات.

أما لماذا إصرار المحكمة على إصدار هذا الرأي رغم الضغوطات التي تتعرض لها، فإنني أعتقد أن القضية الفلسطينية قد تصدرت الاهتمامات الدولية خاصة بعد عملية طوفان الأقصى، والفظاعات التي ارتكبت في غزة أيقظ ضمائر الشرفاء حول العالم. كذلك فإن توحّد قوى المقاومة لمساندة الفلسطينيين جعل منها قضية إقليمية وعالمية وليس فقط وطنية. رغم كل التضحيات والكوارث التي حلّت بالفلسطينيين بعد السابع من أكتوبر، إلا أن من نتائجها أنه أخرج قضية فلسطين من الظل ووضعها في صدر الاهتمامات العالمية وهو ما نراه من خلال القرارات التي تصدرها المحاكم الدولية، والتي تثير غضب "إسرائيل" لأنها لم تعتد أن تُحاسب على جرائمها.

الكثيرون يتساءلون عن القيمة السياسية لمثل هذه القرارات ودورها في تغيير الواقع القائم او التأثير في مسار الاحداث.. فما تقييمك لهذا الدور؟ وهل اصبح دور المحكمة تعويضا عن العجز وغياب المسؤولية عن مجلس الامن لوقف حرب الابادة ضد الشعب الفلسطيني؟

هو ليس تعويضاً، بل هو دور مكمّل للمسارات الأخرى. بالتأكيد، في ظل موازين القوى الحالي على الصعيد العالمي، ومع الغطرسة الأميركية والإسرائيلية، فإن مجلس الأمن عاجز عن أي تحرك للتأثير في مسار الأحداث، ومنها أيضاً تنفيذ أحكام المحاكم الدولية. فلو فرضنا أن محكمة العدل الدولية أدانت إسرائيل بارتكاب جريمة الإبادة، أو أن المحكمة الجنائية الدولية أدانت بعض المسؤولين الصهاينة بارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، فإن تنفيذ هذه الأحكام يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن المكبّل بحق النقض (الفيتو). وأقرب مثال، ما حصل عند صدور قرار المحكمة الدولية الصادر في شهر كانون الثاني/يناير الماضي الخاص بالإبادة الجماعية، وهو قرار ملزم بحكم اتفاقية 1948 الخاصة بحالات الإبادة الجماعية، قوبل من قبل العدوّ بمزيد من المجازر والجرائم الواقعة تحت عنوان جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وذلك بمباركة الولايات المتحدة. لكن هذا الواقع يجب الا يؤدّي إلى اليأس من المسارات القانونية. حتى لو لم تنفذ هذه القرارات فهي تشكّل ضغطاً معنوياً هائلاً على الكيان الصهيوني وداعميه، وتنزع صفة الشرعية عن أعماله، وتضفي مشروعية على مقاومته كونه قوة احتلال غير قانوني.

حكومة الكيان الصهيونى تدير ظهرها للقرارات الدولية ولكل المؤسسات الدولية.. بعد ان اهان مندوبها في الامم المتحدة علنا هذه المنظمة والعديد من دول العالم.. فلماذا يجرؤ هذا الكيان على مثل ذلك دون حساب؟ وهل الامر يتعلق بضعف المؤسسات الدولية والحاجة الى اصلاحها ورفع الهيمنة عليها؟

