وكالة مهر للأنباء - قسم الشؤون الدولية : قتل المدنيين والأطفال في المجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة بات أمرًا غير مسبوق في تاريخ الحروب الحديثة. ففي الـ72 ساعة الماضية وحدها، نفذت قوات الاحتلال خمس مجازر استهدفت عائلات فلسطينية في قطاع غزة، وأسفرت هذه الهجمات عن استشهاد 96 شخصًا وإصابة 277 آخرين بجروح.
كما ارتفع عدد المدارس والملاجئ التي تؤوي النازحين الفلسطينيين، والتي استهدفتها قوات الاحتلال منذ بداية العدوان على غزة، ليصل إلى أكثر من 172 مدرسة ومأوى، من بينها 152 مدرسة كانت تأوي نازحين. وقد تجاوز عدد الشهداء في هذه المجازر 42 ألف شخص.
تتوالى المجازر في ظل استمرار العدوان، حيث لا يمكن للمدنيين إيجاد مأوى يحميهم من القصف، ما يفاقم من معاناة أهل غزة ويزيد من حجم المأساة الإنسانية التي يعيشونها.
رغم الإدانات العالمية ومطالبات المنظمات الدولية وجماعات حقوق الإنسان، لم يتوقف الكيان الصهيوني عن ارتكاب جرائمه الوحشية وغير الإنسانية التي تنشر الرعب والخوف بين سكان غزة.
خلال الأربعمائة يوم الأخيرة، تلقت تل أبيب مساعدات عسكرية بمليارات الدولارات من الولايات المتحدة، ووفقًا لوزارة الحرب الإسرائيلية، تضمنت هذه المساعدات أسطولًا جديدًا من طائرات إف-35 المقاتلة، ودبابات، ومحركات للمركبات المدرعة، ومركبات قتالية، وآلاف الأطنان من المعدات العسكرية الأخرى.
في هذا التقرير، نلقي نظرة على أبرز المجازر التي ارتُكبت منذ 7 أكتوبر 2023، حيث نستعرض تفاصيلها بالتفصيل:
مستشفى المعمداني وأكبر جريمة حرب في القرن:
في 17 أكتوبر 2023، بعد عشرة أيام من 7 أكتوبر 2023، شن الكيان الصهيوني هجومًا جويًا على جرحى ولاجئين فلسطينيين كانوا قد لجأوا إلى مستشفى المعمداني أو الأهلي العربي في غزة. استخدم جيش الاحتلال في هذا الهجوم قنبلة MK-84 أمريكية، مما أسفر عن مقتل أكثر من ألف شخص من المدنيين، وأغرق غزة في بحر من الدماء. وصفت هذه الجريمة الصهيونية بأنها أكبر جريمة حرب في القرن الحالي. ووفقًا للمتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، كان معظم الضحايا من النساء والأطفال.
عقب قصف المستشفى، عقد أحد الأطباء العاملين هناك مؤتمرًا صحفيًا وسط جثث الشهداء في ساحة المستشفى، واعتبر هذه الجريمة "مجزرة". انتشرت صور لهذا المؤتمر على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث علق المستخدمون قائلين: "لأول مرة في التاريخ، غزة تشهد مؤتمرًا صحفيًا بين جثث الشهداء."
وصفت وسائل الإعلام هذه المجزرة بأنها "إبادة جماعية"، و"هولوكوست حقيقي"، و"جريمة حرب". وأشارت إلى أن الولايات المتحدة والمسؤولين الأوروبيين يتحملون المسؤولية الكبرى عن هذا الهولوكوست الحقيقي من خلال دعمهم المتنوع لهذا الكيان الدموي.
وكانت حماس قد أطلقت عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر، بهدف تحرير فلسطين ومنع استمرار الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، وهي عملية غير مسبوقة كبدت الكيان الصهيوني المزيف هزيمة شاملة غير قابلة للتعويض. وجاء هجوم الصهاينة على مستشفى المعمداني كرد فعل على هذه العملية. وقد وصفت وكالة رويترز الهجوم على مستشفى المعمداني بأنه "أكثر الهجمات دموية" في سياق الانتقام الذي شنه الاحتلال ردًا على عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها حماس.
