وكالة مهر للأنباء_ وردة سعد: أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت، وانقسم العالم بين مؤيد لهذا القرار ومعارض، ولكن الواضح ان الكيان الصهيوني اصبح معزولا على صعيد السياسة الدولية اكثر من أي وقت مضى، وتمّت تعريته وفضح الاكاذيب التي كان يدّعيها بأنه الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وغيرها من الأكاذيب، وتم وصمهم بالإبادة الجماعية وبمرتكبي المحرقة بحق أهل غزة ولبنان، وباتت الشعوب اليوم أكثر نضوجاً ووعياً بخطورة هذا الكيان اللقيط.
وإن لم يؤثر هذا القرار بالوقت الراهن على الكيان الصهيوني، لابد أن يكون له تداعيات كثيرة فيما بعد.
حول القرار الاخير للمحكمة الجنائية الدولية بحق المجرمين نتنياهو وغالانت، أجرت مراسلتنا، الأستاذة وردة سعد، حواراً صحفياً مع، أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية، الدكتورة هالة أبو حمدان، وجاء نص الحوار على النحو التالي:
واخيرا اصدرت المحكمة الجنائية الدولية قرارها واتهمت نتنياهو رئيس حكومة الكيان الصهيوني وغالانت وزير الجيش السابق بارتكاب جرائم حرب وجرائم انسانية وحرب ابادة، ما هي الدلالات السياسية والقانونية لهذ القرار الصادر عن احدى اعلى المحاكم الدولية المستقلة ؟
منذ خمسة اشهر، قام المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، السيد كريم خان، بالطلب من المحكمة بإصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوٱف غالانت، بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة. ووفقا للمادة ٥٨ من نظام روما، أو النظام الأساسي للمحكمة، وبعد فحص الأدلة المقدمة من المدعي العام، صدرت هذه المذكرات التي تتمتع بقيمة قانونية ملزمة لجميع الدول الأعضاء، المنضمّة لمعاهدة روما، والتي يفترض بها ان تنفذ قرار المحكمة فور تمكنها من ذلك.
وبما أن لهذه المحكمة، حسب المادة الأولى من نظامها، ولاية قضائية مكملة للولايات القضائية الجنائية الوطنية، وبما أن القضاء في الكيان الإسرائيلي لم يباشر بملاحقة المتهمين، بالتالي فإن مذكرة التوقيف من قبل المحكمة الجنائية تبقى سارية المفعول.
ومن الطبيعي أن يكون لمذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية أثر إيجابي على القرار الذي سيصدر عن محكمة العدل الدولية، والذي يتهم إسرائيل بالإبادة الجماعية، وأن يفتح الباب لتقديم الشكاوى، أمام ضحايا الجرائم، سواء من وقعت عليهم بصورة مباشرة، أو بصورة غير مباشرة.
كذلك، إن صدور هذه المذكرات سيفتح المجال أيضاً لرفع دعاوى ضدّ كل من شارك أو ساعد أو حرّض على ارتكاب هذه الجرائم، سواء بالأفعال أو الكلام، مثل أفراد القوات المسلحة وقادتها، وكذلك السياسيين كالوزراء الذين صرحوا بضرورة إبادة الفلسطينيين، أو تعذيبهم أو تجويعهم، أو طردهم من بيوتهم او مناطق النزوح مرات عديدة، أو من انتهك حرمة الأسرى، أو من شارك في تدمير البيوت وتخريبها، أو المؤسسات المدنية، خاصة المستشفيات والمدارس ودور العبادة، أو أي هدف مدني ٱخر. وسيفتح القرار المجال لمحاسبة من زود إسرائيل بالأسلحة خاصة الأسلحة الفتاكة والمحرّمة دوليا، أو أي مساعدات ساهمت في حصار وتجويع الفلسطينين.
