وأفادت وكالة مهر للأنباء، انه رأى المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية "اسماعيل بقائي" في مقال له، أن يوم تأسيس الأمم المتحدة، الذي يتزامن مع الذكرى السنوية الاولى للعدوان الصهيوني على غزة وارتكابها الابادة الجماعية هناك، هو فرصة جيدة للتأمل الصادق في حال هذه المنظمة واعرافها وقوانينها ومؤسسات الناشئة عنها.
واضاف متسائلا : من كان يظن أن من مفارقات القرن الـ 21 وبعد 79 عاما من إنشاء الأمم المتحدة، سوف يأتي كيان سيء السمعة، وهو من أوائل إنتاجات هذه المنظمة، ويتحدى بتهور وبلا مبالاة جميع مبادئها وأهدافها ويمزق وثيقتها التأسيسية كدليل على عدم الاحترام، ويصف أمينها العام بالعنصر غير المرغوب فيه وإهانته، كما انه يقتل 230 من موظفيها خلال عام ويستخدم مكان انعقاد جمعيتها العمومية لإهانة الآخرين وتهديدهم وترهيبهم!؟.. من كان يظن ايضا انه وبعد مرور أكثر من عقدين من الزمن على إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، التي من المفترض أن تضع حدا للإفلات من العقاب وتمنع ارتكاب الجرائم الدولية، يتم ارتكاب اليوم الابادة الجماعية و افظع الجرائم بحق الانسانية وتمر مرور الكرام امام الملأ وكأنها أمرا عاديا دون حساب ومساءلة!؟
وعن جريمة تفجير أجهزة اتصال "البيجر" في لبنان، رأى بقائي بان، تحويل تكنولوجيا التواصل بين البشر إلى أداة وفخ للقتل، وبقدر ما كانت مؤامرة شريرة وغير أخلاقية ولا يمكن الدفاع عنها، فإنها تعتبر بدعة خطيرة للغاية في قاموس الحرب والعداوة.
واردف : خلال العام الماضي، اكتشف العالم أن القسوة عندما تقترن بالنرجسية العنصرية والتفوق الأيديولوجي، تنتج تعطشا لانهائي للقتل والحرق والتدمير، وتخلق موهبة غريبة في تبرير القسوة، مضيفا بان عمق المأساة الإنسانية ومدى العدوان واستمراريته، لم يوسع فقط حدود افتراس الإنسان الى مستوى غير مسبوق في تاريخ القسوة الإنسانية، بل كشف مظاهر جديدة للإبداع الإنساني والمبادرة الشيطانية لقتل إخوانه من بني البشر ... وفي نفس الوقت احدثت تحولا دلاليا وأوجدت وجها جديدا وعاريا لذلك المفهوم الخطابي الذي شكله قلب الواقع كحضارة إنسانية أو بالأحرى الحضارة الغربية في عقول وأفكار أمم العالم، مشيرا الى ان الحضارة التي تم الكشف عنها أكثر من أي وقت مضى هي حضارة مخادعة وعنصرية ومتعجرفة للغاية، وموجهة نحو الربح وتسعى الى تحقيق الذات و تبرر القمع، وتتجنب الإنصاف والعدالة، وخاضعة للأقوياء وعنيفة تجاه المضطهدين.
واضاف المتحدث باسم الخارجية : عليه فقد اظهر هذا العام بالذات، ان صدق المطالبين بحقوق الإنسان في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية قد اصبح موضع شك أكثر من أي وقت آخر، وأصبحت أصالة نظرتهم النفعية لحقوق الإنسان أكثر وضوحاً. وبالتالي فان تصريح الفيلسوف الألماني الشهير يورغن هابرماس الذي عرف منذ زمن طويل بأنه فيلسوف الأخلاق والسلام والتسامح، الذي يدعم فيه وبكل وضوح الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الاسرائيلي في فلسطسن لم يترك مجالا للشك في هذا الصدد لانه انعكاس للانحدار الأخلاقي للغرب و يتماشى تماما مع ويبرر سياسات الحكومة الألمانية لدعم الكيان الإسرائيلي ومشاركتها عمليا بالاسلحة والمال والسياسة في قتل الفلسطينيين.
