صرح الكاتب والباحث السياسي الاستاذ "غالب سرحان"، أن "المنطقة دخلت في مرحلة جديدة من التصعيد عنوانها إفشال الأهداف الاسرائيلية من هذا التصعيد، فالعدو حاول من خلال عدوانه توجيه ضربة كبيرة لبنية المقاومة ولبيئتها في سياق ضغطه لفك جبهة الإسناد اللبنانية عن جبهة غزة".

وكالة مهر للأنباء _ وردة سعد: الجرائم الجبانة الحاصلة في لبنان تؤكّد أنّ الإرهاب الصهيوني مصرٌ على توسيع حربه على لبنان...لم يحصل على مر التاريخ البشري وبظرف يومين ان تقع مثل هكذا جرائم صهيونية نازية فاشية كالتي حصلت في لبنان، فقد كان العدو يفكر بقتل 5000 شخص بدقيقتين من خلال تفجير البيجر واللاسلكي والضربة الاخيرة بالقرب من مجمع القائم، والتي أسفرت عن عدد من الشهداء والجرحى وهنالك واكثر من اربعين مفقودا.

وما ذنب الشعب اللبناني والبيئه الحاضنة للمقاومة لكي تقع هذه المجازر وبهذه الوحشية إلا وقوفهم الى جنب الشعب الفلسطيني المظلوم والقضيه الفلسطينية.

ولكن لن توقف الجرائم الصهيونية جبهة الإسناد اللبنانية الا إذا وقفت المجازر الحاصله والإبادة الجماعيه في قطاع غزة. وهذا ما اكده سماحة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.

عناوين ومواضيع متنوعة ناقشتها مراسلتنا، الأستاذة وردة سعد، مع الكاتب السياسي الاستاذ "غالب سرحان"، وجاء نص الحوار على النحو التالي:

يومان من العدوان الصهيوني الالكتروني على لبنان اوقع عشرات الشهداء وآلاف الجرحى، هل دخلنا في مرحلة حرب جديدة ليست عسكرية وكيف تقرأون هذا التصعيد ؟

بالتأكيد دخلنا وربما دخلت المنطقة كلها في مرحلة جديدة من التصعيد عنوانها إفشال الأهداف الاسرائيلية من هذا التصعيد. فالعدو حاول من خلال عدوانه توجيه ضربة كبيرة لبنية المقاومة ولبيئتها في سياق ضغطه لفك جبهة الإسناد اللبنانية عن جبهة غزة، وهذا ما نقل الحرب الى مرحلة جديدة لا يمكن القول انها ليست عسكرية بل هي عسكرية بامتياز لأن الحرب هي الحرب، أمنيةً كانت ام الكترونية، فهي تندرج ضمن الحرب العسكرية، لكن أهداف العدو فشلت، فلا هو نجح في ضرب بنية المقاومة بدليل استمرار قدرتها على القيادة والتحكم والسيطرة، ولا هو استطاع احباط بيئة المقاومة بدليل ما رأيناه من التفاف سياسي رسمي وشعبي حولها، ولا هو فك مسار لبنان عن غزة بدليل ما أثبتته بالنار عبر كثافة صواريخها ومسيراتها بعد المجزرتين ولهذا فإن قراءة هذا التصعيد تفضي الى ان العدو حاول أن يهرب من فشله بتحقيق ولو هدف واحد من أهدافه في غزة، ويحاول التغطية على حال التشظي الداخلي وانقساماته السياسية والعسكرية، بالهروب الى الامام عبر تهديدات كبيرة وتوسيع بيكار الاهداف بإضافة هدف رابع للحرب، أي إعادة المستوطنين الى الشمال وهو من رابع المستحيلات، لأن صواريخ المقاومة ومسيراتها قادرة على منعهم وتهجير المزيد منهم في العمق الاسرائيلي. وبين هذا وذاك يبقى ردّ المقاومة على مجزرتي الثلاثاء والاربعاء هو الذي سيحدد طبيعة المرحلة لأنه سيكون مغايراً وغير مسبوق هذه المرة كون الجرح كبير وعميق وموجع من جهة، وللحفاظ على تماثلية وتناسبية الردع من جهة ثانية.