في البداية، تحملت الجهات الصهيونية مسؤولية الهجوم على المستشفى. حيث كتب حنانيا نفتالي، المتحدث باسم الإعلام الرقمي لجيش الاحتلال، في تغريدة على تويتر: "سلاح الجو الإسرائيلي استهدف قاعدة تابعة لحماس في أحد مستشفيات غزة." وقد حذف نفتالي هذه التغريدة، إلا أن قناة الجزيرة نشرت صورة لها.
في ظل غياب أي سلاح لدى الفلسطينيين يمتلك قوة تدميرية كتلك المستخدمة في الهجوم، ومع تاريخ الصهاينة في التضليل وتحميل الآخرين المسؤولية، ادعت السلطات الصهيونية والأمريكية أن الانفجار في المستشفى نجم عن صاروخ أطلقته حركة الجهاد الإسلامي بصورة خاطئة. وقد نفت حركة الجهاد الإسلامي هذه الادعاءات واعتبرت نفي الاحتلال المسؤولية تهربًا من الاعتراف بهذه الجريمة، مؤكدةً أن الاحتلال سبق أن هدد هذا المستشفى وغيره من مستشفيات غزة بالإخلاء والقصف، وأن تناقض رواياتهم حول هذه المجزرة يثبت كذبهم.
نقل عن مراسل قناة بي بي سي أن شدة الانفجار تجعل من الصعب تصديق أن الصاروخ ليس إسرائيليًا. كما عرضت قناة الجزيرة القطرية مقطعًا وثائقيًا يوثق لحظة استهداف المستشفى من قبل قوات الاحتلال، مما يفند ادعاءات جيش الاحتلال حول إطلاق صاروخ من قبل حركة الجهاد الإسلامي.
مذبحة الطحين، الهجوم على الفلسطينيين بانتظار المساعدات الإنسانية في ميدان الكويت بغزة:
استهدفت قوات الاحتلال الصهيوني الفلسطينيين الذين تجمعوا في ميدان النابلسي بمدينة غزة، حيث كانوا بانتظار وصول شاحنات المساعدات الإنسانية إلى القطاع. وأسفر الهجوم عن مقتل سبعة فلسطينيين بالقرب من قافلة المساعدات شمال غزة، وإصابة أكثر من عشرين آخرين بجروح.
حملت حركة حماس القوات الصهيونية مسؤولية هذا الهجوم، مؤكدة أن قوات الاحتلال أطلقت النار على الحشود الفلسطينية. من جانبها، زعمت قوات جيش الاحتلال أن معظم الإصابات نتجت عن التدافع بين الفلسطينيين، وليس بسبب إطلاق النار.
بدورها، أعلنت السلطات الصحية في غزة أن حصيلة الضحايا جراء هذا الهجوم ارتفعت إلى 104 قتلى على الأقل، في تأكيدٍ على حجم المأساة الإنسانية التي نتجت عن هذا الاعتداء.
مخيم جباليا لم يعد صالحاً للعيش
يُعد مخيم جباليا واحداً من أكبر المخيمات بين ثمانية مخيمات في قطاع غزة، ويقع في شمال منطقة جباليا. بعد اجتياح الصهاينة عام 1948، لجأ إلى هذا المخيم اللاجئون الذين فرّوا من القرى والمناطق الواقعة جنوب فلسطين المحتلة هرباً من قوات الاحتلال الصهيوني، واستقروا فيه.
قبل الهجوم الأخير لجيش الاحتلال، كان يقطن المخيم أكثر من 116 ألف لاجئ يعيشون في مساحة ضيقة. قبل هذا الهجوم، كانت توجد في المخيم عدة مرافق تابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، بما في ذلك 16 مدرسة ومركز لتوزيع الغذاء، وثلاثة مراكز طبية، ومكاتب لتقديم المساعدات، إلى جانب آبار المياه. إلا أن هذه المرافق تعرضت للدمار الكامل جراء الهجمات.
استهدفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي مدرسة "أبو عربيات" التابعة لوكالة الأونروا في مخيم النصيرات وسط غزة، حيث لجأ إليها عدد من اللاجئين الفلسطينيين، وأسفر الهجوم عن استشهاد 12 مدنياً وإصابة عشرات آخرين بجروح.
استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي في مخيم جباليا للاجئين شمال غزة المباني السكنية والمرافق العامة، بما في ذلك المدارس والمنشآت التابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
وقد أدت هذه الهجمات إلى تهجير المزيد من السكان داخل الأراضي الفلسطينية، حيث تم دفع جميع سكان مخيم جباليا نحو غرب مدينة غزة.