سياسياً، لهذه المذكرات مؤشرات على نتائج العملية المباركة ل"طوفان الأقصى"، حيث أنه، رغم الثمن المؤلم الذي دفعه الشعب الفلسطيني في غزة، إلا أن هذه العملية قد أيقظت الرأي العام العالمي على هذا الاحتلال وعلى عدوانيته وعلى الأعمال الوحشية التي طالما مارسها ضد الشعب الفلسطيني. ويظهر قرار المحكمة للعالم الوجه البشع للقادة الصهاينة، ويزيل القناع الذي طالما حاولوا الاختباء خلفه بأن ما يقومون به هو دفاع عن النفس، وخاصة أن القرار قد تضمن الإشارة إلى وسيلة التجويع كجريمة ضد الإنسانية بعد أن تغافل الإعلام العالمي عن تغظية الجرائم التي ما زالت تمارس داخل القطاع بعد حوالي السنة والشهرين من بدء العدوان على غزة.
العديد من الدول الاوروبية خصوصا وفي العالم عموما اعربت عن تأييدها لقرار المحكمة الجنائية الدولية وتعهدت بتنفيذه الا ان الولايات المتحدة شذت عن القاعدة ودعمت المتهمين في دولة الكيان. هل ترين ان في هذا الانقسام بعدا سياسيا، وبالتالي الى اي حد يمكن المراهنة على العدالة الدولية للحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني ؟
الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية ملزمة بتنفيذ قرار المحكمة وقد عبرت أكثر من دولة حتى الٱن عن احترامها للقرار القضائي الصادر، وصرحت عن استعدادها لتنفيذه، من بينها هولندا وإيرلندا وفرنسا وبريطانيا، كما تراجعت ألمانيا عن طعنها السابق بقرار المحكمة. وللعلم فإن كل دول الاتحاد الأوروبي منضمّة لنظام روما، ما يلزمها بقرارات المحكمة، وإلقاء القبض على كل من نتنياهو وغالانت فور دخولهما أراضيها. وهذا الأمر يجب أن تلتزم به كل الدول الأعضاء في المحكمة، وعددها ١٢٤ دولة.
أما الولايات المتحدة، فهي لم تنضم الى معاهدة روما، وهي لا ترحّب بقرارات المحكمة إلا انتقائياً لأهداف سياسية. وقد سبق لها أن أعلنت عقوبات ضد أعضاء المحكمة عندما أرادت ملاحقة الجنود الأميركيين بسبب الجرائم التي ارتكبوها في العراق وأفغانستان. وقد صدر اكثر من تصريح من سياسييها يدين مذكرات التوقيف بحق المسؤولين الإسرائيليين. وبالطبع فإن "اسرائيل" تعوّل على الولايات المتحدة للضغط على المحكمة لمحاولة ثنيها عن هذه الملاحقة.
هل يمكن ان نرى نتنياهو خلف القضبان؟ وهل تراجعت مكانة الكيان وسمعته في العالم، وهل يمكن القول أن هذا مؤشر على انهيار هذا الكيان المؤقت ؟
إن صدور مذكرات التوقيف من قبل قضاة المحكمة الجنائية الدولية ضد مسؤولين إسرائيليين، يشكل سابقة من نوعها، ويبشر بالخير فيما يتعلق بمحاسبة ومعاقبة قادة إسرائيل، الدولة الخارجة عن القانون الدولي، منذ تأسيسها. لكن للأسف، إن مشكلة القانون الدولي هو خضوعه لسلطة الدول، وبالتالي لا يمكن تنفيذ قرارات المحاكم الدولية ما لم يتخذ قرار بالتنفيذ في مجلس الأمن الذي نعرف جميعاً أنه سيقف عاجزاً مع الحماية التي يتمتع بها الكيان الصهيوني من قبل الولايات المتحدة وحلفائها. لكن رغم ذلك نقول إنه سيكون لهذا القرار أثر إيجابي كبير على الرأي العام العالمي، وقد بدأت سمعته بالفعل بالتراجع منذ بدء ارتكاب مجازره في القطاع المنكوب، وهذه مؤشرات واضحة على سقوط سردية الصهيونية بأنهم شعب ضحية، وسردية معاداة السامية. وهذا بلا شك بداية النهاية للحماية التي يتمتع بها. فلا بدّ للشعوب أن تعي حقيقة هذا الكيان وتضغط على حكوماتها لرفع الغطاء عن ارتكابات الكيان.
/انتهى/