لبنان في حالة حرب فعلية مع جيش الاحتلال، لكن الواقع ان هذه الحرب محصورة في مناطق محددة في الجنوب والبقاع الغربي.. بينما بقية اللبنانيين يعيشون حياة طبيعية.. فهل ترى في ذلك مصلحة للبنان؟ وما هي الرؤية التي تجعل المقاومة تضع هذه السقوف للمواجهة الراهنة في اطار مساندة غزة ومقاومتها؟

أولاً: كون الحرب محصورة في مناطق محددة فهذا قرار حكيم ووسام مهارة يعلق على صدر المقاومة وذلك لقدرتها على هذا الحصر، بالرغم من محاولات العدو توسيع الحرب من جهة، وبالرغم من تحملها ثمناً باهظاً من خلال مئات الشهداء وألاف الجرحى، وتحمُّل بيئتها في هذه المناطق كلفة مماثلة بنزوحها منها بعدما دُمِّرت بيوتها ولا تزال، وذلك كله إسناداً لغزة اولاً وكي يعيش باقي لبنان حياة طبيعية.

ثانياً: لأن العدو اذا انتصر في غزة سيتجه نحو لبنان حتماً وهنا مكمن المصلحة اللبنانية العليا في جبهة المقاومة، التي لاقت تأييداً لبنانياً رسمياً وشعبياً يتسع ويزداد يوماً بعد يوم، والمقاومة في ذلك انما تنطلق من رؤية واضحة عنوانها إسناد غزة مهما كان الثمن وإطارها حرب استنزاف مفتوحة ضمن قواعد الاشتباك التي وضعتها، والتي يحاول العدو تغييرها اليوم لاستعادة الردع المتآكل في جيشه المنهار.

على الرغم من المصلحة اللبنانية المباشرة في حرب الاسناد التي تخوضها المقاومة ضد جيش الاحتلال، فإن بعض اللبنانيين، وان كانوا قلة، يواصلون معارضة هذه الخطوة، والاستهانة بالتضحيات التي تقدمها المقاومة وحاضنتها.. ما تفسيرك لذلك؟ وهل عمقت هذه الحرب الخلافات بين اللبنانيين ام انها ظهرتها الى العلن ؟

إسمحي لي أن أقول أن الذين يعارضون المقاومة ويستهينون بتضحياتها إنما يضعون أنفسهم في جبهة العدو الاسرائيلي ولو بطريقة غير مباشرة، فكيف اذا كان هؤلاء معروفون بتاريخهم الحافل في العمالة لهذا العدو ؟ وكيف اذا كان بعض هؤلاء يراهن على نصر اسرائيلي وهزيمة للمقاومة لتحقيق مكاسب سياسية ضمن حساباته الضيقة ؟ الجواب يفضي الى التذكير بارتباطات هؤلاء مع الخارج وتحديداً الأميركي والغربي بشكل عام، ما يجعلهم مجرد ادوات وابواق لا تقدم ولا تؤخر في نتائج هذه الحرب التي لم تعمق الخلافات بين اللبنانيين، بل على العكس من ذلك هي قربت المسافات بينهم، وهذا ما شهدناه خلال المجزرتين عندما هرع المواطنون للتبرع بالدم والعيون والكلى، وعندما التفَّ السياسيون حول المقاومة وكلما زاد الضغط الاسرائيلي عليها كلما زاد الاحتضان اللبناني لها وهذا ما يسقط مفاعيل هذا العدوان .".

يغرق لبنان الرسمي في ازمة طال امدها تعرف باسم الازمة الرئاسية، وعدم القدرة على انتخاب رئيس للجمهورية منذ نحو سنتين.. لماذا تحول انتخاب الرئيس الى ازمة؟ وهل المشكلة في الاليات الدستورية ام في تطلعات بعض القوى لاستغلال الازمة لأهداف سياسية ؟