وكشفت الأونروا عن تدمير أو إلحاق أضرار جسيمة بأكثر من 170 منشأة تابعة لها في مختلف أنحاء قطاع غزة. وجاء في بيان للأونروا: "أضرمت القوات الإسرائيلية النار في خيام اللاجئين داخل إحدى المدارس التابعة للوكالة في مخيم جباليا". وذكر البيان أن اللاجئين، بمن فيهم الأطفال، الذين لجأوا إلى مدارس الأونروا، تعرضوا للحصار والقصف من قبل الدبابات الإسرائيلية في المخيم، مما أسفر عن استشهاد عدد منهم.
منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، تعرّضت أكثر من 174 منشأة تابعة للأونروا لأضرار جسيمة جراء الهجمات، حيث قتل ما لا يقل عن 450 لاجئاً وأصيب 1472 آخرون داخل هذه المنشآت، وفقاً لتصريحات الأونروا.
وفيما يتعلق بالهجمات التي استهدفت جباليا ومخيمها في شمال غزة، تسببت اعتداءات الاحتلال في استشهاد وإصابة العديد من الفلسطينيين، ولم تسلم من القصف المدارس والمستشفيات وحتى آبار المياه.
محمد المصري، فلسطيني يبلغ من العمر 27 عاماً، قال: "كل شيء مدمر، وملامح المخيم قد تغيرت تماماً. لقد دمّر الاحتلال كل شيء، حتى المدارس وآبار المياه، ولم يعد هذا المكان صالحاً للعيش. لقد أصبحت المنطقة غير قابلة للحياة، لكننا سنعيد بناء المخيم؛ فهو لا بديل له".
وصف محمود بصل، المتحدث باسم وحدة الدفاع المدني في قطاع غزة، مخيم جباليا بأنه "منطقة منكوبة"، مشيرًا إلى انتشال أكثر من سبعين شهيدًا من تحت الأنقاض في المخيم حتى الآن، ومعظمهم من النساء والأطفال. وأكد أن فرق الإنقاذ تواصل عمليات البحث عن جثامين الشهداء وإخراجها من تحت الركام.
وأضاف بصل أن قوات الاحتلال دمّرت البنية التحتية في جباليا وضواحيها، بما في ذلك شبكات المياه والصرف الصحي، والكهرباء، والمدارس، والمراكز الصحية، وعشرات المنازل. كما تم تدمير المولدات الرئيسية في مستشفى كمال عدوان شمال غزة، وقصف طابق كامل من مستشفى "العودة" في جباليا.
كما أفادت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بحجم الدمار الذي خلّفه جيش الاحتلال الإسرائيلي، مشيرة في بيان لها: "لقد قتل الجيش الإسرائيلي لاجئين، بينهم أطفال، في مدارس الأونروا، وقام بإضرام النيران في الخيام التي لجأ إليها الأفراد في مدارسنا. كما تعرض أكثر من 170 مبنى تابع للأونروا في جميع أنحاء غزة للتدمير والخراب". واختتمت الوكالة بيانها بمطالبة بوقف الاعتداءات على مكاتبها ومعاقبة مرتكبي هذه الجرائم.
مخيم النصيرات
شنّ جيش الاحتلال الصهيوني هجومًا جويًا على مخيم النصيرات للاجئين بذريعة محاولة إنقاذ أربعة أسرى صهاينة. أسفرت هذه العملية عن استشهاد 274 شخصًا، بينهم مدنيون وأطفال، إضافة إلى إصابة أكثر من 400 آخرين بجروح.
نُفّذت العملية بالتنسيق بين جهاز الشاباك (جهاز الأمن الداخلي التابع للكيان الصهيوني)، وجيش الاحتلال، وأعضاء من وحدة خاصة لمكافحة الإرهاب تُعرف باسم "يمام".
وقد تظاهر بعض عناصر القوات الخاصة الصهيونية عند دخولهم إلى المباني التي يُعتقد أنها تحتوي على الرهائن بارتداء "ملابس لاجئين فلسطينيين مشرّدين وبحاجة إلى مأوى" أو بزيّ "أفراد من الجناح العسكري لحركة حماس"، في محاولة للتمويه خلال تنفيذ العملية.
