في الاجتماع الأخير لدول مجموعة بريكس في كازان بروسيا، قدم قادة الصين والهند وإيران وروسيا اقتراحًا لإنشاء نظام دفع جديد يُعرف باسم "جسر بريكس"، بهدف تجاوز الدولار الأمريكي. ويأتي هذا النظام كبديل للدولار الذي يعتبر حاليًا العملة المهيمنة عالميًا. منذ تأسيسها في عام 2006، تسعى مجموعة بريكس إلى مواجهة النظام الاقتصادي والمالي الذي يرتكز على الدولار.
أسباب سعي بريكس لاستبدال الدولار
يُعد هدف بريكس في تقليل الاعتماد على الدولار مرتبطًا بكونه مصدر قوة كبيرة للولايات المتحدة. فمنذ الحرب العالمية الثانية، أصبح للدولار دور دولي بارز، حيث أنه أكثر العملات استخدامًا كاحتياطي عالمي. حاليًا، يشكل الدولار حوالي ثلثي احتياطات البنوك المركزية حول العالم، وتتم معظم التبادلات التجارية الدولية باستخدامه.
تعتمد مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بشكل أساسي على الدولار في عملياتها، وتعتمد الدول عليه في شؤونها المالية، مثل سداد الديون والتجارة الدولية والاحتياطات النقدية في البنوك المركزية. هذا الاعتماد الدولي على الدولار يعزز المكانة الاقتصادية والسياسية العالمية للولايات المتحدة. عوامل مثل القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية، والنظام القانوني المستقر والمعتمد، تساهم في تعزيز مكانة الدولار، مما يجعله خيارًا مفضلًا عالميًا حتى مع انخفاض نسبي في معدلات فائدته.
لذلك، أصبحت الولايات المتحدة، بفضل هذه المزايا والقدرات التجارية الهائلة، مركزًا كبيرًا لجذب السلع والخدمات والاستثمارات من دول أخرى. ومع ذلك، رغم صعودها كقائد للنظام المالي العالمي، يبدو أن الولايات المتحدة تواجه تحديات في الحفاظ على موقعها العالمي، أحدها يتمثل في آلية مجموعة بريكس.
وفقًا للبيانات حتى عام 2019، كانت 44% من تداول العملات الأجنبية، 63% من الديون الخارجية، 59% من القروض الدولية، 62% من احتياطيات العالم من العملات، و40% من المدفوعات الدولية تتم بالدولار. كما أن الدولار استحوذ على 44% من تعاملات سوق العملات الأجنبية؛ على سبيل المثال، في عام 2017، شكّل الدولار الأمريكي أكثر من 60% من احتياطيات العملات الأجنبية، بينما كان نصيب اليورو حوالي 20% فقط.
إجراءات بريكس لاستبدال الدولار
تتيح مجموعة بريكس لأعضائها تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، مما يمكن هذا التكتل من كبح الهيمنة الأمريكية وتعزيز العلاقات بين دول الجنوب. وتهدف بريكس إلى تحقيق هذا الهدف عبر تنفيذ مبادرات اقتصادية مختلفة لتعزيز الاستقلال المالي لأعضائها:
١. إنشاء بنك تنمية جديد
تم إنشاء هذا البنك بهدف تمويل المشاريع الأساسية في دول الأعضاء بواسطة البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. ويعد هذا البنك بديلاً رئيسياً لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، مما يمكّن الدول النامية من الاستغناء عن الدولار الأمريكي كوحدة احتياطية.
٢. استخدام العملات المحلية
تسعى دول بريكس للحد من هيمنة الدولار كعملة احتياطية عالمية، ومن هذا المنطلق حاولت استخدام عملاتها المحلية في التجارة الإقليمية فيما بينها.
٣. مبادلة العملات (السواب)
يعد السواب الأداة المالية للدفاع ضد الأزمات المالية، حيث يسمح للدول التي تواجه نقصاً في السيولة بالاقتراض العملي باستخدام عملاتها. يمثل هذا العقد المالي بين دولتين اتفاقيةً لتبادل كميات معينة من العملات المختلفة بينهما. الهدف الأساسي من هذا الاتفاق هو إدارة المخاطر الناتجة عن تقلبات أسعار الصرف. وقد أبرمت دول بريكس خلال العقد الماضي عقود سواب لتسهيل التجارة والاستثمار وتجنب الاعتماد على الدولار. على سبيل المثال، وقعت البرازيل والصين في عام ٢٠١٣ اتفاقية سواب بقيمة ٣٠ مليار دولار، مما أتاح التبادل المباشر بين الريال البرازيلي واليوان الصيني دون الحاجة للدولار كوسيط، مما عزز التجارة الثنائية وخفض الاعتماد على الدولار في اقتصادات بريكس.