نشأ النظام الدولي الذي نعيش في ظله اليوم بعد الحرب العالمية الثانية، وقد وضع أسسه الدول التي انتصرت في تلك الحرب. لذلك نرى هيمنة غربية (بالمعنى السياسي وليس الجغرافي) على المؤسسات الدولية، ونرى ازدواجية معايير واضحة في تلك المؤسسات حتى القضائية منها. من هنا، نرى مثلاً هبّة غربية ضد روسيا لحربها في أوكرانيا، مقابل مساندة لامحدودة "لإسرائيل" في عدوانها الوحشي غير المسبوق على غزة. وهذا سبب الغطرسة الإسرائيلية وتجرؤ مندوب الكيان الصهيوني على الأمم المتحدة وحتى على المحاكم الدولية دون خوف بسبب الدعم اللامتناهي الذي يلقاه هذا الكيان. فهو يعتبر نفسه خارج القانون الدولي وخارج المساءلة القانونية، بدليل ردّه بالتصعيد في فلسطين ردًا على رأي محكمة العدل. لا شك أن المؤسسات الدولية بحاجة لإصلاح. لكن في ظل موازين القوى الحالي، لا مصلحة لأي طرح من هذا النوع، إذ قد يؤدّي إلى مزيد من الهيمنة الأميركية على المؤسسات الدولية.

في اطار تحديه للمجتمع الدولي والتنكر لقرارات مجلس الامن يركز كيان الاحتلال حملته على منظمة الاونروا بعد ان وجه لها اتهامات كاذبة في بداية حربه على غزة.. لماذا برأيكم يتعمد الاحتلال الغاء دور هذه المنظمة؟ وهل سيتمكن المجتمع الدولي من احباط هذه المؤامرة ؟

كان لمنظمة الأونروا دور إيجابي جداً في مساندة الشعب الفلسطيني وتقديم المساعدة له على عدة أصعدة، سواء التعليمية أو الصحية أو الغذائية وغيرها. هذه المساعدات تقف عائقاً أمام الكيان الصهيوني في مخططه لإبادة الشعب الفلسطيني والقضاء عليه تماماً كما حصل في أميركا مع السكان الأصليين. لكنني أرى أن صمود الفلسطينيين وتوسع دور وسائل التواصل التي تسمح بوصول الصورة الحقيقية لما يجري، جعل أمر القضاء على الفلسطينيين مهمة مستحيلة. من هنا فإن المؤامرة الصهيونية بإلغاء منظمة الأونروا ستكون صعبة التحقق وإن لم تكن مستحيلة في ظل الانحياز الغربي الكبير للصهاينة.

بالعودة الى المحكمة الدولية التي سبق ان اصدرت قرارا مبدئيًا بوجود ادلة كافية حول حرب الابادة العنصرية ضد الشعب الفلسطيني في غزة .. فمتى يمكن ان تصدر المحكمة قرارا اتهاميا لكيان الاحتلال بارتكاب هذه الجريمة ؟ وما الذي سيترتب على ذلك في حال صدوره؟

القضايا الدولية، للأسف، تأخذ وقتاً طويلاً نسبياً قبل صدور قرارات الإدانة. وهذا يقلّل من الفعالية التنفيذية لهذا الأحكام. إذ تكون الأحداث التي يصدر الحكم بشأنها قد انتهت، أو أن النزاعات قد وجدت طريقها للحلّ، أو أن الحكومات قد تغيرت، الخ... ومعضلة القانون الدولي هي عدم امتلاكه أداة تنفيذية محايدة لتنفيذ أحكامه، بل إن هذه القوة تتمثل في مجلس الأمن الذي سبق وقلنا أنه مكبّل بحق النقض، وبسيطرة القوى العظمى عليه مما يجعل تنفيذ الأحكام القضائية الدولية محكوم بالمصالح السياسية لهذه القوى. لكن كما سبق القول، يجب ألا يدفعنا هذا الأمر لليأس من المحاكم الدولية لأن فعل المقاومة متعدّد الجبهات: منها العسكرية ومنها السياسية ومنها الإعلامية ومنها الثقافية ومنها القانونية. هذه الأخيرة، كما سبق وأشرنا، تشكّل ثقلاً معنوياً كبيراً لمناصرة القضية الفلسطينية ولإظهار الحق الفلسطيني والإجرام الإسرائيلي. رأي محكمة العدل الدولية ليس سوى محطة جديدة في المسار المتدرّج الحتمي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

/انتهى/