أفادت وكالة مهر للأنباء أن "علي أكبر ولايتي"، مستشار القائد الأعلى للشؤون الدولية، أجرى مقابلة مفصّلة مع صحيفة "فايننشال تايمز" تناول فيها التطورات الأخيرة في المنطقة، ونص المقابلة كالتالي:
ما رأيكم في هجوم إسرائيل على المواقع العسكرية الإيرانية؟
في البداية، أود أن أشكر جميع القوات المسلحة لجمهورية إيران الإسلامية، وخاصة الجيش والحرس الثوري، الذين تصدوا بشجاعة للمعتدين. ما قام به الكيان الصهيوني كان جعجعة بلا طحين. إيران هي دولة عريقة وصامدة عبر التاريخ، وأبناء الشعب الإيراني هم المدافعون عنها. إذا أردنا أن نرى تأثيرات وقاحة الصهاينة، يكفي زيارة المدن والقرى وسؤال الناس. لقد قوض هذا التصرف من هيبة الكيان الصهيوني، بل وأدى إلى انتقاده حتى من قبل داعميه. من منظور المراقبين، كانت هذه الخطوة ضئيلة التأثير تجاه إيران، التي تُعد الدولة الوحيدة في العالم التي تمكنت من اختراق قبة الكيان الصهيوني الحديدية.
إلى أي مدى تقلق إيران من الانجرار إلى صراع إقليمي واسع مع إسرائيل؟
الكيان الصهيوني أصغر من أن يدخل في مواجهة مع إيران، التي تُعد قوة إقليمية ودولية، لكنه كطرف يؤجج الأزمات قد يشعل الشرق الأوسط، الذي يُعد أكثر مناطق العالم حساسية، ويشعل شرارة في برميل بارود المنطقة. إيران دولة قادرة على حماية نفسها وحلفائها من هذا التصعيد، والمجموعة الوحيدة التي يمكنها وضع هؤلاء الصهاينة الأشرار عند حدهم هي محور المقاومة. لم نكن في التاريخ المبادرين إلى أي حرب، والحرب المفروضة خير دليل على ذلك. لكننا نتعامل بحزم مع أي اعتداء، بحيث نجعل المعتدي يندم على فعلته.
هل قدمت الولايات المتحدة عرضاً لإيران لتخفيف التوتر؟
الولايات المتحدة تلعب دورًا مزدوجًا؛ فهي من جهة تسلّح الكيان الصهيوني بلا قيد أو شرط وتدعمهم في المحافل الدولية دون اتخاذ أي خطوة جدية لمنع جرائم هذا النظام الذي يقتل الأطفال. ومن جهة أخرى، يصرّح مسؤولوها الرسميون بما يتماشى مع مصالح إسرائيل، ثم يُفعّلون المتقاعدين والوسطاء وجماعات الضغط الإقليمية مدعين أنهم يريدون منع التصعيد. نحن لا نثق في نوايا الولايات المتحدة، لذا فإن الدعم المباشر وغير المشروط لإسرائيل من جهة، والدعوة للهدوء من خلال وسطاءها من جهة أخرى، هما وجهان لعملة واحدة."
هل ترغب إيران في استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة حول خفض التوترات الإقليمية وحل الأزمة النووية؟
لطالما كانت قنوات الاتصال موجودة، لكن أمريكا أظهرت أنها لا ترغب في خفض التوتر. التجربة الطويلة والمريرة التي خاضتها إيران في التفاوض مع أمريكا تُظهر أنها لا يمكن الوثوق بها. وأبرز مثال على ذلك هو الاتفاق النووي ، حيث دعمت إدارة أوباما هذا الاتفاق بشكل مباشر وغير مباشر، لكن في عهد الرئيس التالي، ترامب، أُلغي الاتفاق بالكامل، مما أدى إلى وجود سابقة موجعة في علاقات إيران وأمريكا.