هذه الأزمة ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة، ولا هي المرة الأولى في تاريخ لبنان، فهو منذ استقلاله عام 1943 غارق في الأزمات ومنها انتخاب رئيس الجمهورية الذي يتحول الى أزمة عندما يستعر أوار الخلافات الداخلية على الخيارات السياسية الكبرى وفقاً لحسابات كل فريق داخلياً وخارجياً، وهذه المرة لعبت نتائج الانتخابات البرلمانية دوراً في تكريس الأزمة، من خلال عدم قدرة اي فريق على الحسم، لعدم تمكنه من الإتيان بأغلبية برلمانية، وهذا ما جعل بعض الفرقاء يستغل هذه التوازنات لتحصيل مكاسب سياسية من خلال ابتزاز فرقاء آخرين في تحالفات مقابل أثمان سياسية، وهو ما يطيل من عمر هذه الأزمة. ربما تكون بعض جزئيات المشكلة في الآليات الدستورية التي تحتاج الى تعديلات ولكن المشكلة الأكبر تبقى في المحددات السياسية التي تحكم توجهات الرئيس العتيد والتي تخضع لشد حبال إقليمي ودولي على متن تطلعات بعض القوى السياسية اللبنانية.

بعض المرجعيات الدينية والقوى السياسية اللبنانية تحمل المقاومة مسؤولية الفراغ الرئاسي.. وتربط بين انتخاب الرئيس الجديد والازمات الاقليمية.. فهل ترون اي صلة بين الازمة اللبنانية الداخلية وما يجري في المنطقة وخصوصا الحرب على غزة؟ ولماذا تنعكس الازمات الخارجية على لبنان خصوصا ؟

المقاومة كمقاومة متفرغة لمواجهة العدو الصهيوني ولا علاقة لها ولا شأن بالفراغ الرئاسي وبالأزمة الرئاسية، ولهذا فإن "الثنائي الوطني" ( حزب الله- حركة أمل) سمّى ودعم ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية للرئاسة، وهذا من حقه، شأنه في ذلك شأن أي فريق آخر كخيار لبناني بحت، ولا علاقة للأزمة بحرب غزة لأنها بكل بساطة بدأت قبل "طوفان الأقصى" بعام. لذلك المسألة هي بنية لبنان التكوينية، لأنه أُنشئ أصلاً ليكون متنفساً لأزمات المنطقة وأنظمتها وربما العالم، ليكون له دور وظيفي وفق الحاجة وحسب العرض والطلب، وهو ما عبرت عنه الحرب الداخلية عام 1975 التي أسماها الراحل غسان تويني "حروب الآخرين على أرضنا" ،ولهذا من الطبيعي ان يتحول انتخاب رئيس الجمهورية الى أزمة كلما كانت هناك أزمات وخلافات إقليمية أو إقليمية- دولية، لأن الرئيس يأتي بتوافق داخلي ولكن بقرار خارجي وذلك بسبب الخلافات اللبنانية أولاً وانقسام الإقليم الى محاور ثانياً.

الولايات المتحدة وفرنسا وبعض الدول العربية يلعبون دور الوسيط بين اللبنانيين.. بينما يرى البعض ان اميركا هي السبب الاول لما يعانيه البلد سواء على الصعيد الاقتصادي او السياسي من ازمات وتوترات.. فأين هي الحقيقة؟ وهل الخارج محايد ووسيط ام انه المحرض على الخلافات وتحريض بعض القوى اليمينية على الفتنة؟

لا حياد في السياسة وإلا لما كانت سياسة أصلاً،ولا وساطة أميركية او فرنسية او عربية او غيرها ،ولا وسيط محايداً عموماً . فالولايات المتحدة والدول الغربية تبحث عن مصالحها بأية وسيلة وثمن، ليس في لبنان فقط بل في المنطقة كلها وفي كل العالم، وهذا ما جعلها سبب البلاء الأكبر لكل الدول التي تتدخل في شؤونها الداخلية وتحديداً التي لا تنخرط في فلكها أوتخضع لسياساتها، والنماذج كثيرة من حصارها المفروض على الجمهورية الاسلامية في ايران، وقبلها العراق وغزة واليمن، مروراً بحصارها المفروض على سوريا بما يسمى "قانون قيصر "، وصولاً الى لبنان الذي تسببت بأنهياره الاقتصادي وتمنع عنه المبادرات والعروض الدولية لحل أزمة الكهرباء مثلاً فيما تتحول الأصابع الأميركية الغربية الى محرك للفتنة عبر أدواتها الداخلية عند كل مفصل واستحقاق.

/انتهى/