وكالة مهر للأنباء- قسم الشؤون الدولية: أصدرت المحكمة الجنائية الدولية (محكمة لاهاي) أمر اعتقال بحق رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك استخدام الجوع كسلاح ضد سكان غزة.
وفي الوقت نفسه، يجري النظر في شكوى مقدمة من جنوب إفريقيا إلى محكمة العدل الدولية (ICJ) بتهمة انتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية، وقد صدرت عدة قرارات مؤقتة حتى الآن، إلا أن الحكم النهائي لم يصدر بعد.
وقد رد المسؤولون الإسرائيليون بغضب شديد على هذا القرار، وشنت إسرائيل هجوما شرسا ضد المحكمة الدولية والمؤسسات الدولية الأخرى، متهمة إياها بمعاداة السامية.
ورغم أن هذا الحكم جاء متأخرًا بعد 14 شهرًا من الإبادة الجماعية غير المسبوقة في غزة إلا أنه يُعد أول أمر اعتقال دولي ضد مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى، وهو أمر ذو أهمية بالغة على عدة مستويات.
مقارنةً بعشرات القرارات والأحكام الدولية غير المنفذة بشأن احتلال الأراضي الفلسطينية وقضايا أخرى كجدار الفصل، يمكن اعتبار هذا الحكم المتأخر، وما تضمنه من اتهامات غير مسبوقة وجسيمة ضد قادة إسرائيل، بمثابة "عاصفة وضربة قانونية" لصورة إسرائيل على المستوى الدولي ودافع قوي لتغيير في النظرة العالمية تجاهها.
في الواقع، يمثل هذا الحكم محاكمة عالمية لنتنياهو وصعود صورة فلسطين على الساحة الدولية، وانهيار الصورة التي بنتها إسرائيل لنفسها على مدى أكثر من سبعة عقود، وهي التستر والتعتيم على الاحتلال والاعتداء المستمر على حقوق شعب آخر.
لطالما اعتمدت إسرائيل على أدوات قوية مثل النفوذ المالي والإعلامي، وعلاقاتها التاريخية مع مراكز القوى العالمية، وتقديم نفسها كالنظام الديمقراطي الوحيد المتطور ذي الطابع الغربي في منطقة الشرق الأوسط التي تعاني من الديكتاتورية ذات الطابع الشرقي. كما استخدمت تهمة "معاداة السامية" لبناء صورة "متحضرة" وأيضًا "مظلومة" عن نفسها، خاصةً في العالم الغربي، وهي صورة كان من الصعب كسرها. لكن خلال عام واحد وشهرين فقط من الحرب على غزة، ألحقت إسرائيل بنفسها أضرارًا جسيمة وغير قابلة للإصلاح في هذه الصورة، عبر فرضها لهذه الكارثة الإنسانية والإبادة الجماعية، مما أدى إلى تضرر صورتها وروايتها عالميًا بشكل غير مسبوق، خصوصًا في المجتمعات الغربية، مقابل تعزيز الرواية الفلسطينية.
إلى جانب ذلك، وضعت حرب غزة، في ظل عجز المؤسسات الدولية عن وقف هذا العنف الجامح، النظام العالمي في مواجهة تحديات أخلاقية وقانونية خطيرة. ومع ذلك، فإن حكم المحكمة الجنائية الدولية يمكن أن يعزز مصداقية ومكانة هذه المؤسسات.
كما أن هذا الحكم سيضع حلفاء إسرائيل في موقف صعب إذا استمروا في دعمها عسكريًا بعد إدانتها بارتكاب جرائم حرب، مما يجعلهم عرضة للمساءلة، ويشكل اختبارًا تاريخيًا لتنفيذ هذا الحكم والامتناع عن إرسال الأسلحة. على الأقل، لن يتمتع نتنياهو بحرية السفر قانونيًا إلى أكثر من 120 دولة عضو في المحكمة، وسيكون علينا أن نرى عدد هذه الدول التي ستلتزم بذلك.
هذا ووصف جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الحكم بأنه "ملزم"، وقد رحبت معظم الدول الأوروبية به حتى الآن. والواقع أن الدفاع عن إسرائيل أصبح بعد هذا الحكم أكثر صعوبة بالنسبة لحلفائها وجماعات الضغط المؤيدة لها.
ولا بد من الإشارة إلى أن نتنياهو وغالانت يمكنهما، بعد تسليم نفسيهما للمحكمة، المثول أمامها للدفاع عن نفسيهما، أو قد تقوم المحكمة العليا الإسرائيلية بالتحقيق معهما ومحاكمتهما بتهمة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. ولكن من غير المرجح على الإطلاق أن يحدث أي من الأمرين.
/انتهى/