في إحدى المرات، سافر المرحوم الدكتور محمد مصدق إلى واشنطن لكسب دعم أمريكا، والتقى بالرئيس الأمريكي آنذاك هاري ترومان ووزير الخارجية دين أتشيسون، وحصل على وعود بدعم إيران في تأميم صناعة النفط. لكن بعد وصول دوايت آيزنهاور من الحزب الجمهوري إلى السلطة، تم التخلي عن الوعود التي أُبرمت مع الحكومة الوطنية الإيرانية، وتعاون مع بريطانيا لتدبير مؤامرة "آجاكس" للإطاحة بالدكتور مصدق. كان كيرميت روزفلت، حفيد الرئيس الأمريكي الأسبق روزفلت، على رأس هذه المؤامرة الأمريكية-البريطانية، وأعاد محمد رضا شاه إلى العرش، مما أحبط جهود إيران في تأميم النفط.
بعد عدة أشهر من سقوط مصدق، تم تشكيل كونسورتيوم حيث حصلت أمريكا على 40% من عائدات النفط الإيراني، و40% لبريطانيا، وتم تقسيم الـ20% المتبقية بين فرنسا وهولندا وإيطاليا. ومثّل الولايات المتحدة في الكونسورتيوم هوارد بيج من شركة "ستاندارد أويل" في نيوجيرسي، بينما مثّل إيران الدكتور علي أميني، الذي كان من المقربين لأمريكا، واستمر نهب النفط الإيراني على هذا النحو حتى قيام الثورة الإسلامية؛ لذلك لم تُظهر أمريكا حسن نية أو التزامًا بتعهداتها رغم الفرص العديدة التي أتيحت على مر السنوات.
ما تأثير نتائج الانتخابات الأمريكية على السياسة الإقليمية والنووية لإيران وآفاق استئناف المفاوضات النووية؟
في هذا الصدد، يجب أن أقول إن "ما يقوله السيد بايدن بهدوء، يصيح به السيد ترامب." لدينا تجربة مع كليهما فيما يخص التعامل مع أمريكا، وليس لدينا على الإطلاق تاريخ إيجابي في التفاوض مع الأمريكيين. إيران اليوم لا تقارن أبداً بإيران في زمن الشاه.
إيران اليوم هي دون شك القوة الأولى في المنطقة، ولا يمكن مقارنتها بأي دولة أخرى في المنطقة، وتعد من بين الدول الأكثر تأثيراً على الساحة الدولية. السياسة الخارجية لإيران مستقلة وذات توجه نحو الشرق، لكن هذا لا يعني أنها محسوبة كليًا على أي محور شرقي. نسعى إلى إعادة تعريف التوازن مع الدول الأخرى سواء كانت غربية، شرقية، أو من دول العالم الثالث. نمد يدنا إلى أي بلد، سواء كان أوروبياً أو آسيوياً أو أفريقياً، يريد أن يتعاون معنا بصدق.
تمكنت إيران اليوم، ولأول مرة في التاريخ الحديث، من تقريب خمسة أطراف هي لبنان، سوريا، اليمن، فلسطين، والعراق، وقدمت دعمًا معنويًا لبعض الدول في أمريكا اللاتينية مثل فنزويلا، وكذلك لبعض الدول الأفريقية كجنوب أفريقيا، والدول الآسيوية.
انضمام إيران السريع إلى منظمتي شانغهاي وبريكس بعد تقديم الطلب مباشرة يدل على أن محوراً جديداً قد تشكل بين روسيا والصين، وكلاهما يدعم بقوة التعاون والصداقة مع إيران. وأي دولة غربية ترغب في التعامل مع إيران بشكل عادل ودون التدخل في شؤونها الداخلية، أبواب الجمهورية الإسلامية الإيرانية مفتوحة لها. وقد كان هذا واضحاً منذ بداية الثورة، وخاصة خلال فترة تولي وزارة الخارجية، حيث أقمنا علاقات جيدة جداً مع الدول الأوروبية الكبرى من جهة، والدول الشرقية من جهة أخرى.
/انتهى/