وتابع، ان العالم مدين بتحرره واستيقاظه في هذا العام بالذات من ثبات الفلسفة العرقية- الأوروبية لمعاناة الشعب الفلسطيني الذي كشف ببطولاته وتضحياته عن الهمجية التي تقوم عليها الحضارة الغربية، وبيّن بأن صلاحية منظومة الأمم المتحدة برمتها، وهيكلها ومؤسساتها وأنظمتها وقواعدها ومعاييرها التي انبثقت عنها اصبحت موضع شك بطريقة غير مسبوقة ... وبالتالي فإن وظيفة الأمم المتحدة ومكانتها كمنظمة تقوم على مجموعة من المبادئ والأهداف السامية لإحياء الحضارة المفقودة بسبب الحربين العالميتين، واللتين لم يكن لهما مسبب غير الغرب، قد اصبح نظامها القانوني الدولي الناشئ عن ميثاق الأمم المتحدة يعاني من تآكل غير مسبوق وجعله بموضع تساؤل كبير.
وكتب بقائي :
علاوة على ذلك، وبكل وقاحة ومن مقر الامم المتحدة أعلن رئيس وزراء الكيان الصهيوني قراره باللجوء الى القوة وإبادة الفلسطينيين والعدوان على لبنان في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهدد حكومات المنطقة باستخدام القوة والإرهاب؛ كما قام الكيان الصهيوني بحظر أنشطة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا) في الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل كامل وهو ما يعني حرمان الشعب الفلسطيني من الإمكانية الوحيدة للتمتع بأبسط حقوق الإنسان.
في السابق وفي وقت من الاوقات، كان تحقيق المبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة يعتبر بمثابة أهداف سامية، اما الان، وبعد عام من الانتهاكات الصارخة والمستمرة لهذه المبادئ، دون أدنى عواقب على نظام الاحتلال الاسرائيلي فان هذه المبادىء لا تبدو أكثر من مجرد مجموعة من التمنيات التي لا يمكن تحقيقها، لان ركائز الحقوق السامية والقوية التي تحكم إدارة الصراعات المسلحة تحطمت مع سقوط كل صاروخ وقنبلة على مستشفى ومركز إغاثة في غزة وبالتالي انهار جزء من سقف الحقوق الإنسانية.
وهكذا، وبسبب تقاعس أو عرقلة الحكومات المطالبة بحقوق الإنسان في الغرب خلال هذا العام فقد فشل مجلس حقوق الإنسان حتى في عقد اجتماع خاص لمناقشة حالة حقوق الإنسان في غزة، كما كان للإبادة الجماعية في غزة عواقب وخيمة على مصداقية ومكانة محكمة العدل الدولية، باعتبارها الركيزة القضائية للأمم المتحدة. وقد تجاهل الكيان الإسرائيلي بشكل متهور الأوامر المؤقتة الستة الصادرة عن محكمة العدل الدولية لمنع الإبادة الجماعية وتوفير إمكانية الوصول إلى المساعدات الإنسانية التي يحتاجها اهل غزة.
وهنا، يطرح السؤال الكبير والمؤسف نفسه، كيف لم تأمر محكمة العدل الدولية بوقف العمليات العسكرية للكيان الصهيوني على الرغم من وجود الأدلة والأسباب الكافية لحدوث الإبادة الجماعية في غزة، وبدلا من ذلك لقد طالبت ببساطة وبتعبير لطيف أن "الجنود الإسرائيليين" لا يرتكبون إبادة جماعية، أليس كذلك!؟
وكي لا نطيل البحث، ينبغي للحكومات وغيرها من الجهات الفاعلة التي تؤمن بالقانون الدولي والمؤسسات الدولية إطلاق حملة مشتركة على مستوى الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية لتنفيذ الأوامر المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية ووقف الإبادة الجماعية للفلسطينيين، ودعم قرار المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية باعتقال ومحاكمة قادة الكيان الإسرائيلي بتهمة ارتكاب جرائم المحكمة الجنائية الدولية.
وفي الوقت نفسه، ينبغي تقديم المطالب من المنظمات الدولية مثل الصليب الأحمر العالمي، ومنظمة الصحة العالمية، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، واليونسكو، وغيرها. وينبغي أن يكون واضحا لهم أن الصمت على الإبادة الجماعية في غزة مع تفسير محافظ لمفهوم الحياد ليس أخلاقيا. وايضا انه في الوضع الذي ينتشر فيه الشر في كل مكان، فإن الحياد هو في حد ذاته لامبالاة، واللامبالاة هي تواطؤ في الشر.