وأفادت وكالة مهر للأنباء، بينما تمر أكثر من ست سنوات على قرار المغرب أحادي الجانب بقطع العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، يبدو أن العلاقات بين البلدين تدخل فصلاً جديداً، بالنظر لما ورد من تكهنات في الإعلام المغربي في الأيام الأخيرة. ورغم استخدام الإعلام المغربي تعابير إيجابية مثل "ذوبان الجليد بين إيران والمغرب" لكنه اعتمد في الوقت نفسه افتراضات خاطئة لبناء نظرياته، مما أدى في النهاية إلى تكرار ادعاءات واتهامات فارغة سبق توجيهها ضد إيران.
ينبغي على متابعي أخبار الإعلام المغربي في الأيام الأخيرة أن يأخذوا في الاعتبار حقيقة أن السياسة الخارجية الديناميكية والفعالة للجمهورية الإسلامية الإيرانية قد تطورت طوال السنوات الماضية بشكل مستمر على أساس "إعطاء الأولوية للجيران والدول الإسلامية".
وفي هذا السياق، جرى إعادة العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية وفُتحت صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، كما تم اتخاذ خطوات إيجابية وفعالة لإستعادة العلاقات مع بعض الدول الأخرى من خلال محادثات تقوم على حسن النية والإحترام المتبادل.
إن إعادة العلاقات مع المملكة العربية السعودية، وإستئناف العلاقات مع السودان، واتخاذ خطوات جادة لإعادة العلاقات مع بعض الدول الأخرى في المنطقة إلى وضعها الطبيعي، ما هو إلا جزء من توجه السياسة الخارجية الإيجابي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في السنوات الماضية.
وإذا أضفنا إلی ذلك تحسين العلاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة وفتح سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في طرابلس ورفع مستوى العلاقات مع ليبيا وموريتانيا مما أدى إلى إيفادهما سفيريهما إلى طهران، فإننا سننظر بلا شك في توجه السياسة الخارجية الإيرانية في ظل "خفض التصعيد" و"تعزيز العلاقات والتکامل" من منطلق تعزيز الوحدة في العالم الإسلامي.
ويأتي هذا في ظل الظروف التي أكدت فيها الجمهورية الإسلامية الإيرانية دائمًا على المصالح الجماعية، فضلا عن تأكيدها على أولوية التعاون مع جيرانها والدول الإسلامية كما أنها لم تحدد إعادة العلاقات مع دولة ما بمعنى إضعاف العلاقات مع دولة أخرى. وفضلاً عن ذلك، لم تكن السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية خلال هذه السنوات قائمة على "التبعية" على الإطلاق بل كانت مستقلة ومرتكزة على مبادئ العزة والحكمة والمصلحة وتراعي مصالح بلدان المنطقة والعالم الإسلامي وصمّمت بطريقة لا تتأثر بتبدل الحكومات.
وأحد "الأخطاء الإدراكية" لدى الإعلام المغربي تجاهل هذا المبدأ في السياسة الخارجية الإيرانية. أما المفهوم الآخر الذي تم تجاهله في تقارير بعض وسائل الإعلام المغربية فهو الصبر الإستراتيجي الإيراني، وهو ما يُشبَّه في العالم العربي بنسج السجاد الإيراني الذي يتطلب صبراً وبراعة ودقة كبيرة. وعليه لن تخل الإتهامات التي تُطلق ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية في طريقها نحو حماية وتعزيز واستعادة علاقاتها مع الدول الإسلامية بصبرها الإستراتيجي لتحقيق أهداف استراتيجية تنبثق من المبدأ المذكور والمصالح الجماعية للأمة الإسلامية.
لقد قطع المغرب علاقاته بالجمهورية الإسلامية الإيرانية ثلاث مرات بشكل أحادي الجانب وفي كل مرة قدمت الجمهورية الإسلامية الإيرانية الإجابات اللازمة على الإتهامات والأسباب التي طرحها الجانب المغربي، واعتقدت أن قرار المغرب في هذا الصدد يستند إلى أسباب غير مقنعة لا يمكن تفسيرها إلا من منظور اعتبار قطع العلاقات ذا طبيعة سياسية وناجماً عن إرادة سياسية لأسباب متنوعة؛ فضلاً عن ذلك، وكما أكد المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية الإيرانية، فإن "الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تكن أبداً من أقدمت على قطع العلاقات مع المغرب".
وفي تقارير وسائل الإعلام المغربیة، ومع تكرار الإتهامات، فإن إعادة العلاقات مشروطة بتغيير سلوك ایران في بعض المجالات، على الرغم من أن هذه الإتهامات لم تثبَت قط. إن إحياء العلاقات هو طریق ذو اتجاهين في إطار فهم مشترك، ويتطلب محادثات معقدة وصعبة يقوم من خلالها الطرفان بإبلاغ بعضهما البعض بشروطهما وآرائهما لبدء فصل جديد من العلاقات.
في هذه الحالة، للطرفين حق متساوٍ في وضع الشروط؛ خاصة إذا كان الموقف السابق والرسمي لأحد الطرفين ــــــــ وهو ما لا يحتاج إلى إثبات ــــــــ قد انتهك السيادة الإقليمية للطرف الآخر!
لذلك، رغم ترحيب إيران بإعادة العلاقات مع الدول الإسلامية الأخرى في إطار مبادئها وأهدافها الإستراتيجية إلا أن الخطأ الكبير الذي يقع فيه إعلام الطرف الآخر هو تفسير هذا الترحیب على أنه ضعف أو عزلة أو ناجم عن التبعية في القرارات.
إن استئناف العلاقات يندرج ضمن إطار التفاعلات الثنائية والمصالح الجماعية في المنطقة والعالم الإسلامي، والحفاظ على هذه المصالح وحماية قيم مثل القضية الفلسطينية ودعم الحق المشروع لدول المنطقة في مواجهة الإحتلال الصهيوني هو ثمرة يمكن الحصول عليها عبر تعزيز العلاقات الجماعية.
إذن، فإن عودة العلاقات بين البلدين ليست مساراً في اتجاه واحد، بل تعتمد على الإرادة المتبادلة. لقد أظهرت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أنه رغم ترحيبها بعودة العلاقات واستجابتها لــــ «الضوء الأخضر» من الطرف الآخر، لكنها تنبه الآخر إلى أخطائه الإدراكية وتعتبر تصحيحها ضرورياً للتفاهم المتبادل.
إن إعادة العلاقات مع الدول المجاورة والإسلامية التي قطعت علاقاتها مع إيران في أوقات سابقة والحفاظ على العلاقات وتعزيزها وتوطيدها مع الدول الصديقة التي اتسمت تعاملها بحسن النية في مختلف المراحل، هو مبدأ ترى إيران أنه يخدم تقوية المنطقة والعالم الإسلامي، وتتابعه.
/ انتهى/