٤. استبدال التبادلات بالدولار بالذهب
هذا الإجراء يتعلق بعقود شراء النفط بين أعضاء بريكس. وقد قامت الصين بشراء النفط باليوان المكافئ للذهب، بينما تسعى روسيا لبيع النفط مقابل عملات أخرى، مما جعل التبادل التجاري بالذهب محط اهتمام. إضافةً إلى ذلك، تُعد الصين وروسيا وجنوب أفريقيا والبرازيل من المنتجين الرئيسيين للذهب، بينما تعتبر الصين والهند من أكبر المستهلكين له. ويساهم نظام التجارة بالذهب في تعزيز استقرار العملات المحلية لأعضاء بريكس ويعفيهم من التأثر بأسعار العملات الخارجية.
٥. إنشاء أنظمة بديلة عن نظام "سويفت"
"S.W.I.F.T" هو اختصار لـ "جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك" ويُعد شبكةً عالميةً للاتصالات المالية تُستخدم لتحويل الأموال وتبادل المعلومات المتعلقة بالمعاملات المالية بين البنوك والمؤسسات المالية في جميع أنحاء العالم، ويعتمد أساساً على الدولار الأمريكي. كل من الصين وروسيا، كعضوين رئيسيين في بريكس، قاما في السنوات ٢٠١٢ و٢٠١٨ بإنشاء أنظمة بديلة لسويفت. أطلقت الصين في عام ٢٠١٢ نظام المدفوعات المصرفية عبر الحدود (CIPS)، وتمكنت من تسجيل معاملات بلغت قيمتها نحو ١٣ تريليون دولار بحلول عام ٢٠٢١ بفضل توسعها نحو الشركاء التجاريين. كما أنشأت روسيا نظاماً بديلاً يُعرف بـ "نظام نقل الرسائل المالية" (SPFS)، وتم ربط العديد من شركائها التجاريين به بحلول عام ٢٠٢٠. ومنذ عام ٢٠٢٢، بدأت الجهود لربط هذه الأنظمة معاً وربط الأعضاء الآخرين في بريكس بها.
بوتين وآلية "جسر بريكس"
كثفت الولايات المتحدة مؤخراً من عقوباتها على إيران وروسيا والصين، مما جعل من الضروري أن يعمل أعضاء بريكس على تطوير آليات أكثر فعالية. فقد أجبرت الولايات المتحدة بعض البنوك الأجنبية على قطع ارتباطها بسويفت، ففي عام ٢٠١٨ تم قطع ارتباط إيران بسويفت، وفي عام ٢٠٢٢ جُمدت أصول لروسيا بقيمة نحو ٢٨٢ مليار دولار في الغرب وتم استبعاد بنوك روسية من النظام. وفي هذا السياق، صرّح بوتين في قمة بريكس الأخيرة قائلاً: "نحن لا نرفض الدولار أو نحاربه، ولكن إذا لم يُسمح لنا باستخدامه، فماذا نفعل؟ لذلك علينا البحث عن بدائل."
طرح بوتين في هذا الاجتماع فكرة "جسر بريكس"، وهو نظام يعتمد على العملات الرقمية بإشراف البنوك المركزية، ويسمح بتقليل زمن المعاملات من عدة أيام إلى ثوانٍ، ويخفض تكلفة المعاملات إلى حد كبير.
النتيجة
منذ تأسيس بريكس، كان استبدال النظام المالي والاقتصادي الأمريكي والغربي بآليات خاصة ببريكس أحد أولويات الكتلة. ولكن مع زيادة الولايات المتحدة في استخدام نظام العقوبات ضد خصومها مثل إيران وروسيا والصين، اتجهت هذه الدول، بالإضافة إلى مبادرات بريكس السابقة واستخدام العملات المحلية في التبادلات الثنائية، إلى الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لتحقيق هذا الهدف.
/انتهی/