مجزرة مواصي خان يونس ومحاولة اغتيال محمد الضيف
استهدفت مدفعية وطائرات بدون طيار تابعة للكيان الصهيوني مكان إقامة اللاجئين في منطقة مواصي غرب خان يونس بهدف اغتيال محمد الضيف، في منطقة تضم 80 ألف لاجئ فلسطيني، ولا تتوفر فيها أي مستشفيات لاستقبال الشهداء والجرحى.
وادعت وسائل الإعلام الصهيونية أن الهجوم على خان يونس كان يستهدف "محمد الضيف"، قائد كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس. غير أن حركة حماس نفت هذا الادعاء، مؤكدةً أن جميع شهداء مجزرة مواصي خان يونس هم من المدنيين.
وأشار الاحتلال الصهيوني إلى أن التخطيط لهذه العملية واغتيال قادة القسام كان معدًا منذ فترة طويلة، وأن الهجوم جرى استنادًا إلى معلومات استخبارية دقيقة قدمها جهاز الشاباك وقيادة الجيش في المنطقة الجنوبية.
من جانبه، زعم رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو وجود "أدلة هامة تشير إلى نجاح عملية اغتيال الضيف"، لكنه أضاف: "لن أقول شيئًا عن هذا الموضوع حتى تتوفر لدينا معلومات إضافية".
وفي المقابل، نفت حركة حماس مقتل الضيف في هذا الهجوم، مؤكدةً: "الضيف على قيد الحياة، يستمع إلى تصريحات رئيس وزراء الكيان المزيف، ويضحك من أكاذيبه وادعاءاته الباطلة."
قصف مدرسة التابعين بقنابل أمريكية
استهدفت قوات الاحتلال الصهيوني مدرسة التابعين في حي الدرج، التي كان يقطن فيها 24 ألف فلسطيني، بثلاث قنابل أمريكية من طراز "MK84"، التي تزن أكثر من 2000 رطل (حوالي 1000 كيلوغرام) وتصل درجة حرارتها إلى 7000 درجة مئوية، وذلك أثناء صلاة الفجر.
وفقًا لشهادات شهود العيان، تم استهداف قاعة الصلاة في المدرسة بثلاثة صواريخ مباشرة، مما أدى إلى تفتيت جثث الشهداء، حيث تفرق بعضهم نتيجة شدة الانفجار داخل قاعة الصلاة، بينما تشتت البعض الآخر في ساحة المدرسة. كما نشبت النيران في المكان بعد الهجوم، مما يبرهن على أنه كان جريمة مروعة.
من جانبها، أصدرت قوات الاحتلال بيانًا ادعت فيه أن "مركز قيادة وتحكم تابع لحركة حماس داخل المدرسة كان يستخدم كمخبأ لقيادات الحركة، حيث كانوا يخططون فيه لشن هجمات متعددة ضد إسرائيل".
وفي تصريحات لفضل نعيم، رئيس مستشفى المعمداني في غزة، قال: "أغلب جرحى الهجوم على مدرسة التابعين يعانون من بتر للأطراف وحروق شديدة من الدرجة الثانية والثالثة، ومن المحتمل أن يرتفع عدد الشهداء بسبب حالة الجرحى الحرجة".
وقد اعتبر رئيس مستشفى المعمداني الهجوم على المستشفى من أشد المجازر التي شهدتها غزة منذ بداية الحرب، مشيرًا إلى صعوبة التعرف على شهداء هذا الهجوم، حيث تم تحديد هوية 70 شهيدًا حتى الآن، بينما لا يمكن التعرف على باقي الشهداء بسبب التدمير الكبير.
خنجر في قلب المسلمين
جرائم النظام الصهيوني التي وصفها الإمام الخميني (ره) بأنها "خنجر في قلب المسلمين" لا تتوقف. إن استهداف الأطفال بشكل مباشر من قبل النظام الصهيوني المؤقت يميز هذا النظام المزيف عن جميع مجرمي التاريخ. في معظم الحروب التاريخية، نرى أنه يتم تجنب استهداف الأطفال، لكن في المعركة غير المتكافئة، حيث يخطو المحتل ضد الشعب الفلسطيني، يُستهدف الأطفال أيضًا.
تسعى أمريكا والقوى الاستعمارية، من خلال دعمها للنظام الصهيوني وإجراءات هذا النظام غير الإنسانية، إلى جعل قضية فلسطين تُنسى، وهم في غفلة عن أن فلسطين ليست قضية يمكن نسيانها.
/انتهى/